* الرئيس #جلال طالباني#
*نشر المقال في صحيفة (الشرق الاوسط ) اللندنية بتاريخ 07-02 -2004
الفيدرالية الموجودة في كردستان التي يطالب شعب كردستان بتوسيعها حتى تشمل جميع مناطق كردستان (وليس جميع الكرد) وفق الاتفاق العتيد القاضي بأن الفيدرالية تشمل المناطق ذات الاكثرية، كما في قانون الحكم الذاتي الصادر عام 1974 في بغداد.
فالعراق الرسمي اقر الحكم الذاتي لمنطقة كردستان وليس للكرد على ان تشمل كردستان جميع المناطق ذات الاكثرية الكردية.
ونال هذا القرار الرسمي العراقي التأييد الشعبي، حيث ايدته الاحزاب العراقية كافة بما فيها الاحزاب المعارضة من عربية وكردستانية.
ونال التأييد العربي الذي استهله القائد العربي الخالد جمال عبد الناصر ببرقيته المشهورة التي ارسلها لرئيس الجمهورية العراقية مهنئا ومباركا ومؤيدا لبيان آذار الذي تضمن الاعتراف بالحكم الذاتي وبكون «الشعب العراقي يتألف من قوميتين رئيسيتين هما القومية العربية والقومية الكردية وباقرار حق الشعب الكردي في الحكم الذاتي».
كما نال الحكم الذاتي تأييد المؤتمر القومي لحزب البعث العربي الاشتراكي بقيادة الرئيس الخالد حافظ الأسد، وذلك رغم معارضة اليمين البعثي قبل الحركة التصحيحية. ونال كذلك مباركة ليبيا التي ينادي قائد ثورتها الاخ القائد معمر القذافي باستمرار بحق الشعب الكردستاني في كردستان مستقلة وموحدة.
ولم يتخلف حزب تقدمي عربي ومنظمة تحريرية فلسطينية من تأييد بيان آذار في حق الشعب الكردي في الحكم الذاتي. ونال التأييد الدولي ايضا حيث بارك الاتحاد السوفياتي وجميع دول اوروبا الشرقية هذا الاتفاق وحق الشعب الكردي في الحكم الذاتي. ونال كذلك تأييد الاحزاب الشيوعية والاشتراكية والعمالية وتأييد الدول الاوروبية كلها وكذلك الولايات المتحدة الامريكية. وصدر قانون الحكم الذاتي في 11 /آذار / 1974 ورغم نواقصه العديدة فقد اكد الحقائق التالية بقانون رسمي من «مجلس قيادة الثورة»:
1 وجود منطقة كردستان للحكم الذاتي، أي وجود كيان كردستاني يتمتع بالحكم الذاتي ضمن العراق الواحد. تتألف من محافظات دهوك واربيل والسليمانية. استثنيت منها مناطق كردستانية عديدة.
2 تأليف مجلس تشريعي لمنطقة كردستان وكان ذلك بمثابة مجلس نيابي يجب ان ينتخب لمنطقة كردستان.
3 ولكن الخلاف بين الشعب الكردي والحكومة البعثية ظل قائما حول حدود منطقة كردستان وصلاحيات الحكم الذاتي. وكان الخلاف الرئيسي حول كركوك وخانقين، اذ اعلن نائب الرئيس العراقي صدام حسين الاستعداد لتقسيم كركوك وفق نهر (خاصة) المار بوسط كركوك ولكن الجانب الكردي رفض هذا الاقتراح طالبا العمل باحصاء 1957 حول كركوك تنفيذا لقانون الحكومة، الذي نص على ان كردستان ذات الحكم الذاتي تتضمن جميع المناطق ذات الاغلبية الكردية، وكان الاحصاء في كركوك عام 1957 قد بين حقيقة كون الكرد اكثرية في محافظة كركوك، اذ كان عدد الكرد 187593 وعدد التركمان 83371 شخصا.
ولكن رغم الخلافات فقد تكوّن واقع جديد هو الوجود الرسمي لمنطقة الحكم الذاتي لكردستان، أي وجود كيان رسمي كردستاني ذي حكم ذاتي ضمن العراق الموحد.
هذه الحقيقة المعروفة تتعرض الآن للجهل او التجاهل من قبل البعض، وخاصة المعارضين للفيدرالية، لذلك يجب تكرار بيانها وذكرها باستمرار لعل الذكرى تنفع المؤمنين.
اذن فان المطالبة بالفيدرالية لا تبدأ من الصفر، بل من حقيقة واقعة معترف بها رسميا عراقيا وشعبيا، عراقيا وعربيا ودوليا على نطاق الحكومات والاحزاب والهيئات.
وتبلورت هذه المطالبة في قرار المجلس الوطني الكردستاني الذي اتخذه بالاجماع في وقت كانت كردستان خالية من سطوة ونفوذ ووجود الحكومة العراقية، وكانت تعيش حالة الاستقلال، استقلال الامر الواقع، مما يدل على حقيقتين هما:
1 تمسك الشعب الكردستاني بالوحدة الوطنية العراقية الحقيقية القائمة على اسس الديمقراطية والفيدرالية.
2 الاصرار على البقاء ضمن العراق الموحد وتنظيم العلاقة مع المركز على اساس الفيدرالية التي تعطي حقوق السيادة للحكومة المركزية وما عداه لمنطقة كردستان الفيدرالية. وحقوق السيادة تشمل رئاسة الدولة، القوات المسلحة، العلاقات الخارجية، المالية العامة، التجارة الخارجية، الثروات الوطنية كالنفط والغاز والعملة والبنك المركزي.
وقد مارس شعب كردستان خلال فترة تزيد على 12 عاما حقوق الفيدرالية وحقق نجاحات كبيرة في جميع مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية وغيرها. فقد اعاد بناء آلاف القرى التي هدمتها الدكتاتورية وتمت اعادتها الى الفلاحين اصحابها الشرعيين وشرعت في اعادة المدن القصبات المهدمة، وخاصة حلبجة التي تعرضت لقصف بالاسلحة الكيماوية، مما ادى الى مقتل وجرح الآلاف من سكانها المسالمين الآمنين، وبينجوين وجوارتا وقلعة دزه وضومان وكلالة وميركة سور وبله وشيروانه وغيرها من القصبات الكردية.
ونظم الادارات وقوات الشرطة والأمن العام لخلق استقرار مشهود في كردستان وتمشية امور الناس ومعاملاتهم وخدمة مصالحهم. وتم تأسيس جامعة دهوك وجامعة كويسنجق واحياء جامعة السليمانية مجددا التي الغتها الدكتاتورية انتقاما من مدينة السليمانية المناضلة، وقد تم انشاء عشرات المعاهد الفنية والتكنيكية والتعليمية في عموم كردستان العراق.
ونود تقديم بعض الارقام في المجال الصحي وتطوره خلال 12 عاما من حكم الاقليم في منطقة السليمانية:
1 كان عدد الاطباء عام 1991 أي بعد سبعين عاما من الحكم المركزي 178 طبيبا والآن العدد هو 1125 طبيبا. وبنت الحكومة المركزية خلال سبعين عاما 35 مركزا صحيا، والآن يوجد 462 مركزا صحيا ومقابل 7 مستشفيات في العهد القديم توجد 27 مستشفى ويوجد الآن 13200 مضمد وممرضة وموظف صحي وموظف اداري مقابل 3220 موظفا سابقا، وهكذا نرى الفرق الشاسع بين ما قدمته حكومة الاقليم في منطقة السليمانية خلال 12 عاما وما قدمته الحكومات العراقية خلال سبعين عاما للمنطقة.
ونجد نفس التطور في منطقتي دهوك واربيل ايضا.
ومن الناحية التعليمية فقد بنت الحكومات العراقية المتعاقبة خلال سبعين عاما في منطقة حكومة اقليم كردستان (السليمانية) 404 مدارس ابتدائية ومتوسطة وثانوية والغت جامعة السليمانية. اما الآن فتوجد في المنطقة 1980 مدرسة من روضة ابتدائية - متوسطة ثانوية اعدادية معاهد، عدد الطلبة فيها 412371 بينما كان العدد في عام 1991 (220886) طالبا وعدد المعلمين والمدرسين فيها 22486 فيما كان العدد عام 1991 (7170) معلما ومدرسا وهي اعداد تعتبر ضعف الاعداد القديمة. كما اعيد انشاء جامعة السليمانية التي تعتبر الآن باعتراف الجميع بما فيه اليونسكو والجامعات الاوروبية والامريكية الزائرة، احسن واحدث جامعة في العراق كله.
تملك الجامعة 20 كلية فروعها 64 وعدد اساتذتها 406 وعدد الطلبة فيها 7966 طالبا، لها اقسام داخلية مجانية لثلاثة آلاف طالب وطالبة، علما بأن كل طالب وطالبة يتسلم راتبا شهريا مناسبا. وتملك مئات الكومبيوترات وشبكة الإنترنت الحديثة.
وتوجد 6 معاهد تكنيكية لها 30 فرعا، عدد اساتذتها 53 وعدد طلابها 2168 واقسامها الداخلية تسع 672 طالبا وطالبة.
نلفت انظار القارئ الى ان ما ذكرناه هو احصاء عام 2002 2003 الدراسية. اما العام 2003-2004 الدراسي فهناك يقين بتقدم وتطور وزيادة في جميع المجالات.
واذا كان التعليم والصحة نموذجين للتطور والتقدم والفرق الشاسع بين العهد الدكتاتوري والرجعي العراقي وعهد الحكومة الاقليمية في كردستان، فان مثل هذا التقدم والتطور موجودان ومحسوسان في جميع مجالات التطور العمراني والطرق والمواصلات والتلفونات والجوالات والتجارة والاقتصاد الحر والازدهار الثقافي والاقتصادي والخ.
كل ذلك يبرهن ضرورة تمتع الشعب الكردي بالفيدرالية (الاتحادية) كشرط ضروري للتقدم والتطور الاجتماعي والثقافي والسياسي والعلمي والصحي ايضا. كما اعادت حكومتنا الاقليمية تشغيل المعامل القليلة الموجودة في كردستان التي حاولت السياسة الشوفينية والتمييز القومي حرمان كردستان منها، ضمن مجموع مئات المعامل توجد في كردستان اقل من عشرة معامل!
وفي كردستان المحررة ازدهرت الحياة السياسية والحزبية، حيث يتمتع الجميع بالحريات الديمقراطية وحيث ضمنت للجميع النشر والتنظيم والاعلام وحق تملك الراديو والتلفزيون وحتى الميليشيات.
ونشطت التجارة والاعمال العمرانية على اساس الاقتصاد الحر وبمساعدة تشجيعية من حكومة الاقليم. فازدهرت المشاريع الصناعية الصغيرة وحركة البناء والعمران.
واعيدت الحياة الى الريف الذي دمره صدام حسين كاملا، حيث دمرت واحرقت القرى والمزارع ونهبت ملايين الاغنام والمواشي ومنعت الزراعة. فتم بناء القسم الاكبر من القرى واعادة الحياة الزراعية اليها وتزويد الكثير منها بالكهرباء والمشاريع الاروائية والصحية وعادت الثروة الحيوانية فتجاوزت اعدادها قبل النهب الحكومي بذريعة الانفالات. وغدت مدينة السيلمانية من اجمل وانظف المدن العراقية.
كل هذه الحقائق تبرهن مضار الدكتاتورية وفوائد الديمقراطية ومنها الادارة الفيدرالية (الاتحادية).
وتحسنت حياة المواطنين وزادت الرواتب بنسبة كبيرة وتحسنت اوضاع الكسبة والعمال الذين لم يعودوا يعانون من البطالة.
وتطورت حقوق المرأة، اذ اقر بحقها المتساوي مع الرجل وفتحت المجالات امامها فأصبحت وزيرة ووكيلة وزارة ومديرة معمل وقائممقامة وحاكمة في المحاكم. وصدر قانون منع تعدد الزوجات والغي ما سمي بقانون الشرف، حيث كان يبيح قتل النساء من قبل ذويهن من دون محاكمة عادلة.
وتوسعت وتقدمت الحركة الرياضية في كردستان، حيث نشطت النوادي والفرق الرياضية التي تنال الدعم المادي من حكومة الاقليم واقيمت لها الابنية في عدة مدن.
اما النواحي السياسية والثقافية فقد تمتعت بالحريات التامة، حيث تعمل الاحزاب كافة بحرية مطلقة وحيث تشكلت المنظمات الديمقراطية التي تمارس فعالياتها بحرية تامة وصدرت الصحف والمجلات بالعشرات من دون رقابة وبحرية تامة.
وتأسست المؤسسات الثقافية كمؤسسة سردم وگەلاوێژی نوێ نوي في السليمانية ومؤسسات لالش وغيرها في اربيل ودهوك وتوسعت الحركة الأدبية والفنية والمسرحية في كردستان.
وتأسست فيها محطات تلفزيون محلية ووطنية وعالمية بجانب العديد من المحطات الاذاعية التابعة لجميع الاحزاب والمنظمات.
وباختصار اصبحت كردستان واحة للحرية والديمقراطية وازدهرت وتطورت في جميع نواحي الحياة بحيث تصلح نموذجا للعراق الديمقراطي الجديد وهذه حقيقة يقر بها الجميع وكل من يزور كردستان.
اذن فهذه التجربة الديمقراطية الرائدة - للفيدرالية الديمقراطية الكردستانية تستحق التأييد والتشجيع والتبريك من جميع الخيرين في العراق ومن جميع محبي الحرية والديمقراطية في العراق والمنطقة.
ولكن هناك بعض الجهلة والمتجاهلين لحقائق الحياة والمتأثرين بالأفكار الشوفينية المعادية للشعب الكردي يريدون هدم هذه التجربة الديمقراطية بدل تعميمها في العراق وانضاجها وتطويرها اكثر فأكثر.
وهم دعاة معاداة الفيدرالية في العراق كله ناهيك عن كردستان، وهم بذلك ينطحون برؤوسهم صخور جبال كردستان ويعارضون التطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ويعملون على نشر العداوة والبغضاء بين الكرد والعرب، خصوصا بين الكرد والعرب المعادين لحقوقهم في الديمقراطية والفيدرالية.
وهم يريدون عبثا اعادة عجلة التاريخ الى الوراء وفرض الظلام على المجتمع المنور بنور الحرية والديمقراطية الفيدرالية. انهم يريدون غصب مكاسب شعب كردستان وسلبه حقوقه المكتسبة وهدم ما بناه من تقدم وحضارة ومجتمع مدني حديث. وبئس ما يطمحون ومحال ما يأملون.
مؤتمر المعارضة العراقية في لندن
ونريد ان نوثق مقالتنا بنص القرار الذي اصدره مؤتمر المعارضة العراقية في لندن بالاجماع وبتأييد في ما بعد من الحكومتين الامريكية والبريطانية والاشتراكية الدولية:
*عاشرا الفيدرالية وحل القضية الكردية :
«عند دراسة القضية الكردية وسبل الحل المنشود لها اكد المؤتمر حقيقة التنوع والتعدد في تركيبة المجتمع العراقي القومية والمذهبية والسياسية، واجمع على اهمية تعزيز وترسيخ الوحدة الوطنية الطوعية بتحقيق المساواة التامة بين جميع المواطنين، آخذين بنظر الاعتبار ما أقره مؤتمر صلاح الدين والاجتماعات الاخرى للمعارضة العراقية والخطاب السياسي للقاء قيادة المعارضة في واشنطن في آب 2002، وتبنى المجلس الوطني لكردستان العراق مشروعا فيدراليا متكاملا في جلسته المنعقدة بتاريخ 7-11- 1992، عبر المؤتمر عن احترامه لشعب كردستان وارادته الحرة في اختيار الصيغة المناسبة للشراكة مع ابناء الوطن الواحد. وتوقف المؤتمر عند تجارب النظام الفيدرالي واعتبره يمثل صيغة مناسبة لحكم العراق ينبغي الاستناد اليها كأساس لحل المشكلة الكردية في اطار المؤسسات الدستورية العراقية بعد القضاء على نظام صدام الدكتاتوري واحداث التغيير المنشود.
وفي هذا الصدد اكد المؤتمر حرصه على وحدة العراق والتعايش بين قومياته على اساس الاتحاد الاختياري. وشدد الاجتماع على تلبية المطامح المشروعة والعادلة لشعب كردستان وتصفية جميع مظاهر الاضطهاد والقمع على اساس المبدأ القانوني الدولي الذي يقر حقه في تقرير المصير وتأكيد روح الاخوة والاتحاد والشراكة في الوطن».
وختاما نقول ان الفيدرالية شوهت وحرمت من قبل العنصريين عمدا. فالفيدرالية تعني الاتحادية المانيا الفيدرالية تترجم الى المانيا الاتحادية. والفيدرالية بهذا المعنى هو اتحاد لا تقسيم، ولكنه اتحاد اختياري طوعي، اتحاد ديمقراطي يحترم ارادة الناس وحقهم في حكم مناطقهم المتميزة بخصوصيتها. والفيدرالية تاريخيا جاءت لتوحيد الاقاليم التابعة لأمة واحدة كألمانيا او لتوحيد اقاليم تسكنها قوميات متمايزة كما في كندا وسويسرا، او لتوحيد اقاليم ذات خصوصيات معينة، كما في الهند وباكستان واستراليا. اذن فالفيدرالية توحيدية وليست تقسيمية.
والفيدرالية ممارسة ديمقراطية لاشراك الناس جميعا في حكم بلادهم، وكذلك لاعطائهم حرية اختيار حكامهم وادارة مناطقهم الخاصة. والفيدرالية هي توزيع للصلاحيات بين المركز والاقاليم وهي بذلك تنهي المركزية المفرطة التي تجمع الصلاحيات كلها في يد المركز بما يشبه الدكتاتورية والاحتكار والانحصار للسلطات وحقوق الادارة وغيرها.
واخيرا الفيدرالية هي الممارسة العصرية والحضارية لحكم الدولة الواحدة ذات الاقاليم المتمايزة او القوميات المتنوعة، وبالتالي فإن الشوفينيين يتجاهلون هذه الحقائق الواضحة ليجعلوا من الفيدرالية (الاتحادية) بعبعا مخيفا للناس السذج والبسطاء ولخداعهم وتسميم اذهانهم فقط.
*الامين العام للاتحاد الوطني الكوردستاني.[1]