=KTML_Bold=فن الكتابة عند الحيثيين=KTML_End=
تشكلت الإمبراطورية الحثية في شرق آسيا الصغرى . لم تكن شروط البلاد تسمح بزراعة أراض مروية. كان الحثيون قد تعلموا حفر أقنية صغيرة لسقاية المراعي والكروم ، لكن الزراعة لعبت عندهم دورا أقل من تربية المواشي والطيور . ففي مراعي الجبل ، كانوا يملكون قطعانا غفيرة من الأحصنة والخرفان : كانت هذه المنطقة تزودهم ، منذ الألف الثالثة قبل الميلاد ، بصوف ممتاز . كان الشعب متنافرا:
في الألف الثالثة كان ثمة قبائل هاتي hatti التي أعطت البلاد اسمها ؛ كانت لغتهم تقرب لغة ترانسقفقازيا على ذلك تمثل الثقافة المادية للهاتي والقبائل القفقازية القديمة تمائلات عديدة . وفيما بعد ، على الأرجح على تخوم الألفين الثالث والثاني ، غزت آسيا الصغرى قبائل أخرى : النيزيت واللويت الذين يتكلمون لغات هند - أوربية . لكن بعد احتلال قبائل الهاتي البلاد سموا أنفسهم حثيين .
=KTML_Bold=▪️الكتابة الحيثية=KTML_End=
استخدمت الدولة الحيثية بشكل رسمي نوعين من الخطوط السائدة آنذاك ، وهما الخط الديني ( الهيروغليفي ) المعروف في مصر القديمة ، والخط المسماري السومري - البابلي ، فالأول تم استخدامه في الكتابات الحجرية وعلى النصب التذكارية الهامة والأختام.
في حين كان الثاني مستخدماً للشؤون الحياتية اليومية .
وقد استخدم الحيثيون الخط المسماري باعتباره خط الدبلوماسية الدولية المستخدمة من معظم القوى الدولية آنذاك ، لذلك فلا غرابة أن ينضم الحثيون إلى معاصريهم باستخدام هذه اللغة والكتابة العالمية .
امل الهيروغليفية كانت للكتابة المقدسة التي كانت خاصة بالحفر والزينة فنقشت على المسلات والأنصاب وجدران المعابد والقصور ،والاختام وقد احتفظ الكهان بأسرارها فكادت تبقى طلسماً لا يحل .
=KTML_Bold=▪️الخط الهيروغليفي الحيثي.=KTML_End=
مع مرور الوقت تطورت الكتابة الحثية التصويرية التي كانت أشكالها حوالي أربعمائة شكل ، مما يعني أنها اتجهت إلى التبسيط ، ومثل المصريين رسم الحثيون أشكالهم باتجاه بداية السطر ، فالرؤوس كانت تتجه عيونها نحو بداية السطر ، وكذلك الأقدام ، إلا أن اتجاه حركة الكتابة في الحثية كان يبدأ من اليمين ويستمر إلى اليسار ، ثم يعود من اليسار باتجاه اليمين ، أي بالأسلوب المعروف بالمحراث الذي كان مستعملا في الخط العربي الجنوبي ( المسند ) . وهذه الهيروغليفية تشمل - مثل الكتابة الدينية المصرية - نهايات صوتية ( مقطعية ) ، إضافة إلى الأشكال المصورة التي تمثل كلمات كاملة ، وعلى المخصصات المحددة . الخط الثاني الذي استخدم في الحياة اليومية ، ووجد منه في الأرشيف الملكي في بوغاز كوي مع مجموعه عشرة آلاف من الرقم التي كتبت أغلبها بالمسمارية الحثية ، والباقي كان بالمسمارية الأكادية، ولعلنا نشير هنا إلى أن اللغة الحثية ليست الوحيدة التي استعارت الخط المسماري ، فهناك على الأقل خمس عشرة لغة استعارت هذا الخط ، وجاءت هذه الاستعارة على نوعين : نوع يستعير الخط والمقاطع ( وهي الغالبية ) ، ونوع آخر يأخذ المادة ، لكنه يخترع علاماته المسمارية التي ليس لها علاقة بالمسمارية السومرية - البابلية ، والحثية من النوع الأول ، لكن الحثيين ابتكروا مقاطع جديدة أضافوها إلى ما اقتبسوه من المقاطع السومرية - الأكادية ، كما أنهم استخدموا بعض الكلمات المصورة في لغة السومريين والأكاديين مقاطع صوتية عادية ، خصوصا إذا تطابق لفظ ( صوت ) الكلمة الحثية مع الأشكال المصورة ، وهكذا ، فإن كتاباتهم تبدو وكأنها مؤلفة من ثلاث لغات مختلفة ، نظرا لابتكارهم مقاطع جديدة واقتباسهم ألفاظ سومرية وأكادية واستخدامهم مقاطع من اللغتين الأخيرتين .
=KTML_Bold=▪️دور هؤلاء العلماء في فك رموز الحثية .=KTML_End=
ولعلنا نبدأ بذلك الرحالة السويدي الجنسية ايوهان لودفيغ بوركهاردته ، المولود عام 1784م ، والمتوفي في القاهرة عام 1813 م تحت اسم الحاج الشيخ إبراهيم ، فهو أول من لفت نظر العالم إلى نقوش غامضة شاهدها في إحدى بازارات مدينة حماة السورية.
ورغم أن نتائج رحلاته نشرتها الجمعية الجغرافية اللندنية إلا أن الغريب الأمر أن ملاحظته هذه لم تلفت نظر أحد المهتمين ، إلا بعد ستين عاما من تاريخ مشاهدته لهذه النقوش الغامضة ، ولم يكن هذا الاهتمام نابعا من البريطانيين أو الفرنسيين أو الألمان أو حتى باحث أوروبي ، لكنه هذه المرة كان بتحرك القنصل الأمريكي في سوريا ، وصديقه الكاهن : « جسايا » إلا أنهما قوبلا بالشك والريبة من قبل الأهالي ، ففضلا النجاة بحياتهما والفرار إلى غير حماة ، خوفا . من ردة فعل الأهالي . ويظهر أن هذه الاهتمام الأمريكي لفتت انتباه البريطانيين ، الذين اشتهروا بدبلوماسيتهم ودهائهم ومعرفتهم من أين تؤكل الكتف ، فتدخلوا بعد ما نما إلى أسماع الحاكم العثماني - آنذاك- صبحي باشا أخبار الحجر والاهتمام الزائد به ، فذهب الحاكم العثماني فيما يظهر باقتراح من القنصل البريطاني في سوريا ، الذي طلب مرافقته في هذه الزيارة التفقدية ، وبرفقته الكاهن الأيرلندي وليام رایت .وهكذا لم يجد أهالي حماة إلا السكوت على مضض وهم يشاهدون الإنجليز ( البريطانيين ) ينزعون الحجر بحماية الشرطة العسكرية العثمانية المرافقة لصبحي باشا .وهكذا بدهائهم المعروف نقل هذا الحجر ، مع ثلاثة أحجار أخرى ، من حماة إلى بريطانيا . عادت الكرة رغم البريطانيين إلى الجانب الأمريكي ، فقد أشار العالم الأمريكي هیس و ارد ، وهو أحد من شارك في التنقيب بموقع مدينة نمرود إلى التشابه بين هذه الرسوم الموجودة على الأحجار ، ورسوم جاءت على أحد الأختام ؛ لكن الصدفة والحذاقة جاءت من الكاهن الأيرلندي الذي شارك في نزع الحجر من حماة « وليام رایت » ، بتأكيده على أن هذه الرسوم ليست إلا كتابة ولغة الحثيين الذين ورد ذكرهم في العهد القديم .
واستمرت آراء الباحثين ودراساتهم حائرة في فك رموز هذه اللغة ، حتى رأت الأكاديمية البريطانية استدعاء أحد المتميزين في دراسات النقوش القديمة لمشاركة فريقها في النقاش حول هذه الرموز الغامضة ، فوقع اختيارها على الباحث الشاب « ارتشابلد هنري سايس » ، الذي امتاز بأبحاثه ودراساته حول الكتابة المسمارية ، وحالما وافق على المشاركة في هذا النقاش صار يتسلم من الأكاديمية ما له علاقة بهذه الرموز مثل التماثيل واللوحات ، فلاحظ أن مجموعة من تبدأ بیضوي من خطين داخله عمودان ، فتوصل -وهو محق في ذلك إلى أن هذا الرمز ليس إلا محرر الإله . لكن الاكتشاف الحقيقي جاء مرة أخرى على يد أحد الباحثين السويديين ، وهو ليس « بلاد » المرهف الإحساس ، بل آخر يدعى « موردتمان » ، الذي ما أن لاحظ أن شخصية مرسومة على إحدى الأسطوانات الفضية كان يعتمر غطاء للرأس ويلبس حذاء معقوف قال إن هذه الكتابة هي من كتابات آسيا الصغرى .
وحالما وقعت دراسة السويدي في يد « سايس » عرف أن الرموز التي أشار إليها « موردتمان » ليست إلا رموزة خطية ، الهيروغليفيات حثية . وهذه الخطوة دفعت « سايس » إلى الدخول في بداية القرن العشرين ( 1905 م ) في مفاوضات مضنية مع الحكومة العثمانية للحصول على إذن للتنقيب في موقع بوغاز كوي . لكن الرياح سارت عكس ما كان يتمناه « سايس ، ويتوقعه ، فبدون سبب واضح قرر العثمانيون بعد موافقتهم على طلبه تغيير موقع البعثة البريطانية إلى موقع كر كمیش والسماح لبعثة ألمانية برئاسة هونمو فينكلير » . بالتنقيب في موقع بوغاز كوي وقد حققت البعثة الألمانية نجاحات واضحة ، فقد توصلت من خلال تنقيباتها إلى أمرين في موقع « بوغاز كوي انها كانت عاصمة الحثيين ، وثانيهما : تأكد حقيقة عالمية اللغة البابلية . وهكذا استمرت أعمال التنقيب والدراسات الخاصة بهذه الرموز حتى عام 1914 م ، حين تمكن أحد الشباب الألمان وهو « بیدر جیخ غروزني » ، الذي أرسلته ألمانيا لنسخ نقوش « بوغاز كوي» في قراءة أول جملة حثية وترجمتها إلى لغة أوروبية حديثة ، معتبرة إياها لغة هندوأوروبية بها رموز و مقاطع و كلمات سومرية وأكادية وحثية وعندما حل عام 1933 م ، وهي سنة وفاة « سايس » رائد عمليات قراءة الرموز وأستاذ الأجيال من العلماء ، قام 5 من تلاميذه الذين - يا للهول- خالفوا بكل جرأة آراء أستاذهم واستنتاجاته ، بإعلان نتائج أبحاثهم ودراساتهم ، التي أصبحت أساس قراءة هذه الكتابة الحثية وترجمتها ، ولعله من المناسب الإشارة إلى أن هؤلاء التلاميذ العلماء كانوا من جنسيات مختلفة هي : الإيطالية ، والألمانية ، والسويدية ، والتشيكية ، والأمريكية .
▪️الكتابة في الشرق الأدنى القديم من الرمز إلى الابجدية .
أ.سليمان بن عبدالرحمن بن محمد الذيب .
▪️عفرين عبر العصور _أ.مروان بركات.
▪️ الحضارات القديمة ج1 _ف0دياكوف/س.كواليف[1]