الكرد طليعة الثورة الديمقراطية والتحول الديمقراطي.
آلدار خليل
ظهرت حالة عدم الارتياح لدى الشعوب والمجتمعات والبحث الدائم عن الحلول للأزمات كنتيجة طبيعية للأزمات التي يعيشها النظام العالمي والحداثة الرأسمالية، واعتمادها على نمط من السلطة لإدارة المجتمعات والتحكم بها. وبذلك بدأت مرحلة ربيع الشعوب خلال الأعوام الماضية. هذه المرحلة لم تقف هكذا بتغيير بعض رموز الأنظمة وبعض الديكتاتوريات في المنطقة، بل نحن نعتبرها مرحلة جديدة من عمر ثورات الشعوب والمجتمعات ضد النظام السائد بشكل عام، وخاصة المؤسسات الاستبدادية التي تتحكم بمصير هذه الشعوب من خلال فرض أنظمة على هذه المجتمعات في المنطقة.
لذلك يمكننا القول بأن ربيع الشعوب الذي بدأ في المنطقة منذ أكثر من أربع سنوات، طبعا حتى وإن كان له امتدادات أخرى، ولكن في حقيقة الأمر وخصوصاً في الوضع السوري نجد أن المتغيرات التي حدثت والتطورات الحاصلة أثبتت للجميع أنه بمجرد البحث عن بعض عمليات التجميل وتغيير بعض من رموز الأنظمة لا يمكنه أن يعبر عن ثورة حقيقية تخلق واقعاً جديداً يتخطى واقع تلك الأنظمة الموجودة. انطلاقاً من هذا يمكننا التحدث عن الموقع الاستراتيجي الهام ومكانة الكرد ضمن هذا الواقع الذي تحدثنا عنه، فالكرد ليسوا فقط مجرد رقم موجود في المنطقة يضاف إلى الأرقام السابقة، بل يمكن اعتبارهم طليعة للثورة الديقمراطية والتحول الديمقراطي الذي لابد منه لإنجاح ثورة ربيع الشعوب. ولكن مع الأسف التحولات التي حدثت بدءاً من تونس وصولاً إلى سوريا وما يجري فيها الآن تثبت أن كل من حاول خوض غمار هذه التغييرات لم يكن يمتلك أي مشروع ديمقراطي جاد لحل مشاكل المنطقة وأزماتها سوى الكرد. فالشعب الكردي وقبل بدء هذه المرحلة كان يحضر نفسه أو بالأحرى يقوم بثورة ذهنية وثورة مجتمعية تؤهله لأن يكون طليعة وقيادة لثورة ديمقراطية في المنطقة. هذه الحالة التنظيمية والحالة المجتمعية وحالة وجود قيادة استراتيجية وتنظيمات وحركة حرية كردستانية لدى الكرد أهّلته ليكون طليعة لقيادة هذه الثورة. وهذا ما تم إثباته في التحولات التي تحدث في سوريا. ففي عموم مناطق سوريا نجد أن النظام استفاد من عدم جهوزية المعارضة وعدم وجود أي مشروع ديمقراطي موحد لديها، وعدم امتلاك أي واحد منهم لاستراتيجية محددة تؤهله للقيام بثورة حقيقية باستثناء تلك القوى التي تسعى إلى التغيير من أجل السيطرة أو لتصبح هي السلطة في المنطقة مكان النظام الذي تريد عزله والإطاحة به – طبعاً بغض النظر عن حقيقة وماهية النظام الذي يتحكم بسوريا والصفات التي يتم وصفه بها وهي طبعاً ليست بخافية على أحد- لكن الكرد تميزوا بأنهم يمتلكون ذلك المشروع الديمقراطي المجتمعي. فنحن ومنذ بداية الثورة السورية رأينا أنه من الواجب أن نحلل هذا النظام وندرس حقيقته ونكون على اطلاع بما قد يحدث أو يتوقع أن يحدث في المستقبل. والآن عندما نحاول تحليل اللوحة السورية نجد بأن النظام تمكن من تغيير مسار ما سميناه في البداية بالثورة السلمية وخلق بؤر اشتباكات وبؤر صراعات وبؤر يتوجه إليها الجميع، وذلك ما ساعد على تحويل مسار الثورة من ثورة شعبية تطالب بالكرامة والحرية والديمقراطية إلى صراع مسلح، قد يصل في بعض الأحيان إلى صراع طائفي ومذهبي ويكاد يشمل عموم سوريا.
من خلال التحولات والتغييرات نجد بأن النظام لم يعد المستهدف الوحيد في المعادلة إنما باتت جميع الأطراف تتحارب وتتصارع فيما بينها، حتى أن التركيز العالمي والجهود العالمية باتت تضع النظام في خانة ثانوية مقارنة بالأولويات التي تضعها لنفسها كالمجموعات الإرهابية والعصابات التي ظهرت في سوريا أمثال داعش والنصرة.
لذلك فإن وضع النظام حالياً بات يشبه وضع المتفرج على الأمور وعلى هذا الصراع. إن كلاً من الشعب السوري وسوريا عموماً هما المتضرران من تطور هذا الوضع. فالنظام أصبح الآن في موقف أقوى من السابق، طبعاً لا نقول بأنه استعاد جميع قوته وعافيته، إنما مقارنة بالأشهر الأولى من الثورة والدعوات العالمية إلى إزالة الشرعية عنه وأنه لابد أن يسقط خلال أيام وأشهر. هذا الواقع تبدل الآن، بات القليلون فقط يتحدثون عن إسقاط النظام. هذا التحول في المواقف يمكن اعتباره موقفاً مسانداً أو موقفاً يدعم موقف النظام السوري، فالقوى العالمية والقوى الدولية وحتى دول المنطقة باتت تركز جهودها على داعش وبات الحديث كله يتركز على العصبات الإرهابية ونادراً ما نجد تلك الدول تتحدث عن الإطاحة بالنظام.
فقطر على سيبل المثال كانت في الأيام الأولى من الثورة فعالة جداً، وكانت كل برامجها وأجنداتها وإعلامها وسياساتها متحمورة حول سوريا بشكل يومي، إلا أن دورها في الفترة الأخيرة تضاءل وباتت بعيدة عن اللوحة السورية في موقفها.
في الوقت نفسه كانت الدولة التركية تحاول دائماً التظاهر بأنها مؤيدة لمطالب الشعب السوري، وتدخلت كثيراً في موضوع إسقاط النظام إلا أنها في الفترة الحالية تركز جهودها على محاربة الكرد في سوريا وغضت النظر عن موضوع النظام السوري. المواقف الأخرى أيضاً؛ الأوروبية والأمريكية بشكل عام ليست بتلك الحدة التي كانت تتقرب بها من النظام. طبعاً هذه التحولات قد تكون من النتائج التي أفرزتها الحالة السورية والضغف الذي تعاني منه المعارضة وعدم وجود برامج ومشاريع لديها، بالإضافة إلى ظهور داعش على الساحة، كل هذه الأمور وضعت النظام في موقف جعله يخرج من حالة العزلة واللاشرعية التي كان يتم وصفه بها في السنوات الماضية. في الوقت نفسه نجد أن ظهور داعش وإحكام سيطرته على بعض المناطق في العراق وسوريا خلق واقعاً جديداً وهو ضرورة مكافحة الإرهاب الذي يشكل خطراً على المنطقة بشكل عام وقد يمتدد الى أوروبا وأمريكا أيضاً.
طبعاً هذه الأمور تساهم في تغيير المعادلة وإثبات حقيقة أن عدم امتلاك السوريين لحل بشكل عام سوف يسفر عن نتائج بهذا الشكل.
من هنا يمكن رؤية الدور الكردي، دور الثورة الكردية في سوريا، فالكرد انتهجوا النهج الثالث المعتمد على ضرورة البحث عن مشروع يوصل السوريين إلى بر الأمان عبر مشروع ديمقراطي متكامل يحفظ للسوريين جميعاً حقوقهم وفي بدايتهم تلك الشعوب التي انتهكت حقوقها وتركزت الكثير من السياسات السابقة على إنكار وجودها، من خلال مشروع الأمة الديمقراطية الذي يتم التوجه نحوه عبر نموذج الإدارة الذاتية الديمقراطية المؤسسة منذ أكثر من عام في روج آفا.
هذا المشروع الذي نتحدث عنه منذ أكثر من عام أثبت فعاليته ونجاحه في جميع الميادين المجتمعية والاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية، وأثبت أنه ليس بحل مؤقت او حل هدفه فقط الوصول الى السلطة، إنما يتعدى ذلك.
لأنه لا يبحث عن السلطة ويحقق الثورة الحقيقية. فالثورة الحقيقة التي يعتمد عليها الكرد هي خلق ذهنية جديدة أو العودة إلى الذهنية الحقيقية للمجتمعات والتي حطمها نظام الحداثة الرأسمالية الذي يرى المجتمعات كقطيع من البشر تتحكم به فئة من الناس. واعتماداً على هذا النموذج تمكن الكرد من الوصول إلى الدور القيادي والطليعي في سوريا. ونشهد الآن تردي أو تخلف الواقع الذي تعيشه المعارضة بجميع تشكيلاتها وخصوصاً تلك التي تعيش خارج سوريا كالائتلاف والمجموعات الأخرى والتي باتت الآن في وضع صعب جداً لاعتمادها على القوى الخارجية، وهي لم تكن تمتلك استراتيجية وكانت قد وضعت لنفسها برنامجاً يعتمد على تقليد ما عاشته تونس ومصر وليبيا واليمن من خلال توقعهم المستند إلى أنه سيتم الإطاحة بالنظام خلال أشهر وبذلك سيستولون على السلطة ويتحكمون بسوريا. لكن الكرد بمشروعهم هذا أثبتوا بأن من حلل الواقع بشكل جيد في سوريا هم أصحاب هذا المشروع، ولذلك يمكن اعتبار مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية مشروعاً لحل القضية الكردية في سوريا، ومشروعاً لإعادة الحقوق للشعب الكردي في سوريا، ومشروعاً لضمان استمرارية وجود هذا الشعب بالإضافة إلى تحقيق طموحات المكونات والشعوب الأخرى التي تعيش في سوريا، والتأكيد على التعايش الأخوي والسلمي بين المكونات. وهذا بدوره ساعد على ظهور بوادر قبول الآخرين لهذا المشروع من خلال التغير في التقربات التي وجدناها في مواجهة الكرد. ففي بداية الثورة كانت أغلب وسائل الإعلام وحتى الدول تسعى دائماً إلى إظهار التوجه الكردي وكأنه في صف النظام أو عدم رؤية الحراك الكردي كجزء من الثورة.
من جهة أخرى فإن القوى التي ساهمت في بلورة هذا الواقع الذي نتحدث عنه، وخصوصاً من حيث وضع النظام واستعادته لبعض من النقاط أو المواقف التي كان فقدها في الأشهر الأولى من الثورة هو الموقف الروسي المساند والمؤيد لهذا النظام بالإضافة إلى الموقف الإيراني والذي بات يتحكم بزمام الأمور في سوريا، وخصوصاً من حيث المؤسسات التي تدير البلاد والتي ما زالت من الناحية الظاهرية والشكلية باسم النظام. في حقيقة الأمر لا يمكن الاستهانة بالدور الإيراني في جميع المستجدات والمتغيرات في الداخل السوري. وعلى هذا الأساس يمكن رؤية المحاولات التي حدثت في الفترة الماضية كالمحاولات الدولية للبحث عن سبل لحل الأزمة السورية من خلال جنيف 1 وجنيف 2 والمؤتمرات والكونفرانسات الدولية الأخرى كانت محاولات فاشلة تقريباً، والآن باتت الكرة في ملعب الدول الأخرى التي لم تكن تمتلك تلك السياسة الرافضة للنظام بشكل قطعي، بل أنها تقربت بشكل يمكن تسميته بالمعتدل وخصوصاً الموقف المصري حيث أنه بدأ بالظهور إلى الواجهة في الآونة الأخيرة، فمصر باتت مركزاً مهماً لاستقطاب المعارضة المعتدلة وهذا أيضاً محاولة لإعادة البحث عن الحل بعد فشل الحلول التي سميت بالراديكالية في البداية والتي دعمتها كل من قطر وتركيا وأمريكا وبعض الدول الأوروبية.
في السياق نفسه نجد محاولات روسية للم شمل بعض قوى المعارضة والبدء بمرحلة التفاوض مع النظام، فالمحاولات التي تجري في مصر للم شمل المعارضة والبحث عن مشروع حل للمعارضة المعتدلة هي بهدف تهئية المعارضة لمواجهة هذا النظام أو التفاوض معه للوصول إلى حل ما. هناك تطور ومحاولات في هذا السياق، فالروس مازالت لديهم أجندات وبرامج للم شمل قوى المعارضة والبدء بمرحلة التفاوض. كل هذه الأمور تثبت أحقية وصحة القراءة الكردية للمشهد السوري، فبعد الوصول للعام الخامس من الثورة نجد أن الجميع بات يعترف بضرورة وجود مشروع حل للأزمة السورية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: الكرد منذ الأيام الأولى كانوا يطرحون مشاريع الحل وينادون دائماً بضرورة الاعتماد على مشروع ديمقراطي سلمي موحد لقيادة هذه الثورة، فلماذا عندما كانت هذه المشاريع تطرح من قبل الكرد يتم رفضها بالرغم من أنها جاهزة وتمتلك استراتيجية وبعد نظر يساعد على حلحلة الأمور؟! لماذا يتم غض النظر عنها ومجابهتها في حين يبحث الجميع الآن عن مشاريع الحل؟ طبعاً رفضهم للمشروع الكردي يأتي من نقطتين:
الأولى: إن قبول المشروع الكردي مباشرة يعني الاعتراف بالوجود والهوية الكردية. ويعني الاعتراف بأن الكرد هم الذين يقودون الثورة السورية.
الثانية: يحمل المشروع الكردي في طياته نقاطاً ترتكز عليها مقومات الثورة السورية، هذه النقاط التي ترتكز عليها تشكل خطراً على النظام العالمي بشكل عام، لأنها تدعو إلى إنهاء الاستبداد والتسلط كفكرة وكذهنية وكنظام عالمي، وتعني البحث عن طريق حل جديد تقوده المجتمعات بنفسها وتدير نفسها بنفسها. لعدم خضوع هذا النموذج لتلك الأنظمة يتم رفضه من قبل تلك الأنظمة قدر الإمكان. لكن المقاومة التي تمت في روج آفا والجهود التي بذلت والمؤسسات التي بنيت والإنجازات التي تحققت تجعلهم في موقف لا يستطيعون فيه محاربة ومواجهة هذا المشروع الكردي كما كانوا يفعلون في الأيام الأولى من الثورة. فالآن تم الإثبات بأن القوة الوحيدة التي يمكنها محاربة عصابات داعش والقوة الوحيدة التي تمكنت من الانتصار على داعش والتي أثبتت بأنها منظمة بشكل قوي هي الوحدات الكردية التي اعتمدت على تلك الاستراتيجية والمشروع الديمقراطي. من جهة أخرى فإن ما عاشته العراق والتطورات التي حصلت من حيث سيطرة داعش على الكثير من المناطق والمحافظات هناك، أثبت بأنه لا يمكن ضمان النجاح بمجرد امتلاك القوة العسكرية. الكرد في المقابل من خلال المقاومة التي أبدوها ضد داعش استطاعوا قيادة حلف مقاومة داعش وأثبتوا أنه يمكن دحر داعش أيضاً. هذا إلى جانب الواقع الخدمي والواقع الأمني الذي تعيشه المناطق الكردية ومناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية التي اعتمدت على هذا المشروع. حيث يمكن ملاحظة هذا الفارق عندما نقوم بمقارنتها بالمناطق السورية الأخرى. فبمجرد مقارنة بسيطة يظهر جلياً كيف أن هذا المشروع الذي يطرحه الكرد هو المشروع الأنجح والأضمن لعموم سوريا. ومن جهة أخرى لو اعتمد الكرد على النموذج الذي تريده المعارضة والقوى الدولية فإن هذا سيعني أن الكرد كانوا سيعتمدون على نموذج الدولة القوموية الضيقة. فالاعتماد على هكذا نموذج قد يؤدي إلى فصل المناطق السورية عن بعضها البعض، وهذا النموذج يؤسس لموضوع أن تعيش كل قوة على حدة، وبذلك تففد سوريا تلك الوحدة الجغرافية التي تعيشها وكانت تعيشها سابقاً والآن مازالت سوريا تعرف بنفس الاسم. ولذلك فالمشروع الديمقراطي الذي يعتمده الكرد يضمن أن تعيش جميع المكونات في سوريا معاً بسلام بحيث يتم الاعتراف بحقوق الجميع ويضمن الحرية للجميع بالإضافة إلى إفساح المجال ليعيشوا معاً لا أن يكون كل مكون منفصلاً عن الآخر.
فحقيقة الحياة الديمقراطية وحتى حقيقة الشرق الأوسط هي التعايش الأخوي والسلمي بين الشعوب والمكونات في هذه المنطقة وهذا ما ثبت خلال آلاف السنين التي مرت. فالكرد الآن باتوا في موقع يضمن ويعيد للشرق الأوسط مكانته الحقيقية، وحقيقته التي تميز بها وهي غناه وقوته بالموزاييك والتنوع الذي يتميز به، ولذلك إن أردنا شرق أوسط حقيقي وإن أردنا سوريا ديمقراطية لا بد من الاعتماد على المشروع الكردي أو المشروع الديمقراطي الذي سيبني سوريا المستقبل سوريا الديمقراطية.
تمكنت هذه الإدارة من حماية مناطقها ومواجهة عصابات داعش والنجاح في المقاومة، وتحرير المناطق التي كانت تسيطر عليها داعش، بالإضافة إلى تأمين الحياة الاقتصادية للمواطنين القاطنين في هذه المناطق، كما تحولت مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية لملجأ يلجا إليه النازحون من المناطق السورية الأخرى للأمن الذي تتمتع به حيث يمكن لأي مواطن التجول ليلاً نهاراً فيها بكل حرية. والمؤسسات والهيئات التي تشكلت والتي تدير المنطقة بشكل متطور نوعاً ما نسبة بالواقع المعاش، تمكنت من خطو خطوات إيجابية من حيث عقد العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع الكثير من الدول والأطراف والهيئات والمنظمات الدولية، وكسبت الشرعية الدولية حتى وإن لم يتم الإعلان عنها بشكل رسمي، حيث يجمع الجميع على أن مناطق الإدارة الذاتية أفضل مناطق سوريا من حيث الأمن والاستقرار وتديرها إدارة مدنية متشكلة من كثير من الأحزاب الكردية ومشاركات عربية وسريانية وآشورية وهذا طبعاً نموذج ديمقراطي يحتذى به.
ومن الإنجازات الأخرى التي حققتها هذه الإدارة هي تمكنها من دعم ومساندة الأخوة في جنوب كردستان ومنطقة شنكال، وعلى وجه الخصوص عندما تعرض شعبنا الايزيدي لمجازر وهجمات من قبل عصابات داعش. فموضوع التمكن من إنقاذ أكثر من 150 ألفاً من أهالي شنكال، وفتح ممرت آمنة لهم وإيصالهم إلى روج آفا، وإرسالهم مرة أخرى إلى المناطق الآمنة في جنوب كردستان لم تكن مهمة سهلة. إلا أن هذه الإدارة تمكنت من النجاح فيها وأثبتت جدارتها وقوتها من حيث تبني هذه المهام والنجاح في إنقاذ شعبنا الايزيدي من المجازر ومخاطر الإبادة.
في الآونة الأخيرة تم إجراء انتخابات البلديات في مقاطعة الجزيرة، هذه الانتخابات كانت من منجزات هذه الإدارة. على الرغم من أن هذه الانتخابات تمت في واقع غير مستقر وفي ظل الهجمات التي يشنها داعش على المقاطعة في كل من سري كانيه وتل تمر. ففي الأيام التي كانت فيها وحدات الحماية ترابط وتقاوم في الجبهات تحولت صناديق الاقتراع إلى خنادق يتوجه إليها الناخبون من أبناء المنطقة للتصويت وإبداء رأيهم حول مجالس البلديات التي ستخدمهم في الفترة المقبلة. وعلى الرغم من أن هذه الانتخابات كانت التجربة الأولى في هذا المستوى إلا أنها ساهمت في فتح المجال أمام مرحلة جديدة في مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية في روج آفا. حيث أن نجاح هذه الانتخابات وتمكن الشعب من اختيار مندوبيه ومجالسه ليقوموا بخدمته من خلال بلديات مناطقه إنجاز لا يمكن الاستهانة به وسيسجل في صفحات التاريخ من تاريخ الثورة السورية وتاريخ الثورة الكردية وتاريخ التحول الديمقراطي في المنطقة.
نظراً لهذه التطورات المعاشة قد يكون تقرب كل طرف أو كل جهة مبنياً على أساس الاستفادة من المشروع الكردي أو الاستفادة من القوة الكردية الموجودة والواقع الموجود حالياً. ولكن في الوقت نفسه يستفيد الكرد أيضاً أو هذه الإدارة من هذا الواقع، بحيث ترسخ أسسها وتقوي من مكانتها وتعطي المجال لتعبر هذه الإدارة عن حقيقة هذا المشروع الكردي الذي تم طرحه. بالإضافة إلى هذا يعتبر كممارسة عملية للنظرية التي نعتمد عليها في سياق هذه الثورة، وإثبات أن ما تم طرحه من مشاريع ونظريات حول بناء المجتمع الديمقراطي ليست مجرد نظريات مدونة في صفحات الكتب إنما يمكن تطبيقها عملياً وهي الآن تطبق بشكل مباشر وهذا يعني ضمان الديمومة والاستمراية لهذا المشروع.
تحوز المواقف التركية في هذا الموضوع على أهمية بالغة كونها تسعى بشكل مستمر إلى ضرب أي مكتسب كردي يتم تحقيقه سواء أكان في روج آفا أم الجنوب أم الشمال أم شرق كردستان. وهذه المحاولات التركية مستمرة منذ الأيام الأولى من الثورة إلى يومنا الراهن. وعلى الرغم من هذا ونظراً لرؤيتها هذا الواقع وقراءتها له تضطر في بعض الأحيان إلى القبول ببعض الأمور التي لا يمكن لها أن ترفضها. فمثلاً بعد المقاومة التاريخية التي تمت في كوباني والفشل الذريع الذي منيت به داعش ظهر جلياً للحكومة التركية بأنها تراهن على رهان خاسر متمثل بداعش. ولهذا باتت في موقف إما أن تختار الإعلان بأنها مع داعش أو بأنها ضد داعش. من هنا يظهر الدور الكردي الحقيقي، ففي مقاومة كوباني تمكن الكرد من التحضير والقيام بتقوية تحالف مقاومة ضد عصابات داعش وإرهابه. تركيا صاحبة دور أساسي في موضوع تطور داعش وزيادة هيمنته وتوسعه في المنطقة من خلال تقديم المساعدة والتسهيلات وغض النظر عن تحركه ضمن أراضيها ومطاراتها وتقديم بعض الأسلحة والذخيرة والعتاد له. ولكن عندما تطورت المقاومة الكردية وجد العالم أجمع بأن داعش تتقهقر. في هذه المرحلة وجه لتركيا سؤال محرج ألا وهو: هل أنتم مع المقاومة التي تتم ضد داعش أم أنتم مع داعش؟! لهذا تحاول تركيا قدر الإمكان الالتفاف حول الموضوع وهذا طبعاً أثر على الكثير من المواقف التي تتعلق بالسياسة التركية في المنطقة.
ففي الآونة الأخيرة تحاول تركيا حسم أمرها أو قطع علاقاتها مع داعش او بالأحرى تجميد دعمها لداعش لفترة ما، على الأقل من الناحية الإعلامية أو الناحية العلنية، ولذلك رأت نفسها ملزمة بأن تنقل رفات الشاه سيلمان من قره قوزاق إلى منطقة قريبة من حدودها تكون محمية من هجمات داعش من جهة، ومن جهة أخرى نقل الرفات إلى آشمى القرية الكردية التابعة لكوباني يعتبر انتصاراً دبلوماسياً وسياسياً كردياً، لأنه يمهد لتوطيد علاقات أو ترسيخ وتحضير علاقات مستقبلية بين الكرد والترك بحيث لا تتمكن الحكومة من إنكارها أو الالتفاف عليها، فمجرد القبول بنقل الرفات إلى منطقة تحت سيطرة وحماية وحدات الحماية الكردية يعني قبول تركيا بهذه الوحدات، وقبولها بأن هذه المنطقة تدار من قبل الإدارة الكردية أو الإدارة الذاتية الديمقراطية. بالطبع نقل الرفات تم بناء على تنسيق مسبق بين وحدات الحماية والجهات المعنية في الدولة التركية.
نوروز عام 2015 أو عام 2015 يعتبر النوروز أو العام المصيري بالنسبة لشعوب المنطقة وخصوصاً بالنسبة للشعب الكردي. حيث تم الإعلان فيه عن رسالة تاريخية موجهة من قبل قائد الشعب الكردي السيد عبدالله أوجلان إلى الشعب الكردي والحكومة التركية واالشعب التركي وعموم قوى المنطقة وشعوبها ودولها. وتشير إلى ضرورة الاعتماد على مشروع الحل الديمقراطي. ويعتبر هذا موقفاً مسانداً ومؤيداً للإدارة الذاتية الديمقراطية وإن كان بشكل غير مباشر. فالاعتماد على هذا النمط من الحل أو البحث عن حلول في هذا الإطار في باكوري كردستان يعني أن المنطقة بأجمعها تتوجه نحو هذا المشروع الذي اعتمدنا عليه منذ المراحل الأولى من الثورة في سوريا. وتلك الرسالة باتت كمفتاح حل يمهد الطريق لإنجاح الثورة الديمقراطية والتحول الديمقراطي، وفتح صفحات جديدة من تاريخ الشرق الأوسط وكردستان. ولكن في روج آفا وعلى الرغم من أننا كنا نريد استقبال هذه المرحلة الجديدة باحتفالات نوروز الصاخبة والعارمة والجماهيرية إلا أنه نتيجة الظروف الأمنية وبعض المعلومات الاستخباراتية والظروف التي تعيشها المنطقة وخصوصاً في الجزيرة وكوباني وعفرين تم الإعلان قبل نوروز بيومين عن إيقاف الاحتفالات المركزية بنوروز وحصرها في إطار الاحتفالات الضيقة والعائلية غير المركزية. في أغلب المناطق تم الالتزام بهذا التوجه. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه عندما حاولت بعض التجمعات في بعض المناطق الاحتفال على طريقتها الخاصة بالنوروز تمكنت عصابات داعش من القيام بهجمات انتحارية إرهابية جبانة ضد المدنيين العزل الذين كانوا يحتفلون بأعياد نوروز وخصوصاً في منطقة الحسكة، حيث هاجم انتحاريان المجموعات المحتفلة. بلا شك لابد هنا من الإشادة بموقف الأسايش التي طلبت من المحتفلين التفرق واتخاذ التدابير الأمنية اللازمة، ولكن نتيجة عدم التزام بعض الجهات السياسية بقرارات الأسايش وإصرارها على الاستمرار في الاحتفال كونها لم تولِ أي أهمية للتحذيرات والمطالبات التي تقدمت بها قوى الأسايش لهم. إصرارهم على ذلك أدى إلى حدوث تلك الانفجارات وفقدان أكثر من52 مواطناً من نساء وأطفال وشيوخ لحياتهم بالإضافة إلى أكثر من 130 جريحاً سقطوا في الهجمات الإرهابية التي حدثت في الحسكة. هنا لابد من التأكيد على أن هؤلاء الشهداء هم شهداء نوروز وهم خالدون، ولكن هذا يؤكد حقيقة أن هذه الإدارة هي التي تدير المنطقة ولا بد للجميع من الالتزام بما يصدر عنها وتطبيق كل ما تجده مناسباً وخصوصاً من الناحية الأمنية. نعلم بأن داعش لن يتوقف عند هذا الحد بل سيحاول إثارة الكثير من الفتن والقيام بالكثير من التفجيرات والعمليات الانتحارية وإرسال السيارات المفخخة إلى مناطقنا. هذا أيضاً يؤكد أن داعش فشل في مشروعه الاحتلالي ومشروعه الذي يسعى إلى إبادة شعوب المنطقة وخصوصاً الأقليات، هذا ما فعله في العراق ويسعى إليه في سوريا أيضاً، فالآشوريون والسريان والايزيدويون والكرد يعتبرون أهداف داعش الأولية والأساسية، كونه «داعش » مشروع يسعى إلى إبادة كل من حوله وإنشاء الخلافة الإسلامية التي يدعي أنه يمثلها. طرحنا مشروع الحل الديمقراطي، في البداية حاول الكثيرون إظهاره على أنه مشروع حل خاص بالكرد فقط، لكن بعد نجاح الإدارة الذاتية الديمقراطية وانتشار فكر الثقافة الديمقراطية وإثبات حقيقة وقوة هذا المشروع باتت الآن في متناول الكثير من القوى، وظهرت الكثير من الاجتماعات والكونفرانسات والمحافل التي تجتمع لمناقشة الوضع السوري. المشروع الذي طرحناه بات أحد المواد التي بين أيديهم ويتداولونه ويحاولون إجراء الدراسات عليه بغية الاعتماد عليه أو الاستفادة منه للوصول إلى مشروع شامل لعموم سوريا. المشروع الذي تمت كتابته وطرحه من قبل حركتنا هو مشروع شامل يحلل المشاكل بالإضافة إلى أنه يقدم الحلول لتلك المشاكل في عموم سوريا، ويطرح النظام البديل الذي يمكن الاعتماد عليه في سوريا المستقبل. نتوقع أن يصبح هذا المشروع المحور الأساسي للمداولات والاجتماعات التي ستحدث في الفترة المقبلة. ونتوقع له أن يتطور وينتشر في عموم المنطقة لأنه مشروع حل ديمقراطي شامل. فإن تمكنا من النجاح في أن تتبناه عموم قوى المعارضة ويتبناه الشعب السوري بشكل عام ويتم الحل السوري اعتماداً عليه فذلك سيدفعه لأن يكون نموذجاً تلجأ إليه الدول الأخرى التي تعيش في هذه المرحلة أزمات وحالات صراع حادة جداً. وبذلك يتم التأكيد أن الكرد لم يقبلوا بأن يبقوا مجرد أرقام ضمن سياق الثورة بل الكرد وبمشروعهم هذا أصبحوا هم من يقود الثورة الديمقراطية في سوريا والمنطقة بشكل عام.[1]