#عزيز الحاج#
قالوا
الكلمة الأخيرة ليست هي التي نعتقدها.- الفيلسوف الفرنسي جان فرانسوا ريفيل
لا يمكن حل مشكلة ما بنفس طريقة التفكير التي تسببت بالمشكلة.- آينشتاين
****
وقال برنارد شو: السلطة لا تفسد الرجال إنما الأغبياء، إن وضعوا في السلطة، أفسدوها
تعلمتُ ألا أتصارع مع خنزير أبدا لأنني سأتسخ أولا، ولأنه سيسعد بذلك.
سامحه فهو يعتقد أن عادات قبيلته قوانين طبيعية
القاعدة الذهبية هي أنه لا توجد قواعد ذهبية.
الصمت هو أفضل تعبير عن الاحتقار.
****
وقال الإمام علي [ع]: من نصب نفسه للناس إماما، فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه.
****
وقال الباحث الفرنسي ألان سيمون: العلمانية تستهدف أن تبني في الإنسان- في إطار تكوينه الفكري والأخلاقي الدائم- روح النقد، والشعور بالتضامن والإخاء.
****
وقال أخرون:كلنا كالقمر له جانب مظلم.. و قوة الحرية تقهر الطغيان....و من يعامَلون بالشر يردون بالشر.
نقطة ضوء [مدخل]
في الأول من تموز – يوليو- 2011 بلغت الخامسة والثمانين عمرا.
إنها رحلة طويلة كانت مضنية، حافلة بالأحداث، العامة، العراقية والعربية والإقليمية والدولية، وكذلك بأحداث وتطورات شخصية، لم تخل من حماقات ومنزلقات، ومن مهاترات، وصراعات عقيمة، ومن إساءات لآخرين ومن رد متشنج على إساءات.
في-01-07- 1926 ولدت، في الكاظمية، لأشب، وأدرس، وأتخرج، وأمارس السياسية الحزبية اليسارية على ضفاف دجلة بغداد، ثم اختطافي لما وراء الأسوار لعشر سنوات.
وفي مدخل تموز2011، تضاعفت عندي فكرة استعراض عدد من تلك الأحداث المفصلية، ومواقف جيلي منها، وكانت، طبعا، مواقف متضاربة، سأحاول أن أشخص، جهد الإمكان، كيف تطورت، لاحقا، نظرات بعضنا للأحداث، في حين بقي آخرون على تصلب النظرة وعناد التقييم. وحين أستخدم عبارة تضاعفت، فلأن هذه ليست المرة الأولى التي أعيد فيها النظر في هذه المواقف والآراء أو تلك، ولكنني هنا أرمي لتسجيل ما يجمع بينها ويوحد، و بكل تركيز.
إن هذه الصفحات ليست سيرة ذاتية، سياسية وشخصية، فقد كتبت في ذلك كتبا منها [ ذاكرة النخيل، ومع الأعوام في طبعتين، وماذا حدث بين النهرين، وبغداد ذلك الزمان، وكتابي الأخير في تلخيص للتجربة، وأعني كتاب شهادة للتاريخ، وغيرها]. كما نشرت دراسات فيها، وأجريت مقابلات صحفية عدة، منها ما هو موجود على: الفيسك بوك واليوتيوب.
هذه الصفحات محاولة لرصد التطور الفكري من أحداث أراها مفصلية في تاريخ العراق خاصة، وتاريخ المنطقة والعالم عامة، وتبدل المواقف، وكيف، ولماذا حدث ذلك التبدل، وما تجربتي الشخصية في هذا الشأن غير نموذج من النماذج التي تميز أبناء جيلي ممن اشتغلوا في الأحداث نفسها، سواء من بقي منهم على قيد الحياة، أو من رحلوا عنا.
إن من المؤلم القول إن ثقافتنا السياسية العراقية، بل والثقافة السياسية العربية عموما، تعاني من التصلب، وعدم المرونة، والخوف من إعادة النظر في مواقف سابقة، وإلقاء المسئولية على الآخرين وحدهم، ولحد توجيه الاتهامات الجارحة. وهناك ممارسة تهم القذف واختلاق كل ما يشوه سمعة الآخر، ومحاولة وضع الآخر في القفص والطلب منه تبرئة نفسه من كل تهمة مختلقة [أدينك بعشرات التهم وأنت برهن على كونك بريئا، وليس العكس، أي أن على المتهِم هو البرهنة على اتهاماته] وهذا – أي القذف للتشهير- هو ما يفعله عادة المتطفلون على السياسة أو الثقافة، الساعون للشهرة بمهاجمة الآخر المشهور باستمرار، وبلا مناسبة. وهذا النمط الرديء لا يحتاج لوقفة منا، وإنما ما نعنيه في هذه الصفحات هي ثقافة رجالات السياسة، ومنهم مخلصون، ومنهم من قد كانوا ممن قدموا تضحيات غالية باسم خدمة الشعب لا متطفلين على الحركة السياسية ولكنهم يحملون ثقافة الحذر من الاعتراف بالخطأ، ولا يطيقون الحوار الهادئ من اجل التوصل،عبر تبادل الرأي، إلى قاسم مشترك، كليا كان، أو لحد معقول، وعبر الاعتراف بالخطأ وفقا لمبدأ نسبية الحقيقة. يقول الكاتب هاني نقشبندي : الحوار مع الآخر لا يصنعه قرار سياسي، بل ثقافة إنسانية وعقلية راقية. وهذا أمر نفتقده. وكيف تكون لمن لا يؤمنون بالحرية الدينية، وحرية الرأي، وحرية المرأة والتسامح؟! وكيف وفي العالم العربي حوالي 100 مليون أمي؟! وقد كانوا عام 1990 نحو 60 مليونا، معظمهم في مصر والسودان والمغرب والجزائر. وازداد العدد مع مواصلة سياسات إهمال المواطن، ومع تفاقم مشكلة زيادة النسل التي تجعل التنمية وتوفير العمل في منتهى الصعوبة، أو شبه مستحيلة.
ثقافتنا السياسية هي جزء من الثقافة العامة في المجتمعات العربية، أي تتلاقى مع الثقافة الاجتماعية المتوارثة السائدة في الشارع العربي، والملحوظ تراجع الفكر العربي عموما إلى وراء منذ عقود ليس فقط بالنسبة لمتطلبات العصر، بل وكذلك بالنسبة لما قبل عقود وعقود من السنين. وكما يكتب عادل الطريفي، فإن دعاة التخلف والتطرف والتزمت يؤثرون على عقلية الشارع أضعاف وأضعاف ما يؤثر المفكرون والمثقفون ورجال الدين المتنورون. هناك شيوخ ودعاة وقادة متشددون ومروجو عنف هم من يشكلون الرأي العام. وهناك ساسة ديماغوغيون ومزايدون ومتلاعبون بالعواطف العامة يؤثرون أضعاف تأثير الساسة المعتدلين والمثقفين العقلانيين.
إن التقييم الموضوعي المنصف لأية ظاهرة سياسية، أو نظام سياسي، أو شخصية عامة، سياسيا كان أو من البارزين في مناحي أخرى كالثقافة، يستبعد معايير إما أبيض وإما أسود، فالألوان كثيرة، وكما يعرف الرسامون، فقد يمتزج لونان متعاكسان ليلد لون آخر يختلف عن الاثنين تماما.
كتبت مرة: لعلنا في العراق سنتخلص ذات يوم من نزعات الحدية، والقطعية، والحدة، والحلم في الكمال البشري المطلق، والنقاوة الصرف، ونتحرر من منطق إما أبيض وإما أسود، وأن نحاكم أفسنا قبل محاكمة غيرنا، وأن نضع أنفسنا في محل الغير عند التقييم والحكم على الأفعال والآراء. وإن أحوج ما تحتاجه الشخصية العراقية، والعادات السياسية والاجتماعية في العراق، وكذلك في الوطن العربي، فضيلة المرونة في النظرة للأمور ومعالجتها، والواقعية في طرح المشاكل والحلول، ونبذ القطعية، ونزعات الحسم، والحدة.... ولعلنا، أو أولاد المسنين منا، سيشهدون ولادة فكر عقلاني، متسامح، مرن، ومتجدد......ولعلنا [أو أولادنا] سنشهد ولادة حركات، وتيارات، وتجمعات سياسية جديدة، يقودها هذا الفكر العقلاني، المتواضع، والمتسامح، والنير، والمتجاوز لنفسه باستمرار. [ ذاكرة النخيل الصادر في 1993 ص174 و176 ].
وبعد ذلك كتبت في حوار مع الصحفي حسن نور ما يلي:
لقد نسيت أعمال ومواقف الإساءة لي أو للعائلة، بل، ولي اليوم أصدقاء شاركوا قبل عقود في محاولات خطفي وقتلي! بالنسبة لي، فإن الجوانب الإنسانية هي الأبقى، وإن الإساءات الشخصية أو السياسية، أو الخلافات، لا تطغي على مشاعري الإنسانية، ولا أذكر من بعض المسيئين غير أيام الصفاء والود بيننا. وهذا هو موقفي من بعض خصومي السياسيين بالأمس، كما هو موقفي من بعض الشخصيات العراقية الرسمية، التي لن أنسى ما قدموه من عون معنوي لي ولعائلتي.
أجل، إن الروابط والعواطف الإنسانية يجب أن تسمو على الخلافات أو الضغائن.، و في ساحتنا السياسية [والثقافية أيضا] رفض للحوار، ودعاوى احتكار الحقيقة، ونزعات التخوين والتجريم. وهذا مرض عربي – عربي، وعراقي- عراقي، والوطنيون المستقلون يتعرضون لعواقب هذه الحمى أكثر من غيرهم. و قلت إنني عانيت الكثير ولا أزال، وأخطأت الكثير، على الأصعدة السياسية والعائلية والشخصية، وقد أعدت النظر في الكثير من الأفكار والقناعات والمسلَّمات، وهذا ما اعتبره علامة قوة وصحة...... إن الحياة أغنى من المساطر الأيديولوجية، وإن التحولات الكبرى في العقد الأخير أملت جملة من المراجعات.......... وبوجه عام، فإن أهم ما تعلمته هو احترام الرأي الآخر، ونبذ الأفكار القطعية، والإيمان بنسبية الحقيقة.[ الزمان في 4 -05- 1999 ..كما أصدرت المقابلة في كراس].
تجب إضافة أنني، حتى بعد كتابة ما مر، غيرت أو عدلت في الرأي والمواقف لتكون أكثر دقة في نظري، وكان لإطلاعي على كتابات آخرين وتفاعلي مع آرائهم، وكذلك لأحداث 11سبتمبر، دور مهم في ذلك. وأعرف أن تغيرات مماثلة حدثت لهذا الحد أو ذاك لدى آخرين من المثقفين المعنيين بالسياسة.
* هذه مقدمة لكتاب بعنوان (رحلة مع تحولات مفصلية) حول الثورات العربية ومسائل أخرى، وسوف ننشر الفصول القادمة على حلقات.[1]