#شوكت خزندار#
( كلنا كالقمر … له جانب مظلم )
عيد ميلاد .. الحزب والنقابات والاضراب العام .. طلبة الدين .. مساهمة الحزب في بناء الاحزاب في دول الخليج..القائد الموعود والفشل في الحب..الخ
كنتُ في الخامس من العمر ، عندما دعاني صديق الطفولة محمد ، وهو كان في السادس من العمر ، إلى الحفل العائلي لميلاده .. كنتُ للمرة الأولى أحضر حفل الميلاد ، سفرة الطعام كانت عامرة من الطعام والفاكهة والحلويات الشعبية الكوردية ( مسكت، لبزينة ، ماجومي ..) الكل ساهم في إطفاء الشموع ثم غنينا وصفقنا وتبادلنا القبل مع الذي احتفلنا بميلاده ، بعد العودة إلى البيت بدأت أسرد كل شيئ .. وكاد أن أطير من الفرح .
ثم سألت والدي وقلت : لماذا لا تحتفلون بميلادي ؟
أجاب : كُل العراقيون يحتفلون بميلادك !
قلت وكيف ؟
أجاب : عيد ميلادك يصادف ميلاد جلالة الملك فيصل الثاني فالملك من مواليد 02-05-1935 ، وأنت ولدتُ في 02-05-1936 .. !
قلت ، كيف تقول ليّ هذا ، الفارق بيني وبين الملك سنة ، كيف عيد ميلادي معه ؟
قال : ولدي الاحتفال بعيد الميلاد ، يكون في اليوم والشهر ضمن السنة !
أجبت ، بابة أنت تكذب عليّ ولا تريدون الاحتفال معي ؟
الوالد ، تكلم بحدة ، عيب .. كيف تخاطب أبوك وتقول له أنت كذاب لا تكرر هذا القول أبداً خاصة مع من هم أكبر منك وحتى مع أصدقائك الاطفال ..!
هكذا حرمتُ من الاحتفال بعيد ميلادي منذ صبيحة الرابع عشر من تموز 1958 ، حيث قالت الثورة كش ملك مات الملك ..؟ كان الفارق بيني وولادة جلالة الملك ثلاثة ساعات ونصف الساعة فقط .. حيث ولدتُ في الساعة الثالثة والنصف فجر يوم 5-2- 1936 وهذا التأرخ كان مسجل في سجل المرحوم والدي .
والدي كان يحتفظ بسجل كبير يشبه سجلات دوائر الطابو أو النفوس .. يجمع الأقوال المأثورة والنكات الطريفة والنكات الساخرة ، مع الأمثال والحكم ، كان يدون ويكتب ب ( أوج) بالحبر الأسود مع إستخدام قبضة حديدية ربع دائرية يلصق بها ورق الناشف لتنشيف الحبر بعد الكتابة.. توفي والدي في حزيران 1956 في سن مبكر لم يكمل 47 عاماً .. كنا ثمانية أخوة ، توفي أثنان من أخوتي ( توأم) في السنة الأولى بعد ولادتهما وهو يتحسر لأنه كان يتمنى أن يرزق ببنت بخلاف الكثير من العوائل في مدينتنا وحيينا.. كان يزرع بيننا الحب واحترام المرأة و كان يقول المرأة هي كل شيئ وليس نصف المجتمع كما يقال . والدي لم يشتغل في السياسة ابداً بعكس والدتي .. كان يقول ، العمل السياسي في بلادنا يؤدي بالمرء إلى التهلكة والدمار ، لم أر والدي في يوم من الايام ان أعترض على والدتي وهي التي تدفعنا إلى العمل السياسي ، من خلالها أنا وأخوتي جميعاً ارتبطنا بالحزب الشيوعي .
عن الحزب !
كنتُ متشوقاً جداً بل أفرح كثيراً عندما التقي الشيوعيين وأمطرهم بوابل من الأسئلة . كان يثير انتباهي بصورة خاصة ( عزالدين ملا رسول ،الدكتور حالياً ) متحدث لبق جداً وهو كثير التردد الى بيتنا. يتكلم عن اذاعة ( آذر بيجان ) السوفيتية ، يذكر أسماء المذيعين ، شهاداتهم ، اعمارهم .. الخ .
ذات يوم انطلقت تظاهرة في مدينة السليمانية أشتبك المتظاهرون مع الشرطة في مساء نفس اليوم أذيع خبر الأشتباك من اذاعة ( آذر بيجان) وقف والدي وقال:
عليّ الطلاق هذه الأذاعة موجودة في مدينة السليمانية وعزالدين رسول هو أحد المذيعين .. هكذا ومنذ صباي ، كنتُ شغوفاً للتعرف على الشيوعيين ووضعهم وثقافاتهم ، شهاداتهم ، من هم هؤلاء وماهي أهم خصوصياتهم . كنتُ أتوقع أن يكون عضو اللجنة المركزية ، عالماً كبيراً. أتصورهم انهم ليسوا بشراً كالآخرين انهم عمالقة .. تصورات لا حدود لها .. علي شيخ ابراهيم ، كان يعمل في الإدارة المحلية وبمعية حسن شيخ سعيد ، سرقوا ( آلة كاتبة ) من الإدارة المحلية بتكليف من الحزب اعتقلوا وأعطوا البراءة من الحزب ( حسن شيخ سعيد) تحول الى جاسوس ! قتل على يد الناقمين حيث كان سبباً لعذاب الكثير من الشيوعيين وغيرهم ، كنتُ في بغداد عندما سمعتُ خبر قتله ، قيل مزق بصورة وحشية بالسكاكين .
قبل الرابعة عشر من العمر تعرفتُ على الحزب وعلى الشيوعيين .. كان عمي محمود توفيق مع أخي الكبير ( لطيف ) حزبيين وشيوعيين . أخي يستخدمني في مراسلاته الحزبية . رسائل حزبية ملفوفة بشريط لاصق أحمر أنقلها الى بيوت رفاق أخي ، منهم الدكتور لاحقاً وهو كمال فؤاد ( حالياً أحد قادة الأتحاد الوطني الكردستاني كما أعتقد) ومجيد عبدالرزاق وهو معروف ب (مام قادر أسم حركي ) وعلي شيخ ابراهيم وحسن شيخ سعيد وخالد كريم بارجاوه ش وعمر نملي وغفور ميرزا كريم .. كان شقيق عفور وهو أمين ميرزا كريم كادر حزبي متقدم بعد الحركة الانشقاقية ( راية الشغيلة ) ، تولى مسؤولية فرع كوردستان للحركة الانشقاقية ..العزيز أحمد دلزار، الشاعر المعروف وصاحب النشيد القومي الكوردي ( أي رقيب ) ، تحول إلى إنسان مفترس ، حيث كان مسؤول السليمانية يطلب من الرفاق ويقول لهم : أضربوه حطموا وجهه لا تجعلوه أن يزور السليمانية .. هكذا الصراع الحزبي فرق رفاق الأمس واليوم .. العزيز عبدالرزاق الصافي ، كان أحد الكوادر للحركة الانشقاقية ( راية الشغيلة ) .. وهو صاحبي وصديق عزيز ، لو وقع بين أيدي في تلك الايام لحطمت وجهه حسب توصية وأوامر الشاعر رقيق الاحساس أحمد دلزار ؟؟
كانت والدتي تقوم بأخفاء الأدبيات الحزبية والتي تعود لأخي ( لطيف ) واحياناً تقوم بنقلها الى رفاقه ، كانت تسمع من أخي وعمي محمود توفيق ، بأن الحزب الشيوعي ، لا يسمح للشيوعيين ان يقيموا علاقات الصداقة مع عناصر السوء أو شرب الخمر أو لعب القمار أو الزنى ، وهي كأم تريد من أبنائها الأبتعاد عن المنكر هكذا من خلال والدتي والمرحوم أخي( لطيف ) إرتبطتُ بالحزب ، عام 1950 م وعمري 14 سنة انتظمتُ في حلقة تسمى ( حلقة المؤيدين ) ليّ اجتماعات أسبوعية .
لاحقاً ثلاثة من أخوتي ارتبطوا بالحزب بدفع من والدتي ، من نفس المنطلق!
ثم أصبحت والدتي عضو في رابطة المرأة العراقية وتحضر حلقات التثقيف والتوعية الحزبية مع وبدفع الأخت ( زكية بابان ) الأنسانة الرائعة ، كرست كامل حياتها في خدمة للحزب .
عام 1970 شاركت والدتي في المهرجان الجماهيري في ساحة السباع في بغداد أصيبت بالرصاص ( جرح طفيف )من قبل أزلام صدام ، ناظم كزار .. عند الهجوم على المهرجان .
الاضراب العام :
عام 1950، كنتُ ضمن حلقات المؤيدين للحزب نظمنا إضرابا عاماً وشاملاً لجميع الشغيلة العاملين في مهنة الخياطة لمدة أسبوع كامل ، مطالبين بتحسين الأجور وجعل يوم الجمعة كعطلة رسمية مدفوعة الأجر ، إضطر أصحاب المحلات جميعاً لتلبية مطاليبنا، صاحب المحل الذي كنتُ أشتغل معه وهو السيد ( طه ) رفض إعادتي للعمل فنشط وتمكن من إقناع أصحاب العمل جميعاً ورفضوني للعودة إلى العمل مجدداً ، بسبب نشاطي في تحريض العمال للأضراب..وأعتبروني على إني المسؤل عن الاضراب .. عند ذاك اضطررت لفتح محل للخياطة في المدينة ، شارع المولوي .. لاحقاً وبعد الثورة عام 1958 كلفتُ من قبل السيد الشيوعي ( كاظم الدجيلي ) رئيس نقابة الخياطين في بغداد بالذهاب إلى السليمانية لأمور نقابية ، عند الاجتماع مع الهيئة النقابية في السليمانية ، وجدتُ السيد (طه) ضمن الهيئة الإدارية للنقابة استغربت وخاطبت الأخ نائب عبدالله مستفسراً عن وضع طه ؟ أجاب لا أحد منا يستطيع مجابهته وهو الآن أنشط النقابيين في المدينة ..؟
عضوية الحزب :
في 2 - 8 -1952 م أخبرني مسؤولي الحزبي ( حسن علي أفندي ) اني نلتُ العضوية في الحزب لم أبلغ انذاك السابعة عشر من العمر ، قالوا لك خدمات كثيرة، مراسلة أي ( نقل الرسائل الحزبية ) وانتظامك في حلقات المؤيدين . ولم أكن في واقع الأمر أفرق كثيراً بين العضوية وما كنت عليه قبل العضوية . كنتُ أجتمع أسبوعياً وأوزع ادبيات الحزب وأدفع الإشتراك الحزبي وأجمع التبرعات وأكسب الأصدقاء للحزب . بنود النظام الداخلي تنقل الينا شفوياً وميثاق الحزب عبارة عن ميثاق ( باسم ) الأسم الحزبي لبهاءالدين نوري ، الذي كان سكرتيراً للحزب انذاك.
كنتُ من القلائل بين رفاقي أقرأ أدبيات الحزب باللغة العربية ، وحولتُ نفسي الى مترجم من اللغة العربية الى اللغة الكردية لرفاقي الذين لا يعرفون اللغة العربية ، كنتُ أعتبر نفسي أكثر إدراكاً من الآخرين ، طيش المراهقة ، وفي واقع الأمر لم أكن كذلك . فقط أمتاز عنهم في التكلم والكتابة باللغة العربية .
التوجيهات الحزبية عبارة عن بعض عنتريات ، بهاءالدين نوري ، على سبيل المثال كنا لأكثر من ثلاثة أشهر يثقفوننا ونثقف الآخرين بالرواية التالية :
( كان الرفيق بهاءالدين نوري ، وهو ينتقل بالدراجة الهوائية في احدى أزقة عقد النصارى في بغداد ، واذ بمالك سيف ورفيق جالاك يعترضانه ويقولان له أهلاً بالرفيق السكرتير ، تفضل معنا . السكرتير يرمي الدراجة الهوائية على قارعة الطريق ويسير معهما خطوات ، ثم يلتفت الى رفيق جالاك ويوجه له ضربة قوية بيمناه فيقع على الأرض فاقداً الوعي . ثم يلتفت الى مالك سيف ويضربه أيضاً بضربة قوية يفقده الوعي .. يعود الى الدراجة ، لكنه يأبى الذهاب ويعود قائلاً لهم : هذه معركة صغيرة من معارك البروليتاريا .. )
بقدر ما رددوا لنا ورددناه للآخرين ، لا يمكن أن أنسى تلك الرواية ما دمتُ حياً .
نائب عبدالله ، كان يزيد تلك الرواية طرافة حيث يردد بلسانه الثقيل ( لثفة لسان) فيقول : ب ب ب رو رو روليتاريا . لكنه في الأنشاد والغناء كان طليق اللسان .
الشبيبة الديمقراطية :
كنتُ ضمن الهيئة التأسيسية للشبيبة الديمقراطية ، كان الراحل ، نزاد أحمد عزيز آغا ، مسؤولنا ففي احدى الأجتماعات التثقيفية ، كان نائب عبدالله وبلسانه الثقيل يردد ويقول : إإإ س س تعمار ، قال له المسؤول : يا رفيق اختصاراً للوقت تكلم وأنت تغني !
الحزب يساهم في :
بمناسبة ذكر أسم الراحل ( نزاد أحمد عزيز آغا ) ، كان من الكوادر الحزبية الذي كلف في الاقامة في المملكة العربية السعودية عند بناء الحزب الشيوعي السعودي ، بعد أن وفروا له العمل في السعودية وهو مهنس مدني .. بتكليف من السوفيت ، لعب الحزب الشيوعي العراقي دوراً كبيراً للمساهمة في بناء وصقل الاحزاب الشيوعية أو الحركات التقدمية المرادفة لكلمة الشيوعية كالسعودية والكويت والبحرين وأخيراً في اليمن الجنوبية .. الخ
طلاب الدين :
بعد ان أصبحتُ عضواً استلمتُ عدة حلقات من المؤيدين للحزب ولا حقاً استلمتُ حلقة المؤيدين من الملالي عددهم 16 ملا بين ضرير وأعور كانوا من طلبة الدين في الجامع الكبير(جامع كاك أحمد الشيخ ). قبل أن أستلم الرفاق الملالي كان ( محمد ملا كريم ) يقودهم . كنتُ أجتمع معهم داخل الجامع في حجرة دروسهم أسبوعياً . عندما أصل اليهم يقولون لقد جاء الحزب انتهى فصل الدين .. يخاطبونني بمعلم وأنا أشعر بالغرور وأتباهى . كلما أتذكر تلك الأيام أشعر كأنني في حلم لكنه في الواقع جزء من حياتي .
الديالكتيك وتوسيع مداركي الثقافية :
قال مسؤولي ( حسن ) مرة وهو بصدد تثقيفنا : ( هذا هو الديالكتيك ) لم أفهم شيئاً.
سألت : ماذا تعني بقولك هذا هو الديالكتيك ؟
أجاب : ( هو هشكل من أين أجيبلك أسم آخر شلون أنت شيوعي ولا تعرف أسم الديالكتيك )؟
قلت : أنت ليش متعرف ؟
أجاب : ( أنا أيضاً أسأل والرفاق يقولون هو أسمه الديالكتيك ) ! . كنتُ أعتقد ان الرفيق المسؤول يستخف بيّ . لكني علمتُ بعد ذلك ان المسؤول يجهل كلياً ما يقول . وكان يعتقد ان ( ديالكتيك ) هو أسم أحد المفكرين الروس .. عند ذاك كان في سلك التعليم !
هذا الحوار حول الديالكتيك بيني وبين مسؤولي ، كان درساً بليغاً ليّ .. عليّ أن أشكره مدى الحياة .. كان حافزاً ليّ لأتوجه الى القراءة المكثفة . بحثتُ عن الكتب والمجلات من شتى الأتجاهات الفكرية . حتى الكتب والمجلات الصفراء كما يقال. وسعتُ دائرة معارفي والأصدقاء . صادقتُ أناساً أكبر مني سناً ، كمال حمه سور لم يكن شيوعياً ، بل من مؤيدي ( حدك الحزب الديمقراطي الكردستاني) له اهتمامات أدبية يقرأ كتب ، نجيب محفوظ وطه حسين . يترجم الى اللغة الكوردية ويسعى لينشر قصة أو رواية كوردية .. أخيراً أفلح في مسعاه استفدتُ منه كثيراً لتوسيع معرفتي ، أصبحنا أصدقاء لا نفارق البعض .
مع رفيق جالاك :
أخوة رفيق جالاك وهم : محمود جالاك ونامق وفائق ، كانوا شيوعيين .. أستفسر كثيراً عن شقيقهم الكبير (#رفيق جالاك# ) الشاعر والخطيب والأديب وصاحب الصوت الجميل. وأقول أين هو أريد اللقاء معه . رغم المحاذير لأنه معترف والشيوعيون يعتبرونه خائناً كان المسؤلون الحزبيون لايسمحون اللقاء مع الشيوعيين السابقين ، خاصة من المعترفين . وتلك العقلية أكدت ليّ ، وكما ثبت لاحقاً ، هشاشة الخلفيات الثقافية لعدد غير قليل من القادة والكوادر الحزبية، لأنهم لا يثقون بأنفسهم أولاً ومن ثم بالآخرين . فعند احدى زياراته العائلية إلى السليمانية ، التقيتُ معه ومع أخوته الثلاث ، كنتُ أسأله كثيراً حول مفاهيم سياسية ونظرية، وكان ايجابياً ، وهو يشرح ليّ هذا المفهوم أو ذاك. وبأسلوب ممتع شرح مفهوم ( ديالكتيك ) واللقاء لم يزعزع طموحي في أن أكون عضواً صالحاً في الحزب لأنني كنتُ مؤمناً بحزبي ومبادئه السامية . ثم رؤوف يحى وهو كادر شيوعي سابق مثقف وله اهتمامات في الأدب المسرحي وهو أيضاً ممثل مسرحي ، أكبر مني بكثير ، أصبح صديقاً مقرباً ليّ ، يتردد على مكان عملي يومياً وكان ينصحني بأن أقرأ الكتاب الفلاني والقصة الفلانية ، وهو أول من قدم ليّ كتاب ( الأم ) ويقوم بشرح لكثير من المفاهيم السياسية والنظرية.
وقفة مع رفيق جالاك صاحب الصوت الجميل :
رفيق جالاك ، قبل أن يصبح شيوعياً ، كان يعمل كمذيع في الاذاعة البريطانية .. محطة الشرق الادنى ومقرها في قبرص .. كان معه الشاعر الكبير ، عبدالله كوران ، وهو أيضا كان يعمل كمذيع .. الموسيقار رياض السنباطي ، كان من العاملين في الاذاعة البريطانية كموسيقار .. هناك كتب كوران قصيدته الرائعة ، الوردة الحمراء .. يقارن بين أمواج البحر الأبيض المتوسط وبين عيون المياه الصافية في كوردستان مع المقارنة بين الفتاة الأوربية المزركشة ، وبين جمال الفتاة الكوردية ، دون مكياج أو تزين ..الخ
بعد أن ترُجم القصيدة إلى رياض السنباطي ، لحن القصيدة على النغم التانكو .. كان رفيق جالاك أول من أدى الأغنية بصوته الجميل وباشراف السنباطي .. لاحقاً وفي عام 1954 سجل الأغنية في إذاعة بغداد الراحل ( محمود محمد قادر ) صاحب الصوت الشجي .. محمود هو خال أولادي ، سرد ليّ القصة كاملة كما شرحته أنفاً .. توفي عام 2005 .
العودة إلى توسيع مداركي الثقافية ..
صادقتُ جلال الحكيم ، الشاعر والأديب . للأسف الشديد أصيب بمرض عقلي في النهاية . كان يزودني بكتب عديدة .. كنتُ أبحث عن أى سياسي قديم ، أو مثقف أو شاعر أو أديب في سنوات لاحقة تعرفتُ على الشاعر والمثقف ( فائز الزبيدي وصديقه أدور حنا ) وهم من الأخوة العرب ، أصبحنا أصدقاء مقربين( فائز الزبيدي ) أفادني كثيراً يزودني بالكتب السياسية والتاريخية ، قدم ليّ كتاباً رائعاً ( سقوط باريس ) عن دور الشيوعيين في فرنسا . لم أكن أعرف في السابق ، ان القراءة إدمان والدي مستغرب جداً ويقول : ما هذا التحول المفاجىء يا أبني ألا تخشى على عيونك ؟ لذا لا يمكن أن أنسى فضل ( حسن ) صاحب أسم ( ديالكتيك) فهو الذي جعلني أوسع دائرة الأصدقاء والقراءة .. اضافة الى اهتمامي في معرفة الشيوعيين وتاريخهم .. ولا يمكن أن أنسى فضل( عزالدين ملا رسول ) دون أن يدري أو يقصد في توجهي نحو معرفة الكوادر والقادة الحزبيين . عندما كان يذكر أسماء المذيعين وخصوصياتهم في اذاعة ( آذر بيجان) السوفيتية .
العمل النقابي :
عام1952 شكل الحزب هيئة ادارية لنقابة الخياطين ، أصبحنا أعضاء في االهيئة الإدارية عن طريق التعيين فلا انتخابات ولا هم يحزنون . مسؤول الهيئة الإدارية هو الخياط ( عمر اسماعيل ) رجل أمي ، وهو حزبي متقدم علينا .. نقرأ له أنا ونائب عبدالله ، الأدبيات والنشرات الحزبية ، حتى لو نقرأ خطأ فهو لايعرف بذلك كما يقول المثل ( أطرش بالزفة ) ويفرح كثيراً ويقول : ماشاءالله على هذه المقالة (؟!) . وكان علينا أن نترجم له كل ما نقرأ الى اللغة الكردية . ( أخي القارئ ، أرجو منك عندما تقرأ هذه الأسطر خذ نفس وارتاح قليلاً كي لا يعكر مزاجك ؟!) في نفس الوقت ، كان يعتبر نفسه (ستالين ) في أوامره وتوجيهاته النقابية الغريبة ! وهو أيضاً أمين ( صندوق ) النقابة، يكرر ويقول : اجمعوا التبرعات صندوق النقابة فارغ ! نقول له في الأسبوع الماضي جمعنا التبرعات ! كيف أصبح صندوق النقابة خالياً ؟
يجيب : لا تتدخلوا في شؤوني .. هذا الأسبوع أريد التبرعات ، تحركوا . كان( قادر) عامل خياط يعمل في محل المرحوم ( محمد علي مدهوش ) منتمياً الى النقابة، مريض ومصاب بالتيفوئيد والده شرطي وراتبه سبعة دنانير والعائلة تتكون من ستة أفراد . طلبتُ من ( عمر اسماعيل ) رئيس النقابة ، دينار واحد لشراء الدواء له .. رفض وقال : الصندوق فارغ .؟ بادرتُ وجمعتُ بعض التبرعات من العمال حصلتُ على 5 دنانير ، صرفتُ ديناراً واحداً لشراء الدواء وسلمتُ لرئيس النقابة 4 دنانير .
قال : من خولك أن تجمع التبرعات ، وكم جمعت ؟
قدمتُ له قائمة بأسماء المتبرعين والمبالغ التي تبرعوا بها .
سأل : ومن خولك أن تصرف ؟
أجبت : إني بادرت ولي الحق أن أصرف .. وأنا مخطىء لأني أعطيتك ما تبقى من التبرعات ، كان عليّ التبرع بها لعائلة ( قادر) .
قال : سوف أطرح القضية على الحزب ، يجب أن تحاسب . ضحكت وأجبت : الحق معك .. تفضل أطرح . !
بعد أسبوع ، استلمتُ رسالة من مسؤول منظمة السليمانية ، أعرفه جيداً . تقول الرسالة نصاً:
( درسنا مشكلتك مع الرفيق عمر اسماعيل ، ووجدنا الحق بجانبك ( ؟! ) ولكن نحذرك بعدم التجاوز على الرفيق في توجيهاته ، عليك التقيد بكل ما يقال لك السليمانية ، مدينة رفيق جالاك الخائن ، ومكان البؤر والأنشقاقات .. نأمل أن لا يتكرر وعلينا الألتزام بتوجيهات المسؤول .)
مرة أخرى ضحكتُ كثيراً على رسالة الرفيق المسؤول ، وهو الرفيق العزيز والشاعر(أحمد دلزار) كالعادة جاء الى محلي قلت له : يا رفيق أعرف انك من كويسنجق وطيب لكن لم أكن أعرف انك حاقد على مدينة السليمانية وانت مسؤول المدينة هل يحق لك أن تحقد على مدينة أنت تقودها بسبب واحد خائن رفيق جالاك أستغرب وقال: عن ماذا تتكلم ؟
أخرجتُ رسالته ، وقلت على هذه الرسالة ، أليس هذا خطك . أنت تكتب أبيات شعرية عندي في المحل وأعرف خطك وأعرف أنت المسؤول ؟
إرتبك الرجل ، أخذ رسالته ومزقها ، قال : ( عمر اسماعيل ، انسان ضعيف، أية مشكلة تواجهه سيترك الحزب ويعترف ) .! ثم أضاف : ( يا رفيق أعتبر المسألة منتهية وأنا آسف) . في نفس الوقت كان ( عمر اسماعيل ) يعتبر نفسه ستالين السليمانية في أوامره.
لاحقاً أعتقل وقدم البراءة وترك الحزب ، كان اعتقاله بسبب اعترافات ( عثمان خوشناو )هو خال أولاد كريم أحمد الداوود . حيث أعتقل الأخير في مدينة كركوك قلنا مع أنفسنا ( دفعة مردي ، أي ليذهب الى الجحيم ) . لم أخف إرتياحي قلت مع نفسي في تلك الأيام .. فلتعيش الشرطة لقد خلصونا من ستالين السليمانية .
عزيز محمد والحب المفقود :
كان العزيز ، عزيز محمد ، سكرتير لجنة فرع كوردستان ومقره في مدينة كركوك .. من خلال عمله الحزبي تعرف على الشابة الجميلة ( …) ، تحول المعرفة إلى حب مجنون ليلى .. أراد الزواج من الفتاة إلى أن ( عثمان خوشناو ) شقيق الفتاة عارض بشدة الزواج هدد بقتل شقيقته ومن ثم الانتحار فيما لو تم الزواج ، الحبيبة هي شقيقة أم ( بيش رو ) زوجة العزيز كريم أحمد الداوود .. بتلك العملية الصبيانية حال دون الزواج بين الحبيبين .. هكذا أردد دوماً ، تباً للخلافات الحزبية ، أحياناً كثيرة يفقد المرء التوازن ويكتب بحدة تجاه رفيقه .. كما فعلتُ أنا عند كتابة مذكراتي ولا أخفي شعوري بإني كنتُ حاد في تلك اللجهة والخطاب .. ولكن ما بيد حيلة ، وأعتقد جازماً الكثير منا وكنا نفتقر إلى ثقافة الاختلاف والرأي ولا زال .. فتلك الحالة ، (ولازال هناك عدد غير قليل بيننا ينطبق عليهم كلمة الرداحين، يا ترى هل هذه الحالة تساعد على نهوض الحزب مجدداً كما يطمحون ؟ ) حالة التفرقة بين الحبيبين تركت آثاراً سلبية لدى عزيز محمد ولم يتخلص منها حتى عندما أصبح سكرتيراً عاماً للحزب وعند الشيخوخة .. في عهد الجبهة والتحالف وفي إحدى الزيارات (السكرتير) لبيت كريم أحمد وجد أم الحبيبة خاطبها وقال لها ، تتذكرين عندما رفضتموني في أن أكون أبناً لكم ؟ أجابت ( دايه ) ، أبني الزواج قسمة ونصيب لقد كبرت في العمر وفي الحزب ولك أولاد أنسى رجاءً ..!
تحية الأكبار والإجلال لعيد العمال العالمي في الأول من آيار .. تقبلوا مني فائق الاحترام والمودة خاصة من المختلفين معي قبل الذين وقفوا معي .[1]