الجينولوجيا علم ينبع من أحضان الطبيعة ،وينقب في أصل المرأة
بشرى علي
مرة أخرى تشهد جبال قنديل بداية تاريخية تضيفها على بداياتها السابقة غير المسبوقة، والتي سطرتها الحركة التحررية الكردستانية وحركة حرية المرأة الكردستانية بفضل الفلسفة التي يخطها قائد الشعب الكردي عبد الله أوجالان بجهود جبارة فريدة تهدف إلى فض الغبار عن خصيوصيات المرأة العتيقة العريقة، وإلى تفجير طاقاتها المكبوتة، ونبش مهاراتها المدفونة.
مرة أخرى أكدت نساء قنديل أن ميزوبوتاميا لا تزال تحتفظ بخصائصها العريقة، وهاهي تستعيد مكانتها التاريخية الاستراتيجية رويداً رويداً بفضل حرائرها من المناضلات والمقاتلات الأشاوس اللواتي لا يعرفن للسكون سبيلاً، ولا تغفو لهن عين لتحصيل العلم على تربة قنديل الخصبة العذراء…
فقد عُرِفت حركة حرية المرأة الكردستانية ببصماتها التي تركتها على العديد من البدايات التاريخية ضمن مسارها على درب حرية المرأة. واشتهرت بصماتها غير المسبوقة هذه بأنها تأتي في الميادين التي كان من المألوف أنها حكر على الرجل دون المرأة. وهكذا باتت هذه الحركة رمزاً للمرأة التي تستعيد مكانتها المرموقة التي تميزت بها عندما كانت الإلهة أنثى في غابر الزمان.
وعليه، فإنه ليس من الصعب أبدا أن نتصور منذ الآن أن هذه الحركة ستكون أول حركة نسوية تسترجع ال »ماءات » المئة والأربع التي سلبها الإله أنكي من الإلهة إينانا. وأنها ستكون أول حركة توقد نار الحضارة الإنسانية على يد المرأة بعد أن سرقها الرجل منها لتسبح البشرية في بحور من الظلام الدامس، وأنها ستكون الجسر الذي يصل بين اكتشافات إينانا وشمس الحقيقة.. وكذلك بين عراقة أور وأبهة أوروك وعظمة قنديل… وكذلك بين حضارة ميزوبوتاميا وإنسانية المشرق وثقافة العالم أجمع.
لمِ لا وهي الحركة التي كان لها شرف تأسيس أول جيش نسائي مستقل ذاتياً وخاص بنفسه، حيث تميز بضخامته كماً وكيفاً وبمشاركته الفعالة ضمن النضال التحرري الكردستاني وعلى جميع الأصعدة، في الوقت الذي كان فيه حضور المرأة في المجال العسكري بحد ذاته معضلة إشكالية في عموم العالم، وكان الرجل يحتكر هذا الميدان لنفسه، ليصول ويجول على وجه الأرض، يشعل نيران الحروب الاستعمارية، ويقتل ويدمر وينهب ويسلب تحت مسميات وذرائع وأقنعة متعددة. لِمَ لا وهي الحركة النسائية التي كان لها شرف تأسيس أول حزب نسائي خاص بالمرأة ومستقل ذاتياً، في الوقت الذي كانت السياسة فيه حكراً على الرجال، فتبوأت أعلى المستويات بمنظور نسوي خاص بها، وسطرت أسمى آيات البطولة والشجاعة انطلاقاً من أيديولوجية حرية المرأة بكل مبادئها وثوابتها وآفاقها المترامية الأطراف. واستطاعت تطهير السياسة من الشوائب الذكورية العالقة بها، بل وتطعيمها بالثوابت الأخلاقية والسياسية والإنسانية الشفافة الراقية..
لمِ لا وهي أول حركة نسائية رصفت الأرضية لأطروحة كونفدرالية المرأة في وقتٍ يتصارع فيه العالم الذكوري على اقتسام كعكة الشعوب المضطهَدة المسحوقة، ويؤجج فيه الحروب لاغتصاب ثروات الأرض الباطنية والسطحية. فكانت هذه الأطروحة صفعة كبرى في وجه الذهنية الذكورية القتالية والاعتدائية والنهابة السلابة. حيث تتغنى هذه الأطروحة بالتعايش المشترك بين مختلف الشعوب والأمم والأثنيات والهويات والمعتقدات، وتتمحور حول حرية المرأة في نسج نظامها النسوي العادل والديناميكي.
لِمَ لا وهي أول حركة نسائية شهدت تشييد صرح نظام الرئاسة المشتركة ضمن الحركة التحررية الكردستانية، ليكون بحد ذاته أرقى ثورة نسائية عرفتها البشرية، تسمو بالمرأة فعلاً وقولاً وعقلاً…
لِمَ لا وهي الحركة التي تؤسس الآن لعلم الجينولوجيا )علم المرأة( باعتباره علماً معنياً بثالوث المرأة والحياة والمجتمع… وهكذا سوف تضع الأساس لثالوث مقدس تتسم عناصره بمتانة الأواصر فيما بينها بصورة حيوية ومصيرية بعدما عانت الانفصال والتشرذم والوهن لآلاف السنين… حيث شهد شهر أيار من العام الجاري 2015 انعقاد مؤتمر الجينولوجيا )علم المرأة( الأول على ذرا الجبال الحرة بحضور عشرات العضوات من مختلف الساحات التي ينبض فيها القلب النضالي التحرري النسائي متمثلاً في منظومة المرأة الكردستانية .KJK لم تنسَ عضوات اللجنة التحضيرية للمؤتمر شقيقاتها من اللواتي خضن نضالاً عتيداً على درب حرية المرأة طيلة تاريخ البشرية المظلومة من مختلف الأثنيات والأمم، بدءا ب أسباسيا وهيباتيا، ومرورا بروزا لوكسمبورغ وإيما غولدمان، وصولاً إلى ليلى قاسم وكلناز خانم وسناء حيدري وسكينة جانسز. وكذلك صور العديد من شهيدات الحرية، سواء في مقاومة روجافا على اختلاف مدنها، أو في عموم الثورة التحررية الكردستانية. ولم تنسَ عضوات المؤتمر استذكار شهيدات وشهداء شهر أيار بشكل خاص… وتميزت قاعة مؤتمر الجينولوجيا الأول بنقاشات عميقة وغنية بصدد قضايا المرأة في ميادين الأخلاقيات والجماليات والاقتصاد والأيكولوجيا والديموغرافيا وغيرها من ميادين العلوم الاجتماعية، بالإضافة إلى ميادين السياسة والثقافة والفن والحقوق والقانون. وتميزت تلك النقاشات بمنظور نسوي شامل وعميق يتطلع إلى تحقيق التحول الثوري في كل الميادين كي تسري في مجاريها الحقيقية.
وكان قائد الشعب الكردي عبد الله أوجالان حاضرا بصوره وتحليلاته وتوجيهاته في كل زوايا المؤتمر ونقاشاته ومقرراته وعلى جميع الأصعدة. ولا عجب في ذلك، فهو صاحب هذا المنظور والمصطلح. وهو الذي قال: «على المرأة أن تكون ذاتها »XWEBÛN« ، وقال «إن العلم الذي يتمحور حول المرأة هو الخطوة الأولى نحو علم اجتماع صحيح »، وقال «العلم هو التحليل الأرقى للمعنى .» إليكم بعض الجمل التي انتقيتُها من بين توجيهات القيادة إلى المؤتمر: « لم يُكتَبْ بعدُ تاريخ عبودية المرأة. أما تاريخ حريتها، فما يزال ينتظر التدوين. يتستر تاريخ عبودية المرأة في ثقافة الشرق الأوسط بكل تأكيد. ولهذا السبب، فإن انطلاقتها أيضاً ستكون في هذه الأراضي. بالتالي، فقد يكون الجينولوجيا انطلاقة محورية. فكلما بقيت طبيعة المرأة في الظلام ظلت طبيعة المجتمع برمتها تعاني الظلمات.. أما التنوير الحقيقي والشامل للطبيعة الاجتماعية، فهو غير ممكن إلا بالتنوير الواقعي والشامل لطبيعة المرأة. حيث إن تسليط الضوء على تاريخ استعمار المرأة وصولاً إلى الكشف عن كيفية استعمارها اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وذهنياً سيقدم مساهمات عظمى في كشف النقاب عن كل المواضيع الأخرى في التاريخ، وفي تسليط الضوء على المجتمع بكل أبعاده. وعليه، فإن القرن الحادي والعشرين سيكون قرن حضارة المرأة .»
أما حول: ولماذا الجينولوجيا؟ لماذا علم المرأة؟ فقد جاء الرد من خلال وثائق معنونة بتساؤلات استراتيجية تاريخية تبحث عن أجوبة تليق بهذا المصطلح وتحاكي قوة المعنى المخفية فيه. ويمكنني اختصار تلك الأجوبة المطولة في هذه العبارات المقتضبة: من أجل تحقيق نهضة المرأة… من أجل تطوير أسلوب في البحث يرتكز إلى حقيقة المرأة… من أجل تكريس حياة الشراكة الندّيّة الحرة… من أجل تتويج تمرد أقدم مستعمَرة على وجه الأرض )المرأة( بالنجاح الموفق… من أجل تعزيز منظور يتطلع إلى تحقيق التوازن في بناء مجتمع حر وفرد حر… من أجل تفجير ثورة حقيقية في العلوم الاجتماعية… ومن أجل تأمين نظام من الدفاع الذاتي الذي لا يتزعزع.
وعليه، فإن حركة حرية المرأة الكردستانية تصبح بذلك عنواناً لفك طوق الصمت المُطبِق على المرأة، ويغدو تمردها ذا لغة خاصة بها ونشاط مصبوغ بلونها وعقل متقد بذكائها ومهاراتها وحكمة مشحونة بفطرتها وسجيتها… واليوم باتت أول حركة تؤسس لعلم المرأة في بلاد الإلهة «عشتار – ستار » لتسطع فيها شمس الحقيقة في سماء الحرية.
فكما كانت بلاد الإلهة الأنثى إينانا وعشتار مهداً لثورة النار والزراعة والحضارة على يد المرأة… فهاهي اليوم تشهد ثورة «علم المرأة » و »نهضة المرأة » وما سيتمخض عنها من نظريات ومصطلحات ومؤسسات تتمحور حول المرأة مما سيكون له الأثر البالغ على تاريخ البشرية على المدى الطويل..
إنها ثورة المعنى والحقيقة المتمحورة حول المرأة، والتي ستكون الجواب الأمثل للحياة المسلوبة التي تفتقد معانيها وجلالها وجمالياتها. إنها ثورة المرأة التي يمكن تسميتها أيضاً بثورة العصرانية الديمقراطية. هذه الثورة المنطلقة من نظرية الأمة الديمقراطية، والمرتكزة إلى نظام الكونفدرالية الديمقراطية. إنها الثورة المحصَّنة بالذكاء العاطفي للمرأة، وبمهاراتها الإنسانية والسلمية الراقية.
إن الجينولوجيا علم يهتم بالتنقيب في تاريخ المرأة وسيتعقب أثرها ليكشف عن آثارها، وسيدرس شخصياتها ليرسم مسار مسيرتها على مر التسعة آلاف سنة الماضية. وعليه، فقد يؤسس بذلك لظهور علم آخر يتفرع عنه، قد نسميه في المستقبل القريب «علم أركولوجيا المرأة ». هذا ويقوم الجينولوجيا بتصنيف عمليات بحثه وتنقيبه ودراسته تلك ضمن تسعة أبعاد تعتبر الدليل العملياتي والمرشد الأساسي في دراسة أصل المرأة. وهذه الأبعاد التسعة هي: «الأخلاقيات والجماليات، الاقتصاد، البيئة، السياسة، علم السكان، الصحة، التعليم، التاريخ، الدفاع الذاتي .» ولا شك في أن التكامل بين مختلف الفروع المذكورة ضرورة حتمية، لتلافي التشتت والتجزؤ الذي يعاني منه ما يسمى في حاضرنا بالعلم، والذي هو في حقيقته أقرب ما يكون إلى العلموية والمعرفة السلطوية. وبمعنى آخر، فإن العلم الراهن قد أقصي منه الشعب عموماً والمرأة خصوصاً، وبات غريباً عن المجتمع، فما عاد يهمه أن يتسبب اختراعه للقنبلة النووية في دمار مدينة بأكملها، ولا أن تنتج عن قنبلته الذرية تدميرات وأضرار لا تزال البشرية تجتر مخاضاتها وتعمل على تضميد جراحها حتى اللحظة بسببها. لقد بات ما يسمى ب »العلم » قطاعاً ربحياً يعلو على حساب الفقراء وعلى أكتاف الإنسانية، ليدوسها وتعمى عيناه عن وجودها. لكن، عندما نقتفي أثر العلم فإننا سنرى أنه، مثلما كانت الإلهة في الأصل أنثى، فقد كان العلم في جذوره مجتمعياً، ومن اختراع المرأة، وغير جنسوي، ولم يفتقر إلى الروح والحيوية على الإطلاق. بل كان مفعماً بالاختراعات والاكتشافات التي تدخل في خدمة الحياة الاجتماعية وتفيد المجتمع. ولم تكن هناك الجبال الجليدية والتجريدية الحالية التي تفصل بين العلم والمجتمع وتجعلهما غريبَين عن بعضهما البعض.
بالتالي، فإن الجينولوجيا يهدف إلى ردم الهوة القائمة بين المجتمع والعلم والحياة. تماماً مثلما يهدف إلى بناء اقتصاد تشاركي بيئي سليم، انطلاقاً من القناعة بأن الاقتصاد غير المعني بالبيئة لن يهمه تدمير البيئة أو تلوثها، ولن يهدف إلا إلى الربح والاحتكار. بالإضافة إلى القناعة بأن علم السكان المنقطع عن الاقتصاد هو علم غريب عن الحياة أيضاً، ولا يهتم سوى بالاستهلاك والنزعة الاستهلاكية تحت اسم التوالد والتكاثر. وعليه، فإن الجينولوجيا هو العلم الذي يتناول هذه الفروع والأبعاد ككل متكامل تربطه ببعضه البعض علاقات حيوية لا غنى عنها.
فكما بحث نيتشه عن الحقيقة من خلال «أصل الأخلاق ونسبها »، وبحث ميشيل فوكو عنها من خلال «أركولوجيا المعرفة »؛ سوف تبحث حركة حرية المرأة الكردستانية عن الحقيقة من خلال طرحها لمصطلح «أركولوجيا المرأة .» ومقصدنا من هذا المصطلح هو تطوير علم التنقيب في هوية المرأة، في تاريخ المرأة، في حاضر المرأة، في مشاعر وعواطف المرأة، في فكر وعقل المرأة، في بنية وذهنية المرأة، وفي كل الظواهر والأحداث التي تتعلق بالمرأة. بمعنى آخر، فإن الغرض منه هو التنقيب عن وجود المرأة، وإظهاره إلى النور وإخراجه من تحت أطلال خمسة آلاف عام من العبودية والاستغلال والاستعمار لجنس المرأة. وعليه سيتم إعادة تعريف هوية المرأة وهوية الرجل أيضاً. بالتالي فإن الجينولوجيا هو البديل الحيوي والمصيري لكافة القضايا الاجتماعية العالقة وللذهنية الذكورية الوحشية التي تعاني منها البشرية منذ آلاف السنين، والتي بلغت ذروتها خلال القرون الأخيرة، وبالتحديد في خضم الحرب العالمية الثالثة الناشبة في منطقة الشرق الأوسط… كما أن الجينولوجيا لن يقوم فقط بالتنقيب في ماضي البشرية عموماً أو ماضي المرأة خصوصاً، بل سيعمل على شرح المراحل التاريخية والاجتماعية كلها وفق منظور وبراديغما الحضارة الديمقراطية، وسيركز على إيجاد الحلول الناجعة والأجوبة المثلى لإشكاليات المرأة العبد والرجل السلطوي والمجتمع الجنسوي والدولة القومية الاحتكارية، وذلك من خلال ترسيخ المنظور المجتمعي الديمقراطي العادل والمتساوي والحر، ومن خلال تكريس الحياة الأخلاقية والسياسية الراقية.
وهكذا، فقد تناولت حركة حرية المرأة الكردستانية مصطلح الجينولوجيا بعقل المرأة المنطقي، وأسست له في مؤتمره الأول بذكائها العاطفي على حواف سلسلة جبال طوروس- زاغروس، هذه الأراضي العذراء التي شهدت أول عملية لزرع بذور العلم والمعرفة والحكمة على يد الإلهة الأنثى.
وهذا معناه أنها تبحث عن الحقيقة في المكان الذي ضاعت فيه منها. تبحث عن العلم والمعرفة في المكان الذي أفلتت فيه زمامه منها… تبحث عن الحرية في المكان الذي استُعبِدت فيه… بالتالي، فإنها تقوم بإيقاد مشعل الحكمة في مهد بلاد الحكمة والفلسفة والعلم، لتسترجع عهد ازدهارها وتتحول ثانية إلى قِبلة يقصدها متعطشو العلم والحرية والإنسانية والعدالة والمساواة.
فكما أن البشرية انتشرت من حواف سلسلة جبال طوروس – زاغروس نحو كافة أرجاء العالم، فإن حركة حرية المرأة الكردستانية اليوم تقوم بريادة الثورة النسائية المجتمعية المعاصرة في كافة الميادين وعلى جميع المستويات، والتي ستتسع حلقات موجاتها لتصل العالم أجمع، ويدوي صداها في كل العقول، وتذيب بحرارتها جليد القلوب الجامدة، وينقشع بصفائها وضوئها الظلام الذكوري الحالك، فتسطع بنورها شمس حرية المرأة… شمس الحقيقة، شمس كرامة الإنسانية…
وهذا هو أفضل انتقام من مجازر المرأة والإبادات النسائية الجماعية التي تحصل في حاضرنا بوحشية تفوق ما شهدته البشرية طيلة تاريخها بأكمله… إنه أفضل تمرد على غياب المعنى والروح والقيم المعنوية، وعلى الانسداد المعنوي والأخلاقي الذي يعاني منه النظام القائم، والذي يتمثل اليوم في داعش ومَن يسير على خُطاه بمختلف المسميات.
فباعتبار أن المرأة مقصية عن الحياة بكافة مناحيها، فإن البشرية تعاني منذ زمن ليس بالقريب من أزمات خانقة وحروب دموية وحشية، حيث يتم قتل الحياة واغتصاب الحرية والاعتداء على الثورات بعدما تم استعباد المرأة لتغدو أول طبقة وأول أمُّة وأول جنس مستعمَر بعدما كانت الأنثى الأصل، أصل الحياة والحرية والمجتمعية والسمو… بمعنى آخر، المرأة الحرة هي التي ستعمل بثورتها الاجتماعية الشاملة على إنقاذ البشرية مما تعانيه من مخاضات وأزمات ومشاكل وقضايا تسبب بها الرجل والعقل الذكوري الماكر. بالتالي، فإن بالإمكان القول إن الجينولوجيا بمعنى آخر هو مصطلح يدل على علم الاشتراكية الديمقراطية الحقيقية، لأنه تمرد على النزعات القوموية والعلموية والجنسوية والدينوية التي تؤججها الذهنية الذكورية السلطوية الاحتكارية. إنها ثورة على ليبرالية الغرب التي تخنق الفرد تحت اسم الروح الفردية. وثورة على دوغمائية الشرق التي تخنق المجتمع تحت اسم
قل لي كلمة
تدل على الحياة
على الحرية
على حقيقتي وإنسانيتي
* * * * *
قل لي كلمة
دافئة
ليست بعيدة عني
ليست غريبة عني
بل مني
* * * * *
قل لي كلمة
تدل على جسدي
على روحي
تشير إلى ماضيّ وحاضري ومستقبلي
الروح الجماعية. إنها ثورة تهدف إلى الوصول إلى حقيقة المرأة الحرة بغرض تكريس حياة أخلاقية جميلة وصحيحة وراقية.
وأخيراً وليس آخراً أقول: لطالما تم تطوير العلم ونسج خيوطه في الأكاديميات الاختصاصية والجامعات التخصصية لكن مناضلات وكادرات KJK رصفوا أرضية الجينولوجيا على ذرا الجبال، كي يَقلِبن بذلك كل حفظيات العالم رأساً على عقب، ويثبتن أن العلم ينبع أصلاً من أحضان الطبيعة، ولا يمكن أن ينفصل عنها، وأنه حين تم فصل العلم عن البيئة والطبيعة والأهداف النبيلة بات حكراً على الدولة الذكورية بمختلف سلطاتها الاحتكارية. وعليه، فقد حان الوقت كي تتدفق المرأة في مجرى الزمان المقدس، كي تحيك بنولها نسيج نظامها الكونفدرالي الديمقراطي بخيوط الحياة الاجتماعية الديمقراطية، وتنقش لوحة الفرد الحر والمجتمع الحر عليه.
وفي النهاية أود اختتام مقالتي هذه بمقتطفات من الشعر الذي تمت قراءته في مؤتمر الجينولوجيا الأول، متمنية أن أكون قد وفقتُ في ترجمته إلى العربية:
قل لي كلمة
تختصر في ذاتها الجمال والجرأة
تشير إلى كنه الخَلق والسماح والسمو
تنضح بالحب والعدالة
وترمز إلى حكمة العشق الحميمي
* * * * *
قل لي كلمة
تدل على الأنثى
تختصر في ذاتها
المرأة والحياة والحرية…
* * * * *
هل عرفت ما هي الكلمة؟
إنها المرأة
إنها JIN
[1]