*د. علي أبو الخير
*Ronahi
أخيراً، وكما كان متوقعاً، فاز أردوغان بولاية رئاسية لمدة خمس سنوات قادمة، وكما قلنا في مقال سابق قُبيل جولة الإعادة بين أردوغان وكمال كليجدار أوغلو، بأن الكرد لن يفرحوا بمن يفوز ولن يحزنوا لمن يخسر، وهو ما نعتقد أنه يحدث حالياً، والقيادات الكردية بصفة عامة كانت تتوقع فوز أردوغان، وهو في النهاية كغيره من قادة الأتراك دائماً ما كانوا ضد الطموح الكردي لنيل الاستقلال أو حكم ذاتي موسّع، هو ما لم يحدث ولن يحدث، حتى لو كان الفائز هو كيليجدار أوغلو نفسه، وليس هذا من قبيل التشاؤم، ولكنه قراءة عملية للتاريخ التركي العدواني، في الزمن الأتاتوركي الحديث كما كان في الزمن العثماني القديم.
توقّعات كُرديّة
نعود لما نتوقعه على الساحة التركيّة السياسية من جانب وحقوق الكرد من جانب آخر، وأول ما نلاحظه أن قضية الكرد من بين القضايا القليلة التي تحدّث عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في خطاب “النصر” كما أسماه، بعد إعادة الانتخابات وفوزه فيها بنسبة بسيطة، وهو الخطاب الذي ألقاه وهو يطلُّ على عشرات الآلاف من أنصاره من خلال شرفة القصر الجمهوري في أنقرة، عقب الإعلان عن إعادة انتخابه كرئيس للجمهورية التركيّة لفترة خمس سنوات قادمة، وقال أردوغان بخصوص الكرد، مثلاً إن إطلاق سراح السياسي الكردي صلاح الدين ديمرتاش، الرئيس المشترك السابق لحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد غير ممكن في ظل حكمه، وهو الحال نفسه مثل القائد عبد الله أوجلان، وهذه التصريحات تدل على استمرار سياسات تركيا الأخيرة تجاه القضية الكردية، هي رد فعلي وقتي ولحظي، بعد مساندة اليسار الكردي لمرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كيليجدار أوغلو، فالقضية الكردية مثّلت هاجساً لأردوغان خلال فترة الانتخابات، خاصةً الانتخابات البرلمانية، وعلى استحياء تم السماح للكرد بالعمل السياسي بصورة بسيطة، فتم إنشاء حزب الشعوب الديمقراطي، والذي دخل الانتخابات عدة مرات وحاز على نسبةعالية م ن أصوات الكرد.
الآن بعد فوز تحالف حزب العدالة في الانتخابات الحالية، برز متغيران متناقضان يحددان مستقبل علاقة الحكومة التركية مع الكرد، الأول هو ازدياد الوجه القومي للنظام التركي، حيث يعتمد بقاؤه في الحكم على التحالف مع حزب الحركة القومية، كما أن انحياز المرشح الثالث القومي المتطرف سنان أوغان إلى أردوغان في الانتخابات يُعطي زخمًا إضافيًا لتأثير القوميين على سياسة العدالة وهي التشدد مع الكرد، والمتغير الثاني المتناقض مع الأول، هو وجود حزب إسلامي كردي وهو حزب (الهدى)، داخل تحالف حزب العدالة، أي أن الإسلام تم تسخيره لضم قسم كردي للقوميين الأتراك والرئيس أردوغان، وهو يُصعّب مهمة الكرد، ولكن لا ينال من عزيمتهم.
قراءة في نتيجة الانتخابات البرلمانية
وأما في الانتخابات التركية البرلمانية عام 2023، فقد حصل حزب اليسار الأخضر، على 8.8% من الأصوات، بخسارة 2.9% عن انتخابات 2018، التي حصل فيها الحزب على نسبة 11.7%، وهو ما حلله مراقبون بحصول حزب الهدى على جزء كبير من هذه الأصوات بعد تحالفه مع حزب العدالة والتنمية الحاكم ودخوله البرلمان على قوائمه وحصل على أربعة مقاعد في البرلمان، وهو يعني تشرذم وتسخير الدين لخدمة السياسة، هذه العوامل المتناقضة، سواء تأثير القوميين الأتراك المعادي للكرد أو تأثير الإسلاميين الكرد، يجعل الخيارات متسعة أمام أردوغان في الاستفادة من التناقضات السياسية وجعلها لصالح أهداف حزبه، وهي إعادة دمج الكرد في السياسة التركية بعد استبعاد القيادات أو سجنهم.
ولا ننتظر تغييراً في السلوك السياسي التركي، تجاه كرد سوريا، ولن تتغير سياسة تركيا في قضية اللاجئين السوريين، بل نعتقد أن أردوغان سيكون متشدداً أكثر من ذي قبل، فهو رئيس لولاية جديدة وأخيرة، تجعل ظهره للحائط وهو يتخذ قراراته.
ونتوقع أيضاً استغلال أردوغان للموقف العربي، وهو الموقف الذي لا يتطرق أحد من العرب في أي حديث عربي رسمي في أي دولة عربية أو من الجامعة العربية، وكأنهم لا يعرفون القضية الكردية، وأردوغان يستغل ذلك من أجل تناسي القضية الكردية، وهو ما لن ينجح فيه.
والمطلوب، هو ضرورة توحّد الرؤية الكردية، والعودة لمشروع القائد عبد الله أوجلان، الذي ينادي بديمقراطية إسلامية، وهي رؤية صائبة، ليس من قبيل أسلمة الديمقراطية، وإن العودة للأصل الإسلامي هو الذي يعتمد الشورى أساساً للحكم. وإذا كان أردوغان يعتبر نفسه رئيساً مسلماً لدولة علمانية، فعليه أن يكون على قدر المسؤولية ويعطي الحقوق لأصحابها، بدلاً من أن يكون وريثاً للعثمانية التي قتلت الكرد والأرمن وغيرهم ممن عاش ويعيش في الدولة التركية الحديثة… وعلى الله قصد السبيل…[1]