#عزيز الحاج#
ما يقال عن طغيان ستالين وأساليبه الوحشية، يقال أيضا عن الطاغية الشيوعي الآخر، ماو تسي تونغ.
نعم، لماو دوره الكبير في توحيد البلاد، وفي تحرير الشعب من استبداد الحكم الرجعي، ودوره في النهضة الاقتصادية في بلد شاسع الأطراف وبكثافة سكانية مذهلة [ كان العدد 600 مليون]. لقد كان له دوره في إخراج الصين من عهود التخلف المزمن للعصر الحديث، ولكن بأي ثمن؟؟
لقد انزلق ماو مع الزمن إلى عبادة نفسه، وإقامة دكتاتوريته الفردية باسم الحزب الشيوعي. ولم يعد يحتمل خلاف الرأي في القيادة. وكان يستخدم تأليب الجماهير الحزبية في الصراع الداخلي ضد مخالفيه. ويقدر عدد ضحاياه بأكثر من 25 مليونا في معسكرات العمل، فضلا عن 32 مليون فلاح خلال المجاعة الكبرى التي نجمت عن سياسته الفاشلة 1958 و1961، والمسماة ب القفزة الكبرى .
كان النموذج الأكبر والأبشع في كيفية تصفية خصوم ماو السياسيين، وهم كبار القادة - من أمثال رئيس الدولة ليو شاو شي، ورئيس الحكومة شو إن لاي، وشوته، ودنغ هسياو بينيغ [ الرئيس في الثمانينات]- إشعال ما سمي بالثورة الثقافية أواخر 1965 وفي عام 1966. وكان الغرض إزاحة وتصفية زعماء مخالفين كانوا معتدلين بالنسبة لماو في السياستين الداخلية والخارجية. وترك ماو المهمة لما سمي بعصابة الأربعة، وعلى رأسهم لين بياو وزير الدفاع وزوجة ماو. فماذا جرى؟
اعتقالات بالجملة للمثقفين وموظفي الشركات الأجنبية، وإذلالهم، وإجبارهم على الاعتراف بالعمالة، وإرغامهم على الزحف تحت أقواس كالكلاب أمام جموع غفيرة من الغوغاء الساخرين الشامتين؛
غلق المدارس والجامعات، وهدم المتاحف، وتحطيم محلات الموسيقى والأسطوانات والتسجيلات ومحلات الزهور والأثاث الحديث، وحرق الكتب إلا كتاب ماو الأوحد، الكتاب الأحمر، باعتباره يحوي خلاصة العلم والمعرفة البشريتين! كان ماو يقول في خطب له: فلنحرق الكتب ولندفن المتعلمين. وقال مع انطلاق ثورته : يجب خلق فوضى تحت السماء لإقامة نظام جديد في العالم. وقد تم إرسال 16 مليون شاب وشابة للريف لتوعية الفلاحين بمبادئ كتيب ماو، وتطبيق تعليماته. لقد انتزع الطلبة من التعليم لتشكيل فرق الحرس الأحمر بصلاحيات واسعة لملاحقة الأستذة والمثقفين ومطاردة أية امرأة تلبس ملابس أنيقة وإهانتها علنا. كان الطلبة يعتدون على أستذتهم المتهمين بالفكر البرجوازي، ويقولون لا نحتاج للكتب المدرسية، وامتلأت المعتقلات والسجون، وكثرت عمليات الإعدام وحوادث الانتحار، ما كان انتحارا حقيقيا أو قتلا مقنعا باسم انتحار. كان ماو يتصرف وكأن الصين صفحة بيضاء وهو الذي يخط عليها ما يشاء ليخرج الإنسان الصيني الجديد، أي إنسان هو أشبه بالحيوانات الخرافية في الأساطير!
قال مرة في موسكو عام 1957 : نحن مستعدون للتضحية ب300 مليون صيني من أجل انتصار الثورة العالمية [ أي نصف عدد السكان آنذاك]. وفي 21 -11- 1958 قال: قد يموت نصف الصينيين خلال انهماكنا في تنفيذ كل هذه المشاريع؛ إن لم يكن النصف، فلنقل الثلث، أو ربما 50 مليونا [ عن مجلة لو بوان الفرنسية عدد 14-08- 2011 ]
وقد صدر عام 1986 في لندن كتاب بعنوان الحياة والموت في شنغهاي Life and death in Shanghhai
لمؤلفته الصينية نين شينغ]. وكانت موظفة في شركة شيل بشنغاي واعتقلت عام 1966، ولم يطلق سراحها إلا بعد ستة أعوام ونصف بعد شك الأطباء في إصابتها بالسرطان، ولم يردوا اعتبارها إلا عام 1978 .
الكتاب يروي وقائع وتفاصيل مرعبة عن حملات الاعتقال الاعتباطية لكل صيني متم بالتبرجز وله وضع معيشي مناسب، ويسرد كيفية معاملة المعتقلين، وأصناف الإذلال والبهدلة والضغوط والتعذيب لحمل كل واحد منهم على الاعتراف بالعمالة للغرب. وتذكر الكاتبة أن نفس الأسئلة الاستجوابية كانت توجه لها على مدى جلسات الاستجواب خلال الأعوام الستة والنصف من سجنها، وكل متهمة ومتهم لابد وأن يحفظا عن ظهر قلب مقتطفات من كتاب ماو، وحال وصول أي متهم لمكتب التحقيق، فعليه أولا الانحناء أمام صورة ماو. وخلال اعتقالها، قتلوا ابنتها، وادعوا -فيما بعد- أنها انتحرت. وتصف المؤلفة وضع معتقلات مصابات بالسل ويتركن بلا علاج، وفي بعض الزنزانات 20 سجينة تنام الواحدة على بضعة إنجات، ويتناولن أردأ طعام، مع فرض العمل الشاق. ومن السجينات من كن يجبرن على الخياطة كل يوم ست ساعات متوالية. إحداهن قالت لها عندما أخرج لن يعرفني أولادي. وقد طلبت من زوجي الطلاق لكي لا يطردوه من عمله. وكان ممنوعا مواجهة عائلة المتهمين لهم، أو المراسلة، إلا لمن اعترفوا على أنفسهم وغيرهم بالعمالة للغرب. وكانت زوجة ماو، وهي ممثلة سابقة فاشلة، تحقد حقا خاصا على الممثلات اللواتي كن أقدر منها في الماضي وتفشل في منافستهن، فراحت تحرض عليهن، ومنهن من قتلن خلال سنوات الحملة الثقافية الدموية.
لقد قتل الملايين من الصينيين، وأهين ملايين في صراع على السلطة يقوده ماو وعصابة الأربعة. ويقال إن ماو أمر الأطباء بقطع العلاج عن شو إن لاي [ رئيس الوزراء] وهو في المستشفى حتى توفي. وطرد ليو شاو شي [ رئيس الدولة] عام 1968 من الحزب واعتقلت زوجته. وكان مطلوبا من المعتقلين إدانته كعدو لماو وللثورة ومن دعاة البورجوازية. وأما دينيغ هسياو بينغ، الذي صار زعيم الصين في الثمانينات، فقد سحل في الشوارع.
وفي 1971 أعلن عن نية نيكسون زيارة الصين في العام التالي، وخرجت البيانات والمقالات في تبيان دور الثورة الثقافية في رفع مكانة الصين عالميا لحد إرغام العدو الأكبر، الولايات المتحدة، على الاعتراف بالدور المرموق للصين الجديدة، وكل هذا بفضل القائد الأعظم والربان العبقري ماوتسي تونغ! وكان المعتقلون يجبرون على سماع تلك التعليقات من المكبرات. وفي 1972 زار الرئيس الأميركي الصين، وفسرت الزيارة بانتصار للصين على الإمبريالية.
كانت انتهاكات الحرس الأحمر تثير الكثيرين، وكان السخط من الثورة الثقافية قد بدا ينتشر. وعندما توفي شو إن لاي في يناير 1976، فإن جماهير غفيرة في بكين شيعته بكل حب، ومن القلب، ومنهم من اعتبروه ضحية عصابة الأربعة. وكانت قصائد المديح تقرأ على نصبه في ساحة تين أن مين، وتحول التدفق الشعبي للمزار لما يشبه تحركا ضمنيا ضد عصابة الأربعة. وهنا قرر القادة الأربعة استعمال القوة بعد إعلام ماو المريض بأن التجمعات معادية له ومؤامرة. وقد شن الحرس الأحمر وقوات الجيش في 5 أبريل حملة قمع للجماهير في الساحة المذكورة راح ضحيتها ألاف القتلى.
توفي ماو في سبتمبر عام 1976 بعد فترة مرض، وكان قد فقد حتى قابلية النطق. وبعد 26 يوما فقط من وفاته تم اعتقال عصابة الأربعة، ومنهم أرملة ماو، وقيل في الاجتماعات إن هذه كانت رغبة ماو قبل وفاته!؟ ويظهر أن قوات من الحرس الأحمر أرادت منع الاعتقال ففشلت، واعتقل منهم من اعتقلوا، وأرسل الباقون لمناطق بعيدة. وجرى رد الاعتبار تدريجيا للضحايا، وفي المقدمة ليو شاو شي. غير أنه لم تجر تحقيقات قضائية حول جرائم القتل، وإنما تم الاكتفاء بان القتلى كانوا ضحايا عصابة الأربعة، وهؤلاء اعتقلوا ليس بسبب جرائهم بل باسم أنهم كانوا يستغلون الثورة الثقافية لمصالحهم وحساباتهم الشخصية، ومن وراء ظهر ماو!
**
لقد كشفت جرائم ستالين علنا في الاتحاد السوفيتي زمن خروتشييف وغورباتششيف، وأدينت بقسوة. أما جرائم ماو تسيتونغ، فلم تدن رسميا ولم يتهم الإعلان عنها، وكل ما قاله الرئيس الصيني السابق [ ضحية ماو] دينغ هسياو بينتغ هو أن 30 بالمائة من أعمال ماو كانت خاطئة وأن 70 بالمائة منها صح! ولا يزال مزار ماو تسي تونغ يزار في الصين.
ويذكر أن ماو كان يتمتع بصحبة مراهقات يجلبن له من الريف. ويروى ان بريجنيف أيضا كان زير فتيات صغيرات.
أما صين وروسيا اليوم، فقد دخلتا اقتصاد السوق اللبرالي، ولكن نظاميهما السياسيين لا يزالان استبداديين. والصين لا تزال دولة الحزب الواحد، القائد. وخلال رئاسة بوتين جرت عدة محاولات لرد الاعتبار لستالين. وكان بوتين قد صرح بأن انهيار الاتحاد السوفيتي هو أكبر كارثة في تاريخ روسيا. وكل من صين اليوم وروسيا تحتفظان بمطامع إقليمية، فروسيا لا تزال تعتبر الجمهوريات السابقة والدول الشرقية مناطق نفوذ لها، والصين تبدي نزعة توسعية على حساب جيرانها الآسيويين، وراحت تعمل على تضخيم الجيش وبناء الغواصات وحاملات الطائرات، فضلا عن كونها، مع روسيا، دولتين نويتين. والدولتان، وخصوصا الصين، تدعمان أكثر الأنظمة تعسفا وخطرا من أمثال إيران وسوريا والقذافي، بالأمس، وكوريا الشمالية وبورما.
إن لبرالية الاقتصاد في الصين وروسيا لم تقترن بتحولات ديمقراطية سياسية. وهنا المحذور.
**
إن جميع الأيديولوجيات المغلقة، برغم تناقضاتها وتصادمها، والتي تدعي الحقيقة المطلقة واحتكارها، وبرغم التباينات الكبيرة بينها من حيث المنطلقات والأهداف، معرضة لتوليد الطغيان والطغاة، الذين يزدرون بالواقع، وينتفخون ذاتيا بالغرور والنرجسية الطاغية، وحنون العظمة، ويعتبرون الشعب قطيعا عليه الطاعة، ومنهم الأمر والرسم بما يجب عمله؛ وعلى المواطنين الشعور بالامتنان لأنهم أحياء ومطلقو السراح، والشعور بالامتنان إذا أطلق سراحهم بعد اعتقال اعتباطي وبعد تعذيب وامتهان؛ طغاة يشكّون في الجميع، ويرون المؤامرة في كل زاوية، ولدى أي كان ولو كان قريبا جدا.
الأيديولوجيا هي إلغاء الفكر الشخصي على حد تعبير جورج طرابيشي، وهي حجاب حاجز بين الوعي والواقع. وقد مررت بما مر به طرابيشي حين يقول : من قبل كنت أقرأ لأحكم. ومن بعد صرت أقرأ لأعرف. من قبل كنت أرد كل ما أقرأه إلى ما أعرفه. ومن بعد صرت أنطلق مع كل ما أقرأه نحوز ما لا أعرفه. ورغم أن ماركس كان يدعو لدراسة الأوضاع في واقعها، فإن مقولات الماركسية التي حولت لعقيدة صارت حاجزا بين رؤية الواقع الملموس في كثير من الحالات. والنصوص كانت هي التي تفصل عندنا بين ما هو صحيح وما هو منحرف وليس الواقع وتناقضاته وتعدد جوانبه. وبرغم الزلازل التي ضرت الكتلة الشيوعية، فلا يزال هناك من اليسار الماركسي في الغرب وبلداننا من يواصلون النهج الخاطئ نفسه. وهناك حتى من لا يزالون يدافعون عن ستالين والستالينية. وهناك في اليسار المتطرف من ينسبون أنفسهم للماوية وما هو مشترك عند جميعهم هو معاداة أميركا باعتبارها عندهم رمز الرأسمالية، ومعاداة العولمة بوصفها، كما يعتقدون، شرا من شرور الرأسمالية الوحشية مع ان العولمة واقع معاش نعيشه ليل نهار وتيار لا يصد، ولا يمكن نكرانه ولكن المطلوب كبح جوانبه السلبية جهد الإمكان وحسن التكيف معه.
نعم، كل الأيديولوجيات، برغم تباين طبيعتها، تولد العزلة عن الواقع وميول الدكتاتورية والاستخفاف بالجماهير.
الأيديولوجيا القومية المتطرفة والعدوانية قدمت هتلر وموسوليني وشركاءهما، وقدمت عندنا نماذج مختلفة، ولكن من النمط المستبد نفسه، وبمقاييس أصغر، أمثال جمال عبد الناصر وصدام وحافظ الأسد والقذافي وبشار الأسد. وأيديولوجيا الإسلام السياسي الجهادي، يفرخ التعصب والتطرف الدينيين ونزعة إلغاء الآخر والعنف الديني المسيس، والحرب على المدنية والثقافة والنور. وقد قدم أمثال بن لادن والظواهري وأبا سياف وخميني وخلخالي وأحمدي نجاد وخامنئي وجنتي والبشير السوداني وإخوانهم. وهذه الأيديولوجيا العدوانية تريد إعادة العالم للقرون الوسطى، وإلغاء كل أنواع الحريات الشخصية، وتحتقر المرأة. أما الشيوعية، فهي تختلف في طبيعتها ومنطلقاتها وأهدافها، وإن هدف الاشتراكية هو هدف نبيل لولا أنها شوهت كما مر أنفا. فكما طبقها الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية الشرقية والصين وكوريا الشمالية وفيتنام وكوبا،فإنها، فقد تحولت لأنظمة بيروقراطية تقودها أنفار، أو القائد الأب، وهذا هو معنى ديكتاتورية البروليتاريا. لقد جردوا الاشتراكية من روحها ومدلولها الأصليين، أي الطموح لحياة إنسانية متآخية. لقد طمست الديمقراطية لصالح البروقراطية، وانتصر الخطاب الواحد على مبدأ النقاش، واعتبرت القوة هي الهدف الأول. واعتبرت الفلسفة والقانون والأخلاق والدين هوامش تابعة لنمط الإنتاج الاقتصادي وخاضعة له. ومن المفيد أن نذكر أن الاشتراكية بالنسبة لروادها الأوائل كانت تتجاوز كونها مجرد تمثيل لمصالح طبقة واحدة، البروليتاريا. وقد جاء في إعلان الأممية الاشتراكية الأولى كل المجتمعات، بالناس المنضويين لها، تعترف- كأساس للسلوك تجاه كل الناس دون تمييز في اللون والمعتقد والقومية- بالحقيقة، والعدالة، والأخلاق. ولا واجبات بلا حقوق ولا حقوق بلا واجبات. إن ماركس ساهم في كتابة البيان، ولكنه عاد فيما بعد ليكتب بأنه كان مضطرا لقبول عبارات الواجبات والحقوق والحقيقة والأخلاق والعدالة، وأنه، كما كتب، وضعتها بطريقة لا تلحق ضررا!! وقد حل محل تلك القيم عند ماركس ولينين وأنجلز أخلاق المناضلين، و الروح الرفاقية، و التضحية من أجل القضية.
وهكذا،رأينا كيف انحرف هدف الاشتراكية النبيل، ليخرج باسمها أمثال ستالين وماو ولين بياو وبول بوت [ قتل ربع السكان فقط!] وكيم إيل سنونغ وخلفاؤه وكاسترو، وغيرهم، ممن شوهوا أهدافا نبيلة، ومسخوها ليقيموا أنظمة الاستبداد، وليكونوا هم القانون لكونهم فوق القانون!
إن ما يجمع يين الطغاة من مختلف الأجناس والأنماط هوس السلطة، وكراهية المثقفين والمفكرين، والاستهانة بالجماهير، وكثيرون منهم يشتركون في الهوس الجنسي أيضا كما مر. ومنهم من كانوا، مع سفك الدماء، يسفكون الحبر أيضا بكتابة كتيبات يفرضونها على الشعب باعتبارها جماع الحكمة والحقيقة.
وتبقى الاشتراكية، بمعنى العدالة الاجتماعية، والتآخي الإنساني، وسلطان العقل، وبرمز الحرية، هدفا نبيلا للبشرية.
******** *******
ملاحظةا:
ليست الأيديولوجيات وحدها تفرخ الطغيان، بل هناك طغاة قدلا يتبعون أيديولوجية ما ولكنهم مدفوعون بهوس السلطة وجنون العظمة وانفلات النرجسية وشهوة القسوة السادية، من أمثل بوكاسا مثلا.
ملاحظة 2 سأعود في مكان آخر لمحاولة إبداء الرأي عن حاضر ومستقبل اليسار الماركسي عندنا.
ملاحظة 3 – بوتين ، الذي قد يعود للرئاسة معجب باندروبوف وستالين معا. اندروبوف كان عضو المكتب السياسي ومسؤول العلاقات مع الأحزاب الشيوعية كلها زمن بريجنيف. وفي 1967 وضعه الأخير على رأس جهاز المخابرات السري حتى وفاة بريجنيف عام 1982 حيث أصبحت لأنروبوف كامل السلطة. لقد كانت له سمعة دبلوماسي هادئ ومجامل، يحب النقاش العام، ويتظاهر بحماس مصطنع بكونه معجبا بالعالم الأنجلو- سكسوني، ويقرأ الكتب والمجلات الاميركية، ويستمع للجاز، ولا يشرب غير الويسكي. عرف أندروبوف كيف يحول الجهاز السري لأداة فعالة ، فزاد ثلاث مرات عدد شبكات التجسس في الخارج. وبدلا من القمع السافر انتقل لاضطهاد هادئ صامت للمعارضين. وكان يصرح أنه أضفى على الجهاز دور رقابة ودور تأمل سياسي بدلا من إدارة ألية القمع الفظ. كان يصرح بهذا رغم أنه كان أحيانا يردد مقولات ستالين في تبرير القمع السافر. وبعد الانهيار السوفيتي،انكشف مختبر هال في دائرة العلاقات الخارجية للحزب، فيه أرقى وأكثر أدوات ووسائل التجسس من جوازات وهويات مزورة لمختلف الدول، وأختام المؤسسات والأحزاب الغربية، وكل وسائل التنكر كالشعر المستعار والشوارب المستعارة، ألخ..وكان أندروبوف، حين كان سفيرا في بودابست، هو الذي أشرف على قمع الانتفاضة المجرية ولكنه وضع على رأس السلطة حكومة معتدلة نسبيا وموالية للسوفيت. وحين صار الرئيس كانت تعليماته للسفير السوفيتي في أفغانستان كما يلي:
ليس المهم أن تضرب القبضة بل أن تكون مشهرة دوما على رؤوس الجميع.، وهي الحكمة التي استوعبها بوتين ولذا يعتبر تلميذا لاندروبوف.
[ ملحق
أشار الأستاذ سمير عطا الله في زاوية له في صحيفة (الشرق الأوسط) إلى كتاب المؤلف الهولندي فرانك ديكوتر، الأستاذ في جامعة هونغ كونغ، يستند كليا للأرشيف الصيني.
يؤكد المؤلف أن 45 مليون صيني قتلوا خلال ما سمي بالقفزة الكبرى [قبل الثورة الثقافية بسنوات] في عملية استعباد لا نظير لها، اضطر الفلاحون الجائعون خلالها إلى أكل التراب وجبس الجدران، وأحيانا إلى التهام بعضهم البعض. باعوا أطفالهم من أجل بضعة أرغفة. وفي سياسة زراعية وصناعية متهورة ومرتجلة وتبسيطية غبية، أمر ماو بإتلاف غابات كاملة وتدمير مئات الألوف من البيوت لتحولها لسماد. وأقدم ما بين مليونين إلى ثلاثة شخص على الانتحار جوعا أو حزنا على أولادهم الذين يموتون أمامهم.
باسم التصنيع المرتجل، وبأدوات بدائية، وباسم التعاونيات، تعرض عشرات الملايين للمجاعة والإرهاق والموت الجماعي. هذا ودون إعادة التذكير بالملايين من ضحايا جرائم الثورة الثقافية وعمليات القمع الأخرى.
يظهر أن ماو تفوق بجرائمه وجنون عظمته على جميع الطغاة الآخرين في عصرنا. فكيف نفهم من يريدون الانتساب للماوية بين بعض يساريي الغرب والعرب؟!![1]