#عزيز الحاج#
هل الإرهاب مجرد تكتيك، أم أيديولوجيا ومؤسسات وأنظمة!؟
تستعمل إدارة اوباما، رئيسا ومساعدين ومستشارين، تعبير الإرهاب الذي هو تكتيك، واستبدلوا شعار الحرب على الإرهاب، بشعار الحرب على القاعدة. وسبق أن ناقشنا هذه التجديدات في بعض المقالات المنشورة.
ولنبدأ باستبدال الإرهاب الإسلامي بقصره على إرهاب القاعدة وحدها. أي هنا تستثني الإدارة الأميركية طالبان، وأنظمة إرهاب الدولة، كإيران والسودان، وسائر شبكات الإرهاب الجهادي التي لا تتبع القاعدة ولكن تنسق معها أحيانا.
إن وراء هذا الحصر غايات سياسية، وهي التمهيد للانسحاب السريع من أفغانستان بعد عقد صفقة مصالحة بشكل ما مع طالبان. وهو ما رفضته طالبان أفغانستان لحد اليوم. كما كان هذا التجديد ضروريا في نظرهم لتبرير سياسة مد اليد لإيران التي استعملها أوباما على مدى أكثر من عامين دون نتائج إيجابية غير إمعان النظام الإيراني في هوسه النووي، وفي التدخل في المنطقة، وفي قمع الشعب. كما استثني النظام السوداني، الذي مدت الإدارة الأميركية جسور الحوار والتفاهم معه ولحد اليوم برغم أنه لا يزال، ورغم اضطراره للموافقة على استقلال جنوب السودان، يتحرش عسكريا بالجنوب، ويواصل عمليات القمع الدموي في مناطق دارفور وايبيَ، فضلا عما مارسه من عملية إبادة في دارفور على مدى سنوات.
إن الإرهاب الإسلامي جبهة واسعة لا تقتصر على القاعدة رغم أنها ذات العمليات الأكبر والأكثر. وبرغم الخلافات الكبيرة في صفوف معسكر هذا الإرهاب، فإنهم يتفقون أحيانا، في هذه الحالة أو تلك، كاستخدام إيران للقاعدة في العراق، وكدعمها لجهاديي نيجيريا بالسلاح مما أدى لقطع العلاقات بين البلدين، ودعمها لطالبان..
أما أن الإرهاب الجهادي هو مجرد تكتيك، فهذا مفهوم مضحك للإرهاب- كل صنوف الإرهاب، وليس الجهادي الإسلامي وحسب.
إن كل إرهاب هو أولا أيديولوجيا مغلقة تؤمن بالعنف طريقا لتحقيق ما تستهدفه. هذا مثلا ينطبق على إرهاب الفارك الكولومبي الذي يقوم بعمليات خطف واغتيالات مستمرة، كما ينطبق على عمليات التنظيمات الفوضوية وتنظيمات أقصى اليسار السرية المسلحة في ألمانيا وإيطاليا واليابان في السبعينات. وهو أيضا ينطبق على جريمة بريفيك النرويجي ومشايعيه، من عناصر وتنظيمات اليمين العنصري المتطرف في أوروبا والمؤمن بالعنف.
إن الإرهاب الإسلامي هو نتاج تطرف ديني بلغ أقصاه، واستخدم لغايات سياسية. إنه نتاج ثقافة التطرف الديني المتوتر وكراهية الآخر ورفض القيم الديمقراطية والحداثة، والاعتقاد بأن العالم كله، ومنه معظم الدول الإسلامية نفسها، عالم جاهلي شرير غير أخلاقي وضد الإسلام، ولابد من تدميره لبناء دولة الخلافة بإسلامها الصحيح. العالم كما يقول كتاب إدارة التوحش لمؤلفه [أبي بكر ناجي وهو اسم مستعار] يعيش مرحلة الفناء الحضاري، حيث أن الانحلال الأخلاقي والفساد وصل إلى أعلى مراحله في كافة أنحاء العالم. ويتحدث عن النظام الذي يدير العالم منذ اتفاقية سايكس- بيكو، وهي المرحلة التي تلت الحرب العالمية الأولى وسقوط الخلافة العثمانية. وينادي بضرورة المواجهة العسكرية مع الغرب، وضرب المصالح الاقتصادية ومصالح الشركات النفطية، أي في الدول العربية.
إن نظرية نهاية العالم الفاسد قريبة من نظرية فرع الجنتية من الخمينية في إيران، وهو الفرع الذي ينتمي له أحمدي نجاد، ويروج بأن العالم فاسد ويبلغ نهايته، ولابد من استكمال إنهائه وتصفيته ليظهر الإمام الغائب، الذي سيعيد العدل والإسلام الصحيح في العالم.
وأما سيد قطب، المنظر العربي الرئيسي للإسلام الجهادي الدموي، فيقول في كتابه عن أميركا:
كم أكره أولئك الغربيين وأحتقرهم كلهم بلا استثناء، و إن الرجل الأبيض هو عدونا الأول، سواء كان في أوروبا أو في أميركا، وهذا ما يجب ان يكون حجر الزاوية في تربيتنا، وإن أولادنا في المدارس يجب أن تربى مشاعرهم على مظالم الرجل البيض- ص135 . (انظر مقال المستشار محمد سعيد عشماوي في إيلاف عدد 20 أبريل 2003 ). وكما يذكر عشماوي فإن كتب سيد قطب كانت في الثمانيات تدرس في المدارس الثانوية السعودية، وكان كتابه عن أميركا يمتحن فيه الطلاب برغم العلاقات الوثيقة بين السعودية والولايات المتحدة. فهل من عجب لكثرة المتطرفين، وتفريخ الإرهابيين بين الشباب السعودي منذ الثمانينات؟ وحاليا هناك أكثر من 3000 متهم بالإرهاب يحاكمون في المملكة. وتعليمات وأفكار كهذه تدرس في المدارس الإسلامية في باكستان وأفغانستان وحتى في بعض الدول الغربية. ونضيف فتوى بن لادن والظواهري وآخرين من فقهاء الإرهاب عام 1998 بتوقيع [الجبهة الإسلامية لقتال اليهود والصليبين] وفيها:
إن حكم قتل الأمريكيين وحلفائهم، مدنيين وعسكريين، فرض عين على كل مسلم في كل بلد متى تيسر له ذلك، حتى يتحرر المسجد الأقصى والمسجد الحرام من قبضتهم، وحتى تخرج جيوشهم من كل أرض الإسلام، مسلولة الحد كسيرة الجناح...ألخ
إن الأيديولوجيا التي تستند لها القاعدة لم تأت من فراغ، بل من ثقافة التخلف والتعصب الديني وكراهية الغرب الكافر، واليهود، وهي الثقافة التي لا تزال تستحوذ على عقول غالبية المسلمين في العالم برغم ما يدعى بالربيع العربي. وتكفي حادثة او إشاعة أو خطبة حماسية ليظهر المكنون المتراكم، خاصة إذا كان الأمر متعلقا بإسرائيل أو أميركا والغرب عامة، كما رأينا مثلا في الهجوم على سفارة إسرائيل في القاهرة. وقد ساهم حتى مثقف كبير مثل أدوارد سعبد في تغذية ما يعمق هذه الثقافة، وأعني كتابه ضد الاستشراق والمستشرقين، وما نسبه لهم من تعمد تشويه حقيقة الشرق. وظهر كتابه مع انتصار الخمينية، ورأى بنفسه هذا الشرق بالرايات السود، ومحاكم خلخالي في طهران، ومذابح القوى والشخصيات الديمقراطية واللبرالية واليسارية. وكما يقول حازم صاغية، فإن الموضوع الحقيقي ليس هو الاستشراق، بل الاستغراب هو الموضوع.
الحقيقة أن بن لادن كان معبود الشرائح الأوسع من الشارع الإسلامي، ونخبه الثقافية، حتى بين من كانوا لا يحبذون أساليبه، ولكنهم مرتاحون لأنه يهاجم الغرب، وأميركا بالذات، مع أن جرائمه نفذت أيضا في العديد من البلدان العربية والإسلامية والأفريقية، والضحايا من المسلمين كانوا آلافا مؤلفة.
إن مدرسة بن لادن تجد متعاطفين مع حامل كل فكر يؤمن بأن من بدل دينه يستحق الموت، وكل امرأة متهمة بالزنا تستحق الرجم حتى الموت، وبأن حاكما، كحاكم البنجاب الشهيد، يجب قتله لأنه طالب بتعديل قانون التجديف. ويلتقي مع بن لادن هؤلاء المتطرفون الهائجون في مصر الذين كانوا قد أثاروا الضجيج عن خرافة أسلمة كاميليا، وغيرها، وحرقهم للكنائس وقتل الأقباط، بينما ردت القاعدة من بغداد بتفجير كنيسة النجاة ومن راحوا من عشرات الضحايا الأبرياء. وتفجير أماكن العبادة عند هؤلاء مباح وعمل ديني وأخلاقي، بل كم من مساجد أيضا جرى تفجيرها في أفغانستان وباكستان، وكم من مدارس بنات ومستشفيات. والتطرف الإسلامي وفرعه الجهادي يتغذيان بثقافة العنف والتدمير التي تنعكس حتى في الميدان السياسي العربي، بل الثقافي أيضا. وبرغم سلمية الانتفاضة المصرية عند انطلاقها، فإن هذا الشارع نفسه انحدر منذ أيام للاقتصاص ممن يعتبرهم بالبلطجية بحرق بيوتهم وقطع أوصالهم وغرز الخناجر في أقفيتهم وسط تهليل المشاهدين. وهذا الشارع فعل ما فعل بالسفارة الإسرائيلية والهجوم على المركز الأمني، وتسبب في عطب 4 ملايين جنيه من حرق سيارات وتخريب في الشوارع المجاورة والمبنى، كما صرح محافظ الجيزة، وإذا برئيس وزراء مصر يستقبل من ساهم في ذلك لأنه هو من رفع العلم المصري، في مزايدة شعبوية مرفوضة وكأن فوضى الشارع هي من يجب أن تحكم وليس المؤسسات الدستورية المنتخبة غدا. أجل ما أن تمس القضية إسرائيل حتى ينسوا نضالهم من اجل الحرية والديمقراطية، وطبعا لن تجدي مغامرات عسكرية - فيما لو جرت- وهزائم عبد الناصر على البال!
وهذه صورة كبيرة من مصر أيضا هذه الأيام الربيعية لطفل وراء ملصق كبير مكتوب عليه الحرية لعمر عبد الرحمن، الرمز الإرهابي الخطير، المحكوم عليه في الولايات المتحدة، والمتهم بتجنيد المقاتلين الجهاديين. وهكذا يعلمون الصغار.
إن استمراء الوحشية، حتى باسم غرض نظيف، وإن تثقيف الأطفال بهوس العنف، كالحمساويين الذين يضعون بندقية في يد طفل لأخذ صورهم، وإن التصفيق لفلسطيني يقتل بخنجره أطفالا إسرائيليين ثلاثة مع والديهم، وإن الصمت العربي والإسلامي أمام المئات من عمليات التفجير والتفخيخ في العراق باسم المقاومة؛ أقول إن هذه الممارسات وهذه النماذج من التربية وأمثالها تخلق تربة خصبة لغسل أدمغة الشباب وزجهم في دوامة الجهاد الدموي. وقد رأينا في العراق أطفالا بأحزمة ناسفة. وعندما يقتل الإرهابيون المئات، وينسفون ويفجرون الأبرياء، والجوامع والحسينيات والنوادي وحافلات الركاب وغيرها، دون أن نرى حركات تنديد واشمئزاز جماهيرية في الشارعين العربي والإسلامي، فهل من الغريب أن تستطيع القاعدة تجنيد المزيد برغم الضربات المتتالية التي تعرضت لها؟؟
صحيح أن القاعدة [تأسست بين 1988 و1990 بمبادرة بن لادن والمصريين، الظواهري والجهاد المصري]، هي أخطر فروع الإرهاب الإسلامي لانتشارها الواسع جغرافيا برغم الضربات وإفشال الكثير من خططها المبيتة، ولاسيما إنهاء بن لادن جسديا. وليست صحيحة تنبؤات بعض الخبراء والمسؤولين الغربيين بقرب القضاء عليها بدليل هذه الاستعدادات الاحترازية الضخمة في أميركا وفرنسا ودول الغرب الأخرى بمناسبة الذكري العاشرة لجريمة 11 سبتمبر. وخطر القاعدة أيضا يأتي من التعاطف المكشوف و المبطن مع عملياتها ضد الغرب في الشارع الإسلامي، وخصوصا لدى معظم تيارات الإسلام السياسي. وخطرها لأن الدول ذات الأنظمة الإسلامية تدعمها أو تنسق معها أحيانا حسب المصلحة المشتركة. ونعرف دور المخابرات الباكستانية أو بعض قياداتها في حماية وتشجيع القاعدة لاستغلالهم ضد الهند وفي أفغانستان. وما وجود بن لادن سنوات قرب العاصمة إلا دليل صارخ على ذلك التواطؤ، وهو تواطؤ قد لا يعني أنه كان بعلم قيادة السلطة. وكان الرئيس الباكستاني السابق، مشرف، قد عزل رئيس المخابرات بعيد 11 سبتمبر. وهناك عامل مساعد أخر، وهو كون الإرهابيين وكل المتطرفين الإسلاميين يستغلون حريات الغرب، وثغرات الديمقراطية، وتساهل القضاء، وحماس بعض العاملين باسم حقوق الإنسان حين لا يميزون أحيانا بين القضية العادلة والقضية الباطلة، كتشبيه غوانتينامو [الذي يضم كبار القتلة ومحترفي الإرهاب] بالغولاك السوفيتي الذي كان يفترس الملايين من الأبرياء، أو كتصديق روايات الإرهابيين أمام المحاكم عن تعذيبهم دون دليل غير حالة خالد الشيخ الذي استعمل معه أسلوب الإيهام بالغرق. وقد وردت في وثائق القاعدة التي عثر عليها تعليمات لمن يعتقل منهم ويقدم للمحاكم بأن يقول إنه تعرض للتعذيب، وأن اعترافاته في التحقيق باطلة. وتستثمر القاعدة تضامن بعض تيارات اليسار الغربي المتطرف معها بسبب العداء لأميركا والرأسمالية الغربية. وقبل عامين تقريبا، نشرت أنباء، لم تتأكد، عن أن كوريا الشمالية أمدت القاعدة بتقنيات أسلحة محرمة نكاية بأميركا. وبعض ما بثته ويكيليكس من وثائق تحدث عن أن القاعدة تخفي قنبلة نووية في أوروبا، وهي معلومة غير مؤكدة، ولكن خالد الشيخ، زعيم مجموعة 11 سبتمبر كان قد أخبر المحققين الأميركيين بأن القاعدة سوف تثير عاصفة نووية- [ربما مباهاة وتحديا، أو على أساس: من يدري!]- وأمر هام آخر، وهو أن الخطر ليس فقط في تنفيذ عمليات إرهابية كبرى بحجم ما جرى في 11 سبتمبر أو مدريد ولندن، فهنا الصعوبة أكبر؛ ولكن هناك أيضا خطر تنفيذ عمليات انفرادية تقتل العشرات وأكثر وحدس توقعها أصعب، كما فعل الطبيب الفلسطيني الأميركي نضال حسن في عمليته الدموية الغادرة ضد زملائه العسكريين الأميركيين. وفي عام 2010 نشر مركز مجموعة التأهب لحماية الأمن القومي- ناشونال سيكوريتي برباردنس غروب- تقريرا مقلقا عن عدم استعداد الولايات المتحدة لمواجهة التهديدات الإرهابية الداخلية. ويفيد التقرير بأنه تم عام 2009 توجيه التهمة أو إدانة، على الأقل، ل 43 مواطنا أميركيا أو مقيما في الولايات المتحدة على صلة بمجموعة إسلامية مقاتلة، أو تتبنى فكرا إسلاميا متطرفا، والتهمة هي نية ارتكاب جرائم إرهابية في الداخل. ويقول كاتبا التقرير بروس هوفمان وبيتر برغن إنه إذا كان خاطفو طيارات11 سبتمبر قد جاءوا من الشرق الأوسط، فإن الإرهابيين اليوم يأتون من أصول وخلفيات قومية وتعليمية واقتصادية مختلفة. فقد شارك في التخطيط أو تنفيذ الهجمات خلال العام المذكور أميركيون ميسورون من سكان الضواحي ومن أبناء مهاجرين، الذين عملوا بكد. ويضيف إن هؤلاء انضموا للإسلام المتطرف والحركات الإرهابية وكانوا من الطلبة الناجحين والأفراد الحاصلين على تعليم جيد. وهذا ما رأيناه أيضا مع مجموعة الباكستانيين الإنجليز قبل حوالي ثلاث سنوات ممن اعتقلوا بنفس التهم، وكانوا من المندمجين ولهم وظائف ومراكز جيدة، ومنهم الأطباء. وفي القاعدة، وفي قمتها، مهندسون وأطباء وضباط سابقون وجامعيون وطلبة جامعات، وهذه الحقائق تفند التحليل القائل إن الفقر والأمية هما السبب، وإن كان لهما دور في تجنيد بعض شرائح الشباب البسيط. فالسبب الحقيقي هو الأيديولوجيا الظلامية المسيسة، والمؤمنة بالعنف، فهي التي تحرك جميع هؤلاء.
ومن هنا، فإن الإمعان في تفكيك أيديولوجيا القاعدة، [أو عقيدتها الدينية السياسية]، ضروري، وهو واجب دائم. وشخصيا حاولت ذلك في مقالات بإيلاف بمناسبة مقتل بن لادن، مستندا لمصادر موثوق بها، وهو ما أحاول الاستفادة منه هنا أيضا.
إن الإرهاب الإسلامي للقاعدة، وكل الجهاديين الإسلاميين، هو أيديولوجيا تقرن السلفية التكفيرية الصحراوية النجدية، ذات الطبيعة الدينية المتطرفة، أي غير المسيسة، بالجهادية الحركية المقاتلة والمسيسة؛ فهي مزيج من الفرع القطبي (نسبة إلى سيد قطب) للإخوان المسلمين، وسلفية نجد الشديدة التزمت. وقد لعب الإخوان المسلمون، الذين لجئوا للسعودية هربا من ملاحقة الحكومات المصرية والسورية، دورا كبيرا في أسلمة مناهج التعليم السعودية، وكانت كتب سيد قطب، كما مر أنفا، تدرس في السعودية في الثمانينات، [ليس الآن]، وكذلك كتب شقيقه محمد قطب وعلي الطنطاوي وغيرهم.
ومع أن إخوان مصر اليوم هم، بغالبتهم، معارضون للفرع القطبي وأساليب القاعدة، ولا يرفضون استخدام الأدوات الحديثة في العمل السياسي لتحقيق هدفهم البعيد، كما كان يرفض سيد قطب، فإنهم يشاركونهم ويشاركون السلفيين في الكثير من التفسيرات الدينية، ويبررون بعض ممارساتهم. وقد سمعنا إدانة إخوان حماس لمقتل بن لادن واعتباره مجاهدا كبيرا. وقرأنا أن الظواهري كان يتابع محاضرات محمد قطب، والإخواني العصري والمعتدل طارق رمضان المقيم في أوروبا.
وتقول دراسة سموئيل هيلفونت Samuel Helfont ، الصادرة في نوفمبر عام 2009 بعنوان الانقسام السني: عن فهم السياسة والإرهاب في الشرق الأوسط العربي إن زعماء مدرسة الوسطية لإخوان مصر، الذين يأخذون بالأدوات الحديثة في العمل السياسي ويدعون لدولة مدنية، هي مدرسة قائمة على الدين، ولكن لا تستند على تفسير فقهي واحد. إنهم يحاولون تجميع ائتلاف واسع لأكبر عدد من المسلمين الذين يشتركون في هوية واحدة للإسلام السياسي؛ ومع أنهم أكثر تسامحا تجاه مختلف الآراء من الوهابيين، فإنهم لا يرفضون التفاسير التقليدية أو الوهابية. وغالبا ما يعرضون، ومنهم القرضاوي، التصلب الوهابي أو القطبي كواحد من بين بدائل عديدة ذات مصداقية. [ص 22].
وينتقد هاني درويش بعض مثقفي مصر في تركيزهم على نقد السلفيين وحدهم وتجاهل الإخوان، مع أن الطرفين سوف يلتقيان في الانتخابات، وكل منهما مع الدولة الدينية، وإن صاغ الإخوان شعارهم هكذا: دولة مدنية مرجعيتها إسلامية، وتعني نفس محتوى وهدف الدولة الدينية. وينقل الكاتب الخليجي مشاري الذايدي عن كتاب الباحث المغربي محمد ملين علماء الإسلام - وهو بصدد لحظة الصدام بين المؤسسة الدينية السعودية وتيار الصحوة الإسلامي الحركي في مرحلة غزو الكويت: وقد صدم الإسلاميون السعوديون، وكان قسم منهم يستند في كثير من أفكاره إلى التوليف بين الإقصائية الحنبلية الوهابية للقرن التاسع عشر وبين المواقف المعادية للإمبريالية ونظرية المؤامرة لجماعة الإخوان المصريين، من موقف السلطة السياسية والمؤسسة الدينية. ويعقب الذايدي أن هناك تحفظات سعودية معينة على وصف الوهابية. [الشرق الأوسط في 26أبريل المنصرم]. ونحن نتفق مع الذايدي في أنه لا فرق بين السلفيين والإخوان إلا في الدرجة وليس في النوع- علما بأن خطر السلفيين صارخ وهم يتعمدون الاستفزاز وانتهاك القانون في حين أن الإخوان يتبعون الهدوء وأساليب التقية والمناورة.
كان بن لادن، حسب تصريحات عصام دراز، الذي عاش مع بن لادن عامي 1998 و1999 في أفغانستان، [جريدة الأهرام في 3 الجاري]، يعتبر عبد الله عزام وحسن الترابي من مرجعياته المفضلة برغم خلافهما معه، لأنه، في نظرهما، أساء لسمعة الإسلام، ومع ذلك، فقد كانا يشيدان به مرارا إشادة تمجيد مفخمة. ومما قاله عزام [اغتيل في حادث انفجار سيارة عام 1989 في باكستان]: والله إني أشهد أن أسامة ولي من أولياء الله يدب على الأرض؛ والله لو لم يكن لله ولي في هذه الدنيا إلا شخص واحد لظننت أنه أسامة بن لادن [انظر غوغول عن عبد الله عزام].
إن مثقفين من الإخوان المصريين هم من صاغوا الأيديولوجيا السياسية للقاعدة وذلك بمزج القطبية بالسلفية النجدية الصحراوية، لاسيما دور سيد قطب وكاتب إدارة التوحش، الذي قضى سنوات في إيران لاجئا.
**
مكافحة الإرهاب:
إن مقتل بن لادن لا ينهي الإرهاب والقاعدة، في العالم. وهذا موضع اتفاق عام، والإرهاب الإسلامي في العالم الإسلامي لا يكافح فقط بالملاحقة الأمنية، أي الحرب على حرب الإرهاب، رغم أنها أول المستلزمات، ويجب أن تكون دولية ومنسقة؛ وإنما المهم أيضا هو نشر الحريات، ومكافحة الفقر والأمية، والعمل الفكري، وإصلاح التعليم، ورفض استخدام وسائل الإعلام والمعلوماتية لنشر الفكر الجهادي والتطرف الديني والتكفيري وتبرير الجرائم. إن جذور الإرهاب الإسلامي فكرية، وليست في الفقر أو في قضية فلسطين ولا في سياسات منسوبة للغرب. إنها في عقر الدار: في الكتاتيب الإسلامية، ومناهج التعليم، والثقافة السائدة منذ عقود من السنين. ويقدر عدد كتاتيب باكستان وحدها بحوالي 12000، يؤمها حوالي مليوني طفل وصبي، غالبيتهم من عائلات فقيرة. كذلك الحال مع الكتاتيب في أفغانستان والسعودية، وحتى في بريطانيا نفسها. إن هؤلاء الصبية، الذين يتلقون تعاليم غير عصرية وتفسيرات للدين متزمتة، هم بمثابة تربة خصبة لخروج مئات من بينهم في المستقبل يحملون الفكر الجهادي والتكفيري، أي، وحسب تعبير المجلة الفرنسية كورييه أنترناسيونال، وهي تتحدث عن كتاتيب باكستان، إن هذه الكتاتيب تأوي مليوني قنبلة بشرية مستعدة للانفجار.
ومع تهذيب مناهج التعليم، في البلدان الإسلامية، ومنها العراق وإيران والسعودية، ومع نشر الحريات، والتعليم العصري، وثقافة التسامح والحوار، والاعتراف بالآخر وبحقوق المرأة وبالعمل السياسي السلمي، ومع احترام سيادة القانون ومبادئ حقوق الإنسان، ومع التنمية ورفع المستوى المعيشي للناس، فلابد من زيادة الرقابة على تمويل الإرهاب. صحيح أن القاعدة صارت لامركزية، وكثير من العمليات المحلية تمول محليا بعد أن فرضت رقابة غربية ودولية صارمة على تبييض الأموال وتمويل الإرهاب؛ كما أن الشبكات المحلية تتمول أيضا من عمليات الخطف والمقايضة به والتبرعات ومن زراعة المخدرات والتجارة بها. ومع ذلك، فإن الرقابة الدولية المشددة والدائمة تظل مطلوبة. وكان الشيخ السعودي البارز عبد العزيز آل الشيخ قد أصدر في نهاية 2007 تحذيرا صارما للمتبرعين بالمال لكيلا يستخدم لإلحاق الأذى بالشباب المسلم، وكان يقصد المتبرعين لشبكات الإرهاب، من أفراد وجمعيات، وكانوا كثيرين في السعودية وبعض بلدان الخليج الأخرى. وقد وجد التحذير وقعه الحسن وتأثيره الفعلي. و ساعدت أميركا السعودية على الانضمام لمجموعة إيكمونت التي تضم وحدات من مختلف الدول تجمع المعلومات عن تبييض الأموال وخصوصا تمويل الإرهاب. ولكن هناك الكثير مما يجب عمله في هذا الصدد، مثلما على صعيد الفكر خاصة.
هؤلاء نحن، والعيب هنا في العالمين: الإسلامي والعربي، وليس في هواجس أو مخاوف بين الغربيين من المسلمين بسبب أن الغالبية العظمى من عمليات الإرهاب تمت بأيدي مسلمين، ولأن غير قليل من المسلمين لا يريدون الاندماج ويرفضون الانسجام مع علمانية الغرب وقيمه الديمقراطية. نعم، ليست المسألة هي وحش الإسلاموفوبيا المفترض وجوده، والذي نكثر الحديث عنه، بل ومن الكتاب من يتوقعون تحول هذا الوحش الغربي المفترض إلى تنفيذ هولوكوست للمسلمين في الغرب- بس!!! فلننظر إلى وجوهنا في المرآة قبل توجيه التهم للآخرين، ولنكف عن نظريات المؤامرة، وتعليق مسئولية كل عيوبنا وتخلفنا وصراعاتنا وفساد واستبداد أنظمتنا على مشجب الغرب وإسرائيل. كفى مكابرات ومغالطات، وكفى ثرثرات عن الليكوديين الجدد والمحافظين الجدد، هذه الشياطين التي ننسب لها كل شرور العالم مع أن أكبر شرور اليوم تنطلق من بيننا نحن! ومن حسن الحظ اندلاع هذه الانتفاضات العربية، والتي لا نعرف كيف سوف تنتهي، والتي رممت لحد لا بأس به سمعة العرب في العالم، وخلقت نوعا من الأمل عند الآخرين في إمكان إصلاح أوضاعنا وتطوير الثقافة المهيمنة على شعوبنا ونخبنا.
وهذا يقودنا للحديث عن دور هذا الربيع العربي، كما يسمى، في مكافحة أفكار التطرف وعزل الإرهابيين.
كثيرون من المعلقين والساسة في الغرب من هم متفائلون بأن الشارع العربي سائر للتغير، وأنه سيرفض التطرف الديني وأساليب وعمليات القاعدة وأنه يريد الديمقراطية المدنية. فكم هذا صحيح؟ سنحاول الإجابة في الفصل القادم.
******* ******
ملحق1:
تنتشر القاعدة خاصة في اليمن وباكستان وأفغانستان والصومال والقرن الأفريقي والعراق، مع خلايا وأنصار في مناطق أخرى. ويخشى الغربيون اليوم أن تسقط أسلحة القذافي بين أيدي قاعدة المغرب الإسلامي، فهي منتشرة وبلا رقابة حتى اليوم. ويقول المجلس الانتقالي إنه ينوي شراء أسلحة الثوار بعد انتهاء العمليات العسكرية- علما بأن بين هؤلاء مقاتلين إسلاميين، ومنهم من كانوا في القاعدة ويعلنون اليوم أنهم تغيروا. والأيام القادمة ستخبرنا باليقين! وفي الأردن والمغرب والجزائر جماعات مرتبطة بالقاعدة برغم مكافحة الحكومات للقاعدة. وفي سجون الأردن يقبع الاب الروحي للقاعدة وهو أبو محمد المقدسي. والسعودية راحت تلاحق الجهاديين، وأمام المحاكم اليوم آلاف منهم، ولكن الملاحقة الأمنية يجب إلحاقها بالعمل الفكري والتعليمي لاجتثاث الجذور، وأولا بإصلاح التعليم الديني، الذي يعاني من التحجر والتزمت والتعصب. ويقول الكاتب السعودي جمال أحمد خاشقجي في الحياة [10 -09- 2011 ]: نحن لا نريد فقط انتصارا أمنيا على القاعدة، وإنما نريد انتصارا يقتلع جذورها تماما حماية للإسلام قبل أي شيء آخر. ولابد من ذكر أنه كانت لابن لادن علاقة طيبة مع العائلة الحاكمة السعودية، حتى إذا كان غزو صدام للكويت وتجيش الأميركيون للرد من الأراضي السعودية بموافقة الملك، طلب بن لادن أن يتولى هو وأنصاره الرد ورفض الدور الأميركي، فلم تلب حكومة المملكة طلبه. وهذا هو الذي جعل بن لادن والقاعدة من السعودية أيضا هدفا. فابن لادن، وكل الجهاديين، من سعوديين وغيرهم، كانوا ضد وجود قوات أميركية في السعودية. ولذا أيضا، فبينما أيدت المؤسسة الدينية الرسمية موقف الحكومة، فإن الجهاديين أدانوها، وشرعوا بتوجيه النار للسعودية نفسها، وبتواطؤ من عدد غير قليل من المتمولين ومن المتنفذين في البلاد.
ملحق 2
إن من أوهام الإدارة الأميركية إمكان الفصل بين القاعدة وحركة طالبان مع أنهما مرتبطتان تاريخيا، وعضويا، ومصلحيا، وعقائديا. وهناك من يزعمون أن طالبان حركة وطنية محلية معارضة، بل ومدنية، مع أنها تحمل نفس الأيديولوجيا، وتشارك القاعدة في رفض الحداثة والحرية والديمقراطية وحقوق المرأة، ومثلها تؤمن بالعنف الدموي لحد تفجير العشرات من المساجد والمدارس في كل من أفغانستان وباكستان. ولذا لا ندري على أي أساس تريد واشنطن إجراء المصالحة مع طالبان في أفغانستان، إلا بشروط الأخيرة![1]