*#ابراهيم أحمد#
الشعب الكردي، كالشعب العربي، شعب مجزأ الأوصال مشتت
الثورات الكردية كالثورات العربية وليدة شعور عام لأمة مجيدة
علينا تنظيم جهودنا بصورة تأتي بأحسن الثمار في صالح الشعبين المتآخيين
الكرد كالعربي يناضل في سبيل حقوقه المقدسة، ويسعى للتعاون والتفاهم مع الشعوب
الكرد يسعون وراء غاية شريفة يسعى اليها كل انسان ذي مروءة وشرف
الثورات الكردية كالثورات العربية وليدة شعور عام لأمة مجيدة
اقتحمت الاهوال وركبت الاخطاء لتحيا حياة حرة سعيدة أو تموت موتا شريفا خالدا
نريد ان نعامل على قدم المساواة، لا نريد ان نكونا اسيادا ولا«عبيدا»
اهداء
الى انصار الشعوب المستعمرة في كفاحها التحريري.
الى اعداء الحرب والاستعمار واصدقاء السلم والديمقراطية.
الى الساعين لاحلال التآخي بين الشعوب محل البغضاء والكراهية.
الى اعوان الشعوب المستبدة والطبقات المستغلة في الشرق والغرب.
الى مؤيد فكرة جبهة الشعوب الشرقية السائرة في طريق التحرر
الى السائرين في موكب الانسانية.
والى الشعب العربي النبيل
نقدم كراستنا هذه لفريق من شبان الكرد
لسنا نقصد من كلمتنا هذه توضيح العلاقات التاريخية التي تربط الكرد بالعرب، اذ ان هذا يحتاج الى بحث ودرس عميقين لا تتوفر لدينا وسائلهما الان- وكل مبتغانا هو ان نرد على بعض ما بثه المغرضون من الاراء المسمومة الخاطئة عن نوايا الكرد وموقفهم من العرب بمناسبة قضية الاسكندرونة.
اذا نظرنا الى العلاقات بين الكرد والعرب منذ ايام الفتح الاسلامي الى اليوم نراها على احسن ما تكون عليها العلاقات بين الشعوب المجاورة من ود وسلام ووئام ولا عجب فان الكرد قد اعتنقوا الاسلام باخلاص وتقبلوا مبادئه بكل ما تضمنها من وجوب نسيان الفروق بين مختلف الشعوب المسلمة.
فشاركوا في بناء المدنية الاسلامية، تلك المدنية السامية، مساهمة فعلية في كل نواحي نشاطها المتعددة. فمن يدرس التاريخ الاسلامي يرى بين كبار المؤرخين والشعراء والادباء والفلاسفة والقواد الكثيرين ممن ينتمون الى العنصر الكردي، وقد خدموا اللغة العربية والثقافة الاسلامية حتى كانهم افنوا فيها ولم يعودوا يشعرون باي فارق عنصري او لغوي واذا كنت لا تعرف الان الا القلائل من هؤلاء فما ذلك الا لان الناس في تلك العصور لم يكونوا يهمون بهذه المسائل ولان الكرد في الوقت الحاضر لا يباهون بما قام به اجدادهم نحو الاسلام ومدنيته من الخدمات الواجبة شأن غيرهم من الشعوب المسلمة. وهذا الامر هو وحده ما جعل بعض المؤرخين يغمطون حق الكرد ويقللون من اثرهم في بناء المدنية الاسلامية. ان الكرد لم يكتفوا بالمساهمة في الحياة الثقافية الاسلامية، وانما قاموا بدور مهم في الدفاع عن كيان الاسلام ومدنيته ضد الهجمات المتوالية التي كانت توجه اليهما من الشرق والغرب، وليس بخاف على احد الدور الذي لعبه البطل الاسلامي الخالد صلاح الدين الايوبي في محاربته للصليبيين.
ان العلاقة التأريخية لم تتوقف على مساعدة الكرد للعرب، وانما العرب ايضا كانوا يساعدون الكرد ويؤازرونهم، ولكن طبيعة الخلاقة واوضاع المدنية الاسلامية كانت تحد من مساعدات العرب والكرد كيفية لا كمية، اذ كان العرب يظهرون مساعدتهم للكرد وتقديرهم لهم فيما يعاملونهم به من الاحترام وما يكنونه لهم من العطف وما يقدمونه لهم من المساعدات المادية والمعنوية في اللمات.ان ما اسلفناه من الوصف ينطبق على العلاقات الكردية- العربية في جميع ادوارها، ولكننا نجعله يخص ادوار الخلافة وزمن ملوك الطوائف لان انتقال الخلافة الى الاستانة يدخل في الوسط عاملا آخر.
في نير العثمانيين
لم يستطع السلطان اخضاع الكرد الى سلطته كما لم تستطع ذلك اية سلطة اخرى من قبل فظل الكرد مستقلين في جبالهم، لا يتبعون الخليفة الا اسما. ان انتقال الخلافة الى الاستانة قلل من الاتصال المباشر بين الكرد والعرب، ولكن الكرد ما فتئوا يقومون بواجبهم تجاه المدنية الاسلامية فيمدونها برجال يساعدون العرب ويساهمون معهم في اعادة النشاط اليها وتجديد قواها.
لسنا الان بصدد بيان الحالة ايام الامبراطورية العثمانية، ولكن لا بأس من اقتباس قطعة من الرسالة التي بعث بها الامير مصطفى فاضل (حفيد محمد علي باشا الكبير) الى السلطان عبد العزيز يصف له حالة الدولة وما وصل اليه الشعب من التعاسة والشقاء، ويحثه على الاصلاح (خلت بلادك من رأى عام، فاصبح عمالك غير مسؤولين امام رعيتك، واستباحوا كل منكر، وصار الناس طائفتين حاكم يظلم ولا من يردع،ومحكوم يظلم ولا من شفيع، حاكم يدعي ان سلطانه من سلطانك لاحد ولا قيد، ويتذرع بذلك في النقائص والمعاصي، ومحكوم يهوى الى حضيض الذل بما يساء اليه، ولذا تولى اليأس الرعايا، وانوا تحت احمال المظالم وهم صامتون واخذهم الجور، وانتم تعلمون ان الجور يفسد الضمائر ويطمس العقول- ص11 من كتاب القضية السورية).
هذا وصف موجز لما كانت عليه الحالة في الربع الاول من القرن التاسع عشر وهو ينطبق تقريبا على ما سبقه وما تلته من ادوار الخلافة العثمانية.
لم يكن في ذلك فرق بين الشعوب الخاضعة للعثمانيين، فكان الكردي والتركي والعربي سواسية امام المستغلين الاقطاعيين ورئيسهم الطاغية؛ لم تنفرد السلطنة العثمانية بالاستبداد، بل ان الملوك في العصور السابقة كانوا لا يقلعون عن حب الاستئثار بالسلطة والانفراد بالحكم المطلق وفي الحقيقة ليس تأريخ الشعوب الا نضالا مستديما بين طائفة مستغلة واخرى مستغلة في وآخر من مختلف عناصرها- ص 49 ثورة العرب لاسعد داغر) ولكن شيئا من ذلك لم يقع.
فان شبان الاتراك المتحمسن قد اسكرهم فوزهم على خصومهم من رجال العهد الحميدي، وذهبوا الى غاية ابعد من اعادة الدستور واعلان المساواة بين مختلف العناصر، تلك هي الاخذ بالقومية التركية ووجوب سيادتها على بقية العناصر العثمانية في ادارة دفة الحكم فقد كان هؤلاء الاتحاديون قد شهدوا ما حدث في اوروبا من الحركات القومية وتشبعوا بروح العصبية الجنسية.
عندما اتفق الاتحاديون مع العناصر العثمانية من غير الترك ولا سيما العرب تعاونت هذه العناصر على قلب نظام الحكم املا بالحرية والمساواة؛ كان موقف رجال تركيا الفتاة دقيقا ودقيقا جدا يتطلب شيئا كثيرا من المرونة والحنكة السياسية تجاه هذه العناصر فقد كان هذا الظرف فرصة سانحة للاتحاديين لتوثيق عري هذا الاتفاق والا يدعو للقوة مجالا بينهم وبين هذه العناصر وقد جاء مندوبوا العناصر العثمانية المختلفة ولم يكن يدور في خلدهم الانفصال عن جسم الدولة غير ان شباب الترك المتحمسين لم يقفوا تجاه العرب وبقية العناصر موقف الند للند كما كان ينتظر هؤلاء،بل وقفوا موقف من بيده السلطة ويريد ان يقبض على زمام الامور السياسية والادارية وان يكون سيدا مطاعا، اضف الى ان هؤلاء الاتحاديون عمدوا الى القوة في سياستهم فشرعوا في عقد القروض الخارجية وانفاقها على الجيش لضرب العناصر العثمانية من غير الترك ان بدا منها حراكا- القضية السورية.
وعمدوا الى سياسة التتريك والقضاء على كل نأمة عنصرية وانشاء امبراطورية طورانية تحيي مجد جنكيز خان وتيمور لنك وتعيد عهد الذئب الاغبر- ثورة العرب الكبرى 322).
وقد الّف الكاتب التركي جلال نوري كتابا سماه (تاريخ المستقبل) قال فيه (يجب على الحكومة ان تكره السوريين على ترك اوطانهم، وان تحول اليمن والحجاز الى مستعمرات تركية لنشر اللغة التركية التي بجب ان تكون لغة الدين. ومما لا مندوحة لنا عنه للدفاع عن كياننا ان نحول جميع الاقطار العربية الى اقطار تركية لان النشئ العربي الحديث صار يشعر بعصبية جنسية وهو يهددنا بنكبة عظيمة يجب ان نحتاط له- من 56 ثورة العرب الكبرى.
تلك هي السياسة التي سار عليها الاتحاديون تجاه العرب والكرد وغيرهما من العناصر العثمانية التي ساعدتهم في تسنم زمام الحكم وبهذه الطريقة كافئ هؤلاء القوم انصارهم ومؤيديهم من الشعوب غير التركية.
فلما وجدت هذه العناصر ان ما كانت تصبو اليه نفوسهم اصبح حلما بعيد المنال، ولا يمكن التفاهم مع الاتراك وطدوا العزم على تأسيس الجمعيات الوطنية للنضال في سبيل حقوقهم المهضومة والمغتصبة، فتأسست الجمعيات الوطنية للنضال في سبيل حقوقهم المهضومة والمغتصبة، فتأسست الجمعيات والنوادي القومية للمطالبة بحقوقهم والسعي وراء تحقيق مطاليبهم القومية بالطرق السلمية المشروعة ضمن حدود القوانين، وقد تألف بمساعي نواب العرب والكرد والارمن والالبان (حزب الائتلاف) الذي كان القصد منه الجمع بين العناصر العثمانية المختلفة تحت شعار الاخوة، والحرية والعدالة والمساواة، ومناوءة الاتحاديية في سياستهم القومية الهوجاء.
كانت العلاقة بين الكرد والعرب في هذا الدور على اتم ما يكون من الود والاخاء بل مما زاد هذه العلاقات متانة على متانتها، هو دخول عامل آخر في الوسط وهو التعاون والتآزر في محاربة العدو المشترك ووحدة الهدف والغاية، اذ كل يريد تحرير شعبه من نير الاجنبي ويسعى الى سعادة شعبه ووطنه، ولذا كثيرا ما ترى شابا كرديا يدخل الجمعيات العربية ويسعى لتحرير العرب كما يسعى الى ذلك العربي.
في الحرب العالمية
نشأت نيران الحرب العالمية وكان العرب ملوا وعود الاتراك وتسويفاتهم وضاقوا بمظالمهم واستبدادهم ذرعا، فدخلوا الحرب الى جانب الحلفاء سعيا وراء تحقيق استقلالهم الذي وعدتهم للحلفاء باعطائه اياهم فكان ما كان من حنث الحلفاء بوعودهم كما كان منتظرا، والبدأ بتقسيم البلاد العربية الى بلاد منتدبة ومناطق للنفوذ وغير ذلك من الحوادث التي يعرفها القراء.
اما موقف الكرد تجاه الترك في الحرب العامة فكان مختلفا عن موقف العرب، وذلك لحسن ظنهم الخاطئ في الحكومة العثمانية، واعتمادهم على وعودها الخلابة، وتعلقهم الزائد بالخلافة وتأثرهم بالدعاية الدينية التي كانت الحكومة تبثها بينهم آنذاك، فوقفوا بجانبها طيلة سنين الحرب ولم يهتموا بالدعايات التي كانت تبثها الحلفاء، ولا ركنوا الى تحذير بعض الوطنيين الكرد الذين كانوا قد عرفوا نوايا الحكومة التركية السيئة، ولذا نراهم مخلصين ليس في الدفاع عن الخلافة فقط بل وفي الذود عن اناضول ضد هجمات اليونان. يشير سليمان نضيف الى اهمية الكرد في الدفاع عن تركيا ومساهمتهم في معركة (سقاريا) الشهيرة بقوله في خطابه يوم تأبين الجندي المجهول اغلب الظن ان هذا الجندي هو جندي كردي. طرد اليونانيون من البلاد ولم يبق اي خطر خارجي يهددها فبدأ الكرد يطالبون الحكومة التركية بايفاء ما وعدت وما كان ما وعدت به استقلالا وانفصالا وانما كان حقوقا طبيعية ضرورية لتفاهم الشعبين وتعاونهما، اراد الكرد ان يكونوا مع الترك على قدم المساواة فردت الحكومة التركية على هذا الطلب المشروع بسياسة عوجاء قد برهنت التجاريب على سقمها وفسادها، الا وهي سياسة (التتريك) التي مشى عليها الاتحاديون من قبل، مما اغار عليهم صدور الشعوب العثمانية الاخرى وسبب العداء والشقاق بين عناصر الدولة الواحدة، ولا حاجة الى ايضاح هذه السياسة البغيضة فالعرب قد ذاقوا من مرارتها الشيء الكثير.
دور الثورات
يأس الكرد من امكان الحصول على شيء من الحكومة التركية بالطرق المشروعة، وسئموا معاملتها القاسية، فضاقت بهم السبل فركنوا الى الثورة ملجأ الشعوب المضطهدة، ووليدة الارهاق وحاملة علم الحرية والانعتاق المغموس بالدماء.
ثار الكرد علهم ينالون بالقوة ما لم ينالوه بالطرق المشروعة والتوسلات والمفاوضات.. ولكن انى للحق الاعزل ان يقاوم القوة الغاشمة، ومع ذلك فلولا مساعدات الدول للحكومة التركية بتضيقها الخناق على الثوار واسدائها المساعدات المادية والمعنوية الى الحكومة، واستعمال هذه جميع الوسائل مهما كانت قاسية ووحشية للقضاء على ثورة الكرد التحريرية.. نعم لولا هذه الظروف القاسية لكان الكرد من ايمانهم بحقهم المشروع واستبسالهم في جهادهم قوة هائلة تكفي لانتصارهم.
ولكي نظهر للقارئ الاعمال الوحشية ارتكبتها الحكومة التركية في قمعها لهاتيك الثورات نقتبس فقرات من كتاب (اتاتورك) المطبوع بالعربية حديثا وبذلك ننقذ انفسنا من تهمة التحيز والتشيع، اذ ان الكتاب المذكور نشر عاية للحكومة التركية بين الناطقين بالضاد.
يقول الكاتب:
اي والله لقد اندحر الكرد وكان للقضاء عليهم مبرما رهيبا!
الطائرات تصب عليهم من السماء دمارا، والمدافع من فوهاتها ترسل حمما، والبنادق ترسل نارا، والسيف يحز الرؤوس، والخناجر تبقر البطون واربعون الفا من الجنود الهبهم كمال بخطبة نارية يقفزون في بلاد الكرد من رآبية الى قمة، ثم الى الوهاد ينحدرون، والناس يقتلون، القرى يحرقون.
وتشرق شمس 28 -06-1925 على مشانق تتدلي فيها حبال تتأرجح بجثث خمسة واربعين زعيما من زعماء الكرد.
واخيرا ها هو زعيمهم الاكبر الشيخ سعيد يتقدم الى المشنقة مبتسما – ص144.
يا له من منظر رائع!
ويا لها من بطولة خالدة! كيف لا يحمر وجه القرطاس خجلا اذ تسجل عليه هذه الجرائم والفظاعات...
يا لها من مفخرة! أتراهم كيف يفتخرون بحرق القرى الآمنة وبقر البطون الحابلة وحز الرؤوس البريئة.. ولكن لا بأس، فلا بد للاستقلال من ضحايا.
أنين المظلومن وضجيج الظالم
لم تقتصر اعمال الحكومة التركية تجاه الثورات الكردية على هذه الفظاعة والوحشية، وانما حاولت جهدها تشويه حقائق الثورة وتلويث مصادرها، والباسها ثوب الرجعية في نظر العالم الخارجي.
فكانت تنعت الثوار بالعصابات والعصاة والدراويش.. والثورة بمشاغبات الرجيعة لقلب حكومة المدنية! وارجاع الخلافة.. وكانت تنسب الثورة الى الدعايات والاموال الاجنبية والذهب الانكليزي! وغير ذلك من النعوت.
الم تنعث السلطات الثائر في جميع الازمان بالشقي المتمرد والمجرم السفاك؟..
الم تكن جميع الحركات التحريرية، في نظر الحاكمين حركات هدامة ورجعية، ومؤامرات دنيئة سافلة؟.
واية قوة استبدادية عزت الثورة على طغيانها الى غير الدسائس الاجنبية والايادي الخفية التي تعمل من وراء ستار؟
وهم انفسهم قواد الحركة التحريرية التركية الذين دافعوا عن بلادهم وحقوقهم ضد المعتدي الاجنبي- وزعماء الحكومة التركية الاستعمارية اليوم- الم يقل العدو انهم اشقياء متمردون؟ الم يحكم الخليفة على مصطفى كمال بالاعدام لتمرده؟
الم تنعت الصحف الاستعمارية حركتهم بحركة سلب ونهب وزعيمهم بزعيم عصابة من اللصوص؟ وهل لم تكن الدول المستعمرة ترجع سبب حركتهم الاستقلالية الى الدسائس الاجنبية وتقول انهم انما يعملون لحساب دولة اجنبية تعينهم بالمال وتمدهم بالعتاد؟
ثورة رجعية!؟
يقولون ان ثورات الكرد كانت دائما دينية رجعية ترمى الى ارجاع الخلافة وعهد الدراويش. ونحن نقول الم تكن ثورة مصطفى كمال في بادئ امرها حركة دينية لطرد الكفار من ديار الاسلام وانقاذ الخليفة من اسر الكفرة؟ أليس هو الذي كان يقول للناس في ارضروم انه نائب الخليفة وممثله جاء يحض الناس على اعلان الحرب الدينية والجهاد المقدس فثوروا لكرامتكم ودافعوا عن عرينكم وعن دينكم وعن اعراضكم الملوثة وتطوعوا في الجيش الاهلي لتقهروا اعدائكم واعداء الاسلام.
ثم اسمع كيف يختم خطابا القاه على اعضاء المؤتمر في سيواس في بدء حركته:
وفي الختام ابتهل الى الى واهب الآمال، الذي لم ينس امتنا الى دافعت عن هذا الوطن المبارك، وهذا الدين الاحمدي الجليل- وسندافع عنهما الى يوم القيامة- والذي لم ينس جل شأنه مقام الخليفة والسلطنة.
ابتهل اليه ان يدفع بنا الى النصر والتوفيق بعد ان اخذنا على عاتقنا الدفاع عن حقوقنا المغصوبة المقدسة.. آمين- كمال اتاتورك ص72.
فهل كان الشيخ سعيد زعيم حركة الدراويش وقائد الثورة الرجعية اكثر اعتماد على شعور الناس الديني واعظم استغلال له من مصطفى مال زعيم الحركة الاستقلالية وقائد الثورة العلمانية؟!
وهل كان مصطفى كمال يدافع عن الدين والخلافة حقا؟
ام كان هذا هو الواقع فلم يستطيعون الاعتقاد بان زعماء الثورة الكردية ايضا اذا كانوا قد اثاروا شعور الناس الديني فهم انما صنعوا ذلك لاستمالة الجماهير الى جانبهم في كفاحهم في سبيل (الدفاع عن حقوقهم المغصوبة المقدسة) لماذا لا يستطيعون فهم ذلك وقد أيدته نتائج محاكمات زعماء الثورة، والطرق التي سلكتها الحكومة في قمعها للثورات، اذ كانت تقضي على كل شيء كردي لا على كل شيء رجعي؟ ثم اذا كانت الثورات رجعية ودينية فلم ينفرد الكرد بالدفاع عن الرجعية وعن الدين (!).
أليس بين الترك متدين يناصر الخليفة؟ وكيف تكون الثورات استقلالية ورجعية ودينية في آن واحد؟ (1).
كل ذلك يدل دلالة واضحة على ان تلك الثورات لم تكن من الرجعية في شيء، اللهم الا اذا اعتبرت مطالبة الشعب بحقوقهم رجعية.. ولا يخفى على متفرج منصف ان تلك الثورات كانت من الثورات التحريرية المقدسة التي تقوم بها الشعوب المستعبدة للانعتاق من نير اسيادها.
ان اعمال الحكومة التركية تجاه حركة الكرد التحريرية ترينا بصورة واضحة احدى مناقضات القومية بمعناها الضيق اذ نرى الامة التي تعتمد في كفاحها ضد الاستعمار على نظريات حق تقرير المصير وتتمسك بحق السيادة الشعبية، وضرورة حكم القوم نفسه بنفسه، اذا انتصرت لا تعود تعترف بقدسية حق من هذه الحقوق لغيرها من الشعوب نراها تطارد الاحرار وتحكم على المتمسكين بهذه المبادئ من غير امتها بالنفي والسجن والاعدام والتشريد، متناسية انها كانت ولا تزال تعتمد على هذه القواعد الاساسية في تأييد سيادتها ودفاعها عن كيانها.
الاستعمار يحرر؟!
لم تكتف الحكومة التركية بنعت الثورة الكردية بالثورة الرجعية وانما ذهب الى ابد من ذلك فقال ان الانكليز كانوا يمدون الكرد بالاموال والعتاد!
يا لها من دعاية سخيفة وكذلك صراح! ان الكرد الذين تزعم الحكومة التركية انهم ثاروا على الحكومة الكمالية لنصرة الدين ومحاربة البدع واسترجاع الخلافة بدءوا الان يتقربون من الدول الاجنبية ويستنجدون بالكفار للبلوغ الى مآربهم الاسلامية!!
ولا ندري باي عقل يتوصل هؤلاء القوم الى الجمع بين الثورة الدينية والاستعانة بالانكليز..
كل شيء جائز في عرف السياسة! ولكن هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين.. الا ان هذا رأي في السياسة جديد ان نرى انكلترة اعظم دولة استعمارية على وجه البسيطة تقدم لتأخذ بيد شعب مستعبد مظلوم.. انكلترة، انكلترة التي تئن في نير استعمارها مآت الملايين من البشر تأتي لمناصرة الكرد وتمونهم بالمال والعتاد!!
(يقول الكاتب الالماني داجوبرت في كتابه المترجم الى العربية بعنوان مصطفى كمال: المثل الاعلى:
ومن المؤكد ان لا يدري الشيوعية كانت تلعب من وراء ستار، وزادت الاضطرابات الى حد خطرفي الاقاليم الشرقية، ولكن حركتهم قد قمعت بلا رأفة ونشطت المحاكم الثورية فحكمت على عدد كبير في ارضروم وطرابزون وغيرهما لشنق او بالسجن- ص365، الا ان هذا رأي جديد في اسباب ثورات الكرد الرجعية!!)
لنبتعد الان عن تنفيذ هذا الافتراء الذي لا يقوم على دليل من الواقع ولا المنطق ونتساءل:
من الذي ارغم الكرد على الاستعانة بالاجانب- اذا كانوا قد استعانوا بأحد؟ اليس هو جور الجيران والاقارب واضطهادهم وعدم اعترافهم لهم بحق الحياة؟ ثم اي شعب لم يعتمد على المساعدات ذاتها على مساعدة روسيا التي كانت العامل المهم في انتصارها. هذا على فرض ان الكرد كانوا قد استعانوا بالاجانب ولكن لم يقم دليل على صحة هذا الفرض فهل كان يمكن اخماد تلك الثورات الهائلة الدامية لو كان وراءها الذهب الانكليزي والاسلحة الانكليزية كما يقولون؟ او هل كان يمكن قمعها لو لم تتعاون الدول بما فيها انكلترة على اخماد نارها.
اننا لا ننكر ان المستعمر يحسن الاصطياد في الماء العكر وان الحكومة الانكليزية ربما كانت ترغب في مثل هذه الثورات الى حدا ما. وربما كان لها فيها جواسيس وعيون، بل ربما كان بين زعماء الحركة بعض مريدي الانكليز واتباعهم ولكن كل ذلك لا يعارض الحقيقة الواقعة وهي ان الجماهير الكردية كانت تضحى بكل ما لديها من نفس ونفيس وتجابه الآلات الجهنمية بتلك البطولة الخارقة والجرأة النادرة دفاعا عن كيانها المهدد وحقوقها المغصوبة وليس لتأمين المصالح الانكليزية او الفرنسية كما يدعون.
ونقول في هذا الصدد ان اكثر زعماء الثورات الكردية كانوا رجالا مخلصين في دعوتهم لم يريدوا بالجاه ولم ينخدعوا باية دعاية وكانت حركتهم تستمد قوتها من الجماهير الكردية، ومن اضطهاد للحكومة التركية، ولم تكن لهم اية صلة باية دولة اجنبية وما كانوا قد اضرموا نيران الثورة راضين، وانما ارغموا على ذلك بما لاقوه من سوء معاملة الحكومة التركية وغمطها لحقوق الكرد وعدم سماعها لشكاويهم الحقة وتماديها في سياستها القاسية تجاه العناصر غير التركية.
العرب يؤيدون الكرد
ان علاقة العرب بالكرد في دور المحنة هذه كانت كعلاقتهم بهم في الادوار السابقة، تآزر قلبي، وعطف متبادل، وشعور عميق بالروابط التأريخية والثقافية.
وقد ناصر العرب الكرد في هذا الدور كما كان منتظرا منهم فكانوا يظهرون عطفهم على القضية الكردية ويؤيدونهم في مطاليبهم المشروعة وكانت الصحافة العربية تدعو الحكومة التركية الى الرجوع الى جادة الحق والصواب وسلوك طريق التفاهم والتعاون وذلك حقناً للدماء وحفظا للحقوق التاريخية بين الشعبين المسلمين المتجاورين، وللضرب على ايدي المستعمرين المستفيدين من تطاحن الامم الضعيفة فيما بينها، وبغية تاسيس جبهة شرقية ضد الاستعمار- مجلة الشرق الادنى ولكن هذه الدعوان المخلصة الصادقة لم تجد من زعماء الحكومة التركية آذانا صاغية اذ كيف يسمعون نصح العرب وهم يبذلون الجهود الجبارة لارغام الشعب التركي على بغض العرب وكره تثقافتهم وازدراء دينهم، وكانت صحفهم تشن الحملات العشواء على الثقافة الاسلامية والعنصر العربي لا لسبب الا لان الشعب العربي كان قد استيقظ وثار ضد طغيانه ولم يعد يطيق رؤية المجازر البشرية تقام في شوارع مدنه الكبرى ولم يعد يستطيع مشاهدة جثث ابنائه المدلاة على حباة المشانق.
نعم كان الشعب العربي قد سقى شجرة الحرية من دم المهج ما يكفي لانمائها فاراد ان يتطف الثمرة.
وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة تدق
لم تقتصر مساعدة العرب للكرد في هذا الدور على الرغبة في التوفيق بين الكرد وزعماء الحكومة التركية بل تجاوزت الى الدفاع على الكرد وقضيتهم ورد مزاعم الحكومة التركية وتفنيد افتراءاتها، ولا يمكن تقدير اهمية هذه المساعدات بجميع آلات الحرب الهمجية، والمجهزة باحدث وسائل الدعاية العصرية وهو اعزل تقريبا. ضرب عليه العدو نطاقا من الرقابة لا يستطيع معه ايصال صوت شكواه الى العالم الخارجي.. وانى للعالم الخارجي ان يسمع انين شعب مضطهد وقد ملأ المستعمر الظالم العام صياحا وضجيجا ودعاية وكذبا!
لقد اسدت الصحافة العربية الى الكرد جميلا يذكرونه لها ابد الدهر. قد يقال ان ما قام به العرب نحو الكرد ما هو الا احدى الوجائب المترتبة على شعوب العالم عامة والشعوب المستبعدة خاصة تجاه غيرها من الشعوب المضطهدة المناضلة في سبيل تحررها، نعم قد يقال ذلك وهذا هو الصواب ولكن اين هم الذين يقومون بهذا الواجب؟
أقرأ الفقرة الآتية المقتبسة من مجلة اللطائف المصورة: بعنوانالكرد يثيرون مرة اخرى في سبيل استقلالهم... ان امر الثورة الكردية قد استفحل وتركيا من جديد فاضطرت حكومة انقرة ان تجرد الجيوش الجرارة لمقاتلة الكرد في معاقلهم الجبلية. والشعب الكردي شعب قوي ذو بأس وصولة ينزع الى الحرية والاستقلال وقد ثار مرارا كثيرة في عهد السلطان عبد الحميد وثار ثورته الاخيرة سنة 1925 ولكن جيوش انقرة تمكنت من قمع تلك الثورة... ونشط الكرد ثانية للمطالبة بحقوقهم وشاع ان للكولونيل لورانس الانكليزي يداً في اشعال نار هذه الثورة وانه موجود مع الكرد للثائرين ينظم حركاتهم الى ان المصادر الرسمية كذبت هذه الاشاعة.
هذا هو المثال لما يجب ان يكون موقف الشعوب تجاه كفاح غيرها التحرري.
انتهينا الان من بيان موجز لما كانت لها عليه العلاقات بين الشعبين العربي والكردي منذ البداية الى اليوم واننا نعترف ان البحث ناقص في كثير من نواحيه نقصا بارزا، ولكن ضيق المجال، واستعجال الامر وشرف الغاية جعلنا نصرف النظر عن اكمال هذه النواقص. ولا سيما ونحن نريد تأليف كتابا عن العلاقات المتشابكة والصلات المتداخلة التي تربط هذين الشعبين العريقين وانما قصدنا الان الى بحث موجز عن ماض هذه العلاقات بغية تنظيمها وتقويتها للاستفادة منها في المستقبل.
لا عداء بين الشعوب
قبل ان نبدأ ببيان رأينا حول تنظيم العلاقات الكردية- العربية يجب ان ننبه القراء الى ما قد يقعون فيه من الخطأ قد يظن البعض من قراءته لما سبق وصفه من الحوادث اننا نضمر الشر للشعب التركي النبيل ونريد معاداته، ولكن حاشا ان نكون في هذه الدركة من الجهل والضلال، وحاشا للتعصب الاعمى ان يسوقنا الى هذا الرأي الخاطئ فما الحوادث القاسية التي سبق ذكرها الا نضال شعب مضطهد ضد حكومة جائزة لا تعترف له بحق الحياة، اما الشعب التركي النبيل الذي تربطنا واياه روابط تاريخية وثقافية واشجة والذي تقام كل هذه المظالم باسمه وتحت ستار مصالحه! فلا يتحمل في نظرنا اكثر من مسؤولية الحبل في حادثة الشنق، واننا نتألم لما وصلته حالته من البؤس والشقاء في ظل الدكتاتورية الكمالية حد التألم ونكن له كل عطف واخلاص ونتمنى له الخير والسعادة، لاننا نعتقد تمام الاعتقاد بان الشعب الذي يستعمل الحكام الظالمون اسمه ومصالحه ستارا لمظالمهم هو ادعى الى الرحمة واجدر بالشفقة، من الشعب المظلوم، ونعتقد ايضا، بانه ليس في صالح الشعب التركي بشيء معادة الكرد او العرب او اي شعب من الشعوب.. واي فائدة تجنيها الجماهير التركية من التنكيل بالشعب الكردي وحرق مئات القرى والبلدان بسكانها الآمنين.. وقتل آلاف الابرياء، واجبار عشرات الالوف من الكرد على الهجرة وترك الاوطان الى اقاصي البلاد التركية حفاة عراة في وقت الشتاء وفصل الثلوج الجارفة لا لسبب الا لانهم يرو داعيا لتبديل لغتهم الاصلية وانكار عنصريتهم وترك ثقافتهم فقاموا يدافعون عن الحقوق المقدسة التس ساعدوا الاتراك في الدفاع عنها.
ثم أليس اجدر وانفع للشعبين التركي والكردي وللانسانية جمعاء ان يعيش هذان الشعبان في سلام ووئام كما عاشا طيلة قرون عديدة؟
نعم ان من مصالح الشعبين ان يتفاهما ويتصالحا ويقر كل منهما لصاحبه بما يريده لنفسه من الحقوق فيتعاونا في اعلاء شأن الوطن واسعاد الشعبين؟ اجل ان هذا هو الصراط السوي، ولكن الذين تعلقوا بحبال الامال والمطامح الاستعمارية ومشوا وراء تطبيق النظريات السقيمة البالية، المستغلون للوضع والمستفيدون منه العائشون من ورائه لا يريدون هذا الحل ولا يقبلون عن سياستهم القومية الهوجاء بديلا، اذ يستحميل عليهم التفكير في غير نطاق الاستعمار والاستغلال فيتمسكون به ويقصدونه في جميع تصرفاتهم تجاه طبقات شعبهم وتجاه الشعوب الاخرى، تلك هي القومية بمعناها القديم وفي نطاقها الضيق.. ولكنك هل تظن ان هذه الافكار البالية هي وليدة تفكير الشعب التركي؟ وهل ان الدعايات السيئة ضد كل ما هو رأي الشعب في العرب والاسلام؟ هل تظن ان ما تبذره الحكومة من بذور البغضاء والكراهية بين الشعوب يجد بيئة صالحة في اذهان الجماهير التركية؟ هل تظن ذلك؟ ان هذا هو الغلط بعينه فالجماهير لا تعتقد ولا تستطيع ان تتصور الفوارق العنصرية والميزات الجنسية التي تخلقها عقلية هؤلاء الحكام. انها لا تستطيع فهم نظريات العداء المتوراث بين الشعوب وتفريق الاحساس الى محنطة وراقية وتقسم الدماء الى نقية وغير نقية. اجل لا تفقه الجماهير مدلولة هذه الكلمات السحرية التي ان هي الا مخدرات جديدة تستعمل لاستغلال الشعوب واستثمارها، انها لا تعلم عن هذه التعابير شيئا حتى ولو حفظتها عن ظهر قلب بنتيجة التلقين المستمر والدعاية الدائمية.
تآخي الكرد والعرب
لنأتي الى بيان كيفية تنظيم العلاقات الكردية- العربية في المستقبل.
تكلمنا سابقا عن الروابط التأريخية والثقافية والجوارية التي تصل ما بين الكرد والعرب وعلمنا ان العلاقات بين هذين الشعبين كانت ودية للغاية في جميع ادوارها، والان اعتمادا على ما كان بيننا في الماضي من علاقات وما يجمعنا في المستقبل من وحدة الهدف والغاية علينا تنظيم جهودنا بصورة تأتي بأحسن الثمار في صالح الشعبين المتآخيين.
ان الشعب الكردي، كالشعب العربي، شعب مجزأ الاوصال مشتت الكلمة، وهو كالعرب يناضل في سبيل حقوقه المقدسة، ويسعى للتعاون ان يساهم في بناء المدنية العالمية كما قد يساهم في بناء المدنية الاسلامية في السابق، ان الكرد كالعرب يسعون وراء غاية شريفة يسعى اليها كل انسان ذي مروءة وشرف. وان الثورات الكردية كالثورات العربية وليدة شعور عام لامة حية اقتحمت الاهوال وركبت الاخطار، لحيا حياة حرة او تموت سعيدة او تموت موتا شريفا خالدا، اننا نريد ان نعامل على قدم المساواة، لا نريد ان نكون اسيادا ولا عبيدا، لا نريد ان نكون تحت الشعوب ولا فوقها وانما نريد ان نكون نعمل معها في سبيل الانسانية واسعادها، اننا نناضل لكي نستبدل الحرب بيننا وبين حكامنا بالسلم على قدم المساواة وحتى يحل الحب والوئام محل الحقد والكراهية في القلوب.
ان الكرد كاخوانهم العرب يريدون الانعتاق من قيود الذل والعبودية.. يريدون الاحتفاظ بلغتهم وثقافتهم وعنصريتهم لان هذا الاحتفاظ لا يضر بمصلحة شعب من شعوب بل يفيده وينفعه لاننا نعتقد ان مصلحة الشعوب هي واحدة في كل حالة ولذا فعليها ان تتعاون فيما بينها في سبيل الوصول الى اهدافها المشتركة، فالكرد اصدقاء العرب وشركاؤهم في المحنة، كلاهما يشكو داء واحدا، وكلاهما يتطلب علاجا واحدا.. اذن فنحن رفاق في طريقنا الى الانعتاق.. فلنتكاتف ولنتفاهم ونتآزر اكثر ما نحن الان فليتآخ الشعبان الكردي والعربي ولنعمل لذلك بكل ما لدينا من القوة ولننظم جهودنا لمناضلة الاستعمار مهما كان نوعه وشكله ولنكافح في سبيل اهدافنا المشتركة.
التعصب القومي الاعمى
وقبل ان نبين القاعدة التي نقترحها لتكون اساسا لتعاون الشعبين الكردي والعربي يجب ان نحذر الشعبين- وخاصة المتنورين منهما عاقبة التعصب القومي الاعمى، نقول المتنورين خاصة لان الجماهير، كما اسلفنا، لا تدرك من هذه الخيالات شيئا، اجل، فان على المثقفين، من كردي وعرب، ليس تجنب التعصب القومي والعنصري الاعمى فقط، بل ومحاربة نظرياتها الهدامة التي يبثها المغرضون للتفريق ما بين ابناء القطر والواحدة ومعاداة الشعوب الاخرى، لا لان هذه النظريات لا تقوم على اساس من العلم والعقل فحسب بل لانها من الاسباب المهمة في بث روح الكراهية بين الشعوب واثارة الحروب والقلائل فيما بينها، علينا مكافحة هذه الاراء العنصرية السقيمة، بصورة خاصة في الوقت الحاضر، لان هناك دولا استعمارية تخدر شعوبها وتسوقها الى الحرب والاستعمار من جهة، ويضعف بها وحدة الشعوب الضعيفة وتكاتفها في صد الاستعمار من الجهة الثانية.
القاعدة الذهبية
اما القاعدة الاساسية التي يجب ان تبنى عليها العلاقات، ليس بين الشعبين الكردي والعربي فحسب، بل بين الشعوب الارض قاطبة والتي بدونها يكون السلام العالمي، وتآخي الشعوب وتعاونها تعابير جوفاء سخيفة، هي (اعتراف كل شعب للاخر بحقه في الاستقلال، استقلالا فعليا لا صوريا، ضمن حدوده الطبيعية وبسيادته التامة في ادارة جميع شؤونه الخاصة والعامة، وتنظيم العلاقات بين الشعوب تنظيما اختباريا يكون على اساس من الحرية والمساواة وتقديم الشعب الواحد للاخر جميع المساعدات المستطاعة لتحسين حالتها الاقتصادية وتنيمة ثقافتها الخاصة حتى يستطيع المساهمة في اشادة صرح المدنية العالمية وتحقيق الديمقراطية الشاملة.
تلك هي القاعدة الذهبية التي يجب ان تعترف بها الحكومات، وتسعى لتحقيقها الشعوب فيما اذا ارادت احلال الوئام والسلام محل الحروب والمخاصمة، وشاءت القضاء على النظام الاستغلالي الذي تأن في نيره الشعوب المستعمرة والمستعمرة على حد سواء. وعلى هذه القاعدة العادلة وحدها تستطيع الشعوب المستعمرة ان تنشأ جبهتها المتحدة ضد الاستعمار، اجل، فان هذه القاعدة هي وحدها كفيلة بتضامن العربي والكردي والتركي والفارسي وتكافتهم في صد الاستعمار ومكافحة الاستغلال.
تلك هي السياسة التي تخص الشعبين الكردي والعربي بصورة عامة وما يجب ان يكون وضع الواحدة تجاه الاخر. اما السياسة الراهنة التي تفرضها ظروف العلاقات الكردية- العربية بصفتها عنصرين مهمين من عناصر الدولة العراقية، والتي يحتميها ولائنا الدستور العراقي، واخلاصنا للوطن العراقي العزيز، فهي السعي لتوثيق روابط الاخوة والصداقة بين العناصر العراقية المختلفة ومحاربة كل ما يشم منه رائحة التفرقة.
اما مطاليب الجماهير الكردية- فمع اننا لسنا بصدد بيان ذلك- ولكن لا بأس من ان نقول انها لا تختلف عن مطاليب الجماهير العراقية عامة- من وجوب القيام باصلاح اقتصادي لتحسين حالة الفلاح والعمال ورفع مستوى معيشة الاهالي، وضرورة مكافحة الجهل والفقر والامراض على نطاق واسع- الا فيما يخص التثقيف فان الكرد مع اعجابهم الشديد بالثقافة العربية واهتمامهم بها يريدون تنمية ثقافتهم الخاصة ولا يتسنى ذلك الا اذا اصبحت اللغة الكردية لغة المدارس والدوائر في المناطق التي يسكنها الكرد، وليس هذا المطلب العادل المشروع الذي يؤيده الدستور العراقي وتقتضيه مصلحة الشعبين العربي والكردي الا طلب تطبيق قانون اللغات المحلية تطبيقا شاملا وتشجيع آداب اللغة الكردية من قبل وزارة المعارف.
وأملنا كبير بان وزارة الانقلاب الانقلاب ستجيب هذا الطلب الذي طالما وعدت باجابتها الوزارات السابقة المتوالية.
وفي الختام ندعو الشعبين العربي والكردي الى التعاون والتآخي والسير معا في مناضلة الاستعمار والاستقلال فهما رفاق في طريقهما الى التحرر...
(1) قرار المحاكم الاستقلالية المنشور في وقته في اعداد من جريدة (الوقت) التركية.[1]