اللغة هوية الشعوب
كمال نجم
أصل اللغة موضع بحث ونقاش منذ قرون. لا توافق في الآراء حول الأصل الفعلي أو عمره، فانعدام الدليل الواضح والمباشر سبب صعوبة دراسة هذا الموضوع. ثمة اتفاق عام أن أصل اللغة متصل بشكل قوي بأصل سلوك الإنسان الحديث، لكن الاتفاق بسيط حول الآثار المباشرة بهذا الصدد. في الوقت الحالي، يوجد عدد هائل من الفرضيات عن كيف، لماذا، متى، وأين ظهرت اللغات لأول مرة. قد يبدو في بادئ الأمر أن هناك اتفاقاً أكثر مما كان عليه الموضوع قبل مئة عام، عندما أثيرت موجة من التكهنات حول موضوع اللغة بعد أن نشر تشارلز داروين نظريته حول التطور بواسطة الانتقاء الطبيعي. مع ذلك ومنذ بداية التسعينيات حاول العديد من اللغويين وعلماء الآثار وعلماء النفس وعلماء الإنسان (الأنثروبولوجيا) استخدام أساليب جديدة لما قد يكون «أصعب مشكلة في العلم.
نظريات نشوء اللغة
يمكن تقسيم نظريات أصل اللغة تبعا للافتراضات التي تقوم عليها. ف «نظريات الاستمرارية » تستند على فكرة أن اللغة معقدة جداً بحيث لا يستطيع أحد تخيل أنها نشأت في شكلها النهائي من لا شيء، لا بد أن تكون قد نشأت من أنظمة غير لغوية سابقة استخدمها أسلافنا الأولين. بينما تستند «نظريات الانقطاع » على فكرة معاكسة وهي أن اللغة سمة فريدة بحيث لا يمكن مقارنتها بأي شيء وُجد بين غير البشر، وعليه فإن اللغة تكون قد ظهرت فجأة أثناء مرحلة تطور الإنسان. يوجد تباين آخر بين النظريات التي ترى أن اللغة ملكة فطرية مشفرة وراثياُ إلى حد كبير وبين تلك التي ترى أن اللغة في الأساس نظام ثقافي، بحيث يمكن تعلّمها من خلال التفاعل الاجتماعي.
ولا زالت النظريات قائمة ومستمرة من قبل غالبية العُلماء لفهم تطور اللغة، رغم اختلافهم بكيفية هذا التطور، وبين أولئك العُلماء الذين يرون أن تطور اللغة هو تطور فطري. وظهور اللغة حدث قبل التاريخ الإنساني، والتطورات التي لها علاقة بموضوع اللغة لم تترك أي آثار مُباشرة، ولا يمكن ملاحظة أي عمليات مشابهة هذا اليوم. الفترة الزمنية المستغرقة لتطور اللغة ومتطلباتها الهيكلية تمتد على أقل تقدير من فترة نشوء وتطور السلالات الشبيهة بالإنسان ) Homo ( منذ ما يقارب ال ) 2.3 إلى 2.4 مليون سنة مضت(، ومن ظهور جنس الشامبازي ) 5 إلى 6 مليون سنة مضت( حتى الظهور الجلي للسلوك اللغوي الحديث منذ ما يقارب ) 50 ,000 إلى 150 ,000 سنة.
يوافق اللغويين على أنه لا يوجد هناك لغة بدائية ( primitive language ) بخلاف اللغة البسيطة (pidgins ) وأن جميع اللغات المتحدثة من قبل المجموعات البشرية الحديثة ذات دلالات تعبيرية متماثلة، على الرغم من أن هناك بعض الدراسات الحديثة توصلت إلى أن التعقيدات اللغوية تختلف في اللغة ذاتها وتختلف فيما بين اللغات الأخرى على مر التاريخ.
ولا زال هناك جدل كبير عمّ إذا كانت اللغة قد تطورت تطورًا تدريجيًا عبر آلاف السنين أم أن هذا التطور قد ظهر
فجأةً.
إن منطقتيّ بروكا و فيرنكس ) ) Broca & Werniks الموجودتين في دماغ الرئيسيات موجودتان أيضا في دماغ الإنسان. فالمنطقة الأولى مسؤولة عن العديد من المهام الإدراكية والمعرفية أما الأخيرة فهي مسؤولة عن مهارات اللغة. تتحكم نفس المنطقتان التي أجريت عليها أبحاثاً في جذع الدماغ والجهاز الجوفي للرئيسيات بالأصوات غير اللفظية (الضحك والبكاء الخ…)، وهذا يشير إلى أن مركز لغة الإنسان هو عبارة عن تحول في النظام العصبي المشترك بين كل الرئيسيات. ويبدو أن هذا التحول والمهارات المتعلقة به من التواصل اللغوي مختصة بالإنسان. وهذا يقودنا إلى أن أعضاء اللغة قد تكونت بعد انفصال نسل الإنسان عن نسل الرئيسيات (الشامبانزي و البونوبوس). أصل اللغة « كموضوع في حد ذاته ظهر من دراسات في اللغوية العصبية ، اللغوية النفسية وتطور الإنسان. وقدمت المراجع اللغوية « أصل اللغة « كعنوان رئيسي منفصل في عام 1988 لموضوع فرعي من اللغوية النفسية. المعاهد المتخصصة في اللغويات التطورية هي ظاهرة حديثة ونشأت في عام 1990 م.
ما هي اللغة؟
بقدر تباين واختلاف آراء ونظريات أصل اللغة، هناك أيضاً اختلاف وتباين في تعريف اللغة ووظيفتها، فمن العلماء من يعرف اللغة بأنها فئة، أو مجموعة من الجمل المحدودة، أو غير المحدودة، ويمكن بناؤها من مجموعة محددة من العناصر.
ومنهم من اعتبرها مؤسسة يقوم الأفراد من خلالها بتحقيق الاتصال، والتفاعل بينهم، ولها مع ذلك طبيعة صوتية، كما أنها نظام متفق عليه.
بينما عرفها آخرون بأنها عملية الاتصال، ونقل الأفكار والمشاعر عن طريق إشارات وأصوات وملامح وعلامات يفهم معناها.
وللغة وظيفتان هما الاتصال والتفاعل ليس فقط بين متحدثي هذه اللغة في إطار ثقافتهم، بل أيضاً بين هؤلاء المتحدثين باللغة، وبين الآخرين ممن يتعلمون هذه اللغة. الإجماع إذن يكاد يتفق على أن الاتصال، إن لم يكن الاتصال والتفاعل، هو الهدف الرئيسي من استخدام اللغة.
وظائف اللغة
والحديث عن موقع الاتصال في تعريف اللغة يدفعنا إلى الحديث عن وظائف اللغة، وبيان موقع الاتصال أيضاً منها. اللغة وسيلة الفرد لقضاء حاجاته، وتنفيذ مطالبه في المجتمع، وبها أيضاً يناقش شؤونه ويستفسر، ويستوضح، وتنمو ثقافته، وتزداد خبراته نتيجة لتفاعله مع البيئة التي ينضوي تحتها.
بواسطة اللغة يؤثر الفرد في الآخرين، ويستثير عواطفهم، كما يؤثر في عقولهم. أما فيما يتعلق بالمجتمع، فاللغة هي المستودع لتراثه، والرباط الذي يربط به أبناءه فيوحد كلمتهم، ويجمع بينهم فكرياً، وهي الجسر الذي تعبر عليه الأجيال من الماضي إلى الحاضر والمستقبل. وأيا ما كانت تعريفات اللغة، فإن الوظيفة الاتصالية تقف في مقدمة الوظائف للغة.
العوامل العادات والأخلاق والدين واللغة والثقافة والجنس ووحدة الأهداف والشعور والتاريخ المشترك وغير ذلك
اللغة الكردية
تعد اللغة الكردية من أعرق اللغات وأقدمها في المنطقة و هي لغة أصلية و إحدى فروع اللغات الهندو أوروبية الآرية. و قريبة من اللغات الافغانية والفارسية. هنالك عدة لهجات فرعية ضمن اللغة الكردية وهي الكرمانجية الشمالية
kurmanci( ( و الكرمانجية الجنوبية ) soranî ( بالإضافة إلى الهورامية و الظاظائية. اللهجة الأكثر إنتشاراً في كردستان والتي يتكلم بها أكثر من سبعين بالمائة من الأكراد هي اللهجة الكرمانجية الشمالية.
الكتابة الكردية
لا يُعرف بالتحديد متى وأين بدأ الكرد باستخدام الكتابة وما هي شكل واسم و عدد حروف تلك الأبجدية التي استخدمت حينها. لكن المعلوم أن الكرد استخدموا عدة أبجديات على مر التاريخ وحتى يومنا الراهن، كالأبجدية المسمارية والآفستائية والآرامية و)الماسي سورتية( والأزداهية والبهلوية والعربية والأرمنية والروسية وأخيرًا اللاتينية. فقد نشر اللغوي الكردي المعروف كيو موكرياني صورة أبجدية قال عنها أنها الأبجدية الكردية القديمة وبأن تاريخها يعود إلى سنة 2800 ق. م. الأبجدية المسمارية: أدخل الميديين أبجدية مسمارية مؤلفة من ست وثلاثون) 36( حرفًا إلى البلاد الإيرانية و اللغة الفارسية القديم. وكانوا قد أخذوها بدورهم من الأورارتيين. أضاف الميديين ست حروف أخرى إلى هذه الأبجدية المسمارية حيث أصبح عدد الحروف أربعين) 42 (. الأبجدية الأفستائية: بالإضافة إلى الأبجدية المسمارية أستخدم الميديين الأبجدية الأفستائية بشكلٍ واسع النطاق. الأبجدية الأفستائية تتألف من أربع وأربعون ) 44( حرفًا والبعض يقول ثماني وأربعون ) 48( و هي تكتب من اليمين إلى اليسار و قد دونوا بهذه الأبجدية كتب الديانة الزادشتية وبالأخص الكتاب المقدس )آفستا(! وقد يكون أسم الأبجدية مشتق من هذا الاسم.
الأبجدية الآرامية: أقدم النصوص الكردية المكتوبة قد تم تدوينها بالأحرف الآرامية وقد عُثر على بعض الوثائق في منطقة هورامان مكتوبة بالأحرف الآرامية حول الحياة المعيشية والمبادلات التجارية للأكراد! يعود تاريخ هذه الوثائق إلى العقد الثامن قبل الميلاد. حيث يعتبر البعض هذه الوثائق أقدم الوثائق المكتوبة باللغة الكردية في التاريخ! وكذلك أستخدم الكرد الأبجدية البهلوية (الفهلوية) القديمة وقد كتبوا كتابًا الكردية اللورية باسم (دينكرد) بالأحرف البهلوية القديمة.
أبجدية ماسي سورتي: تتحدث بعض المصادر عن وجود أبجدية كردية خاصة تداولها الكرد حتى القرن السابع للميلاد وبعدها أيضاً، أسم هذه الابجدية: (Masî Soratî ) ماسي سوراتي! نسبة إلى الشخص الذي أبتكرها، عدد أحرف هذه الأبجدية سبع و ثلاثون( 37 ) حرفاً. حيث يتحدث أبن الوحشية النبطي الكلداني في كتابه (شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام( عن أبجدية كردية (ماسي سورتي) ووضع رسوماً لتلك الحروف و بجانب كل حرف كردي وضع ما يقابله من الحروف العربية.
الأبجدية الإزداهية: توجد أبجدية كردية خاصة جدًا بين الكرد الأذداهيين مازالت موجودة حتى يومنا الراهن و قد دونوا كتبهم المقدسة بهذه الأبجدية. عدد حروف هذه الأبجدية واحد وثلاثون (31) حرف، يكتب من ا ليمين إلى اليسار. لا يُعرف بالضبط تاريخ وضع هذه الأبجدية. ولكن يظهر بأن مبتكرها استفاد من الأبجدية العربية والأفستائية وحتى الآرامية في وضع هذه الأبجدية.
الابجدية العربية: بعد دخول العرب إلى كردستان واعتناق الكرد لدين الإسلام بدأت الأبجدية العربية تنتشر بين الكر د. هذه الابجدية السامية تفتقر إلى الكثير من الأصوات و الحروف الموجودة باللغة الكردية ك ( p, ç, g, j, u,v ) و كذلك فقد أدخلت بعض الأصوات ك (ع، ح،غ).
الأبجدية الأرمنية: أو أبجدية (لازو). وضعها اللغوي الأرمنى آكوب غازريان الملقب ب (لازو) بناءً على الأبجدية الارمنية.
الابجدية الكريلية: او الروسية(السلافية). بعد القرار الصادر من الحكومة السوفيتية إبان حكم ستالين الداعي إلى وقف تداول الابجدية اللاتينية، تم على اثرها تأليف هيئة من المثقفين الكرد ك (حجي جندي) و (أمين عفدال) على سبيل المثال، لإعداد أبجدية كردية حسب الأحرف الكيريلية -الروسية. فقد تم أختراعها أثناء الحرب العالمية الثانية وتم فرضها على الكرد القاطنين ضمن حدود الاتحادالسوفييتي. الابجدية الكردية اللاتينية: ضمن المحاولات العديدة لإيجاد أبجدية تتناسب مع اللغة الكردية بأصواتها و خصوصياتها و حركاتها، كانت الأبجدية اللاتينية الأوفر حظاً. بدأت المحاولات لكتابة اللغة الكردية بالأحرف اللاتينية منذ القرن التاسع عشر من قِبل الكثير من المثقفين الكرد وغير الكرد. لكل محاولة من هذه المحاولات نتائجها الخاصة. قام مؤسس الكردولوجيا في روسيا (بيوتر ليرخ) بمحاولة لوضع أبجدية كردية مبنية على الأحرف اللاتينية، ولكن محاولاته لم تأتي بنتيجة مهمة بسبب إهمال السلطات القيصرية لها. كذلك قام (الكسندر جافا) باستخدام الأبجدية اللاتينية في اللغة الكردية. صبّ عبد الرحمن جودت اهتمامه على الابجدية اللاتينية و اقترح على خلانه من المثقفين استعمال هذه الأبجدية حيث كتب في صفحات مجلة (روجي كورد) عام 1913 مقالاً بهذا الصدد و قد تم فعلاً نشر عدة مواضيع كردية بالأبجدية اللاتينية في نفس المجلة. كذلك جرت عدة محاولات ضمن جمعية هيفي للطلبة الكرد بإعداد أبجدية كردية على النسق اللاتيني. بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى قام ماجورسون( major e.b.soan ) بأعداد أبجدية لاتينية للغة الكردية وألف كتابين بهذا الصدد ولكن هذه الأبجدية لم تنتشر بين الكرد كما يجب.
ربما أبرز أبجدية كردية لاتينية هي التي تم وضعا من قِبل البروفيسور الكردي عرب شمو واستخدمت على نطاق واسع وأثرت على سير الأبجدية الكردية. أما بالنسبة للأبجدية المتداولة حالياً فهي الابجدية التي ادخلها العلامة الكردي (مير جلادت علي بدرخان 1893 – 1951 ) إلى اللغة الكردية إثر جهود حثيثة بالتعاون مع الفرنسي روجر لوتس.
اللغة هوية الشعوب وحامل ثقافتها
بناءً على كل ما سبق فإن اللغة ظاهرة اجتماعية وملكة إنسانية تميز الإنسان عن باقي المخلوقات. أما على صعيد المجتمعات والأمم فإن اللغة هي الوعاء الذي ينتج الفكر والعلم والمعرفة. وعليه فإن اللغة ليست أداة للتواصل والنشاط الإنساني فحسب، بل أصبحت العامل والعنصر الأساسي لكل قومية أو أمة. فاللغة حاملة ذاكرة الشعوب عبر التاريخ، وكذلك هي حامل ثقافة الشعوب والمجتمعات وهويتها. فاللغة هي إذاً هوية والشعوب وانتمائها، وهي الدرع الذي يساهم في حماية تاريخ وحضارة وثقافة أي مجتمع. الشعوب والأمم تعرف من خلال العديد من العوامل إلا أن أبرزها يبقى عامل اللغة.
وفي نظرة مقتضبة إلى تاريخ العديد من الشعوب وكذلك تاريخ العديد من الأنظمة الاستعمارية نجد إن هذه الأنظمة استهدفت بالدرجة الأولى هوية الشعوب و القضاء على وجودها كإحدى وسائل إبادة تلك الشعوب والقضاء على وجودها كقوميات أو شعوب. حيث عمدت الأنظمة الاستعمارية على قمع وحظر لغات شعوب المستعمرات كما سعت إلى فرض لغتها، لعلمها إن القضاء على لغة الشعوب يعني في النتيجة القضاء على ذاكرة الشعوب وهويتها مما يسهل الاستمرار في استعمارها ونهب بلادها.
وفي وقتنا الراهن وفي ظل عصر العولمة تَحرِص اللغات الكبرى المُسَيطِرة على التهام اللغات المنافِسة لها. وذلك بإضعافها وتفتيتها بوسائل علميَّة وتعليميَّة وإعلاميَّة تَمَّ إعدادُها ودراستها بدِقَّة شديدة. فعلى سبيل المثال لا الحصر على شراسة الهجوم الذي تشنه اللغات الكبرى على اللغات المنافسة لها، تعرَّضت كثيرٌ من لغات إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية للاجتِياح أمام قوَّة اللغات الأوروبية الغازية في عصر التوسُّع الاستعماري بعد الثورة الصناعيَّة، ممثَّلة في اللغات الإنجليزية والفرنسية على نحو خاصٍّ، ومِن ورائها الإسبانية والبرتغالية والألمانية، وأمام هذا الاجتِياح سقطت لغات كثيرة، قدَّرتها منظمة اليونسكو بأكثر من ثلاثمائة لغة، وضعفَت أخرى وتصدَّعت أركانها وأساساتها، وهم ييَوقَّعون لها مَزِيدًا من الضعف الذي قد يؤدِّي إلى الاندثار، خاصَّة إذا ساعَدَهم أبناء هذه اللغات أنفسهم على تحقيق الهدف.
اللغة الكردية أيضاً تعرضت على مدى التاريخ إلى مختلف من محاولات الصهر والقمع من قبل مختلف والأنظمة التي احتلت كردستان. ومع الأخذ بعين الاعتبار القرون الطويلة التي حرم منها الشعب من الكردي من تأسيس كيان قومي أو سياسي إو إداري خاص به، يظهر مدى الخطر الذي كان محدقاً باللغة الكردية والثقافة والهوية الكردية. إلا حفاظ الشعب الكردي على لغته الأم على مر التاريخ وحمايتها من الاندثار والضياع يعتبر معجزة عجزت عنها العديد من الشعوب والقوميات التي تعرضت لأوضاع مماثلة لما تعرض له الشعب الكردي. ويعود الفضل في ذلك طبعاً للعديد من العوامل منها إن المجتمع الكردي ظل متمسكاً بلغته وظل يتداولها في معاملات الحياة الاجتماعية وفي التراث الثقافي والأدبي الشفاهي، وكذلك يعود الفضل إلى العديد من الأدباء والشعراء الكرد الذي تمكنوا من تدوين الملاحم والقصص والقصائد باللغة الكردية تداولتها الأجيال على مدى قرون من الزمن وصلت حتى يومنا الراهن.
ثورة روج آفا ثورة اللغة
انطلاقاً من أهمية اللغة كحامل لثقافة الشعوب وحاضنة هويتها، كانت مساعي وجهود نشر اللغة الكردية وتعليمها إحدى أبرز مظاهر ثورة روج آفا منذ بداية انطلاقتها وحتى الآن، مما حدا بالعديد من المتابعين للثورة إلى تسمية ثورة روج آفا بثورة اللغة الكردية.
أولى مساعي إحياء ونشر اللغة الكردية بدأت بإمكانيات متواضعة بطليعة مؤسسة اللغة الكردية التي كانت قد تأسست في روج عام 2000 . ومع بداية ثورة روج آفا دأبت المؤسسة إلى ترسيخ هيكليتها التنظيمية بما يضمن قيادة طليعة مسيرة إعادة إحياء اللغة الكردية.
تمثل عمل المؤسسة في البداية على افتتاح دورات تدريبية لتعليم اللغة الكردية من خلال مراكز متواضعة في المدن والقرى لوضع اللبنات الأولى. وتلا ذلك افتتاح المدارس التابعة للمؤسسة.
خلال عام واحد تمكنت المؤسسة من تعليم آلاف الأطفال وكذلك تأهيل وإعداد مئات المعلمين. لتبدأ بعدها أهم خطوة في تاريخ النضال من أجل اللغة الكردية، وهي تدريس اللغة الكردية في المدارس الرسمية. هذه الخطوة رافقها العديد من المنغصات سواء من قبل النظام البعثي أو من قبل بعض الجهات والأحزاب الكردية التي ادعت إن هذه الخطوة جاءت قبل أوانها. إلى أن كل تلك المنغصات لم تمنع مؤسسة اللغة الكردية والمئات من المعلمين من مواصلة مساعيهم، حيث تم تخصيص حصص دراسية للغة الكردية في معظم مدارس مدن وقرى روج آفا.
بالتزامن مع ذلك واصلت مؤسسة اللغة الكردية وفيما بعد حركة اللغة والتدريب تكثيف مساعيها من أجل إعداد المعلمين تمهيداً لإدراج مناهج اللغة الكردية في المدارس.
مع إعلان الإدارة الذاتية وتأسيس هيئات التربية في مقاطعات روج آفا، كثفت المؤسسات والجهات المعنية بالتربية والتعليم وبالتنسيق مع مؤسسة اللغة الكردية وكذلك حركة اللغة والتدريب من نشاطاتها، وتأسست في المقاطعات العديد من الأكاديميات بهدف إعداد معلمي اللغة الكردية. كما تم تشكيل العديد من اللجان لإعداد مناهج اللغة الكردية ابتداءاً من المرحلة الابتدائية.
إدراج المناهج الكردية خطوة تاريخية بتاريخ 15 حزيران عام 2015 عقد في مدينة قامشلو مؤتمر التربية للمجتمع الديمقراطية بمشاركة مندوبي من جميع مقاطعات روج آفا. المؤتمر الذي استمر ثلاثة أيام متواصلة ناقش الواقع التعليمي في روج آفا والمشاكل التي تعترضه بالإضافة إلى وضع خطة عمل تضمنت إعداد المناهج الكردية وإدراجها في المدارس خلال العام الدراسي 2015 – 2016 .
ومن القرارات التي تمخضت عن المؤتمر أيضاً:
– العمل على بناء نظام تربوي للمجتمع الديمقراطي في المقاطعات الثلاث.
– تبديل النظام والمنهاج التربوي في المدارس الإعدادية والثانوية في مقاطعتي كوباني وعفرين في مدة أقصاها عامين.
– تبديل المناهج الدراسية والتربوية في مقاطعة الجزيرة ضمن المدارس الابتدائية في مدة أقصاها عامين.
– تجهيز كادر من المعلمين مؤلف من 4000 معلم ومعلمة ضمن روج آفا، 2000 معلم ومعلمة في مقاطعة جزيرة و 1000 في مقاطعة كوباني و 1000 في عفرين، يعمل جميع المعلمين ضمن معاهد وأكاديميات التابعة للجنة التربية في المجتمع الديمقراطي.
– تغيير المناهج الدراسية ضمن مدارس روج آفا في مدة أقصاها عامين وتنظيمه بحسب المكونات المتواجدة ضمن المقاطعات.
– إنشاء أكاديميات اختصاصية ضمن المقاطعات الثلاث.
-إنشاء أكاديميات أيديولوجية في مقاطعتي كوباني والجزيرة.
– تأسيس مدارس في القرى حسب الحاجة.
– تعليم كافة أنباء روج آفا اللغة الكردية والعمل على تطوير اللغة الكردية بشكل أكاديمي.
– عقد كونفرانس التربية للمجتمع الديمقراطي في المقاطعات الثلاث في مدة إقصاءها شهرين.
– تشكيل لجنة مركزية تابعة التربية للمجتمع الديمقراطي تعمل على ترجمة قرارات وكتب باللغات الرسمية الثلاث الكردية والعربية والسريانية.
التجربة أكدت نجاحها رغم معارضة بعض الأطراف
تجربة إدراج المناهج الدراسية الكردية في المدارس بدأت بإدراج مناهج الصفوف الثلاثة الأولى. بعض الأطراف والأحزاب الكردية حاولت استغلال هذه الخطوة لصالح أجندات حزبية ومآرب سياسية بدعوى إن المناهج مؤدلجة وغيرها من الحجج الواهية. إلى كل تلك الاعتراضات لم تحل دون مواصلة التعليم وفق المناهج الجديدة.
استطلاعات الرأي وكذلك التقارير الإخبارية التي أعدتها وسائل إعلامية أثبتت إن التجربة مستمرة بنجاح، وإن المناهج الجديدة أثبتت جدارتها.
في أواسط شهر كانون الثاني من عام 2016 أنهى أكثر من 114 طالب وطالبة امتحانات الفصل الدراسي الأول للعام الدراسي 2015 – 2016 . المعلمون وكذلك الطلاب أكدوا نجاح تجربة إدراج المناهج الدراسية. فيما تواصل الجهات المعنية استعداداتها لإدراج مناهج باقي الصفوف خلال العام الدراسي القادم.
[1]