حسين جمو
أين نقف نحن الأكراد من الحرب الدائرة بين النظام العالمي الرأسمالي و ملحقاته الدكتاتورية و بين الإسلامويين .؟
بداية لا بد من القول أنه لا يمكن أن نطرح الديمقراطية كوسيلة منفعية لا مفر منها لنيل حقوقنا القومية فقط,, بل يجب تبنيها حتى لو أدت إلى نقص الحق الذي نطالبه أو ندعي أننا أصحابه . الميزة الرائعة في الديمقراطية أنك لا تستطيع الحصول على شيئ بمفردك بل تتقاسمه مع الآخرين , وهنا يتحتم علينا كشعب كردي أن نتبنى الديمقراطية أكثر مما نتبنى القضية الكردية بمفهومها الفردي أو الانعزالي, بمعنى أن تكرار لفظ الديمقراطية في برنامج أو خطاب موجه إلى الآخرين مثلاً لإقرار الحقوق الكردية , سيكون مثمراً أكثر من استعمال لفظ كردستان الغربية أو الشرقية أو حتى القضية الكردية . و لا نريد لأحد أن يفهم أننا نريد القضاء على الحقوق الكردية و أننا سنتعامل مع السلطة و ما إلى ذلك من نعوت فارغة .. عندما نطرح الديمقراطية فإن هذا مطلب شعوب الشرق الأوسط برمتها,وهو ما يحد من سلطة الدولة القومية الشرق أوسطية التي نجحت حتى الآن في تسريب مفهوم الدولة السلطوية إلى قاع المجتمع, و إذا طرحت القضية الكردية كمطلب تطغى عليها القوموية و ليست الديمقراطية فلن نكسب شيئاً سوى معاداة ربما كل من ليس كردياً .و بالتالي سيتم زج معظم هؤلاء الناس في صف السلطة عنوةً و نتيجة لطرحنا للقضية الكردية بشكلها القومي البدائي, أي المطالبة بكل شيء دفعة واحدة, و هو أسوأ ما نحتاج إليه . من الضروري تجريد الأنظمة الحاكمة من المساندة الشعبية الباقية , وهذا الأمر يتوقف على خطابنا السياسي في جانب كبير منه .
ما أريد الوصول إليه هو أن الديمقراطية و تحقيقها على أرض الواقع بتبنيها كمنهج حياة ستفرز كل الحقوق على أرض أصحابها . حتى لو أن هناك جهات أرادت التخلي عن بعض حقوقها , علينا أن نثق تماماً أن الديمقراطية لن تسمح بذلك .طبعاً نقول ذلك انطلاقاً من فرضية أن الأكراد في منطقة الشرق الأوسط قوة التغيير الديمقراطي الرئيسية , بينما الإسلاميون هم قوة التغيير العنفية الرئيسية في الشرق الأوسط .
لذا, الاحتمال الأرجح أن الصراع أو الحرب الحالية الدائرة بين الدكتاتورية و المتطرفين الاسلاميين يصب في صالح القوى الديمقراطية في المنطقة , بعبارة أخرى تصب في صالح الأكراد.
لكن كيف ذلك ؟
الصراع الحالي الدائر بين الإسلاميين من جهة و بين النظام العالمي و الأنظمة التابعة لها من جهة أخرى هو صراع لا بد منه لمحاولة كليهما الخروج من أزمته . أزمة النظام العالمي و أتباعه في عدم القدرة حتى الآن عن إيجاد بدائل للدكتاتوريات التي ساندوها في وقت سابق , و بالتالي عدم القدرة على إعادة إنتاج نفسه بشكل جديد, وهو ما يعني حتماً الفشل في إزالة الظلم الذي تسببوا به بحق الشعوب في وقت سابق.
ومن جهة أخرى هناك أزمة الإسلاميين ذوو القدرة الفائقة على استخدام العنف دون امتلاك العقل السياسي القادر على ادارة هذا العنف , و بالتالي خروجه عن مبدأ الدفاع المشروع الذي هو حق ثابت في كل الأديان . و افتقارهم إلى البرنامج السياسي الذي يؤهلهم لتسلم السلطة رغم امتلاكهم لقاعدة جماهيرية و خاصةً في أطراف المدن الشرق أوسطية,و يصح أن نطلق وصف محد جابر الأنصاري على مثل هذه الحركات في كتابه مساءلة الهزيمة بأن الحالة الإسلامية المعاصرة قادرة على هدم ما لا تريد لكنها عاجزة عن بناء ما تريد . و سيتم إهدار هذه القاعدة الجماهيرية التي تحدثنا عنها خلال وقت ليس بطويل في المستقبل أو على الأقل سيفقد شرعيته من الداخل كتنظيم غير قادر على بناء مؤسسات ديمقراطية , و تطويره للعنف بشكل مؤسساتي يسيء حتى إلى مفهوم الجهاد المقدس لدى المسلمين , مثلما نجد ذلك في العراق.
إذاً , كل من الدكتاتوريات الحاكمة و الدكتاتوريات غير الحاكمة لا يمتلكون أي حل لأصغر مشكلة يمكن أن تعترضهم, فقط لديهم القدرة على الاصطدام بالمشكلات التي لا تفيد في حلها بل تزيد المشكلة تشويهاً بشكل يصعب إيجاد الحلول لها مستقبلاً , و بالتالي تم القضاء حتى على بنية الحلول الجبرية التي كانت تمتلكها سابقاً. فالتنظيمات الجهادية الإسلامية تشهد انقسامات بشكل شبه يومي , و حملات التكفير مستمرة و هناك فتاوى يومية بخصوص ذلك .
كيف يمكن تفسير هذا الوضع الحالي ؟
إن أي تنظيم اجتماعي سياسي لا يترك مكانه إلا بخلق شكل التنظيم الذي سيخلفه , و في العالم و الشرق الأوسط لم يتم الوصول بعد إلى الشكل الاجتماعي البديل للدكتاتورية التي أفرزتها البنية البراغماتية للرأسمالية بالاستفادة من خصائص الفكر التسلطي للعقلية الشرق أوسطية الحاكمة, لكن لا يمكن أن نقول بأن الشكل البديل للنظام الحالي لن يظهر أبداً رغم تجذر هذا الأخير . إن أي نظام اجتماعي جديد أول ما يطرحه هو القضاء على سلبيات النظام السابق له , و إذا تعمقنا قليلاً في ذلك نجد أن لا بديل عن الديمقراطية . و من يطرح الإسلام بشكله الحالي كبديل على المدى الطويل يكون قد تجنب الخوض في تفاصيل الأزمة في الاسلام كنظام حكم . إن تصاعد الإسلام حالياً غير ناتج كمنهج عمل لجماعات معينة لها ذلك النشاط الذي يصل إلى قاعدتها الشعبية المفترضة. إنما تصاعد الإسلام الحالي جاء كردة فعل على الهزائم المتكررة التي منيت بها الأنظمة السياسية العلمانية التي ربطت نفسها بالمجتمع بطريقة ذكية جداً , وليس نتيجة لتربية فكرية لقاعدة المجتمع .حيث بقيت أفكار الشريحة العليا بمنأى عن قاعدتها .و يفسر صموئيل هنتنغتون هذا التصاعد بأنه عجز العالم الإسلامي عن استيعاب تراجعه كطليعة حضارية في العالم , إزاء تقدم الغرب . و الإرهاب القاتل بمسعاه إلى تدمير الآخر الناجح هو فعل إنكار للواقع فحسب . ومن هذا الديالكتيك الجاري بين الاسلام المتبني للعنف و الساعية للقضاء على النظام الحاكم عالمياً ومحلياً و بين المقاومة التي تبديها هذه الجهات ضد نفيها خارج السلطة, ستخرج الديمقراطية كالنظام الاجتماعي الأرقى لإدارة المجتمع . و ستجد الديمقراطية الشعبية المبتغاة مقاومة من التنظيمات الاسلامية المسلحة التي ستتراجع شيئاً فشيئاً أمام الإسلام المدني الذي سيفرزه النظام الديمقراطي مستقبلاً . و علينا أن ندرك قبل ذلك أن حالة التصاعد المتطرف للإسلام هي حالة طبيعية , لأن النظام الأكثر خبرة في استخدام العنف هو الذي سيساهم إلى حد كبير في إزالة الشكل الفاسد من النظام العالمي و توابعه دون أن يكون هو نفسه صالحاً للحلول محله فهو و إن امتلك وعياً , إلا أنه يبقى دون تماسك . و يمكن أن نطلق على ذلك بالانطلاقة الأولى الممهدة أمام الديمقراطية . و يقول في ذلك ( غراهام فوللر) أن الشعوب الإسلامية قد حبست لسنوات طويلة , و عندما تفتح البوابات فسيكون الطريق وعراً .
و أعود هنا إلى فكرة البداية , بعد هذه الاستطالة من الموضوع , حيث أننا كأكراد و في الوقت الذي يندلع فيه هذا الصراع , علينا القيام بتحليل الوضع بإرهاق أنفسنا بالتفكير آلاف المرات و عدم الوقوع في الأزمة , و بالتالي نصبح أيضاً جهة تحاول الحفاظ على الوضع القائم, دون إدراك واعي بالأمر . وسيقع ذلك عندما ينحاز الكرد إلى أحد هذه الأطراف المتصارعة حالياً و الذي يحاول أحدها نفي الآخر , يمكن اتخاذ مواقف تكتيكية إن استدعى الأمر ذلك , دون أن نكون جزءاً من النظام العالمي الذي سيبادر إلى الانهيار- يصبح ذلك جلياً يوماً بعد يوم عبر التنازلات التي تقدمها النظم الرأسمالية للديمقراطية- , أو أن نكون جزءاً من مناصري التطرف الإسلاموي الذي يجهض العنف دون أن يتحكم بإيقافها متى يريد . إذاً هناك موقف ثالث يمكن اتخاذه , و محاولة القضاء على هذا الاتجاه المتبني للديمقراطية كان في صلب خطاب جورج بوش عندما حذر العالم :(إما معنا أو ضدنا).و بالتالي قام بالقفز على الاتجاه الديمقراطي الذي سيكون المستفيد الأول و الأخير من الحرب الدائرة في حال وعت التنظيمات المدعية أنها تسلك الاتجاه الديمقرطي لحقيقة ما يجري .المهم هوعدم الانضمام إلى أحد الطرفين ضد الطرف الآخر لأنه لن يكون هناك منتصر في هذا الصراع, و دون اتخاذ مثل هذا السلوك سنجد أنفسنا داخل الأزمة التي خلقها الآخرون بتجاوزهم للمجتمع. وهناك بوادر لظهور مثل هذه الأزمة في مجتمعنا الكردي عبر تماهي البعض مع المشروع الأمريكي للديمقراطية , و تماهي البعض الآخر مع المشروع الإسلامي في الجهاد ضد (الكفار) .
إذاً لا بد من توخي الحذر في إبداء المواقف و نرى أن هذه فرصة فريد من نوعها لنا في المنطقة , حيث أن الصراع الدموي العنيف الناشئ بين السلطة و الإسلاميين في دول الشرق الأوسط و التي تتقاسم كردستان , سيؤدي إلى تراجع اعتبار الأكراد كخطر يهدد وجود الأمة المزعومة للدول القومية , و سيتم النظر إلى النشاطات الميدانية و الفكرية التي يقومون بها على أنه أمر لا يمكن الوقوف في وجهه في ظل ما يقوم به الإسلاميون . و بالتالي سيتم الحفاظ على القوى الديمقراطية من قمع السلطة أكثر من الماضي , هذا من جهة.
و من جهة أخرى يتم اعتبار القوى الديمقراطية و التي يشكل الكرد طليعتها في المنطقة - شرط حسن التعامل مع المشكلات واستغلال التناقضات القائمة - على أنهم قوى تتعرض لظلم السلطة و هي قوى لا تتبنى منهجاً إلغائياً للآخر , و بالتالي لا يمكن النظر إليها من جانب المقاومين الإسلامويين للسلطة , على أنهم خطر لا بد من القضاء عليهم , و هنا لا بد أن يرتبط ذلك بالانقطاع شبه التام عن تلقي الأكراد للدعم من أي جهة تحاول القضاء على الإسلاميين , و أقصد هنا الأمريكيين. من خلال هذه التناقضات يمكن ممارسة النشاط الديمقراطي و التقدم به نحو القواعد الشعبية التي سرعان ما ستفقد ارتباطاتها بالسلطة الحاكمة أو بالإسلاميين المتطرفين , و ذلك لعدم ملاءمة المجتمع لحالات اللااستقرار الطويلة . و خلال ذلك لا بد من ممارسة الديمقراطية بشكل عريض وواسع و عدم طرحها لتخليص الشعب الكردي من الظلم فقط,و التي ستنتهي عندها مهمتنا كوننا ديمقراطيين ,
و تنتهي أيضاً مهمتنا التي نطمح لها , وهي تطلع الشعوب المجاورة للاستفادة من القوة الديمقراطية الكردية الضاغطة على القمع. فالديمقراطية لا تلائم القيود الجغرافيّة.[1]