*موقع قنطرة الالماني
ماذا كتبت سياسيات كرديات؟ وهن معتقلات في سجون تركيا منذ عام 2016 بتهمة انتمائهن لمنظمات مسلحة. أماني الصيفي قرأت كتاب الكردية غولتان كيشاناك لموقع قنطرة مستعرضة علاقة السياسة بحقوق المرأة.
صدر عن دار نشر بلوتو بلندن كتاب بعنوان اللون الأرجواني للسياسة الكردية: سياسيات يكتبن من المعتقل. والكتاب من تحريرالصحفية والنسوية الكردية غولتان كيشاناك (Gültan Kışanak)، التي تقضي عقوبة بالسجن لمدة أربع عشر عاماً وثلاثة أشهر منذ أكتوبر / تشرين الأول 2016 على خلفية الادعاء بانتمائها لحزب العمال الكردستاني وتنظيمات مسلحة.
يتناول الكتاب إشكالية وقوع العديد من الحقوقيات والسياسيات الكرديات التركيات ضحية للصراع السياسي بين حكومة حزب العدالة والتنمية وحزب العمال الكردستاني بعد انهيار محادثات السلام في عام 2015، حين تم اعتقال الآلاف من أعضاء الحزب الكردي حزب الشعوب الديمقراطي، بمن فيهم رؤساء بلديات ونواب البرلمان حتى قادة الحزب بدعوى صلة حزب الشعوب الديمقراطي بحزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره الدولة التركية منظمة إرهابية.
بعد اعتقال السياسيات تم تعيين رجال في مناصبهن وإغلاق كل المراكز التدربية والثثقيفية التي أنشاتها السياسيات الكرديات التركيات أثناء شغر مناصبهن. في هذا المقال نستعرض العلاقة بين حقوق المرأة والسياسة في مذكرات الكرديات السياسيات المعتقلات في السجون التركية منذ عام 2016 على خلفية الادعاء بانتمائهن لمنظمات مسلحة.
المرأة الكردية والمناصب القيادية: الايمان بالاستحقاق
يستعرض الكتاب في ثلاثمائة وخمسٍ وعشرين صفحة مذكرات تروي التجارب الشخصية لاثنتين وعشرين سياسية من الكرديات التركيات، اللاتي اشتبكن مع الواقع السياسي انطلاقًا من مشاركتهن في الانتخابات المحلية والانتخابات العمومية منذ عام 1994.
يستعرض الكتاب في ثلاثمائة وخمسٍ وعشرين صفحة مذكرات تروي التجارب الشخصية لاثنتين وعشرين سياسية من الكرديات التركيات، اللاتي اشتبكن مع الواقع السياسي انطلاقًا من مشاركتهن في الانتخابات المحلية والانتخابات العمومية منذ عام 1994.
تشرح المذكرات كيف نجحت النساء المنتميات إلى خلفيات اقتصادية متواضعة ومحيط اجتماعي محافظ في الخروج من هذه المتاهة، بدءًا من تحدي خوفهن من المسؤولية ومسألة عدم كفاية الخبرة، ثم ترشحهن كنائبات للبرلمان ورئيسات للمحليات وعمدات. تروي السياسيات أيضا كيف كان عليهن أيضا تحدي ثقتهن في عدم استحقاقهن كنساء لأدوار قيادية في مجتمع رسخ في أذهانهن تقسيم الأدوار الاجتماعية منذ الصغر.
يضاف إلى تلك التحديات غياب الدعم، سواء كان ذلك الدعم ممثلا في تكوين شبكات من المعارف التي تتاح للرجال بطريقة أيسر بحكم وجودهم في أماكن الالتقاء الاجتماعى مثل المقاهي وغيرها، فضلاً عن غياب الدعم المؤسسي لوجود المرأة في المراكز القيادية، وقلة فرص تمويلهن في ظل ثقافة تفترض عمومًا فشلهن في الاحتفاظ بتلك المناصب حتى وإن تمتعن بالمهارات المطلوبة بسبب مسؤلياتهن في المنزل كأمهات وزوجات.
تروي السياسيات كيف أنهن لم يتحدين فقط الأسقف الزجاجية، ولكن كان كذلك عليهن أيضا تحدي ثقتهن في عدم استحقاقهن كنساء لأدوار قيادية في مجتمع رسخ في أذهانهن تقسيم الأدوار الاجتماعية منذ الصغر. يضاف إلى تلك التحديات غياب الدعم، سواء كان ذلك الدعم ممثلا في تكوين شبكات من المعارف التي تتاح للرجال بطريقة أيسر بحكم وجودهم في أماكن الالتقاء الاجتماعى مثل المقاهي وغيرها، فضلاً عن غياب الدعم المؤسسي لوجود المرأة في المراكز القيادية، وقلة فرص تمويلهن في ظل ثقافة تفترض عمومًا فشلهن في الاحتفاظ بتلك المناصب حتى وإن تمتعن بالمهارات المطلوبة بسبب مسؤلياتهن في المنزل كأمهات وزوجات.
تشرح المذكرات كيف نجحت النساء المنتميات إلى خلفيات اقتصادية متواضعة ومحيط اجتماعي محافظ في الخروج من هذه المتاهة، بدءًا من تحدي خوفهن من المسؤولية ومسألة عدم كفاية الخبرة، ثم ترشحهن كنائبات للبرلمان ورئيسات للمحليات وعمدات.
ونجحت كل النسوة المترشحات بأغلبية ساحقة، وفاقَ تمثيلهن ككرديات في المحليات مستوى تمثيل المرأة في كل المقاطعات. فمثلًا اُنتخبت إيفين كيف (مواليد 1987) كأول امراة تشغل منصب رئيس مشارك لبلدية جاتاك، في مقاطعة فان، في مارس / آذار 2014، بنسبة 68 في المئة من الأصوات.
أما فاطمة دوغان (مواليد 1974) (Fatma Doğan) فانتخبت رئيسة لبلدية بوزوفا في محافظة أورفة 2014 وهي مقاطعة تُعرف بثقافة قروية محافظة، وفاطمة نفسها جاءت من خلفية دينية محافظة جدًا ولم يدعمها من عائلتها سوى زوجها وعمها كما تروى في مذكراتها هل تأكلين مع الرجال . ومع ذلك نجحت فاطمة في تحقيق حلمها وحلم منطقتها.
تقول دوغان: حصلت على 12800 صوت، وهزمت مرشح حزب العدالة والتنمية ب 1100 صوت. كان الناس في بوزوفا مبتهجين للغاية لدرجة أنهم تدفقوا إلى قاعة المحكمة ورفضوا المغادرة. لقد تحقق حلمهم - تحطمت 80 سنة من الخوف.
المراكز القيادية في ظل تهميش كردي تركي: ترسيخ ثقافة نسوية من القاعدة
في مقالها (لقد حولوها إلى لبلدية نسائية) تروي زينب سيبتشيك (1985- …) كيف أعاق الصراع السياسي الكردي التركي سبل العمل على تغيير الثقافة الذكورية في المجتمع الكردي ودعم وعي مناصر لحقوق النساء. تمثل ذلك في إعاقة تنظيم الفعاليات النسائية أو مهاجمة تلك الناشطات ومنظماتهن النسوية.
تقول زينب: في كل مرة ننظم فيها فعالية، تبدأ السلطات التركية تحقيقًا على الرغم من خطاب حوار السلام المستمر . كان يطلب منا الذهاب إلى المحكمة والإدلاء ببيانات تخص الفعاليات بشكل أسبوعي. كانوا يحاولون ترهيبنا، لكنهم فشلوا. واصلنا عملنا بشكل مستمر وكما كان دائمًا. ومع ذلك، تسلط المذكرات الضوء على أهمية التكاتف بين النساء وتضامنهن في تحقيق ثقافة اجتماعية وسياسية تدعم حقوق المرأة والديمقراطية كما تصور رواية انتخاب سيباهات تونجيل (1975 - …).
تعقيدات وتشابكات خفية تعيق مسار المساهمة الفعالة في المجتمع للنساء الكرديات:
يوضح الكتاب مدى صعوبة تقدم النساء كمرشحات للبرلمان وماذا يعنى الخروج عن مسار الهيكل التقليدي الذي اتبعته الأحزاب السياسية الكردية حيث هيمنت الثقافة الذكورية التي طالما حاولت تهميشهن رغم سعي هؤلاء النسوة الناشطات إلى تفكيك النظام الذكوري داخل الحزب وخارجه. كما تكشف تلك المذكرات كذلك عن التعقيدات والتشابكات الخفية التي تعيق مسار مساهمتهن الفعالة في المجتمع كنساء وكرديات. والكتاب بذلك يكشف عن تاريخ سياسي ثري لظهور المرأة الكردية كموضوع سياسي على الرغم من محاولات إسكاتها وتهمشينها كما أنه يحاول التوثيق للتحولات الجذرية للمعايير السياسية التقليدية والهيكلية والممارسات منذ التسعينيات وحتى اليوم.
في مقالتها (من الزنزانة إلى البرلمان) From Prison to Parliament تتحدث تونجيل عن نشأتها في جو اجتماعي كردي محافظ واضطهاد وقمع سياسي للأكراد من جهة أخرى، وكيف دخلت عالم السياسة بدءًا من مشاركتها في اجتماعات نسائية وتنظيم فعاليات تثقفية حول حقول المرأة في الأحياء في إسطنبول. كانت تونجيل، كباقي السياسيات، ترى أن الدفاع عن حقوق المرأة يجب أن يكون جنبًا إلى جنب مع الدفاع عن حقوق الأكراد كأقلية ومواطنين أتراك.
تروي تونجيل كيف تم ترشحها كمرشحة مستقلة ضمن تحالف ألف أمل للانتخابات البرلمانية من زنزانتها.بعد فوزها بمقعد في إسطنبول ب 93 ألف صوت أطلق سراحها في يوليو / تموز 2007 وتم استقبالها استقبالا حافلًا أعدته لها النساء اللاتي أشرفن على الحملة الإنتخابية. حصل حزب ديمقراطية الشعب على 22 مقعدًا في البرلمان، ثمانية منها تشغلها نساء و 14 مقعدًا للرجال.
وهذا يعني أن التصورات الذكورية لتقييد المجال السياسي وحصره على الرجال ليست صحيحة بالضرورة إنما هي لإقصاء النساء من المشاركة السياسية، كما تقول أيسل توغلوك (مواليد 1965) Aysel Tuğluk. 1965). انتخبت توغلوك نائبة عن ديار بكر، ولأول مرة منذ عام 1994.
التضامن النسائي: من النساء إلى النساء
كان نجاح السياسيات ثمرة عملهن المنظم في تشكيل شبكات التعارف الواسعة من النساء خصوصًا عبر طرق متعددة حتى أنهن اعتمدن طرقا تقليدية لإيصال رسائلهن. تروي المذكرات أنهن كن يذهبن بأنفسهن للبيوت ويعرِّفن النسوة بنشاطهن لخلق جو من الثقة بين المترشحات من جانب وبين المنتخِبين والمنتخِبات من جانب آخر.
ومن ناحية أخرى فقد ركزن في تنظيم الفعاليات التي تعالج مشكلات اجتماعية وسياسية مثل العنف المنزلي، وزواج القصر، وانتشار الأمية، وتهميش الكفاءات من النساء وغياب الشفافية في المؤسسات وكذلك راعين الأوقات في عقد الندوات والجلسات التثقيفية والتدربية لتتناسب مع أوقات النسوة كأمهات وعاملات. كما فتحن أبوابهن للنساء ليأتين إلى عمدات ومستشارات المحليات ويروين مشاكلهن الاجتماعية واحتياجات مناطقهن التي لم يستطعن الإفصاح عنها للرجال من المسؤولين السابقين وَسَط ثقافة محافظة. وقامت السياسيات الكرديات بمباشرة الأعمال في بناء الطرق وحولن العديد من الأماكن المهملة إلى مراكز ثقافية لتكون ملتقى للتعارف وتبادل الآراء بين النساء حتى في القرى المهمشة التي تغلب عليها حتى اليوم الثقافة المحافظة دينياً والقبلية.
إنجازات رغم التهميش الاجتماعي والقمع السياسي
لقد تمكنَّ من الدفع باتجاه المزيد والمزيد من سياسات المساواة بين الجنسين باتباع آليات النسوية الراديكالية. فقد نجحت السياسيات الكرديات في إرساء نظام سياسي لم يكن معتمدًا في النظام المؤسسي في تركيا من قبل، وهو صفة المشاركة في رئاسة المؤسسات. فأصبح هناك مستشار مشارك، رئيس مشارك وعمدة بلدية مشارك في معظم المحليات. كانت هذه الصفة مشارك أولاً لدعم ثقافة اجتماعية تدعم المساواة بين الجنسين من جهة، وترسيخ مبدأ سياسي يدعم الديمقراطية والمشاركة في اتخاذ القرارات من جهة أخرى.
فاستتبعت المذكرات كيفية تمكنهن من تحطيم التصور النمطي لكون المرأة غير مؤهلة للعمل في المجال السياسي، فقد أثبتن كفاءتهن، بل وتفوقهن في أداء وظائفهن على أقرانهن من الرجال حين أتيحت لهن الفرص والدعم المناسب. هذا الحس المقاوم لثقافة القمع والتهميش ودعم ثرسيخ ثقافة اجتماعية وسياسية مغايرة تقوم على الوعي الذاتي للمرأة والاستعداد لكسر الصورة النمطية ومن ثم العمل على تلقي الدعم المجتمعي والمؤسسي للوصول إلى مراكز قيادية.
وختامًا يوضح الكتاب مدى صعوبة تقدم النساء كمرشحات للبرلمان وماذا يعنى الخروج عن مسار الهيكل التقليدي الذي اتبعته الأحزاب السياسية الكردية حيث هيمنت الثقافة الذكورية التي طالما حاولت تهميشهن رغم سعي هؤلاء النسوة الناشطات إلى تفكيك النظام الذكوري داخل الحزب وخارجه. كما تكشف تلك المذكرات كذلك عن التعقيدات والتشابكات الخفية التي تعيق مسار مساهمتهن الفعالة في المجتمع كنساء وكرديات.
والكتاب بذلك يكشف عن تاريخ سياسي ثري لظهور المرأة الكردية كموضوع سياسي على الرغم من محاولات إسكاتها وتهمشينها كما أنه يحاول التوثيق للتحولات الجذرية للمعايير السياسية التقليدية والهيكلية والممارسات منذ التسعينيات وحتى اليوم 2023.
*عنوان الكتاب:The Purple Color of Kurdish Politics: Women Politicians Write from Prison.[1]