*مصطفى صالح كريم
هذه السيدة التي أتحدث عنها شهدت الظلم والتعسف منذ طفولتها، فقد هجرّت حكومة تركيا أهلها وانتزعتهم من ديارهم ليروا أنفسهم مغتربين مهجرين. نشأت الطفلة في كنف أسرة مناضلة حيث كان خالها الأكبر مناضلاً صلباً، إنضم في العراق الى الحركات السياسية المعارضة للنظام حتى قبل تخرجه من كلية الحقوق، وخالها الشاب العسكري الذي كان ضابطاً في الجيش العراقي كانت وزارة الدفاع لا تسمح له بالبقاء في مكان معين حتى يستقر فيه مع أهله، لأنه لم يكن موضع الثقة لدى المسؤولين، وهكذا ترعرعت الطفلة ونشأت في بيئة مختلفة حيث عاشت في المناطق العربية من العراق بحكم وظيفة خالها. وقبل أن تكمل السابعة من عمرها فوجئت بصدمة أصابت الأسرة وهزتها هزاً عنيفاً حيث قررت الحكومة إسقاط الجنسية العراقية عن خالها و إبعاده الى خارج الوطن.
* وهكذا عاشت الطفلة والصبية والشابة ساجدة التي سميت فيما بعد ب (گەلاوێژ) حياة قاسية، ودخلت الأحزان والهموم حياتها بكل سهولة حتى أصبحت صديقة مقربة للحزن والألم.
* وبصرف النظر عن الطفولة القاسية والحرمان والتنقل القسري فقد أستفادت من خالها السياسي كثيراً وخاصة حين أسس الخال حزباً كردياً عريقاً وانتخب في مؤتمره الأول سكرتيراً عاماً للحزب، وعن طريقه تزوجت الشابة گەلاوێژ من سياسي مناضل هو الآخر حقوقي كخالها فضلاً عن إنه أديب و سياسي معروف وكان رفيق دربه في النضال والذي أصبح فيما بعد سكرتيراً للحزب الذي أسسه الخال همزه عبدالله، وبين الخال والزوج الذي هو الأستاذ ابراهيم احمد نشأت السيدة گەلاوێژوترعرعت وتوسعت آفاق معرفتها، ومن محاسن الصدف أن إبنتها السيدة هيرو تزوجت من مناضل آخر الذي دوى اسمه لا في العراق فحسب بل وفي العالم حين تقدم في النضال وأسس الإتحاد الوطني الكردستاني وقاد ثورة الشعب الكردي حتى توجت بالنصر في إنتفاضة آذار، وبعد تحرير العراق أصبح هذا الرجل رئيساً لجمهورية العراق و أعنى به الرئيس جلال طالباني الذي كان يكن دوماً كل الإحترام والتقدير للسيدة گەلاوێژ أم زوجته وزوجة أستاذه ابراهيم أحمد، وبالمقابل فقد أحبته السيدة گەلاوێژ كإبنها الذي لم تلده.
في هذه الأجواء السياسية ترعرعت السيدة گەلاوێژ وعاشت حياة المنافي والإغتراب وأعتادت العيش في الكهوف وبين الجبال أيام الثورة، كما ذاقت مرارة حياة المنفى مع زوجها حين عاشت في لندن ولكن الظروف الحياتية قادتها الى الكتابة وبدأت تشق الطريق الى هذا العالم السحري حيث أصبحت فيما بعد قاصة ناجحة و روائية رائعة يشار إليها بالبنان.
* لقد عشقت القصة والرواية منذ أن بدأت تنشر نتاجاتها بغزارة و قد حازت رواياتها أعجاب النقاد عرباً وكرداً، فيما أشاد العديد من المثقفين برواياتها كهف الشجعان، العالم غابة، كنة آته خان والروايات الأخرى التي قدمتها بأسلوب شيق الى قرائها، في هذه العجالة لا أقول أني كتبت كل ما يجب أن يقال بحق العزيزة گەلاوێژ لأن الكتابة عنها تحتاج الى صفحات طويلة ومشرقة، ولكني بأختصار أقول: أحيي هذه المرأة المناضلة الشجاعة وأحيي قلمها الرشيق وألف تحية وتحية لها على ثباتها ووفائها وإخلاصها وخلوداً لرواياتها الحبيبة الى قلوب القراء.
مع خالص تمنياتي للسيدة الفاضلة بالصحة والسعادة متمنياً لها دوام النجاح وطول العمر.[1]