الرؤية القانونية والسياسية في مفهوم الإدارة الذاتية
سيهانوك ديبو
يعكس مفهوم الإدارة الذاتية كمدلول تاريخي جوانب متعددة لحياة بعض المجتمعات الإنسانية – القوميات والمجتمعات العرقية. وهو المدلول نفسه الذي من أجله تحاول الإدارة الذاتية الديمقراطية أن تخلق حالة مجتمعية تضمن وضعاً ونظرة وفعلاً مستقراً ثابتاً في نظام قانوني واحد و موحد.
وتعتبر الإدارة الذاتية ودلالاتها ذي تاريخ طويل في التفكير الإنساني والفلسفي، لا سيما في المجتمعات التي سبقت وجود الدولة القومية أو الدول ذات الصبغة الدينية، وما نقصده تحديدا المجتمعات والحضارات التي قامت على أسس تبتعد عن كل ظهور فرداني أو فئوي أو قومي أو ديني أو أي مظهر سلطوي يعمد على طمس معالم التكوين المجتمعي.
هذا الأمر يكسبه شيئاً من السهولة والوضوح والبساطة نتيجة للمعاني والأدوار التاريخية التي مر بها، وللازدواج في مدلولها بين الجانب السياسي كجانب أساسي والجانب القانوني كجانب مبهم أي ليس حتى اللحظة مدلول قانوني في القانون الدولي ودساتيرها يستفرد على هذا المفهوم الجامع والذي سيحدث لحظة الأخذ به عن طريق إداراته الذاتية الديمقراطية إلى المجتمع الديمقراطي؛ قطيعة ابستيمية عن الغرب وتقديم قيوده بعد تحطيمها إليه مرة أخرى.
فالإدارة الذاتية كمفهوم يسهل ضبطه نظرياً بعد إشباعه ممارساتياً في المجتمع الذي يتوجب وجود مثل هكذا مفهوم لنقله من مجتمع طغى عليه الفكر التوليتاري فأصبح واجب النهوض الجماهيري والتمرد الجماهيري للإطاحة بالتسلط والتعصب السلطوي للانتقال إلى المجتمع الديمقراطي عبر بوابات الادارة الذاتية الديمقراطية، وعليه فأن الإدارة الذاتية الديمقراطية تمنع الخلاف ولا يستعصى بشأنه الاتفاق، إذ هو غير غامض وبل متسع، ويتضمن قدراً كبيراً من المرونة، إذ يقترب في أحيان كثيرة من الإدارة والقانون، أي يمكنه أن يكون «حكماً ذاتياً إدارياً، وفي حالات أخرى يقترب من السياسة، وفي بعض التطبيقات قد يجمع بين الطابع الإداري القانوني والسياسي معاً إن مضمون الإدارة الذاتية الديمقراطية في غربي كردستان هو تشكيل الذات النوعية وصناعة الذات المؤمنة بأحقية قضيتها الإنسانية من خلال قدرة الفرد في المجتمع على تسيير الشعور الذاتي والإمكانية الذاتية والفكر الذاتي، فالشعور والإمكانية والفكر شروط أساسية لخلق الشخصية المجتمعية النوعية المؤمنة بعدالة وأنسنة قضيته كقضية مسلوبة الحق، وعد القضية كجزء من أجزاء الإنسانية مطبق بحقها الظلم والغبن؛ فلا يمكن قبول استمرارية الظلم بحق القضية المتبناة.
وعليه فإدارات الذات بالمفهوم الإنساني تعني تفعيل ذلك كله عن طريق توجيه الفعالية المثلى في تحقيق الأهداف والآمال.
يمكن هنا طرح مفهوم الإدارة الذاتية الديمقراطي، والتي تشتمل في بنيتها التطبيقية استقلالاً ذاتياً من كل المناحي الاجتماعية والسياسية والقانونية والاقتصادية كحل أمثل للمجتمعات ذات التنوع القومي وحتى الطائفي كمرحلة انتقالية إلى المجتمع الديمقراطي والذي من خلاله تصبح فرصة استقلالية الأمم وحتى تكوين الدولة القومية خيار مجتمعي كخيار تفاهمي وتوافقي..
إن المجتمع السوري قد مورس بحقه أقسى أنواع الظلم الاجتماعي وعلى مدى عشرات السنين طيلة فترة بقائها تحت حكم سلطات مستبدة ألغت الروح الجمعي للمجتمع.
إن تنظيم المجتمع وإعادة روحه المسلوبة من خلال تفعيل كافة المناحي المجتمعية وتنظيمها هي ضرورة وطنية سورية يحقق الانتماء الفئوي بالمعنى الحضاري إلى سوريا كحاضنة وطنية – اجتماعية قبل أي شيئ، وتنظيم المجتمع من خلال هيكلة بصيغة إنسانية ديمقراطية )مأسسة المجتمع( هي غاية قصوى من خلاله يتعمق مفهوم الإدارة الذاتية الديمقراطية بشقيها الحضاري الأنسي والاجتماعي السياسي. فهي توجيه للحد من التآكل الاجتماعي كنتيجة لمفهوم السلطة القوموية.
وعليه فإن قوة الإدارة الذاتية في غربي كردستان هي من قوة المجتمع الديمقراطي كمرحلة أخيرة من مراحل التطبيق الديمقراطي.
والحد من عملية سلطة الدولة بعد تشكيل الدولة والتي تكون على شكل إدارة عامة ممثلة للفئات والجماعات المكونة والداخلة في مجمع الإدارة الذاتية الديمقراطية لأن الدولة بقوتها وسلطتها القانونية تقوض مفهوم المجتمع كأساس تبنى عليها الدولة وتمتثلها وتمثلها. فأية دولة مهما كانت ديمقراطية تقف أحيانا وتنتقل من سلطة الدولة إلى دولة السلطة خاصة إن لم تراعي التركيب المجتمعي التي تمثلها تلك الدولة وهذا ما يفسر إلى حد كبير جنوح سلطة الدول المتكونة في أدائها القانوني والإنساني « إدارة شؤون المجتمع « وضمان نوعية الإدارة الديمقراطية هي ضمان التعايش للمجتمعات المتكونة من أنسجة متعددة ولعل الحالة السورية خير تمثيل وشاهد على ما ذكر .
إن التخلي عن ذهنية الدولة – القوموية ومفهوم الشوفينية، التعصبية، التوسعية، المركزية وتعميق التناقضات، هي ضرورة حياتية لحل دائمي وعادل وديمقراطي )لسوريا المستقبل(. لهذا فإن اتخاذ المواقف بذهنية ديمقراطية وروح قبول الآخر والسلام وتوسيع أرضية التعايش المشترك الحر بين الشعوب هو الشرط الأساسي لحل القضية الكردية في غرب كردستان عبر بوابة الإدارة الذاتية الديمقراطية. إن التخلي عن تلك المفاهيم التي تصدرت المشهد المجتمعي السياسي طيلة العقود المنصرمة من الحياة السورية والمتمثلة من قبل حكومات الاستبداد ومؤخرا في الذهنية العالقة في غالبية المعارضة السورية التي تصر على حلول ضيقة بل وتضييق الحل )للقضية( الكردية في سوريا. من أبرزها الأكثرية والأقلية، القوي والضعيف، الكبير والصغير بالنسبة للمكونات مقابل بعضها في أسلوب وآلية الحل، لأن هذا يفتح الطريق أمام الاستعصاء واللاحل والارتباط بالخارج. بدلاً عن هذا اتخاذ مفهوم فرصة )الديمقراطية التشاركية( للشعوب والمواطنة الحرة والمتساوية أساساً والنظر إلى أي مكون بأنه غنى ثقافي وحضاري وضمان ذلك دستورياً وعمليا. يتطلب أن تحترم كافة المكونات هوية وحقوق وحريات بعضهم البعض في إطار الإدارة الذاتية الديمقراطية والمقاييس الديمقراطية والعدالة والمساواة في الحقوق والحريات.
أولاً: مفهوم الإدارة الذاتية في القانون الدولي العام في القانون الدولي العام لا يوجد مسمى للإدارة الذاتية، لكن هذا لا يعطينا الحق أن نطوع مجتمعاتنا وفق قوانين أسست بناءاً على خصوصية علاقات مجتمعية غربية تكاد تكون بعضها غريبة أو غير مؤدية ومفيدة كحل للمشاكل العالقة في الشرق، وفي الوقت نفسه بمجرد عدم وجود نصوص في القوانين الدولية تحت مسمى الإدارة الذاتية لا يمنع من تخويلنا أن نفتش عن حلول ناجعة وناجحة تلائم خصوصية المجتمعات الشرقية والشعب الكردي جزء تاريخي أساس من الشرق.
وهنا وجوب التذكير في مسألة الخصوصية والعمومية مسألة مهمة. فخصوصية المجتمعات لا تنفي ضرورات التواصل بينها و بين المحيط ألأممي الذي ينتمي إليها المجتمعات .
يمكن القول أن / self- management الإدارة الذاتية من وجهة نظر علم الاجتماع القانوني، أن تحكم مناطق تواجد الكرد كمكون أصيل تثبت أصالته الوثائق والمحددات التاريخية نفسها من خلال مكونات المنطقة القومية والدينية، ويقصد به أيضاً «صيغة قانونية لمفهوم سياسي يتضمن منح نوع من الاستقلال الذاتي الديمقراطي للمناطق لأنها أصبحت من الوجهتين السياسية والاجتماعية جديرة بأن تقف وحدها مع ممارسة سلطة الدولة المستبدة عليها ». و الإدارة الذاتية الديمقراطية بعد تشكيلها ستقدم نفسها إلى هيئة الأمم المتحدة مطالبة الهيئة أن تراعي خصوصية مناطق الكرد في غرب كردستان، ويكون من المفترض حينها أن تمنحها )هيئة الأمم( وثيقة دولية، سواء وفق معاهدة دولية حتى تحظى تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية بكافة الدعم اللوجستي من قبل الهيئة العامة للأمم والتي ستكون مناطق الكرد ضمن هذه الهيئة ولو بصفة مراقب .
ومفهوم الإدارة الذاتية الديمقراطية من المفاهيم ذات الصيغة الاجتماعية – السياسية تظهر بسبب الحاجة لمثل هكذا مفاهيم نوعية تراعي الواقع ولا تحاصره. موضوعها من صلب الواقع وليست مفروضة عليها، فهو كقانون اجتماعي سياسي ستقوم بالتعامل مع المحددات الموجودة في المجتمع ومن كل جوانبها: الاقتصادية – المنشآت القائمة في عهد سلطة الاستبداد القوموية، ستتعامل سلطة الإدارة الذاتية عبر الهيئة الوطنية العليا كممثل شرعي للشعب الكردستاني في مناطق الكرد، وتقوم بتشكيل حكومة إدارة ذاتية ممثلة بحكومة ذاتية أيضا ممثلة من جمع من الوزراء أو المدراء. من أجل ضمان وتوفير حياة مجتمعية ديمقراطية تلبي حاجات المواطن وأمنه و أمانه .
الإدارة الذاتية الديمقراطية تتمتع بخصوصيّة التعامل مع الواقع المُعاش وتقبُّلها للإنسان دون تميّيزٍ للعرقِ أو للدينِ أو للوّن أو للمذهب. وهي بذلك أوسع من الحكم الذاتي الذي يضمن بقاء أي إقليم ممنوح بحكم ذاتي تحت سيطرة الدولة المركزية وحقيقة الأمر وبناء على السرد التاريخي لقصة الحكم الذاتي التاريخي، سيكون لو سن لنا بحكم ذاتي أشبه بجلب قيود من المستبد الذي لا يؤمن بقضية الكرد المشروعة وتمتين عبوديتنا إلى الحكومة المركزية. لا بد أن لا ننساق إلى العاطفة القومية وسحر السلطة القومية. لأننا ككرد محرومون منها، فلا يحق وفق الحرمان قبول التبعية وفق مفاهيم لا تمت إلى واقعنا الكردي ولا تصلح حلا ولو انتقاليا للحق الكردي المشروع .
نبذة عن الحكم الذاتي :
عندما هجرت الدول الاستعمارية سياسة اللامركزية في إدارة شؤون مستعمراتها ولجأت إلى تطبيق الحكم الذاتي بهدف تحويل رابطة الاستعمار بينها وبين مستعمراتها إلى علاقة اشتراك بمعنى آخر بقاء المستعمرات في حالة تبعية لكن في إطار جديد هو الحكم الذاتي. ومن هنا كانت العلاقة بين الطرفين على أساس مبادئ القانون الدولي العام، غير أن التحولات التي شهدها العالم بعد الحرب العالمية الأولى وتأسيس عصبة الأمم وتبنيها لنظام حماية الأقليات ونظام الانتداب جعلت مفهوم الحكم الذاتي يعرف تطوراً أساسياً، فقد تمكنت الدول الاستعمارية من إيجاد صيغة قانونية لاستمرار هيمنتها الاستعمارية وذلك عن طريق تطبيقها لنظام الحكم الذاتي في مستعمراتها. وقد أدى هذا التطور الذي شهده مفهوم الحكم الذاتي إلى خروجه من نطاقه الضيق كعلاقة داخلية إلى المجال الدولي واكتسابه بعد ذلك بعداً قانونياً دولياً. وتم التنصيص عليه بعد ذلك في ميثاق الأمم المتحدة في الفصول 73 و 74 .
وفي الفصل الحادي عشر من ميثاق الأمم المتحدة وفي المادتين 73 و 76 أشير إلى مفهوم الحكم الذاتي، والتزام الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الذين يضطلعون بإدارة أقاليم لم تنل شعوبها قسطا من الحكم الذاتي الكامل بمراعاة العمل على تنمية هذه الأقاليم، وشمل هذا الالتزام جانبين: أولهما، كفالة تقدم هذه الشعوب، و ثانيهما إنماء الحكم الذاتي. غير أن الدول الكبرى، آنذاك أصرت على ضرورة أن يكون الحكم الذاتي، وليس الاستقلال هدف هذه الشعوب والأقاليم التابعة والمستعمرة، سواء أكان في مناقشات مؤتمر سان فرانسيسكو، أو في مناقشات اللجان الفرعية فيما بعد، على الرغم من اعتراض بعض ممثلي الدول على عبارة «الحكم الذاتي » إذ كانوا يرون فيها ذريعة لتهرب الدول المستعمرة من منح الاستقلال السياسي الكامل للبلدان المستعمرة، وفي مقابل ذلك رأوا ضرورة النص على الاستقلال السياسي الكامل، كهدف للدول التي لم تكن تمتع بالاستقلال آنذاك.
وهكذا قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتشكيل لجنة في عام 1946 عرفت فيما بعد بلجنة الإعلام عن الأقاليم غير المحكومة ذاتيا non-self governing » « territories وشغل تعريف هذه الأقاليم حيزاً كبيراً من المناقشات، وذلك في ضوء المادتين 73 و 76 من الميثاق وشارك في هذه المناقشات دول عديدة،في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا ومصر، والهند والفلبين وغيرها.
وأفضت هذه المناقشات إلى تبني عدد من المعايير العامة التي لا بد من توافرها في الإقليم، حتى يمكن انطباق صفة الحكم الذاتي عليه وهي:
1 ضرورة توفر سلطة تشريعية في الإقليم تولى سن القوانين، ويتم انتخاب الأعضاء بحرية، في إطار عملية ديمقراطية أو أن تشكل بطريقة تتوافق مع القانون، وتجعلها موضع اتفاق السكان.
2 سلطة تنفيذية يتم اختيار الأعضاء في جهاز له هذه الصلاحية ويحظى بموافقة الشعب.
3 سلطة قضائية يناط بها تطبيق القانون واختيار القضاة والمحاكم
4 يتطلب عودة الناس الذين تم ترحيلهم أو جلبهم من مناطقهم رغم إرادتهم ورغبتهم في إطار سياسة التعريب والترحيل والإبادة الثقافية إلى أراضيهم وأماكنهم وأعمالهم وتعويضهم من النواحي المادية والمعنوية. كذلك إسقاط كافة الإجراءات والتغيرات الإدارية التي تمت بهدف تشويه وإضعاف موقع المكونات وإعادتها إلى وضعها الطبيعي
5 على أساس مبدأ «كافة المواطنين مشاركين ومتساوين في ملكية كافة واردات الوطن » و »الاكتفاء الذاتي » و »الحاجة » إجراء تقسيم عادل ومتساو لواردات الوطن. بشرط حصول كل إقليم ومدينة ومنطقة على نسبة )…. %( من الإنتاج المحلي.
كما تضمنت هذه المعايير ضرورة التحقق من مشاركة السكان في اختيار حكومة الإقليم من دون أية ضغوط خارجية مباشرة، أو غير مباشرة، من طريق أقليات محلية مرتبطة بقوى خارج الإقليم، تريد فرض إرادتها على الأغلبية، وبالمثل توفر درجة من الاستقلال الذاتي على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، والتحرر من الضغوط الخارجية، وتحقيق المساواة بين مواطني الإقليم في التشريعات الاجتماعية وغيرها و بمقارنة سريعة بين الإدارة الذاتية الديمقراطية و بين الحكم الذاتي نلاحظ عدم جدوى وحل لقضية الكرد في سوريا .لأن الغاية المثلى من تبني مفهوم الحكم الذاتي يؤكد النظرة القاصرة لدول الحداثة الرأسمالية وتبنيها اللاإنساني وتمسكها بمفهوم «الوصاية » التي تؤكد على الشرخ الواسع بين الشمال والجنوب ومفاهيمها الاستدلالية المركزة على تبعية الجنوب للشمال وهذا ما يخلق على الدوام أجواء متوترة بالتزاحم القومي الذي يفضي إلى نتيجة ديمومة الصراع الأثني والقومي وحتى الديني بين المكونات في مناطق الكرد في غربي كردستان. فهي بهذه الحالة لا تضع حلولا جذرية بل حلولا توفيقية متناغمة ومتماهية مع النظرة المستمدة أساساً والمرتهنة إلى سياسات خلق التوازن. والتوازن القلق، فتجعل من مناطقنا قنبلة موقوتة على الدوام.
وما يؤكد هذه النظرة في عدم قبول الحكم الذاتي النظرة الدولية القانونية لمفهوم الحكم الذاتي كمفهوم مستحدث في زمن الأقاليم والمستعمرات في بدايات القرن الماضي والذي لم يحدد موقفاً واضحاً وقاطعاً من المسألة الاستعمارية، ولم ينص صراحة على حق شعوب المستعمرات في الاستقلال.
الحكم الذاتي فإن إدراجه في الميثاق شكل نقطة الانطلاق الرئيسية لعمل منهجي ومنظم قامت به الدول المناهضة للاستعمار في الجمعية العامة للقضاء على الظاهرة الاستعمارية تماماً
ثانياً: مفهوم الإدارة الذاتية في القانون العام الداخلي السوري )القانون الدستوري( يستوجب على مشرعي القانون العام الداخلي في سوريا المستقبلية – التعددية الديمقراطية. و التي أسهمت ظروفها الحالية المشهودة بحراك رفضي لممارسات الاستبداد في كل مناحي الحياة السورية والاجتماعية والسياسية.
على المشرعين أخذ كامل الحيطة والحذر والانتباه إلى أن سوريا مكون من قوميات أو جماعات متباينة، وأن تفضي جهودهم القانونية وتشريعاتهم الاجتماعية التي هي روح القوانين إلى محاولات إظهار الروح القانونية المجتمعية في مفهوم الإدارة الذاتية الديمقراطية الطابع ألقيمي الحضاري للإدارة الذاتية، وذلك بتصويره فكرة مستمدة من مبدأ تقرير المصير القومي، والقيام بتنظيمها في إطار قانوني ليكون أساس لحل المسألة القومية ومشكلة التكامل والتمثيل للدولة السورية الفسيفسائية .
أن الحركة القومية الكردية والتنظيمات السياسية الكردية في سوريا كدولة متعددة القوميات والطوائف، لا بد أن تراعي كل الظروف الدقيقة التي نعيشها كنتيجة للقهر الاستبدادي المستشري منذ عشرات السنيين بحق الشعب السوري بشكل عام وبشكلها الخاص الشعب الكردي في سوريا. وأن الإدارة الذاتية الديمقراطية تمثل أحد أشكال التعبير السياسي القومي ) أي أنها حاضنة لجميع القوميات والأثنيات التي تتشاطر العيش في بقعة جغرافية ما( التي يمكن بواسطتها تنمية التراث الحضاري والثقافي، وقيام الجماعات القومية بإدارة شؤونها الداخلية في إقليمها القومي، وانطلاقًا من هذا التصور للإدارة الذاتية الديمقراطية )كشكل إداري أساسي في المجتمع الديمقراطي( والتي تضمن كل الحقوق القومية والدينية في مناطق الإدارة الذاتية سيكون لها الحق الكامل بالاستقلال الذاتي ضمن سلطة الإدارة الذاتية، دون رفع شعار المطالبة بالانفصال والاستقلال التام، حفاظا على وحدة الوطن وصيانة الوحدة الوطنية، وبالإضافة إلى الدور الإنساني المهمة الكبرى من مهمات الإدارة الذاتية على التخفيف من الآثار الاستعمارية التي علقت به في ظل السياسة الدولية، وديمومة وجودها ضمن حوامل وجودها وأقنيتها العفنة «سلطة الدولة القوموية » البعث أنموذجا والتي ضمنت على الدوام مصالح دول الحداثة الرأسمالية من خلال ممارستها الاستبدادية التي شرخت المجتمع السوري إلى طبقات وفق ولاءات استخباراتية التي قصفت الشعور الإنساني ونمت البغضاء ضمن مكونات الشعب الواحد و هذه كانت على الدوام آلية المستعمِر و قاعدته « فرق تسد .»
وهذا تفسير الواقع المعاش للمجتمع السوري الذي زاد عنفاً واقتتالا وشراسة .
ويمكن القول أن المقصود بالإدارة الذاتية قانونيا الإدارة الذاتية هو نظام قانوني وسياسي يرتكز على قواعد تم شرحها في المشروع المقدم من قبل مركز البحوث والدراسات الإستراتيجية الكردية إلى الهيئة الكردية العليا في كانون الثاني من العام الجاري والمسمى «قانون الإدارة الذاتية الديمقراطية »، فهو نظام لا مركزي، مبني على أساس الاعتراف بالمكون الكردي ضمن الدولة السورية وضمان حق الكرد في إدارة شؤونه بالتنسيق بين )سيادة( الإدارة المتشكلة والسلطة المركزية. ولهذا فهو في نطاق القانون الداخلي أسلوب للحكم والإدارة في إطار الوحدة القانونيةوالسياسية للدولة السورية .
ومفهوم الإدارة الذاتية الديمقراطية في الحالة الكردية وكجزء أساس من المجموع السوري تُعرّف أيضا أنها «قدرة الإدارات المحلية، والمؤسسات الاجتماعية المدنية الفعلية وحقها في تنظيم وإدارة جانب كبير من الشؤون العامة تحت مسؤولياتها، ولصالح سكانها في إطار القانون » وأن هذا الحق «يمارس عن طريق مجالس، أو جمعيات، مشكلة من أعضاء منتخبين في اقتراع حر وسري، ويتميز بالمساواة، سواء أكان مباشرا أو عاماً، ولهذه الجمعيات والمجالس أن تمتلك أجهزة تنفيذية مسؤولة تجاهه .»
إن الهدف الأساسي من الأخذ بتطبيق الإدارة الذاتية في القانون العام لسوريا المستقبلية، هو رفع الغبن التاريخي عن الشعب الكردي في سوريا وجعله مكون فاعل ورئيس من مكونات السورية الأخرى، فيضمن حقوقه القومية ضمن سوريا متعددة ديمقراطية، وبالتالي يرتبط مفهوم الإدارة الذاتية بمبدأ القوميات ارتباطاً هاماً ووثيقاً. كما أن تطبيقات الإدارة الذاتية الداخلية تأخذ شكلاً واحدا في عموم مناطق وجود الكرد في سوريا
ثالثاً: المشكلات التي قد تعترض الإدارة الذاتية في التطبيق:
مشكلة الشخصية الدولية:
إن الدولة كوحدة للقانون الدولي تتمتع بالشخصية الدولية، مع مراعاة ما يرافق ذلك من حقوق والتزامات، فهي تتمتع بالسيادة على إقليمها، وتشارك في الأنشطة التي تهم الجماعة الدولية ككل، ولها الحق في تقرير سياستها الخارجية.
غير أن تطبيقات الإدارة الذاتية سواء كان داخليا أم خارجياً، باعتبار أن )سيادة( الإدارة الذاتية الديمقراطية لن تتمتع بالشخصية الدولية، فمثلا تونس في الإطار الاستعماري و »بورتوريكو » و »غرينلاند »، لم تحظ، طبقا للحكم الذاتي، الممنوح لها، بحق تقرير الشؤون الخارجية والدفاع. فبورتوريكو ترتبط بالولايات المتحدة الأمريكية باتحاد حر، وتقوم هذه الأخيرة بتقرير شؤون الدفاع والخارجية. وفي «غرينلاند » تقوم حكومة الدانمرك بتقرير سياستها الخارجية، مع استشارة «غرينلاند » عندما يتعلق الأمر بقضايا تخصها كالعلاقة مع دول الإتحاد الأوربي، أما تونس، فكانت فرنسا هي التي تتولى إدارة شؤونها الخارجية وتمثيلها على المستوى الدولي، أما اسبانيا، فلا يختلف الأمر، إذ تتمتع المناطق المحكومة ذاتياً بصلاحيات تشريعية وتنفيذية محدودة بنطاق الإقليم، بينما احتفظت السلطة المركزية في مدريد بتقرير السياسة الخارجية، وشؤون الدفاع والأمن والخارجية، وتقرير السياسات المالية العامة والأنظمة المصرفية المعمول بها في البلاد، وكذلك عقد المعاهدات، سواء كانت اقتصادية أو عسكرية أو سياسية.
والنتيجة المترتبة على ذلك، أن وحدات الإدارة الذاتية، سواء كانت في الإطار الداخلي أو الدولي، لا تحظى بالشخصية الدولية، ومن ثم فليست موضوعاً للقانون الدولي وإنما موضوعاً للقانون الداخلي وشخصًا له .
استغلال الموارد الطبيعية:
إن )سيادة( الإدارة الذاتية لها الحق الكامل في إدارتها على مواردها الطبيعية واستغلالها. لكن و في الوقت الحالي و كمرحلة انتقالية لا ضرر من تشكل مجلس مشترك بين حكومة الإدارة الذاتية الديمقراطية والحكومة المركزية للإشراف على هذه الموارد واستغلالها وفق سقف زمني تقضيه الظروف والمصلحة العامة، توكل بعدها إلى مجلس خاص تعينه وحدة الموارد المعدنية والطاقة في حكومة الإدارة الذاتية الديمقراطية .
مشكلة توزيع الصلاحيات:
وتتلخص في كيفية توزيع الصلاحيات التنفيذية، والتشريعية، بين حكومة الإدارة الذاتية في غرب كردستان، وبين الحكومة المركزية، وهناك ثلاثة طرق لتوزيع هذه الصلاحيات.
هي: أولاً تعيين الصلاحيات التشريعية والتنفيذية بين وحدات الإدارة الذاتية والسلطة المركزية، وستعترض عيوب على هذا الحل في وجود فجوات في الممارسة، نظرا إلى تداخل العديد من الصلاحيات والمجالات في التطبيق، فضلاً عن أنه نظري أكثر منه عملي، لكن المجالس المشتركة بين وحدات الإدارة الذاتية كسلطة ممثلة عن الإدارة و بين الحكومة المركزية ستكون كفيلة للتغلب على الإشكاليات التي ربما ستحدث .
ثانيا الاقتصار على توزيع وتعيين صلاحيات الوحدات الذاتية في مجالات محددة، كما في إسبانيا وإيطاليا وكندا وهذا لا بد من أخذه بعين الاعتبار ومنذ اللحظة الأولى من ولادة وتأسيس الإدارة الذاتية .
المسائل الأمنية:
تقتصر المسائل الأمنية في تطبيقات الإدارة الذاتية في غربي كردستان على الأمن الداخلي المحدود بنطاق الإقليم المتمتع بالإدارة الذاتية، ذلك أن قضايا الأمن القومي السوري العام تدخل في عداد صلاحيات الأجهزة المركزية للدولة السورية، وطبقاً لذلك فأن سيادة الإدارة الذاتية لها صلاحية تشكيل قوة شرطة محلية. وحتى في المجالات التي لا ينص فيها على ذلك فإن إقليم غربي كردستان المتمتع بالإدارة الذاتية بإمكانه تشكيل قوة شرطة محلية تضمن تنفيذ التشريعات في مجال الضرائب والتجارة، وحماية البيئة، كما يحق له بناء وحدات الحماية الشعبية )جيش( تابعة للوزارة الداخلية في حكومة الإدارة الذاتية مهمتها الذود عن حدود إقليم غربي كردستان.[1]