عادل حبه
متى تستخلص النخب السياسية الكردية الدروس من التاريخ
نورد كل ما ورد آنفاً كي نقارنها بسلوك النخب السياسية المتنفذة في العراق الآن حيث وقعت النخب السياسية الكردية، شأنها في ذلك شأن أطراف عراقية، بنفس فخ التعويل على العامل الخارجي بعد إنهيار الطغيان بشكل مفاجىء وخلال أيام على يد الغزاة الأمريكان في نيسان عام 2003. فهذه النخب السياسية لم تستفد من تجارب الماضي، ولم تسع إلى حل مشاكلها عبر اللجوء إلى لغة الحوار الوطني الجاد والصبر والحكمة والاستئناس برأي الشعب والجماهير التي مهدت لهؤلاء الوصول إلى سلطة القرار. إن خيار الاستقواء بالعامل الإقليمي والخارجي دون الداخلي بعد الإطاحة بالديكتاتورية لم يعزز مواقع أي من هذه التيارات السياسية رغم ما تلقته من دعم معنوي ومادي من دول إقليمية. فهذا الخيار زاد من تعقيد المشاكل العراقية وعمق من الخلافات والمواجهات بين النخب السياسية، وحوّل القضية العراقي إلى ميدان لتدخل ونزاع إقليمي طائفي وأثني وأوصلت الأمور إلى منعطف خطير كما نشهده هذه الأيام.
وللأسف لم تشذ بعض النخب السياسية الكردية عن هذا المسار الوعر، أي نهج التوسل بالقوى الخارجية والتعويل على وعودها الضبابية، لتحقيق مطامحها. ولم تتعلم من دروسها السابقة، ومن دروس أطراف عراقية وعربية من هذا النهج العقيم. فالتجربة اللبنانية التي يبلغ عمرها أكثر من ستة قرون، والتي تعوّل أطراف سياسية فيها على العامل الخارجي، لم تؤسس لدولة مدنية مستقرة ولا مستقلة، بل تحوّلت إلى ضيعة تحترق بفعل الحروب الأهلية، وتصول فيها الأطراف الدولية والإقليمية وتجول وتقحمها في صراعات دمرت هذا البلد وفرقت شعبه وأثخنته بجراح عميقة ولم تحل أزمته. كما لنا في الأزمة العراقية التي مر عليها عشر سنوات مثال آخر مفعم كي يستلهم القادة الأكراد منه. إنه لمن غير المفهوم أن يلجأ قادة الإقليم إلى حكام تركيه وإيران، المعروفين بمواقفهم السلبية أزاء القضية الكردية في بلدانهم، أو إلى الولايات المتحدة. فجميع هؤلاء غارقون في مشاكل داخلية أو خارجية لا يستطيعون حلها كالمشكلة الكردية في تركية وإيران والمشكلة الأفغانية بالنسبة للولايات المتحدة. ويكرر بعض القادة القوميون الكرد نفس الخطأ السابق دون أن يتحلوا بالصبر والحكمة ليحلوا مشاكلهم مع الحكومة المركزية. فبغداد الآن لم تعد أسيرة صدام حسين ونزواته، وإنها مهما عصيت ومهما تراكمت مشاكلها ومهما تعثر المسؤولون فيها وأخطأوا في حل مشاكل البلاد، فهي الأقرب جغرافياً وسياسياً إلى إقليم كردستان العراق من النمسا وبلغاريا وقطر وباقي الدول. ولا نعتقد أن قادة الإقليم لا يعون بنوايا هذه الدول التي يسعون إلى مد الجسور معها ومطب التعويل على دعمها. فلكل دولة من هذه الدول أجندات أزاء العراق غير خافية على الحليم والعارف بأبسط المناورات السياسية. فغالبية هذه الدول تسعى إلى أن يبقى العراق غير موحداً وضعيفاً تنهش في جسده الصراعات العبثية، عراقاً مقسماً بين الأحزاب السياسية الطائفية والقومية والعشائرية مما يسهل على الأجهزة الأمنية الأجنبية العبث في مصير هذا البلد ولا تسمح له بالنهوض من كبوته. هذا المنحى ليس له علاقة مباشرة بفشل السيد نوري المالكي في إدارة دولة المحاصصة الطائفية والأثنية والدعوة لسحب الثقة عنه ولا نواياه في فرض الديكتاتورية على العراقيين من جديد. وهذا المنحى لا يخدم العراقيين بعربهم وكردهم ولا يخدم حتى تحقيق الأماني القومية للأكراد. لقد أثبتت التجربة أن التلويح بالورقة الإقليمية لا يحل المشاكل. فكل طرف من القوى المتنفذة يلوح بأوراق إقليمية يلعب بها، فهناك من يلوح بالورقة الإيرانية وآخر بالورقة التركية وثالث بالورقة السعودية وآخيراً طل علينا من يلعب بالورقة القطرية. ولكن الخاسر الأكبر في هذه اللعبة المريبة هو العراق وشعبه الذي يُقدم كلقمة سائغة لهذا الطرف الخارجي أو ذاك دون أن تحصل الأطراف المتصارعة حتى على الفتات.
ومن هنا فإن الزيارت المتكررة لقادة الإقليم إلى الدول المجاورة وغير المجاورة لم تصب في تحقيق حلمهم. فالأجوبة من قبل الولايات المتحدة ودول أخرى أثناء زيارة رئيس الإقليم في الربيع الماضي كانت واضحة وسلبية. وطالب المسؤولون الأمريكان البارزاني بصراحة العودة إلى جادة الحوار مع الحكومة المركزية وليس إعلان الطلاق معها أو استنكاف الحوار معها كما يلوّح بذلك قادة في إقليم كردستان. وهذا ما أشارت إليه السيدة دنيس ناتالي زميلة معهد الدراسات الستراتيجية في جامعة الدفاع الوطني الأمريكية القريب من صنّاع القرار في الولايات المتحدة، والمتخصصة بالشؤون الكردية ومؤلفة كتاب شبه الدولة الكردية:التنمية والتبعية ما بعد حرب الخليج، حيث أشارت إلى أن:عرض مطالب الإقليم والتعويل على الجهود التي تبذلها جماعات الضغط حول إقامة علاقات ستراتيجية بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الأمريكية، كان أحد أهداف زيارة البارزاني لواشنطن في الربيع الماضي، ورغم ذلك لم تتحقق هذه الأهداف. وهذا ما أصاب البارزاني بردود الفعل والأحباط ووضعه أمام طريق لا مفر منه، أي التواصل مع حكومة المنبوذين المركزية التي تحاول استعادة بعض السلطات والصلاحيات التي أنتزعت من دستور عام 2005. لقد أخطأ البارزاني في أهمية الإقليم وحكومته، وأساء تفسير علاقاته الشخصية مع أطراف عراقية وتحالفات إقليم كردستان مع أنقرة في مسعاه لخلع المالكي. إن اللعب بالورقة الإقليمية والخارجية والقراءة الخاطئة للعامل الدولي سوف تعيد مآسي عام 1975 وغيرها على مصير المواطنين الأكراد. ويشير مايكل روبن الباحث المقيم في معهد أمريكان إنتربرايز لأبحاث السياسة العامة إلى أن :العلاقة بين كوردستان والولايات المتحدة الأمريكيةهي دعم على المستوى العاطفي وأن اندفاع القيادة الكوردية في العراق تجعل أي تحالف طويل الأمد بين الولايات المتحدة والأكراد خطوة لا تتسم بالحكمة.
وترتكب بعض النخب السياسية الكردية نفس الأخطاء في التعامل مع موضوعة الديمقراطية والموقف من القوى الديمقراطية العراقية. وكما يبدو أن هناك أطراف في النخب القومية الكردية لم تستفد وتستخلص الدروس أيضاً من الماضي، وتتخلى عن التمسك بشعارها المعروف الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان، ثم الفدرالية لاحقاً. ويبدو أن تجربة بشت آشان والمجزرة الدموية التي أرتكبت بحق قوى ديمقراطية أي الحزب الشيوعي، والتي غدت وسيلة للمصالحة مع صدام حسين وتوجيه السهام ضد عموم الحركة الديمقراطية العراقية، وتجربة اللجوء إلى صدام حسين لأخراج أحد المتنافسين في التيار القومي الكردي من أربيل وغيرها من الصراعات الدموية داخل القوى التي لها مصلحة في إرساء الديمقراطية في العراق، هي دروس غير كافية لاقناع البعض في القيادات القومية الكردية بخطل هذه الخيارات. وكان أول هذا التنكر لدروس الماضي بعد انهيار الطغيان في عام 2003 هو قبول النخب السياسية القومية الكردية، شأنها في ذلك شأن الكتل الطائفية، بدستور ملتبس لا يؤسس لدولة ديمقراطية حقة، وفيه ما هو ديمقراطي وفيه ما هو مذهبي وطائفي يتعارض مع أسس بناء الدولة الديمقراطية المدنية. وجرى القبول في هذا الدستور المتناقض بالفدرالية ليس على الأساس القومي بل بالنفي الصريح له، كما يشير إلى ذلك قانون إدارة الدولة المؤقت والذي انسحب على الدستور. وهذا مجافي لمبدأ حق تقرير المصير المسند من قبل الشرعية الدولية، وأضعف هذا موقف الكرد أمام القوى التي لا تؤمن أصلاً بالمبدأ المذكور . وخلقت لنا هذه الوجهة الخطيرة مطالبة بعض المحافظات التماثل مع إقليم كردستان في الحقوق والصلاحيات والفدرالية، والأنكى من هذا هو أنها خلقت لنا أطروحة المحاصصة و الديمقراطية التوافقية المنافية للديمقراطية، والتي لم تؤد خلال عشر سنوات من عمر النظام الجديد سوى إلى صراعات وخروقات دستورية متكررة وإلى ضبابية هذا النظام الفدرالي، فلا هو فدرالي ولا كونفدرالي ولا انفصالي. وهو ليس في صالح إرساء الديمقراطية في العراق وبالتالي ليس في صالح حل المشكلة القومية في البلاد.
ويضاف إلى كل ذلك فإن الوضع في الإقليم يتبلور بنحو يتعارض مع قواعد الديمقراطية، أي بتشكيل سلطة أحزاب وعوائل وعشائر بدلاً من سلطة مؤسسات ديمقراطية مدنية يتم فيها التبادل السلمي للسلطة. فالحزبان الرئيسيان يستحوذان على المناصب التي لا يجري إشغالها على مبدأ الكفاءة والنزاهة بل على أساس الانتماء للحزبين أو الانتماء العائلي. وهذه حالة غير ديمقراطية وقفت وتقف حائلاً وبعد مرور عقدين أمام توحيد الإدارة في أربيل والسليمانية كي تصبح إدارة واحدة منتخبة ديمقراطياً في الإقليم. إن هذا النهج الخاطىء لا يؤسس لكيان ديمقراطي ولا يقدم مثلاً ديمقراطياً لعموم العراقيين كما يعلن قادة الإقليم عن ذاك، بل يؤسس هذا النهج لكيان هش ينخر في جسده الفساد، ويصبح حاضنة للتيارات الدينية المتطرفة كما هو حاصل في الإقليم الآن وعلى حساب التيار العلماني الذي يمثله الحزبان. وحول هذا نشرت صحيفة الفاينينشال تايمز تقريراً تم اعداده من قبل (آنا فيفلد)، جاء فيها على لسان احد كبار المسؤولين الامريكان المتواجدين في بغداد ان استشراء الفساد في اقليم كوردستان ادى الى انعدام الثقة بين المواطنين والمسؤولين في حكومة اقليم كوردستان. وإن الكثير من المسؤولين في حكومة بغداد ينظرون الى اقليم كوردستان كنموذج يجب عدم تكراره وليس كنموذج يحتذى به في المسقبل واضاف التقرير العائلتان تسيطران إلى حد كبير على المال والأعمال والسياسة في المنطقة، وتوفران معاملة تفضيلية لأقاربهما وحلفائهما، وان واشنطن واثقة ان انعدام التطور الديمقراطي واستشراء الفساد سيكون له عواقب وخيمة على مستقبل الاقليم. هذا الوضع هو على غرار ما جرى في العراق وفي دول عربية أخرى شهدنا إنهيارها في الآونة الأخيرة. فلا النظام العائلي الذي حكم العراق قبل نيسان عام 2003 ولا الذي حكم مصر ولا تونس ولا الحال في سوريا سوف يستطيع الصمود أمام منطق التاريخ وإرادة الشعب بنظام ديمقراطي مهما جرى التوسل بالعنف والعسف والرشوة وإفساد الضمائر وخداع الرأي العام.
إن ما يؤسس لمثل هذا الخيار غير الديمقراطي هو تمسك النخب السياسية في إقليم كردستان بنفس القاعدة الإقتصادية الاجتماعية التي كانت الأساس في بروز الكيانات الشمولية المعادية للديمقراطية في العراق وفي العالم. وهنا لا يجدي الحديث المكرر لقادة الإقليم عن الديمقراطية الإنسانية المزدهرة الفذة. فمازال الإقليم يستند إلى الاقتصاد الريعي والتجاري وينميه بدلاً من التوجه نحو إرساء اقتصاد انتاجي يستند إلى صناعة ورزراعة حديثة متطورة وذات تكنولوجيا عالية تشكل حاضنة للقوى والطبقات الاجتماعية الحديثة التي لها مصلحة في إرساء الديمقراطية في البلاد. إن هذا النمط الاقتصادي البائد والمتخلف القائم على الريع والمضاربات التجارية قد يؤسس مولات جميلة وزاهية، ولكنه لا يخلق شعب منتج، بل توابع لهذا الحزب أو ذاك ويأتمرون بأوامر قادتها، ويؤدي بالتالي إلى ديمقراطية مشوهة وغير سليمة. كما أضحى هذا النظام الريعي أحد العوامل الرئيسية في النزاع وعدم الاستقرار في العلاقات بين المكونات القومية نفسها أضافة إلى النزاع بين الحكومة المركزية ووبين حكومة الإقليم. وهو نموذج للصراع بين كل الكتل السباسية المتنفذة في العراق الذي لايجري حول المبادىء وخدمة الشعب، بل حولالريع أي الغنيمة، وليس التنافس على أرساء نظام اقتصادي انتاجي متطور. وهذا النزاع لا علاقة له بمستقبل الديمقراطية أو بمخاطر عودة الديكتاتورية أو تحقيق أماني قومية أو إقامة دولة طائفية وما شاكلها من الشعارات التي يتستر بها جميع المتحالفين في الحكومة و المتصارعين في داخلها على الغنائم. إن جميع هؤلاء يتحالفون في الدوس على الديمقراطية وانتهاكها، وفي عرقلة صدور قوانين ديمقراطية حول الانتخابات ونشاط الأحزاب والنقابات والاتحادات المهنية وكل القوانين التي تؤسس لدولة ديمقراطية حقة في العراق. وتجلى ذلك بشكل واضوح ومشين في تصويت جميع ممثلي القوى المتصارعة في البرلمان الكتل الريعية، وبما فيهم نواب الكتلة الكردستانية الذين تنصلوا عن شعارها التاريخي الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان وخذلت الديمقراطية، عندما صوتوا لصالح قانون معاد للديمقراطية يخص قانون الانتخابات لمجالس المحافظات سبق أن رفضت حتى المحكمة الدستورية الاتحادية مبدأ منح الأصوات المتبقية إلى الفائز الأقل وليس إلى الخاسر الأكبر .
إن إقامة النظام الديمقراطي المنشود في العراق، وهو أمر يخدم القضية القومية الكردية وحصول الأكراد على حقوقهم تدريجياً في ظل هذا النظام، يتعارض مع وجود ميليشيات مسلحة تابعة لهذا الحزب أو ذاك. وهي حالة قائمة الآن في العراق شمالاً وجنوباً ومبعث عدم استقراره، وبضمنها الإقليم الذي يحتفظ كلا الحزبين الرئيسيين بقوات مسلحة وبأسلحة ثقيلة وبأجهزة أمنية ومخابراتية خاصة بالحزبين خلافاً للدستور العراقي وخلافاً للديمقراطية التي يجري العمل بها في أنحاء العالم المتحضر. فالديمقراطية تشترط وجود قوة مسلحة وجيش واحد وجهاز أمني واحد وجهاز مخابرات واحد وليس تعددها على قدر عدد الأحزاب المتصارعة في البلاد. إن أي خدش لقواعد الديمقراطية لا يعني إلاّ تعطيل المساعي لحل المشاكل القومية، وبما فيها القضية القومية الكردية، والقضايا الأخرى الطائفية وما يشابهه. وإن احتفاظ الأحزاب بميليشيات مسلحة يشكل أرضية لاحتمال خطر المواجهات المسلحة داخل الإقليم، كما حصل في التسعينيات من القرن الماضي، وداخل كل محافظة كما شهدناه في العقد الماضي. كما أنه يشكل أرضية للمواجهة المسلحة مع الحكومة في حالة وجود أي خلاف مهما كان تافهاً أو خطأ فني بدلاً من الحوار السلمي المفترض أن يتم في دولة تسعى للديمقراطية.
والديمقراطية لا تقوم في أي بلد في ظل فرض سياسة الأمر الواقع والتهديد بالانفصال واللجوء إلى السلاح والسير على طريق الفوضى الاقتصادية في البلاد وعزل الإقليم عن الدولة الإتحادية. فالدولة الإتحادية عليها الآن أن تدفع حصة الإقليم من موارد الدولة العراقية (17%)، وأن يناقش نواب الإقليم كل صغيرة وكبيرة في العراق دون أن يكون لهذه الدولة أي إشراف مالي أو أمني أو تشريعي أو قضائي أو أي دور في السياسة الخارجية للإقليم، التي هي حصراً شأن من شؤون الحكومة الإتحادية. ومن المؤسف فإذا ما هرب أحد المتهمين إلى الإقليم، كما حدث بالنسبة للهاشمي وآخرين، فليس من حق القضاء العراقي الإتحادي المطالبة بتسليمه للقضاء العراقي. وهو أمر يثير السخرية والتندر على هذه الفدرالية العرجاء ويضع غبار الريبة والشك على نوايا أطراف في الإقليم تجاه أمن البلاد واستقرارها. ويثار الكثير من التساؤلات حول نوايا بعض الأطراف القومية الكردية تجاه العراق وأمنه واستقراره.
ويتجلى هذا الوضع الشاذ أكثر ما يتجلى في الاقتصاد و كما هو حاصل الآن في سياسة المسؤولين في الإقليم في ميدان انتاج النفط والغاز وموارد الكمارك التي لا تذهب إلى الخزينة المركزية، رغم ما يعلنه قادة في الإقليم عن ايمانهم بعراق جديد فيدرالي وموحد وعن نعمة الإتحاد الإختياري الفيدرالي، والديمقراطية الإنسانية المزدهرة الفذة وعن ضرورة العيش المشترك للشعبين، في عراقٍ، إتحادي، إختياري، فدرالي، واحد!!. إنه نظام فدرالي يحتل فيه خمسة وزراء من الأقليم مواقع حساسة داخل الحكومة الاتحادية، ويحتل أكثر من خمسين نائباً من الإقليم مقاعدهم في مجلس النواب العراقي. وهذا ما دفع لفيف من الاقتصاديين العراقيين إلى دق ناقوس الخطر في رسالة معنونة إلى مجلس النواب العراقي. وقد أشير في هذه الرسالة إلى مؤشرات خطيرة تنطوي على التفريط بالثروة الوطنية ، وتحديداً النفط والغاز. وجاء في الرسالة ما يلي : من المهم ان نذّكر بأن حكومة اقليم كردستان وقعت (48) عقدا للاستكشاف والتطوير. وكلها من نوع عقود المشاركة في الانتاج، حصل المقاولون بموجبها على حصة تبلغ (18-20)% من الانتاج. واذا كان سعر النفط يبلغ (100) دولار للبرميل الواحد فان حصة المقاول تكون (18-20) دولار للبرميل الواحد، مقارنة مع (2) دولار للبرميل الواحد في عقود وزارة النفط للحقول الخضراء، وهي الحقول المكتشفه غير المطورة. وبالمقارنة مع عقود وزارة النفط للاستكشاف والتطوير (جولة التراخيص الرابعة) المشابهة لعقود الاقليم ، تبلغ كلفة عقود إقليم كردستان (18-20) دولار/ برميل مقارنة بحوالي (5-6) دولار/برميل لعقود الوزارة. ان مساهمة الاقليم في ميزانية الاتحاد تكون بنسبة (70%) من انتاجه. وفي المقابل، تكون مساهمة المحافظات المنتجة مثل البصرة وكركوك وميسان، بحدود (96%). وإذا أخذنا بنظر الإعتبار أن انتاج النفط من الإقليم يبلغ 300 ألف برميل يومياً، فإن الخسارة التي يتحملها الإقتصاد العراقي جراء الفرق بين ما تدفعه الحكومة المركزية للمتعاقدين وبين ما تدفعه حكومة الإقليم يبلغ حوالي 4,500 مليون دولار يومياً. إن كل ما يجري في قطاع النفط والغاز في الإقليم يفتقد إلى الجدوى الإقتصادية، وبما في ذلك الحديث عن مد أنابيب للنفط والغاز إلى الأراضي التركية. وفي هذا المجال تشير دينيس ناتالي:إلى أن: هذه المطالبات عن بناء خطوط أنابيب مستقلة تدخل في باب المزيد من الجهود لتحدي بغداد وتعزيز ثقة المستثمرين في المنطقة الكردية، وليس كأهداف واقعية لتنمية الصادرات في حكومة إقليم كردستان في قطاع الطاقة.
لكي لا نضيّع الفرصة
مع إنهيار الطغيان، بفعل الغزو الخارجي، توفرت الفرصة الفريدة أمام العراقيين وبضمنهم المواطنين الأكراد كي يسيروا على درب بناء دولة ديمقراطية ترعى حقوق كل مكوناتها وترسي تدريجياً دعائم دولة عصرية مزدهرة. وللأسف لم تحسن جميع النخب السياسية وخاصة المتنفذة منها إدارة الصراع وحل المشاكل لتحقيق هذا الهدف. ومع ذلك تسنى للمواطن الكردي فرصة الحصول على مكتسبات غير قليلة، واستطاع خلالها ترسيخ كيان سياسي قومي رغم عيوبه ونواقصه، وهذا مكسب كبير له. وهنا تتحمل النخب السياسية القومية الكردية مسؤولية الحفاظ على هذا المكسب وتطويره من خلال السعي الجاد لترسيخ الديمقراطية في العراق ككل. لأن تطور الديمقراطية في العراق من شأنه أن يوفر الفرصة تدريجياً للمواطنين الأكراد لنيل كامل حقوقهم بشكل سلمي وليس عبر التهديدات بالسلاح والعنف. ولذا فعلى النخب الكردية التحالف الجاد مع القوى الديمقراطية الحقة في العراق ومد أواصر التضامن مع تلك القوى في الخارج. وتبعاً لذلك يجب على هذه النخب التخلي عن تحالفات غير مجدية وليس لها مستقبل مع قوى لا تؤمن بجوهر الديمقراطية ولا تخدم القضية القومية ولا الديمقراطية كما حدث في الآونة الأخيرة. كما يتطلب من هذه القوى القومية الكردية إعادة النظر جدياً بكل نهجها الحالي بما يتلائم مع القيم الديمقراطية وإعادة قراءة الخريطة السياسية العراقية. كما ينبغي عليها نبذ أي نهج يسىء إلى العملية الديمقراطية ويضعف القوى الديمقراطية المتعاطفة من الحقوق القومية للأكراد، ونبذ التقاليد العشائرية والقومية الانعزالية والشحن القومي والترويج لشعارات قومية متطرفة غير قابلة التحقيق وإثارة العداوة بين القوميات. فكل ترصين وتطوير للقوى الديمقراطية والتقاليد الحديثة في العمل السياسي يشكل خطوة على طريق تنشيط الفئات الحديثة في المجتمع وتطويق التيارات المتطرفة الدينية والشوفينية بكل ألوانها، وأحقاق الحقوق القومية المشروعة وبما فيها الحق في تشكيل الدولة القومية حال نضوج تأسيسها. هذه الفرصة ينبغي أن لا نفرط بها بافتعال الأزمات، وأن نستغلها بشكل مسؤول وعقلاني رغم العثرات والصعوبات التي يعاني منها العراق. وإلاّ سيواجه العراقيون محناً وصعوبات لا تقل عن ما شهدوه في عهود الظلام. فكفى للمحن ولينتصر العقل والحكمة والبصيرة وبعد النظر والحرص على العراق بشعبه ومكوناته.[1]