كشف الضابط بمديرية الأمن العامة في النظام السابق، #صباح الحمداني# أن ناظم كزار وصدام حسين، اتفقا على اغتيال الملا مصطفى بارزاني من أجل نكس القضية والثورة الكوردية.
الحمداني أدلى خلال برنامج (پەنجەمۆر = بصمة) على شاشة تلفزيون رووداو بشهادته على مجموعة أحداث مهمة وقعت في كوردستان، وخاصة جرائم القتل الجماعي والإخفاء القسري للبارزانيين وحملات الأنفال والقصف الكيمياوي لحلبجة وأحداث أخرى كثيرة شارك فيها بنفسه أو كان مطلعاً على تفاصيلها عن كثب.
صباح الحمداني، أشار إلى أن المخابرات السورية، أحبطت محاولة خطف الرئيس العراقي الأسبق، جلال طالباني في دمشق من قبل أشخاص تابعين للجهاز الأمني العراقي، لافتاً إلى أنه كان من المقرر نقل جلال طالباني بعد خطفه إلى لبنان.
وأضاف أن صدام حسين، حينما أصبح ضعيفاً وقريباً من الإزاحة، باع شط العرب إلى إيران وتخلى عن أراض حدودية لكل من السعودية والأردن والكويت، على حد قوله.
أدناه نص حوار رووداو مع الضابط في النظام السابق صالح الحمداني:
كاوة أمين: لو عدنا إلى مطلع السبعينيات، بالتحديد إلى سنة 1970، تم في تلك السنة وبمبادرة من صدام حسين التوقيع على اتفاقية مهمة بين قيادة الثورة الكوردية والحكومة العراقية الجديدة، والتي تعرف باتفاقية 11 آذار. أقرت الحكومة العراقية بموجب هذه الاتفاقية ببعض حقوق الشعب الكوردي، ولهذا أصبحت الاتفاقية حدثاً تاريخياً عند الكورد. ماذا كان دور مجلس الأمن القومي، الذي تحدثتم عنه، في هذه الاتفاقية؟
صباح الحمداني: الاتفاقية كانت حقيقية، كان لا يزال هناك حزب البعث، كان لا يزال هناك البكر الذي كان أقرب إلى أن يتقبل هذه الأمور وأن يعقد الاتفاقية بقناعة وبإيمان لكن صدام بتكتيك، كان هناك حزب يتصرف على هذا الأساس، بمعنى قبول أي اتفاقية حتى الجبهة التي صارت بعدها الجبهة مع الشيوعيين وغيرهم انطلقت من نفس المنطلق، لكن صدام لم يتقبل هذا الشيء، لكنه يريد أن يصل إلى أهداف أعمق إلى أن يتحكم ويغير المنهج، وفعلاً تمكن وغير ذلك بمرور الزمن، أما مجلس الأمن القومي هو مجلس منفذ لسياسة الحزب، فبالتأكيد لم يكن لديه اعتراض ضد الاتفاقية، لكن هل كانت الاتفاقية تضمن حقوق الشعب الكوردي؟، شخصياً أقول لا، لأنه عند التنفيذ لم يكن هناك اتفاقية، كيف تعمل حكماً ذاتياً، ومديرية الأمن أي استخبارات والمخابرات بذلك الوقت 99% هم عرب، والادارة عربية، مدير شرطة المحافظات يجب أن يكون عربياً، أين الحكم الذاتي فيه؟، هذا سميته مديرية أمن الحكم الذاتي، وليس الحكم الذاتي، لأنه كان تابعاً بأكمله للأمن وما يفعله ويريده في منطقة الحكم الذاتي، والحكم الذاتي كان عبارة عن ضحك على الذون مؤقتاً، وخللته الكثير من المشاكل خاصة بعد محاولات التخطيط لاغتيال السيد إدريس وبعدها محاولة اغتيال الأب.
كاوة أمين: سنأتي إلى ذلك فيما بعد.. لكن كان هناك أمان وهدوء على الأقلي خلال الفترة بين العامين 1970 و1974 وكان هناك انتعاش ثقافي كوردي، وهي أمور لم تكن صغيرة في تلك الأيام..
صباح الحمداني: من الممكن أن تعتبرها جيدة، لكنها أيضاً مؤقتة، وهناك تخطيط آخر، يعني كغطاء لمنجزات محدودة ولكن بنفس الوقت أنت تعمل منجزات أخرى في سبيل أن تصل إلى تصادم مع الواقع، فالحقيقة شيء والتنفيذ شيء والواقع شيء آخر.
كاوة أمين: حسناً، لكنك قلت إن أحمد حسن البكر كان جاداً في ذلك، وكان يريد بصدق إنجاح تلك الاتفاقية، فهل فشلت لأن صدام حينها كان الأكثر نفوذاً؟
صباح الحمداني: كان هناك الكثير من الخير في زمان أحمد حسن البكر، إلى عام 1979، فمع تسلم صدام ذهب الخير نهائياً كان عصراً لا بأس به عشنا فيه خير، لو كان له الدور الأول والأخير في الحزب وفي الجهاز التنفيذي لكنا رأينا الكثير من الخير، لكن في الواقع صدام كان المسيطر تماماً على الحكم، البكر كان عبارة عن أداة وواجهة فقط.
كاوة أمين: وهل كان أحمد حسن البكر يدرك قلة حيلته تلك؟
صباح الحمداني: بالتأكيد، كان يشعر ولهذا حاول أن يستقيل قبل ال1979، عدة مرات حاول الاستقالة وصدام حسين كان يرفض بالدرجة أولى لم يكن يسمح له، وذلك ليس حباً به ولكن كان يريد أن يصل إلى رئاسة الجمهورية ولم يكن يريد البقاء نائباً.
كاوة أمين: دعنا نتحدث عن محاولات الحكومة العراقية، أو أجهزتها الأمنية، التي حاولت اغتيال إدريس بارزاني في بغداد، ولماذا كانت تريد اغتياله ومن كان يقف وراء المحاولة؟ هل كانوا يريدون إلغاء الاتفاقية بتلك الطريقة؟
صباح الحمداني: أساساً كان السيد إدريس في حينها يريد أن يفتح أفقاً جديدة في مجال اتفاقية آذار بالتنسيق مع الحكومة أي كان موجوداً لعمل الخير ولإحراز تقدم في مسألة الحكم الذاتي، وإذا به يتعرض لمحاولة اغتيال في نهاية الشهر 12 عام 1970، أثناء المحاولة هو لم يكن موجوداً في ذلك الحين، قيل أنه جاء حينها إنذار من قبل أشخاص أخبروه بأنه سيتعرض لمحاولة اغتيال وغادر، وقيل أنه غادر عن طريق المواصلات العادية من الموصل ومنها إلى الشمال، وتعرضت السيارة والمرافقين التابعين له لهذه العملية، لكن من سوء حظ المنفذين أن واحداً منهم فقد البندقية عندما أمطروا السيارة بالرصاص فقد البندقية وهرب الجميع، وعثر الأمن على البندقية أو الشرطة، وإذ بهذه البندقية تعود لأحد مفارز الكورد الموجودة في الموصل للزيباريين، فمدير الأمن العام وجه إليه أمراً بأن ينفذ عملية التحقيق، فألقى القبض على عدد من الذين من الممكن أن يكونوا من المنفذين، وهم بشكل عام الأفواج المقربة أو الأغوات المقربة من الحكومة (السورجية - الزيباريين - الهركية)، اعتقل عدداً منهم، وهم يعرفون أن البندقية تعود للزيباريين، والذي ينفذ العملية أحمد آغا الزيباري والذي قتل والده في ال1959، واتهم به البارزانيين، أي كانت عبارة عن ثأر، لذلك استغلوا هذه العلاقة فحاولوا تنفيذ العملية، لكن بتوجيه الأمن أم لا؟، فهي بالتأكيد كانت بتوجيههم لأن ناظم كزار كان من ضمن واجباته الأساسية أن يقلق الحكم الذاتي، حتى محاولة تنفيذ عملية اغتيال الأب مصطفى بارزاني.
كاوة أمين: ما الذي كانت المخابرات والأمن تسعى لتحقيقه بتلك المحاولة؟ أن يقال إن الكورد قتلوا الكورد ويحتدم العداء من خلال ذلك؟
صباح الحمداني: في 1973 لم يكن هناك مخابرات، فقط جهاز الأمن والاستخبارات.
كاوة أمين: جهاز الأمن، وهذا ما أقصده أنا أيضاً..
صباح الحمداني: أجهزة الأمن أجهزة تنفيذية لكن لها قوتها، خاصة جهاز الامن فكل وزير كان له حماية من الأمن أي الأمن كان هو المنتشر في كل مكان، العملية التي أراد تنفيذها ناظم كزار نجحت لكن بمشيئة الله لم تتم فقد كانت مفبركة ومنظمة بشكل جيد، لكن القدر جعل الطائرة تتأخر وزعيم بلغاريا يتمسك أحمد حسن البكر ويعزمه على وجبة عشاء آخر ساعتين من الزمن، إذ بالمفرزة التي كانت يجب أن تنفذ البكر وصدام حسين، بعد فشل العملية أرسل ناظم كزار برقية يطلب بالدرجة الأولى إلغاء اتفاقية آذار باعتباره كان يتحجج في الواقع وبنفس الوقت كان الحزب يريد أن يتخذها تقرباً من الكورد، بعد هذا الحدث تم هدم قصر النهاية فهل كان لناظم كزار؟، لا بل كان مع الثلاثي صدام حسين وسعدون شاكر وناظم كزار، كانت لجان التحقيق تابعة لهم لم يكن قصر النهاية تابعاً لناظم كزار ولهذا اتهم كزار بكل هذه الافعال، هو من خطط لاغتيال السيد إدريس بارزاني، والسيد مصطفى بارزاني، وهو الذي اراد تخريب الاتفاقية، ولهذا وضعوا كل شيء ثقيل، كل ما ارتكب بحق الحكم الذاتي أو مرافق الدولة بشكل عام اتهموا به ناظم كزار، بعد ذلك تغير نمط الأجهزة الأمنية أي تم تجميد جهاز الأمن الذي أراد قتل قائد الحزب وقائد الدولة، فأصبح مثل مديرية الشرطة أو مديرية الجنسية وسحبت كافة الأجهزة الأمنية التي كانت تسيطر على دوائر الدولة، وسحبت المفارز إلى المقر وتغير النمط.
كاوة أمين: لو عدنا إلى محاولة اغتيال مصطفى بارزاني، هل كان الملالي الذين زاروه مطلعين على تفاصيل خطة الاغتيال؟
صباح الحمداني: العملية كانت كبيرة جداً كان ناظم كزار هو الذي يقودها شخصياً، الملازم الأول حسن المطيري كان واحداً من المنفذين على المفرزة التي كانت من المقرر أن تقنص صدام حسين وأحمد حسن البكر وبعض قيادات أخرى تكريتية مرصودة للقتل، أتوا برجال دين من السنة والشيعة وأقنعوهم بأن العملية هي للتقريب بين الكورد ورجال الدين السنة والشيعة، المعروف عن الكورد أنهم قريبون من الدين، هؤلاء رجال الدين لم يعرفوا ماذا سيجري وأنهم سيفجرون واحد منهم فقط كان يعرف أن سيسجل المقابلة حيث أنه قيل له عندما التقوا معه وأعطوه الحزام الناسف الذي كان على أساس أنه يحوي أجهزة تسجيل وبعد تعليمه كيفية استخدام الجهاز على أساس أنه بمجرد ضغطه على الزر سيقوم الجهاز بتسجيل ما يقوله السيد مصطفى بارزاني، وعندما نفذ الرجل ما قيل له انفجروا كلهم، لكن عند التنفيذ كان يخجل ضغط الزر وهو أمام الملا مصطفى القائد الكبير في الكورد وخاف من ذلك، وحين كان يمكث أمام الملا مصطفى جاء الذي يضيف القهوة واعترض بينه وبين ملا مصطفى فاستغل الفرصة ليضغط على الزر الذي كانت نهاية لهم وانفجروا وقُتل القهوجي والمنفذ وبعدها حدثت مقاومة وإطلاق نار متبادل وقتل الجميع.
كاوة أمين: هل كان واحد فقط من الملالي يشد ذلك الحزام؟
صباح الحمداني: نعم شخص واحد فقط جرى تكليفه لأنهم لم يريدوا أن يشك الشيوخ بأمرهم، ولهذا استلم الحزام من الأمن، وما جرى كان في 1971 فلم يكن للناس حينها الثقافة الكافية حول الأحزمة الناسفة والقنابل المتفجرة.
كاوة أمين: لكن من الممكن أن يكون ناظم كزار وحده الذي كان يقف وراء ذلك الإجراء وأن يكون صدام غافلاً عنه..
صباح الحمداني: من المستحيل ألا يكون صدام على علم بما فعله ناظم كزار، وكان متفقاً عليه، في 1971 لو نجحوا في هذه العملية ستكون انتكاسة للكورد والقضية كلها، لكنهم فشلوا بهذا الاتجاه، فانقلبوا وغيروا المنهاج ورفعوا الاتهام عن الأمن وأخذوا يعلنون بأن الأمن ليس له علاقة، وأنا شاهد وسمعت حسن المطيري شخصياً في ذاك اليوم كانوا ينتظرون النتائج كان مع الملازم أول صلاح المدرس يناقشون الأمر، هذه شهادتي في هذه العملية، اذا نأى جهاز الأمن بنفسه وتبرأ، بأنه ليست لنا علاقة، لكن كانت لهم كل العلاقة، والأمر صادر من صدام حسين 100%.
كاوة أمين: هل كانت هناك جهة أو شخص داخل حزب البعث يدعم تلك الاتفاقية ويدافع عنها؟
صباح الحمداني: أؤكد بأن البعثيين كانوا يريدون إمرار الحكم الذاتي لوقف هدر الدم، أي أن فكرة البعثيين أن يتوقف ذلك ولهذا كانوا يدعمونها، وكانت الضربة الأولى للحزب عام 1973، بعدما قضي على ناظم كزار، والضربة القاضية على الحزب كانت في 1979 عندما أعدم كوادر الحزب، وشكل صدام حسين حزب منافقين كعزت الدوري وغيره، ناس لا حزبيين يدعون الحزبية لكنهم أجهزة أمنية كانوا مبلغين بالتعاون الكامل مع الأجهزة الأمنية للسيطرة على الشعب والواقع والمؤسسات.
كاوة أمين: لو أننا انتقلنا للحديث عن موضوع آخر، أين التقيت مام جلال أول مرة؟
صباح الحمداني: بعد ما دخلت دورات الجودو والكاراتيه بالأمن العامة وكنت من المتفوقين فيها، المدرس صلاح نقلني مدرباً للجودو والكاراتيه وجعلني معيداً وشاركت في التدريب، وأثناء استراحتي من التدريب في مكتبة الأمن العامة في آمرية الدورات وبعدها انتقلنا إلى مركز التطوير الأمني وفي المكتبة كان يزورنا شخص لم أكن أعرفه، وكنت حينها صغيراً في العمر أبلغ 19 عاماً. لم أكن مهتماً كثيراً بالسياسة ولم أكن أعرف الأحزاب العاملة في ذلك الوقت، لكن أمين المكتبة زهير البغدادي عرّفني على جلال طالباني.
كاوة أمين: لماذ كان مام جلال يتواجد هناك؟ وفي أي سنة كان ما تتحدثون عنه؟
صباح الحمداني: كان بين عامي 1970-1971، حين كان يزور الأمن العامة عدة مرات، وأخبرني أمين المكتبة أن لديه موافقة من ناظم كزار، كي يأتي لزيارتنا والإطلاع على ما هو موجود في الأمن العامة بالمكتبة، وما موجود بالمكتبة ليست كتباً عادية، إنما 90% منها كتب مصادرة، عالمياً أو عراقياً في الداخل، سواء تلك التي تأتي من الخارج، أو التي صادرها جهاز الأمن من تلك التي كانت تصدر من الأحزاب.
كاوة أمين: تقصد أن مام جلال كان يأتي إلى هناك للمطالعة؟
صباح الحمداني: نعم، كان مسموح له أن يأتي للإطلاع والقراءة والكتابة، وفي ظل عدم وجود تقدم علمي لدينا، كان ينقل رؤوس أقلام، وقد نبّهنا على نقطة حيوية لا أنساها ولا زلت أتذكرها حتى الآن، كان يقرأ في ملزمة (أكبر من كتاب يبلغ حجمه حوالي 40 سم) يتحدث عن المخابرات الأميركية، من إصدار آلن دالس في ذلك الوقت، وهو رئيس سي آي اي، ونسخ هذا الكتاب كانت مصادرة لدينا، وجلال طالباني يطّلع عليها، وأثناء قرائته علّق على جملة، كتبها زبغنيو بريجينسكي، والذي كان مستشاراً للمخابرات الأميركية قبل أن يصبح مستشار الأمن القومي، وقد كتب في سنة 1970-1971 الفترة التي كان فيها الحزب الشيوعي في القمة وروسيا قوية جداً، وكتب بريجينسكي أن المد الأحمر سوف ينتهي، في إشارة إلى الحزب الشيوعي، علماً أن مام جلال كانت لديه أفكار ماركسية شيوعية، واهتم بهذه النقطة، وعلق عليها قائلاً سيظهر المد الأخضر، أي المد الإسلامي، وأردف أنه يجب معالجة المد الأخضر، إذاً من الآن أوصي بإحداث فقاعات ومشاكل في الجانب الديني الإسلامي والطائفي، بتقوية طوائف على حساب أخرى، كي تبدأ الصراعات بينهم ونكفّ عن شرّ هؤلاء الإسلاميين، وقد قال مام جلال أنه لا يمكن للشيوعية أن تنتهي، لكنها الآن بقيت اسماً فحسب، لكن الذي جرى أن الإسلاميين جاؤوا وبدأت المذابح وانتصر الخميني واستلم الحكم في إيران، وتذكرت أن الذي قرأته في السبعينات ينفذ الآن بحذافيره.
كاوة أمين: في تلك الفترة، شكل حزب البعث والحزب الشيوعي جبهة وطنية، لماذا لم ينضم الحزب الديمقراطي الكوردستاني إلى تلك الجبهة، هل لديكم أي معلومات في هذا السياق؟
صباح الحمداني: سماها الجبهة الوطنية الاشتراكية وبملحقات أخرى طويلة، لكن ليس فيه شيء من الحقيقة، وشكل حزباً كوردستانياً ضمّه إلى مدخولات الجبهة، ودخل الشيوعيون أيضاً. الشيوعيون كانوا أذكياء في تلك المرحلة، حيث كان البكر يتقبلهم، بل هو كان حامياً للشيوعيين، بحيث لا يسمح لأحد أن يؤذيهم، إلى أن انتهى واستلم صدام حسين الحكم، وبدأ صدام بضرب الشيوعيين بقوة، والأخيرون استغلوا حب العراقيين للمعارضة، أي أؤلئك غير البعثيين ولم يتعينوا في وظيفة وغيرهم، لم يكن لهم ملجأ سوى الشيوعية، وإذا بقواعد الحزب الشيوعي تنتشر بقوة، ونحن كنا في الأمن العامة نراقب هذا الأمر، فقمنا بإرسال تشبيك (أي أشخاص للدخول في الحزب الشيوعي)، ومنذ ذلك التاريخ دخلنا بين صفوفهم لنعلم ماذا يفعل الشيوعيون، وصار هناك اتفاق بين مدير الأمن العام فاضل البراك وصدام حسين، على وجوب ضرب وإنهاء الحزب الشيوعي، وذلك عبر القضاء على قواعده الحزبية، لتتبقى القيادات فحسب ، علماً أن القضاء عليها سهل، فإما أن تهرب أو تلجأ لنا، وفعلاً عمل قسم من القيادات مع الأجهزة الأمنية. خلال تلك السنوات 1977-1978 أي خلال فترة الجبهة، كنا نعمل بقوة، حتى وصلنا لمرحلة أن الخلية فيها 7 أشخاص، أربعة منهم تابعون لنا، وأحدهم لا يعرف الآخر، وسيطرنا على قواعد الحزب الشيوعي، إلى عام 1979، وخلال تلك الفترة لم يضرب صدام الحزب الشيوعي، خوفاً أو احتراماً لأحمد حسن البكر، وبعد خروج الأخير، تغيرت التعليمات، وتغير نسق جهاز الأمن كاملاً..
كاوة أمين: الأمور كلها تغيرت..
صباح الحمداني: بعد قدوم فاضل البراك عام 1977، تغير نموذج جهاز الأمن الذي كان قبل قديماً لا بأس به ولا يضرب بقوة ويعد مقبولاً ين الناس، وعادت الشراسة التي كانت في زمن ناظم كزار، وكان عدونا الأساس في تلك الفترة، فضلاً عن الأحزاب الأخرى مثل اليكيتي، وقد كان فاضل البراك يمتلك روحاً انسانية في تعامله مع الأحزاب والذي أراد كسبهم..
كاوة أمين: تريد أن تقول إن فاضل البراك كان خيراً من ناظم كزار؟
صباح الحمداني: بالطبع، كان فاضل البراك انساناً متعلماً ومثقفاً، عكس ناظم كزار، الذي كان صِدامياً (من جماعة الشقاوات)، الذي اعتاد على نهج الاغتيالات والتصفيات والقتل، لكن البراك جاء بنهج مختلف، وهو كسب الآخرين، وكان غالبية أساتذتنا في مركز التطوير الأمني، شيوعيون وناصريون ومنشقون.
كاوة أمين: لكن حتى في عهده قتل الكثير من الناس وأعدموا الحياة..
صباح الحمداني: أكيد، هذا يكون في حالات نادرة، أنا لم أشاهد إعدامات شرسة وقتلاً إلا بعد عام 1980، بعد دخولنا إلى إيران.
كاوة أمين: سنتطرق فيما بعد إلى الحرب العراقية الإيرانية. إلا أني أريد الآن التحدث عن العام 1975، أو دعنا نتحدث أولاً عن استئناف المعارك بين الكورد والحكومة العراقية. لماذا استؤنفت تلك الحرب؟ يقول الكورد إن مصير كركوك كان السبب. ما رأيك أنت؟
صباح الحمداني: أنا لم أعمل هناك في تلك الفترة، حتى أعرف تفاصيل ما جرى..
كاوة أمين: لكن وفقاً لما توفر لديك من معلومات بفضل علاقاتك الواسعة..
صباح الحمداني: نعم أحسنت، النقطة الخاطئة في جهاز الأمن هي التي تتعلق بمعرفتي لكل شيء، حيث كان لدينا تقرير شهري يجتمع فيه مدير الأمن مع الضباط في كل محافظات القطر، والتقرير يعلمك بما جرى مثلاً في السليمانية والبصرة وغيرها، لذا كان الضابط لديه معرفة بكل شيء، وهذا أمر خاطئ في علم المخابرات والأمن، مثلما أنا أعرف الآن كل شيء.
كاوة أمين: ما علاقة موضوع التقرير هذا بسؤالي؟ لماذا استؤنفت الحرب سنة 1974؟
صباح الحمداني: صدام حسين لم يكن يتقبلهم، كان يتقبل الجبهة ولا يتقبل الأحزاب الأخرى، حيث لا يتقبل عمل اليكيتي في كوردستان وكذلك البارتي، وعملنا في الشعبتين الثالثة والخامسة كان واضحاً بأنه صدامي ضد الأحزاب، ويقارعها.
كاوة أمين: حسناً، لكن ما قرأناه وسمعناه يقول إن الاتفاقية انهارت بسبب عدم الاتفاق بشأن كركوك. كان ملا مصطفى يريد أن تكون كركوك جزءاً من منطقة الحكم الذاتي والعراق لم يقبل بذلك..
صباح الحمداني: موضوع كركوك ومناطق أخرى، خطير جداً، والسبب في القنابل التي تنفجر بين آونة وأخرى. فعلاً، هي كركوك الأساس، ومن الإستحالة أي يعطي صدام حسين، ليس فقط كركوك، بل أي محافظة إلى الكورد، هو كان يعتبر نفسه رئيس جمهورية العراق، عراق صدام حسين، كان يريد تنفيذ هذه الفكرة على الواقع، لا يمكن أن يتقبل جلال طالباني ولا مسعود بارزاني ولا البازانيين، قد يتقبلهم لفترة مؤقتة، لكن هذا واقع حال صدام حسين، وهو سبب ما وصلنا إليه لهذا الحال.
كاوة أمين: لكن صدام نفسه وافق على التخلي عن جزء من أرض العراق لإيران لتتخلى عن مساندة الكورد وتتوقف الثورة الكوردية..
صباح الحمداني: فعلاً هذا ما حدث، بعد أحداث الكويت، باع صدام حسين شط العرب وعاد إلى اتفاقية 1975، وباع أراض عميقة وطويلة على طول الحدود مع إيران، وتخلى عن منطقة المثلث الحدودي مع السعودية، وتخلى عن أراض مع الأردن، وكثير من الأراضي حتى في الكويت، وتغير النهج الخاص بصدام حسين، حيث باشر بالتخلي، نظراً لتغير أهدافه، لأنه أصبح ضعيفاً وتحت المطرقة ولا يعلم متى يزاح، لذا قام بالبيع.
كاوة أمين: لكن الاتفاق قضى في الأخير على الطرفين، سقط الشاه ومصير صدام كان ما رأيناه، الحرب العراقية الإيرانية كانت على شط العرب بعد تراجع العراق عن الاتفاق المذكور..
صباح الحمداني: حصلت متغيرات في ذلك الحين، وأدت إلى ما أدت إليه، لكن كل الأمور كانت مبرمجة، ومجيء الخميني غيّر المسارات، قبل ذلك كان الوضع مستقراً، عدا مشاكل بسيطة جداً، إلى أن جاء العام 1979، فبقدوم الخميني تغيرت كل الاتفاقيات، ووصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن.
كاوة أمين: بعد العام 1975 بفترة قصيرة، استؤنفت الحركة المسلحة ونشاط البيشمركة في كوردستان مجدداً، التقارير التي كانت تردكم حينها من كوردستان، كيف كانت تتحدث عن هذا النشاط؟
صباح الحمداني: نحن كنا نسمع كل شيء، لكننا كنا نختص بأمور مختلفة، في تلك الفترة كان تخصصي بأمن نينوى الشيوعيون، وبعد خروجي إلى النجف، أصبح تخصصي أحزاب الرجعية والحوزة العملية، لم أكن أنتبه كثيراً إلى ما يجري في شمال العراق، لذا لا يمكنني أن أفيدك كثيراً بهذا الصدد.
كاوة أمين: حاولت الحكومة العراقية اغتيال أو خطف مام جلال في سوريا، لم يكن الاتحاد الوطني قوياً حينها، ولم يكن يمثل تهديداً كبيراً للعراق.. فلماذا تم تدبير تلك المحاولة؟
صباح الحمداني: لم أسمع بتفاصيل هذه العملية إلا في سوريا، حين ذهبنا مع الخزرجي وكنا قريبين جداً من سقوط العراق آنذاك، وكانت لدي علاقة مع جماعة في القيادة القومية لحزب البعث السوري، فسمعت من أحد المرافقين، الذي رافق دائماً مام جلال، وصار لاحقاً مرافقاً لنزار الخزرجي.
كاوة أمين: هل كان ذلك الشخص سورياً أم عراقياً؟
صباح الحمداني: سورياً طبعاً، أعتقد أنه من المخابرات السورية. وسمعت منه تفاصيل ما جرى من محاولات لخطف مام جلال..
كاوة أمين: في أي سنة؟
صباح الحمداني: في العام 2003.
كاوة أمين: أعلم، لكن في أي سنة جرت محاولة الخطف؟
صباح الحمداني: المحاولة جرت في العام 1976. قمت بربط المعلومات التي كنت أسمعها من زملائي في الشعب الأخرى مع معلومات الرجل، وقد أوردت المعلومات على قناتي في التلفزيون.
كاوة أمين: وكيف هي القصة إذن؟
صباح الحمداني: في عام 1976، علماً أنني أربطها بمعلوماتي من الشعبة الثالثة الخاصة بالكورد، مع معلومات السوريين، كي أروي لك القصة من الجانبين، خلال فترة عمل الشعبة الثالثة كان هنالك متعاونون، يتلقون مبالغ لقاء ذلك، من بينهم منذر حاج مظفر النقشبندي، الذي كان متعاوناً مع جهاز الأمن، وحينما أرسل إلى شمال العراق، كان الغرض من ذلك هو الواجب، وبقي على اتصال مع النظام، وكان من جماعة الفرع الأول لحزب البارتي في بغداد، وبعد ذلك انتقل إلى اليكيتي بتكليف من جهاز الأمن.
كاوة أمين: أجل كان منتمياً للبارتي في السابق..
صباح الحمداني: وانتقل إلى اليكيتي ليتقرب من مام جلال، وبنفس الوقت غادر إلى سوريا، حيث كانت لديه أخت تسكن في دمشق، وأصبح قريباً جداً من مام جلال وأقنعه أن لديه جماعة من الفلسطينيين الماركسيين يريدون الإنضمام إلى اليكيتي، ليتدربوا مع الحزب ويقاتلوا من أجله، لكن مام جلال كان ذكياً بما فيه الكفاية، حيث انتبه إلى أن هذا الأمر غريب، كما انتبهت الأجهزة المخابراتية السورية إلى هذا الأمر، وقد استمعوا وسجلوا أصواتاً، وألقي القبض على منذر وشخص آخر معه.
كاوة أمين: أي أن المخابرات السورية أبطلت الخطة؟
صباح الحمداني: نعم، أحبطت المخطط وألقت القبض عليهم، ولم يشجعوا مام جلال على إقامة أي علاقات مع هؤلاء المرشحين، حيث كان مخططاً أن يتم اللقاء بهم في دمشق، وأن يتم خطف مام جلال أثناءه، ونقله إلى لبنان حيث كان لصدام دوراً قوياً هناك، سواء من الفلسطينين أو حتى اللبنانيين.
كاوة أمين: وكيف أطلق سراح منذر فيما بعد؟
صباح الحمداني: سأصل إلى هذا سريعاً.. كان من المقرر اختطاف مام جلال إلى بيروت أو نقله عبر طائرة ذليلاً إلى صدام حسين بالدرجة الأولى أو قتله، وألقي القبض عليهم، وكان آنذاك الملازم محسن الفلسطيني، وهو ليس فلسطينياً، المكلف بتنفيذ العملية لما يمتلك من إمكانيات جسمية وقدرات لتنفيذ عمليات الخطف أو القتل، وقد جرى اعتقالهما في عام 1976. وفي العام 1978 أطلق سراحهما عندما صار هنالك توافق بين سوريا والعراق، واتفقوا على تسليم العملاء الجواسيس بين كلا الجانبين.
كاوة أمين: عاد منذر إلى العراق..
صباح الحمداني: نعم، عاد منذر ومحسن، وأعطوا محسن وظيفة ليصبح ملازماً في الأمن.[1]