تقديم وقراءة#شوكت خزندار#
أهداف ومحتوى الثورات الكردية !
كانت الثورات الكردية المتعاقبة ضد الظلم القومي وضد الإلحاق وضد نهب خيرات البلاد ، فالثورات التي حدثت في كردستان في القرن التاسع عشر ، عندما عمدت الإمبراطوريتان الفارسية والعثمانية إلى القضاء على الامارات الكردية شبه المستقلة ، كان يلازمها فرض الادارة الاجنبية وتنفيذ سياسة القمع والاضطهاد ضد الشعب الكردي ومحاربة الثقافة القومية وتشويه اقتصاديات كردستان . فلم تكتسب عملية القضاء على الامارات الاقطاعية رضا الجماهير الكردية ، لأن الاضطهاد أصبح شاملاً ، فوقفت الجماهير وخاصة جماهير الفلاحين إلى جانب أمرائها الاقطاعيين ضد البرجوازية والشوفينية التركية والفارسية وضد الدول الاستعمارية التي تغلغت في معظم المرافق الاقتصادية في تلكما الامبراطوريتين .
ولم يستهدف الغاء الامارات الكردية ، الغاء النظام الاقطاعي ، بل لتحطيم الحدود بين تلك الامارات لتسهيل تغلغل الرأسمالية ، وهي أجنبية على الأكثر ، وتحقق بشكل عرضي السوق الموحدة ولما كان الظلم هو هو ، أتى من دولة بعيدة أو قريبة ، فأن التصدي لهذا الظلم اكتسب طابعاً تحررياً مشروعاً على الرغم من ان تلك الانتفاضات يقودها الامراء الاقطاعيون ورجال الدين . ولكن اخفقت تلك الثورات لأنها كانت تندلع في احدى الامارات دون الاخريات ، وكثيراً ما كانت تلك الحكومات تستغل العداء والتناقض بين الامارات الاقطاعية الكردية لدفع بعضها ضد البعض الآخر لسحق تلك الثورات وكانت البرجوازية الكردية ضعيفة بدرجة لم تكن قادرة على التأثير في مجرى تلك الثورات أو تبوء قيادتها . ولم تتمكن أية ثورة من تلك الثورات كسب وتأييد أو عطف الشعوب التي تعيش معها رغم كونها تعاني من الاضطهاد أيضاً على أيدي حكام تلك الدولتين . ولعب التنافس الروسي البريطاني دوراً كبيراً لتقوية الدولتين الايرانية والتركية وتزويدهما بمستلزمات سحق الثورات الكردية .
ان الثورات التي اندلعت في القرن العشرين ، وخاصة بعد الحرب العالمية الأولى ، كانت تختلف من حيث مضامينها وأهدافها السياسية عن الثورات السابقة ، في الوقت الذي كانت الثورات الكردية في القرن التاسع عشر لها أهداف أقليمية محدودة ويقودها الامراء الاقطاعيون ، أصبحت للثورات المعاصرة في كردستان أهداف شمولية يلعب فيها أحزاب قومية وطبقية من المثقفين والتجار دوراً بارزاً ، وان كانت لاتزال تستعين برؤساء القبائل الكردية ورجال الدين لتحريك جماهير الفلاحين للاسهام في الثورة ، ولها برامج قومية واضحة تهدف الى حق الاكراد في تقرير مصيرهم بنفسهم كسائر شعوب العالم فكان الشعب الكردي قد حرم من هذا الحق بسبب معارضة الدول الاستعمارية له .
وقد قال الحاكم السياسي البريطاني في السليمانية ( ميجر سون ) عن أهداف ثورة الشيخ محمود : انه أراد أن يصبح دكتاتوراً في جميع البلاد الممتدة من خانقين الى شمدينان ومن جبل حمرين الى داخل حدود إيران .
وقال المدعي العام التركي عند محاكمة الشيخ سعيد بيران ورفاقه :
كنتم متفقين جميعاً على اقامة كردستان مستقلة .
وتساءل القائد الهندي جواهرلال نهرو حول سحق الثورات الكردية قائلاً :
كيف يسع أحداً أن يسحق شعباً يصر على نيل حريته وعلى استعداد لدفع ثمنها
لقد فشلت الثورات الكردية التي اندلعت بعد الحرب العالمية الأولى أيضاً بسبب ضعف فئة من المثقفين والتجار التي أصبح لها دور في توجيه وقيادة تلك الثورات . فلم تتمكن هذه الفئة من تحريك الجمهرة الاساسية في الثورة وهي طبقة الفلاحين . فكانت تستعين برؤساء ال
عشائر ورجال الدين ، وكانت الفئة الأخيرة تنسحب من الثورة في ظروفها الحرجة عندما تتطلب مصالحها ذلك . كما تعاونت الحكوممتان التي اقتسمت كردستان لسحق تلك الثورات .
إذن ... ان الشعب الكردي بحاجة الى تنظيمات ( الجمعيات والنقابات والاحزاب ) تكون قادرة على تعبئة أوسع الجماهير وجديرة بقيادة الشعب للنضال من أجل حقه في تقرير المصير .
الظروف التي تأسست فيها جمعية
داركه ر ( الحطاب )
جرى نهوض جديد في الحركة القومية الكردية في العراق بعد الوهن الذي أصابها جراء فشل الثورات الكردية التي قادها رجال الدين وكبار ملاك الاراضي في كردستان على أثر نهوض الحركة الديمقراطية في اعقاب الانقلاب العسكري الذي قاده الفريق بكر صدقي العسكري عام 1936 (6) والذي أدى الى الإطاحة بحكم رئيس الوزراء ياسين الهاشمي ( 7 ) .
وهناك تفاسير عديدة حول حقيقة ودوافع ذلك الانقلاب العسكري فمنهم من يعتقد ان اتفاقاً قد جرى بين الملك غازي والفريق بكر صدقي للاطاحة بحكومة ياسين الهاشمي عندما أستأثر الأخير بالسلطة ولم يكن للملك سلطة دستورية باقامة الحكومة ، فلجأ الى الانقلاب العسكري لذلك . ويفسر القوميون الانقلاب ب الشعوبية ضد حكومة ياسين الهاشمي القومية ، إلا ان الرأي المستند إلى وثائق هو ، ان جماعة الأهالي ( 8 ) التي جمعت شخصيات سياسية متباينة في تفكيرها السياسي هي التي اتصلت بالفريق بكر صدقي عن طريق صديقه الشخصي السيد حكمت سليمان ( 9 ) لتدبير ذلك الانقلاب ، عندما استأثر ياسين الهاشمي بالسلطة ووقف ضد الذين طالبوا بالحريات الديمقراطية ومنهم جماعة الاهالي .
تشكلت في اعقاب الانقلاب العسكري الذي قاده بكر صدقي عام 1936 ، حكومة برئاسة السيد حكمت سليمان واشترك فيها من جماعة الاهالي السيدان كامل الجادرجي ومحمد جعفر أبو التمن واجرت الحكومة انتخابات برلمانية ، تمكن عدد من اليساريين والديمقراطيين من الوصول الى البرلمان ، واطلقت الحكومة بعض الحريات النقابية والديمقراطية . إلا ان التربية العسكرية والسياسية للفريق بكر صدقي قد خلقت منه شخصاً لا يؤمن بتحقيق الاصلاحات عن طريق إطلاق الحريات الديمقراطية للشعب . وكان تفكيره السياسي ينحصر في القيام باصلاحات اجتماعية وسياسية عللا غرار ما قام بها كل من مصطفى كمال في تركيا ورضا شاه في إيران . وعلى الرغم من اكتفائه بمنصب رئيس أركان الجيش ، إلا انه هو وصديقه حكمت سليمان الذي كان في تفكيره السياسي ، قد استأثر بالسلطة ، الأمر الذي ادى الى ابتعاد جماعة الأهالي عنهما ، فانسحب كل من السيدين كامل الجادرجي ومحمد جعفر أبو التمن من الوزارة وانفضت الجماهير عن تأييد الحكومة عندما بدأت بحجب الحريات واضطهاد التقدميين ، فأصبح الجو ملائماً للأطاحة بالحكومة ، جرى ذلك باغتيال بكر صدقي في الموصل واسقاط حكومة حكمت سليمان والحكم عليه بالسجن المؤيد .
والحدث الثاني ، هو عقد ( مبثاق سعد آباد في 8-07- 1937 الذي عقد بين العراق وتركيا وإيران وافغانستان ، بايحاء من الدول الاستعمارية ، وهو موجه بالاصل ضد الدولة السوفياتية الفتية ، وكان بمبادرة من تركيا عندما هدد موسوليني دول حوض البحر الابيض وادعى ان هذا البحر هو بحر ايطالي . الا ان المادة السابعة من الميثاق نصت على تعاون تلك الدول ل منع قيام اية حركة قومية كردية ... .
ولعقد هذا الميثاق علاقة بمدينة كركوك التي كان يتجمع فيها الطلاب الاكراد من سائر مدن كردستان لوجود المدرسة الثانوية الوحيدة فيها من المنطقة .
فقد قام وزير خارجية تركيا ( توفيق رشدي آراس ) بجولة تمهيدية للاعداد لهذا الميثاق ، قادماً من تركيا بالطريق البري عبر مدينة كركوك الى بغداد . وبايعاز وتشجيع من حكومة بغداد ، قام التركمان في المدينة باستقبال حافل له ، رفعوا خلاله مئات من الاعلام التركية فكان استفزازاً لمشاعر الاكراد يكوّنون الاكثرية في اللواء وفي المدينة وكان هذا محفزاً لهم للقيام بعمل مضاد .
والحدث الثالث هو الازمة الاقتصادية الخانقة التي كانت تعصف باقتصاديات الدول الرأسمالية في أوربا ، وهي تحاول الخلاص منها بالقاء عبئها على المستعمرات والبلدان التابعة لها . ونالت كردستان أيضاً قسطاً من هذا العبأ الثقيل ، أضطر فيه الفلاحون الى بيع محاصيلهم باسعار بخسة لا تسد الرمق . فقد تدهورت اسعار الحبوب ، وهي المحصول الرئيسي في كردستان ، الى مائة وخمسين فلساً للكيس الذي يزن 80 كيلو غراماً من الحنطة ومائة فلس للشعير ،الأمر الذي أثر على جميع الطبقات والفئات وادى الى الركود في الأسواق .
وخيمت على العالم مخاطر اندلاع حرب عالمية جديدة وهو لم يشف بعد من جراحات الحرب العالمية الأولى التي يتذكر الأكراد الآلام التي لا حدود لها واوضاعهم المأساوية . عندما كانوا يساقون الى جبهات حرب لاناقة لهم ولا جمل . وكذلك الأوضاع التي عاشوها بعد الحرب من الأوبئة والمجاعة والمضالم .
في هذه الظروف الصعبة وتحت تأثير تلك الاحداث والنهوض القومي في العالم وتصدي الشعوب للمظالم الاستعمارية ( مقاومة الشعب الاثيوبي ضد الاحتلال الايطالي ) فكر عدد من الطلاب الكرد في المدرسة الثانوية المركزية بكركوك بتأسيس جمعية سرية تجمع شملهم وتوجه نشاطهم القومي للتصدي لتلك المخططات التي رسمتها دول ميثاق سعد آباد الذي يستهدف في بعض ينوده وجودهم القومي . فكانت ولادة جمعية ( داركه ر = الحطاب ) التي اصبحت نواة لتأسيس حزب سياسي كبير بعد سنة واحدة من تأسيسها ، وهو حزب ( هيوا = الأمل ) الذي لعب دوره السياسي على الساحة القومية في اعوام 1937 1945 في كردستان العراق .
ولم تكن هاتان الجمعيتان هما الوحيدتان التي شكلتهما الفئة المثقفة الكردية . فقد سبق ان أسس الفريق مصطفى باشا ياملكي في عام 1922 ( جمعية كردستان ) وكان من أعضائها المؤسسين السادة رفيق حلمي وأحمد بك وتوفيق بك وصالح قفطان وشكري علكة وحاجي آغا فتح الله وفائق عارف وابراهيم أدهم والشيخ محمد كولاني وأحمد بهجت وعلي بايز آغا .
وأصدرت هذه الجمعية ثلاثة أعداد من صحيفة ( بانكي كردستان ) وتأسست جمعيات سرية أخرى ، أهمها ( كومه لي ئازادي كوردستان جمعية حرية كردستان ) ومن أبرز أعضائها جمال بابان ومحمد عبد الرحمن آغا ورؤوف جلالي ومحمد بك جاف والشيخ جمال الطالباني واسماعيل بك راوندوزي وحازم شمدين آغا .. الخ .
وتأسست في عام 1930 في بغداد ، جمعية ( لاوان الشباب ) من الطلبة الكرد وأصدرت عددين من نشرة ( دياري لاوان ) . ومن أبرز أعضاء الجمعية، إبراهيم أحمد وحامد فرج وشاكر فتاح وفاضل رؤوف الطالباني .
وكان لحزب خويبون الذي تأسس في تشرين أول 1927 في بحمدون بلبنان فرع قوى في كردستان العراق وكان يترأس الحزب في حلب التي أصبحت مقراً دائماً له ، السيد أمين عالي بدرخان . ومن أبرز أعضاء الحزب في كردستان العراق ، السادة : مصطفى صائب وعثمان فائق وعلي عرفان وفؤاد مستي وكريم زانستي والسيد إبراهيم الحفيد والشيخ عزيز طابو وعبدالواحد نوري وعلي حاجي صالح وشوكت عزمي بابان وجلال فتاح وعبدالخالق أسيري والدكتور محمد شكري صطبان ومصطفى شوقي وخلف شوقي الداودي وغيرهم .
وتأسست جمعية سرية في السليمانية عام 1938 برئاسة الشيخ لطيف الشيخ محمود ومن أبرز أعضائها محمود شاويس واسماعيل حقي شاويس وعزت كابان وأحمد شكري والشيخ لطيف ( دانساز ) وملا أسعد محوي..الخ.
هوامش : ص 37 و 38 :
(6 ) ينحدر الفريق بكر صدقي من أسرة فلاحية كردية عاشت في قرية ( عسكر ) بناحية ( أغجلر ) التابعة للواء كركوك . وأخذ بكر صدقي لقبه ( العسكري ) من تلك القرية . وقد ساعد الحظ بكراً ليكمل دراسته العسكرية التي بدأها في العراق ، في اسطنبول في العهد العثماني ليتخرج ضابطاً في الجيش العثماني ، ثم عاد الى وطنه بعد الحرب العالمية الأولى ليخدم في صفوف الجيش العراقي عند تأسيسه بعد قيام الدولة العراقية . فكان آخر منصب قيادي أشغله ، قبل قيامه بأنقلابه العسكري ، هو قيادة الفرقة الثانية التي معظم ضباطها وجنودها من الاكراد ومقرها في كركوك ، فوثق بكر علاقته بهم . وقد نسب إليه طموحه في اقامة دولة كردية في آخر المطاف ، الأ ان الحكومة التي شكلها لم تدم طويلاً فقد انتهت بأغتيال بكر صدقي في الموصل بتدبير من الانكليز وهو في طريقه إلى المانيا .
ويروي اللواء المتقاعد فؤاد عارف الذي كان مرافقاً للملك غازي عام 1936 ، ان الملك غازي حمل رئيس اركان الجيش الفريق بكر صدقي رسالة إلى هتلر يتعلق بافاق التعاون العسكري بين الحكومتين العراقية والالمانية ، وعند اغتيال بكر صدقي في الموصل ، اتصل هاتفياً بالعقيد أمين العمري الذي كان أمراً لحامية الموصل ، طالباً منه الحصول على الحقيبة اليدوية لبكر صدقي والتي تحوي تلك الرسالة وارسالها اليه بيد شخص أمين . وفي اليوم التالي طلب السفير البريطاني في بغداد مقابلة الملك لأمر هام . وعند مجيئه الى البلاط الملكي ، كان بحوزته حقيبة بكر صدقي وهو يقول : صاحب الجلالة ، انكم طلبتم حقيبة بكر صدقي ، آثرت أن أسلمها لجلالتكم شخصياً . فاوضح الملك بعد ذلك لمقريبه : يظهر أن ايامي قد قربت .
( 7 ) ينحدر السيد ياسين الهاشمي من أسرة كردية تنتمي الى قبيلة كاكه ي التي تقطن بناحية داقوق بلواء كركوك آنذاك . والسادة من رؤساء هذه القبيلة ينتمون الى الاسرة البرزنجية المعروفة في كردستان . وقد سكن السيد سلمان ، وهو والد ياسين الهاشمي في قصبة كفري ، ولاتزال داره قائمة هناك .
(8 ) جماعة تلاهالي تكونت هذه الجماعة عندما منح امتياز صحيفة ( الاهالي للسادة حسين جميل وعبدالقادر اسماعيل ومحمد حديد وعبدالفتاح ابراهيم وخليل كنه في 2 -07- 1931 . وصدر العدد الأول منها في 2-01- 1931 ، ثم تألفت قيادة جماعة الاهالي من شخصيات متباينة في أيديولوجيتها السياسية ، وهم السادة عبد الفتاح ابراهيم وعبدالقادر اسماعيل ( ماركسيان ) وكامل الجادرجي ( ديمقراطي لبرالي ) وحكم سليمان ( اصلاحي ) وخليل كنه ( قومي ) ومحمد حديد ( ديمقراطي ) .. الخ
( 9 ) السيد حكمت سليمان ينحدر حكمت سليمان من أسرة تركية وهو الأخ غير الشقيق للجنرتا محمد شوكت وزير الدفاع في الدولة العثمانية وأحد أقطاب الاتحاد والترقي التركي الذي قام بانقلاب عسكري ضد السلطان عبد الحميد الثاني عام 1908 والاتيان باخيه محمد رشاد سلطاناً مقيداً بالدستور . وكان للسيد حكمت سليمان علاقة وثيقة بجماعة الاهالي كما له صداقة شخصية مع #بكر صدقي# . وقد ترأس السيد حكمت بعدالانقلاب العسكري .[1]