المنظومات الذكورية تتكاتف لاستهداف النساء لكنهن لن يستسلمن لها
هيفيدار خالد
تعتبر قضية المرأة من أهم القضايا العالقة في المجتمع، وخاصة من ناحية حصولها على كامل حقوقها في الحياة، بدءاً من العيش في بيئة آمنة إلى تحقيق كافة مطالبها المحقة في الحياة، وعلى الرغم من الجهود الجبارة التي تبذلها المرأة منذ مئات السنين لنيل حقوقها الطبيعية، إلا أنها ما زالت وجهاً لوجه أمام سياسات منظومات أبوية تتكاتف لاستهداف المرأة وقمعها. وتبتكر شتى الطرق والأساليب لإقصاء دورها الريادي في المجتمع، وبالتالي إسكات صوتها وعدم تلبية مطالبها الحقيقية.
خلال أقل من أسبوع شهدت المنطقة العربية حملات نسائية واسعة للمطالبة بحقوق النساء في شتى مجالات الحياة، حتى أن وسائل الإعلام العربية المنحازة لسلطة الرجل، تطرقت لها ولو بشكل جزئي، مانحة إياها مساحة لا بأس بها، إلا أنها لم تصبح حديث الساعة كما العديد من الأحداث والتطورات التي تشهدها العديد من الدول العربية، بدءاً من سوريا إلى العراق ولبنان فالأردن واليمن وتونس وليس انتهاءً بالمغرب.
ففي سوريا نشهد يومياً جرائم قتل للنساء في المناطق الخاضعة للحكومة السورية، دون أي محاسبة لمرتكبي هذه الجرائم، بل يسعى القانون إلى حمايتهم وتقديم الحصانة الكاملة لهم. أما في المدن والمناطق السورية المحتلة من قبل تركيا، فلا يكاد يمر يوم إلا ونسمع أنباء عن حالات خطف الشابات القاصرات والاعتداء عليهن جنسياً، ليس هذا فحسب بل يتعرضن يومياً لكل أنواع الانتهاكات، دون أي تحرك حقوقي يذكر في هذا الخصوص.
أما في العراق فقد ازدادت في الفترة الأخيرة حالات التعنيف والاعتداء على الأطفال وظاهرة التحرش الجنسي والعنف اللفظي بشكل فظيع ومخيف، وسط موقف حكومي ضعيف تجاه ما تتعرض له هؤلاء النساء والأطفال في البلاد. ولكن بالعكس تتم التغطية على هذه الممارسات والجرائم ويحاسب كل من يتحدث عنها حتى الإعلام لا يتطرق إليها بالشكل المطلوب لكشف حقيقة ما يحصل بحق هؤلاء الضحايا.
وفي لبنان، نشهد يومياً انتهاكات بحق النساء وحالات العنف المنزلي وجرائم القتل، بالإضافة لشتى الانتهاكات اللا إنسانية. إذ يتعرضن للإهانة في المرافق العامة والفضاء العام، ولا يوجد قانون ولا دستور يحمي حقوقهن في هذه المجالات المختلفة، لتبقى المرأة اللبنانية بين فكي كماشة سلطة الرجل وتشريعاته وقوانينه التي لا تقدم ولا تؤخر شيئاً بشأن ما تتعرض له في البلاد.
القوانين الموجودة هي فقط حبر على ورق، وإن لم تكن ضدها فهي بالتأكيد لا تصب في مصلحتها البتة.
بالطبع وضع النساء في الأردن ليس مختلفاً كثيراً عن أوضاع النساء في البلاد آنفة الذكر. حيث تعاني المرأة الأردنية من مشاكل وقضايا كثيرة وخاصة ظاهرة جرائم قتل النساء التي ازدادت بشكل كبير، حيث إنها تنذر بخوف كبير بين صفوف النساء والمجتمع لما لها من آثار سلبية ونفسية كبيرة على المجتمع بشكل عام، وخاصة أنها تهدد أمن المجتمع وأمانه وبنيته الاجتماعية، وتخلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار بين جميع فئاته، وخاصة الفئة الشابة الطموحة الراغبة في العيش الكريم بعيداً عن القيود والقوالب النمطية السائدة التي تفرض عليهم رغماً عنهم، وبالتالي هذه الآفة المتفاقمة لا بد من إيجاد حل جذري وفوري لها، وذلك من خلال تعزيز وتطوير الآليات الفعّالة والمناسبة لها.
لكن في اليمن إذا ما وصفنا الوضع بالأسوأ مقارنة بالدول العربية الأخرى لن نكون مخطئين. حيث إن لهن الحصة الأكبر من العناء والظلم والمعاناة والقهر والعذاب والتعب، إذ تفتقر عشرات آلاف النساء اليمنيات للأوراق الثبوتية التي يثبتن فيها معلوماتهن الشخصية وبيانات حياتهن التي تخولهن الحصول على جواز السفر أو حتى تسجيل أبنائهن في المدراس أو تلقي العلاج في مؤسسات الدولة الرسمية.
كيف هذا ونحن في القرن الحادي والعشرين؟ حيث التطور وعصر التكنولوجيا والحقوق والحريات الفردية والمرأة اليمنية تعيش في مستنقع التخلف والدمار نتيجة الحروب الدائرة في البلاد منذ سنوات والبنية الاجتماعية القائمة في هذا البلد لا تواكب تطورات العصر والحقوق الأساسية للنساء.
المرأة اليمنية محرومة من التعبير عن رأيها وإرادتها وقرارها ولعب دورها المنوط بها في المجتمع، محرومة من كافة حقوقها، نعم هي أسيرة قوانين ذكورية وسلطة أبوية وعادات وتقاليد بالية لا صلة لها بالإنسانية وحقوق الإنسان. المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي في البلاد ذكوري بامتياز، لا نكاد نرى المرأة فيه، إذ يطغى عليه الطابع الذكوري البحت الذي يفتقد لمعيار العدل والمساواة والعيش بحرية وكرامة.
المرأة اليمنية نازحة ولاجئة وتعاني من أزمة اقتصادية كبيرة وأوضاع صحية مزرية وفقر مدقع وصعوبات تعد ولا وتحصى، نعم إنها وجهاً لوجه مع الموت الذي يرافقها أربع وعشرين ساعة. هي فقط آلة لإنجاب الأطفال تخدم زوجها وتربي أولادها وغير ذلك ليس لديها أي عمل آخر، فالنساء هناك محرومات من التعليم ومعظمهن أميات. الأمر الذي يتسبب في انتشار الزواج المبكر والإنجاب في سن صغيرة ما يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة لهن تضاف إلى معاناتهن في إثبات شخصياتهن.
في تونس البلد الذي يعرف بين الدول العربية ببلد الحقوق والحريات، حقوق المرأة وحريتها أصبحت أمراً من الماضي. فبعد العديد من المكتسبات التي حققتها المرأة التونسية على مدار سنوات واستطاعت من خلالها الحصول على العديد من حقوقها في المجتمع، إلا أنه في الفترة الأخيرة تراجعت السياسة التي كانت تحمي المرأة وتدافع عن قضاياها. لذا يومياً نشاهد جرائم قتل فظيعة وبشعة لدرجة لا يمكن وصف بشاعتها بحق النساء وخاصة من قبل أزوجهن.
شهدت الأسابيع الماضية جرائم قتل في مدن عديدة في البلاد، وسط تحرك حكومي خجول غير كافٍ لردع ما تتعرض له المرأة من العنف المنزلي الممنهج الذي يستمد قوته من النزعة الذكورية التي لا تتقبل فكرة عيش المرأة بحرية وأمان، مثلها مثل غيرها في المجتمع، وكأن قتلها وتعرضها لهذا الكم الهائل من العنف أمر محتوم. وحسب المعلومات الموجودة؛ فإن وزارة المرأة والطفولة وكبار السن في تونس أنشأت برنامجاً للحد من العنف المدرسي المنتشر في البلاد، حيث كشفت الأرقام الرسمية أن ما بين 13 ألف و21 ألف حالة عنف تشهدها المؤسسات التربوية سنوياً، ولكن تطوير خطط ومشاريع كهذه مهمة بالنسبة للمرأة في تونس وضرورية أيضاً لاستعادة المكتسبات السابقة.
وإذا سلطنا الضوء على وضع النساء في المغرب من المهم أن نتطرق لمعضلة القوانين التي تقصي المرأة وحقوقها الاجتماعية وتتركها عرضة لآلة العنف الممنهج في المجتمع، فمنذ أشهر والمنظمات والمؤسسات النسوية تعمل جاهدة على الرغم من العديد من الصعوبات والضغوطات الكبيرة للضغط على المشرعين لتعديل قوانين الأسرة التي تعيق ولاية المرأة على الأبناء وتمنحها بشكل مطلق للرجل، المادة 236 من القانون تنص على أن الأب هو الولي على أولاده بحكم الشرع، ما لم يجرد من ولايته بحكم قضائي، وللأم أن تقوم بالمصالح المستعجلة لأولادها في حالة حصول مانع للأب. أما المادة 238 من القانون الحالي فتفصل الحالات التي يمكن للمرأة الولاية بدل الأب، وتشترط لولاية الأم على أولادها عدم وجود الأب بسبب وفاة أو غياب أو فقدان للأهلية، أو مبحوث عنه من أجل جنحة إهمال الأسرة أو أثناء قضائه عقوبة حبسية بسبب جنحة أو جناية، أو بغير ذلك.
وتطالب المنظمات الحقوقية والنسائية منذ سنوات بتغيير القانون، لأنه ذو محدودية وفيه ثغرات كبيرة خاصة فيما يتعلق بالطلاق ومشكلة الولاية على الأبناء. وحسب ما أفادته ناشطات حقوقيات مغربيات وبموجب القانون المغربي، تحصل المرأة على حق الحضانة بعد الطلاق، لكن هذه الحضانة تظل تابعة لولاية الأب، حتى مع حصول المرأة على حق حضانة أبنائها لا يمكن التصرف في مصالحهم من دون إذن من الأب الولي. المرأة لا يمكنها السفر مع أبنائها أو نقلهم من مكان لآخر حتى داخل المغرب دون إذن من الأب. نعم هناك تمييز ضد النساء ومدونة الأسرة هي محط خلاف كبير بين المحافظين الذين يدافعون عن ضرورة ارتباطها بالشريعة الإسلامية، والحداثيين الذي يشددون على ضرورة استجابتها للاتفاقات الدولية التي وقّع عليها المغرب، وتبقى المرأة هي ضحية كل هذه السياسات والصراعات والاتفاقات.
يتطلب من المرأة العربية والمنظمات النسوية خوض نضال أيديولوجي جذري في مواجهة المنظومات الأبوية هذه. حيث آلة العنف والقتل وقوانين الممنوع والحرام والحلال وتشريعات وقوانين باسم الدين، بالإضافة إلى سلسلة من العادات والتقاليد التي تطبق بحق المرأة بعيداً عن كافة الآليات القانونية، إذاً النساء هن ضحايا العنف المنزلي الذكوري بمباركة القانون وشريعة المجتمع الذي يعشن فيه. إلا أن تكاتف النساء ووحدتهن كفيل لسد الفجوة الموجودة في المجتمع بحق المرأة والممارسات والانتهاكات المتواصلة بحقها من قبل سلطة الرجل، ذلك عبر تشكيل آلية مشتركة لردع كل ما يستهدف كيان المرأة وإرادتها وحياتها ونضالها من أجل الخلاص من براثن السلطة والعبودية وتحقيق الحياة المنشودة والحرية التي دفعت ثمنها غالياً.[1]