ولد#إبراهيم أحمد# عام 1914 في حضن عائلة مشهورة بمدينة السليمانية، وأكمل دراسته الابتدائية والثانوية في المدينة ثقبل أن ينتقل إلى بغداد لاحقا لإكمال دراسته بكلية الحقوق في جامعة بغداد سنة 1937.
كان عمه الضابط عبدالفتاح رمزي بيك أحد المقربين من الشيخ محمود الحفيد، وقد أثر كثيرا على البنية الشخصية والفكرية لإبن أخيه إبراهيم أحمد وفي تربيته على حبه واخلاصه للوطن .
ترعرع إبراهيم أحمد منذ صباه بين الأناشيد والترانيم الوطنية المغناة بجمال كردستان وربوعها الخضراء وجبالها الشامخة الشماء، فأصبح ينظم الأشعار والقصائد الشعرية المعبرة عن الآم شعبه و الطبيعة الوديعة لكردستان، كما تعودت مسامعه وناظره على سماع حكم وأمثال الشاعر والصحافي بيره ميرد وغيره من الأدباء والشعراء في عصره، وهو عيش تحت أزيز الرصاص و دوي الطائرات البريطانية التي كانت تقصف مدينة السليمانية أثناء ثورة الشيخ محمود الحفيد، تلك الثورة التي نالت الكثير من اهتماماته الفكرية والادبية والسياسية.
وكان الزعيم الكوردي الراحل جلال طالباني يعتبر إبراهيم أحمد الأب الروحي والمدرسة المثالية لسياساته الانفتاحية وأفكاره العصرية ويُعرفه في أكثر من مناسبة بأنه كان سراجا منيرا لدرب القضية القومية والوطنية بالنسبة للشعب الكردي.
ولايزال ابراهيم احمد رمزا من رموز الحركة السياسية والثقافية و يعتبر ركنا اساسيا من اركان الإبداع الأدبي، إذ انخرط في العمل السياسي منذ نعومة أظافره حيث كان أحد أبرز المشاركين في انتفاضة السادس من أيلول عام 1930 إلى جانب رفيق دربه الشاعر فائق بيكس، من هنا بدأت مسيرته النضالية لتستمر سبعة عقود متواصلة في تقديم التضحيات الجسيمة والعطاءات الزاخرة لشعبه.
كما لعب دورا كبيرا في إثارة مشاعر المواطنين الغاضبين في السادس من أيلول في السليمانية حيث دفعهم للمطالبة بإقرار الحقوق القومية للشعب الكوردي في المعاهدة المبرمة بين الحكومة البريطانية والحكومة العراقية عام 1930. لكن السلطة الحاكمة أنذاك ردت على مطالب الجماهير بلغة النار والقوة ما أدى إلى وقوع أحداث دامية تُعرف بمعركة السراي في السليمانية والتي شارك فيها المواطنون من مختلف الأصناف وأسفرت المواجهات عن خمسين شهيدا وجريحا في صفوف المدنيين.
بدأ إبراهيم أحمد العمل كصحفي في سن الثامنة عشرة من عمره حيث نُشرت مقالاته في صحيفة “ژیان” الكردية، وبين عامي 1939-1949 أصدر إبراهيم أحمد مع علاء الدين سجادي مجلة كلاويز، كما كان يملك صحيفة كردستان التي يراس تحريرها، ونشر فيما بعد مجلة تسمى رزكاري، كما حصل على امتياز جريدة خبات التي كان مالكا ومحررا لها، كما كان يمتلك صحيفة تسمى كردستان.
وفي آواخر عام 1948 وفي ظل الأحكام العرفية حكم عليه بالسجن لسنوات قضاها في سجن أبو غريب ورغم كل الملاحقات التي تعرض لها الا أنه ظل محتفظا بصلابته واصراره ومبادئه القومية والإنسانية النبيلة.
وكان من اوائل السياسيين الذين اعتقلوا في العهد الملكي بسبب نشاطاته السياسية الدؤوبة الى جانب الأدب استمر في كتاباته السياسية حيث كان يكتب الافتتاحيات في الصحف الكردية، وفي عام 1961 أغلقت صحيفتا خبات وكردستان من قبل الحكومة العراقية كما أعيد اعتقال إبراهيم أحمد.
وفي سنة 1946 أسس إبراهيم أحمد مع مجموعة من المناضلين ورفاقه الحزب الديمقراطي الكردستاني لنيل الحقوق القومية في العراق. واُنتخب في المؤتمر الثاني للحزب الديمقراطي الكردستاني عام 1953 أمينا عاما للحزب بأغلبية الأصوات وتولى هذا المنصب حتى عام 1961.
وبعد أحداث 14تموز/ يوليو 1958 وتغيير النظام الملكي في العراق، توجه على رأس وفد كردي إلى بغداد للقاء المسؤولين الكبار فيها من أجل الدفاع عن الحقوق الكردية وتثبيتها في دستور العراق الجديد.
و كان الراحل من اوائل الذين ارسوا الأسس المتينة للأخوة العربية الكوردية وكتابه “العرب والأكراد” الذي أصدره عام 1937 لايزال شاهدا على ذلك، فاشتهر اسمه في عموم العراق، حيث ارتبط بصداقات عميقة مع القادة السياسيين العراقيين وفي زمن توحيد صفوف المعارضة المناضلة لإسقاط الحكم الديكتاتوري.
ويعتبر بانه الرجل الذي سعى الى ارساء اواصر التاخي بين العرب والكورد ، مؤمنا بان اعداء العراق لايفرقون بين عربي وكوردي وان الحرية والديمقراطية هي حق للعراقيين بكل اطيافهم ، فأعداء القضية العراقية هم أعداؤه وأصدقاء العراقيين هم اصدقاؤه، وهي معادلة بسيطة لا تحتاج الى بعد فلسفي ولا تقبل التأويل.
وساهم في نضال الشعب العراقي ضد الحكم الملكي في سبيل ان يتحررالعراق من جنوبه الى شماله من قبضة المستعمرين والرجعيين وكان ينتصر دوما لقضية المضطهدين ويدافع عن حقهم في العيش بكرامة وقد استطاع بشخصيته الكارزمية ان يحتل مكانة مرموقة في قلوب العراقيين ليصبح رمزاً خالداً لنضال هذا الشعب بعربه وكورده، وشارك في معظم النشاطات السياسية وقاد المظاهرات في سبيل حرية الشعب العراقي.
وكانت فلسفته السياسية وطنية، ويعرف بالشخصية الوطنية، ومعظم كتاباته وأعماله تدور حول قضايا وطنية، ووقف دوما ضد استبداد واضطهاد محتلي كردستان.
إذ كان يشدد دائما على وحدة الصف بين جميع الأطراف وأجزاء كوردستان الكبرى وقد تحدث خلال مقابلة عام 1996 عن أهمية الوحدة الكردية، وقال: “أعداؤنا يراقبوننا ويرون أن تقدمنا يدخل في مصلحة جميع أفراد شعبنا ويخشون أن يتوسع هذا التقدم، طيب! لماذا لا ندرك هذا؟، احترس من أعدائك وتعلم، إذا كان أعداؤنا منزعجين من شيء ما، فاعلم أن هذا الشيء في مصلحتنا.”
ويقول في كتابه محكمة التاريخ: “المؤتمر الوطني ضروري جدا للكورد من أجل التوسط بين الأحزاب والتنظيمات الكردية، وتقريب وجهات النظر بين جميع الأطراف، وإقامة علاقات بينهم وحل المشاكل، يجب أن يمثل الشعب الكردي خارجيا وداخليا، خذ على عاتقك دورك الاستراتيجي.
وإذا كان عبدالله كوران يُصنف على أنه رائد الشعر الكوردي الحديث، فلا شكّ أن ابراهيم احمد كان رائدا للقصة الكردية الحديثة، اضافة الى أنه كان أول من كتب الرواية الفنية الحديثة، فقد كتب رواية “مخاض شعب” عام 1956 وتم طبعها فيما بعد، وقد ترجمت الى العربية والانكليزية والفارسية وحولت مؤخرا الى فيلم سينمائي عرض في المهرجانات الدولية، تلك الرواية هي بمثابة روايات عالمية وهي تعتبر إنعكاسا للحركة التحررية الكردية، كما أن قصصه القصيرة رسخت قواعد وفنون القصة لدى العديد من الكتاب والشعراء ، ومازال الكثير يرددون أشعاره التي تحولت الى اناشيد وطنية أو الى أغنيات رومانسية.
وقد أصدر مجلة كوردية وهي مجلة “كلاويز”في نهاية الثلاثينات لتستمر إلى نهاية الأربعينات، المجلة كانت نبراسا تُوزع وتَصل الى معظم مناطق العراق وكردستان وحتى الى طهران ودمشق، وكان لها دور مؤثر في نشر الثقافة وتطوير المجتمع الكردي، وكانت هي حجر الأساس في اقامة وتطوير الحركة الثقافية في كردستان وخصوصا تطوير الصحافة الكوردية ، وفي مجال الترجمة قام إبراهيم أحمد بترجمة العديد من النصوص الأدبية وخاصة الشعرية منها من اللغة الانكليزية الى اللغة الكوردية.
وقال عنه الشاعر الأبرز (شيركو بيكه س) :” باعتقادي ان الاستاذ ابراهيم احمد عدا كونه سياسياً متألقاً فأنه رائد القصة الكوردية الحديثة ومن ألمع الصحفيين في كوردستان حيث اصدر مجلة (گلاویژ) خلال الفترة من 1939-1949 من القرن الماضي، وكانت المجلة في منتهى الروعة ونحن نتذكرها لحد الآن ومازلنا نعود الى قراءة بعض اعدادها.
وقد أجمع معظم الذين رافقوه على انه كان مناضلا من طراز خاص سمات قيادية يتسم بها وأجمعوا على تواضعه وبساطة عيشه، ولم يتنصل من المسؤولية يوماً ، ولم يدعِ العصمة وإنما اثناء العمل الطويل الدؤوب كانت احتمالات الخطأ والصواب واردة.
وبعد انهيار الثورة الكوردية عام 1975 انتقل إبراهيم أحمد إلى أوروبا وأمضى معظم حياته في العاصمة البريطانية لندن، توفي في الثامن من نيسان/أبريل عام 2000 عن عمر ناهز 86 عاما.
عاش الراحل سنواته الأخيرة في لندن وكان يصدر في اوائل الثمانينات مجلة بأسم “چریكەی كوردستان” أي “صيحة كردستان”، حيث كان يُطبع ويُنظم المجلة بنفسه ويتم ذلك كله في بيته ومن ثم يرسلها الى معارفه واصدقائه بالبريد وعلى نفقته الخاصة.[1]