جاء في الجزء السادس من مشاركته في برنامج (پەنجەمۆر = بصمة) من شبكة رووداو الإعلامية، والذي يقدمه كاوه أمين، حيث أدلى بشهادته حول مجموعة أحداث مهمة، مثل تسفير الكورد الفيليين وأنفال البارزانيين.
حول تسفير الكورد الفيليين، أشار إلى أنهم استهدفوا لكونهم من الكورد والشيعة، لكنهم سفروا لكونهم من التبعية الإيرانية بالدرجة الأولى.
فيما يلى نص الحوار:
رووداو: أشرت في حلقات سابقة عدة مرات إلى شخص هو الملازم محسن. لأهالي السليمانية ذكريات مُرّة مع هذا الاسم. من كان؟ وكيف يمكن أن يحظى بكل تلك الصلاحيات وهو برتبة ملازم؟ هل كنت تعرفه عن قرب؟
#صباح الحمداني# : نعم. التقيته عدة مرات بصفته آمر مدرسة تدريب في الامن العامة، حيث تم تعيينه عندما انسحب لاحقاً من السليمانية، آمراً لمدرسة تدريب الشرطة، شرطة الأمن الجدد، وكان يدربهم عند التحقاهم، كما يدرّب الطوارئ في نفس الوقت، ويشرف على تدريب أجهزة أو سرايا الطوارئ. التقيت به عدة مرات، لكن سمعت عنه عدة مرات ايضاً من خلال تقاريرنا الأمنية. أول ما سمعته عنه هو تبرعه ببيت للجهد الحربي أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وكان الضابط الوحيد الذي يتبرع ببيت للجهد الحربي. كان نفاقاً قوياً جداً، بحيث أصبح من المقربين، وفي نفس الوقت كان شديداً في تنفيذ واجباته في السليمانية ويقوم بأعمال الإرهاب وترهيب الناس، وفعلاً اكتسب سمعة لتخويف الجميع. كان شخصياً يستقل سيارة البيك آب وفيها الرشاش الثقيل، ويرمي عندما يشعر بوجود أي خطر يرمي، دون أن يدرك ما يرمي عليه، وما إذا كان قتل أحداً أم لا؟ كان يهدم الدور والحيطان التي عليها شعارات ضد صدام حسين، كان عبارة عن آلة ترهيب لأهالي السليمانية ومشهوراً لدينا ونتحدث عنه جميعاً. الرجل من أهالي الجنوب أصلاً..
رووداو: لكن كان يشاع أنه فلسطيني..
صباح الحمداني: في البداية انتسب للحركات الفلسطينية، وتحديداً منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تابعة للمخابرات العراقية، انتسب لها وذهب للقتال كمقاتل فلسطيني. كثير من العراقيين قاتلوا في صفوف الفلسطينيين. كان لدي صديق هو عماد عوني، التحق بالفلسطينيين وقتل هناك. كان إنساناً رائعاً وقتل في فلسطين. هناك أشخاص ذهبوا للقتال من أجل فلسطين، وهذا الرجل (الملازم محسن) ذهب للقتال من أجل المخابرات. كانوا قاب قوسين أو أدنى من أن يخطفوا مام جلال، وتحدثنا عن ذلك في حلقة سابقة. اعتقل واطلق سراحه في 1978 بالاتفاق بين العراق وسوريا، وبعد عودته منح رتبة ملازم مؤقت، والتحق بجهاز الأمن ونسب إلى السليمانية. لاحقاً حصل على مرسوم جمهوري وبات يحمل رتبة ملازم رسمياً.
رووداو: من أي قومية كان؟
صباح الحمداني: قوميته عربية، وكان من أهالي الجنوب ووالدته كوردية شيعية، أعتقد فيلية. سكن لاحقاً في بغداد. لقد مرّ بمراحل خطيرة كثيرة في حياته وبرز في مجال عمله. سمعت لاحقاً أنه قام بعرض عسكري للأمن في التسعينيات، وتمكن من أن يلفت انتباه قصي صدام الذي كان حاضراً في العرض والذي وسأل مدير الأمن سبعاوي: من أين هذا الرجل؟ هل هو من تكريت أم الموصل؟ أي هل هو من جماعتنا. قال له: كلا. فرّد عليه: احذروا منه. لم يكونوا بسمحوا لشخص مثله أن يقدم هذا العرض القوي، وهو فعلاً كان يمتلك إمكانيات عسكرية هائلة. لم يتزوج وكان المعروف عنه بأنه مبتلى بالشذوذ، واتهموه بقضية مع شخص وطُرد من الجهاز، أي حطموه تحطيماً تاماً، وهذا آخر ما سمعته عن محسن. هرب بعد 2003، كما سمعت، وذهب إلى اليمن. لا أعرف إن كان شارك في القتال أم لم يشارك. لم يتزوج ولم يرزق بأولاد ولا صلة له بالحياة العامة.
رووداو: هل لا يزال حياً على حد علمك؟
صباح الحمداني: الله أعلم..
رووداو: ألا تعرف؟
صباح الحمداني: يقال إنه حي.
رووداو: من يقول ذلك؟
صباح الحمداني: سمعت أحد الاخوة الكورد يتحدث في أحد البرامج ويقول إن الملازم محسن يتصل به. هل يصدق أم لا الله أعلم.
رووداو: خلال حوارنا في البرنامج مع دارا الحاج إبراهيم تحدث معه بعد البرنامج. قال إنه في إحدى الدول الأوروبية. هل هناك تواصل بينكما؟
صباح الحمداني: حتى لو عرفته لا أتصل به. الابتعاد عنه أفضل، لأنه شخص سيء، ومعرف بأنه سيء، ولا يشرفني أن التقي به ولا أن اسمع صوته، حقيقة. لكن أين هو الآن، لا أعرف. قد يكون طلب اللجوء، وكما تعرف فإن دول أوروبا تمنح اللجوء لأي كان. كل ما يحتاجه هو اثبات أنه معرّض للقتل في مكان ما.
رووداو: هل بإمكان شخص مثل الملازم محسن أن يحصل على اللجوء بسهولة في أوروبا؟
صباح الحمداني: طبعاً.
رووداو: هل يوجد آخرون؟
#صباح الحمداني# : كثيرون بطبيعة الحال، لكن لا أعرف اسماء محددة. أكثر الضباط لم يصلوا إلى أوروبا خوفاً، قد تراهم الآن في كوردستان أو تركيا أو الأردن أو اليمن. أنا أعتب عليهم فقط. سعيد لكونهم يعيشون في كنف كوردستان، لكن غير سعيد عندما أراهم يؤيدون النظام السابق، رغم علّاته وجرائمه والحال الذي أوصلنا اليه، ولازالوا يركضون خلف صدام حسين. على الأقل، وحباً بالناس الذين خذلوهم يوماً وحاربوهم، أي الكورد، الذين يعيشون في كنفهم في الوقت الحاضر ، عليهم أن يظهروا على الشاشة، كما أنا وغيري ليتكلموا ويقولوا الحقيقة، لتعرفها الناس.
رووداو: هل هناك أشخاص يعيشون في إقليم كوردستان في الوقت الحاضر لكن قلوبهم مع حزب البعض؟
صباح الحمداني: بالتأكيد. كثيراً ما اقرأ هذه الأمور.
رووداو: هل بإمكانك أن تزودنا بأسماء؟ هل يمكن لك أن تسميهم. مثلاً، شخص تعرفه وقد تورط في جرائم حزب البعث ويعيش الآن في إقليم كوردستان، وكما تقول، لا يظهر على الشاشة لقول الحقيقة؟
صباح الحمداني: أعتقد بأنكم تعرفونهم أفضل منّي. لاشك في هذا، لان هناك أجهزة أمنية ومخابرات لا بأس بها يعرفون الكثير. لكن هل هؤلاء الأشخاص صادقون أم لا؟ شخصياً أتمنى ان يكونوا صادقين، لكن أتمنى أيضاً أن يكشفوا الحقيقة. ربما يكشف كل شيء لجهاز أمني في كوردستان لكننا لا نكتفي بذلك، بل نريد أن نعرّي ذلك النظام وإعطاء الحق للكوردي الذي كان يرفع سلاحه، لا أن يقال بأن الكورد اعتدوا وقتلوا الضباط. أنا من الضباط الذين هربوا إلى السليمانية وأنقذ أحد الاخوة الكورد حياتي.
رووداو: سنتحدث عن ذلك أيضاً، لكن هل تعتقد أن حكومة إقليم كوردستان قصّرت عندما تغاضت عنهم ولم تحقق معهم؟ هل كان يجب التحقيق معهم وتوثيق الجرائم التي ارتكبت؟
صباح الحمداني: أنا سعيد مرة أخرى لأنهم لم يحاسبوا، وحزين في نفس الوقت لأنهم لم يكشفوا الحقيقة. عليهم أن يتكلموا كما أتكلم. هل قاموا بذلك؟ كلا، لأنني لم أجد هذا لحد الآن. أعرف أسماء لكني لا أريد أن أدخل في هذه المتاهة، ولا أريد أن أعطي اسماء معينة. الحكومة في كوردستان فعلت خيراً عندما صفحت، لكن عليها أن تعرف الحقيقة منهم، ليس بالقوة إنما بالإنسانية. يكفي. لقد شاركت يوماً في قتلنا، ونريد أن نسمع الحقيقة منك على الأقل. على سبيل المثال، الأحداث التي شهدتها جنوب أفريقيا. لقد توصلوا إلى مصالحة كبيرة، مقابل أن يتكلم الأشخاص بالحقيقة. تكلم بالحقيقة وأنت حر ولن تواجه مساءلة. هل يجرؤون أن يتحدثوا. مدراء أمن كبار موجودين هنا، قسم منهم قد يكذّبونني وقسم آخر يحاربونني بشكل أو بآخر، ويوصلون معلومات عني بأي طريقة، حتى أنهم اتهموني في عرضي كي الزم الصمت، ولم أفعل. قررت أن أتكلم ليس من أجل مقابل.. لله وحسب.
رووداو: برأيك، هل يقيم أي من أقارب صدام حسين والمقربين منهم في إقليم كوردستان؟
صباح الحمداني: بالتأكيد. أنتم تعرفون أفضل منّي. معلوماتي كانت مؤكدة بأن عزت الدوري كان لديكم لحين وفاته، وهو مدفون لديكم حالياً. لا أعتبر ذلك أمراً غريباً، على العكس جيد. لكن، كنت أود أن أسمعهم يتبرؤون من أفعال صدام، وعندمتا يقومون بذلك، نقول إن المسامحة والمصافحة ضرورية.
رووداو: لننتقل إلى موضوع آخر، وهو تهجير الكورد الفيليين، الذي بدأ في أواخر السبعينيات. هل تعرف أياً من الأسرار المترتبطة بذلك القرار؟
صباح الحمداني: التسفير لم يكن ضد الفيليين فقط، لكنهم كانوا مكروهين لسببين. لأنهم كورد، ولدينا مثل في الموصل لا أعرف إن كان متداولاً لديكم وهو (مكروهه وجابت ابنيه) فيتضاعف الكره. هم كورد وشيعة وبالتالي يكون تسفيرهم أمراً محموداً عند من لديه نية القيام بالتسفير، ولهذا حصلوا على خصوصية في عملية التسفير، لكنهم سفّروا على أساس أنهم إيرانيون فقط بالدرجة الأولى. لكن أين كمن الخطر؟ في الوجبات الأولى التي سفّرت، حيث قسم من أبنائهم عاد ليقاتلنا في الحرب العراقية – الإيرانية والقي القبض عليهم، وفي التحقيق ظهر بأنهم من أصول عراقية ومن المسفرين، وباتوا جنوداً وجاؤوا يقاتلوننا، وبالتالي أمر صدام حسين بعدم تسفير وقتل أي شخص في عمر يسمح له بالقتال. هذه جزئية خطيرة جداً من أوامر القتل والدفن. القبور الجماعية بدأت بالظهور بعد 1980، أي بعد أن بدأت الحرب، وتعلمنا على المقابر الجماعية، وهؤلاء شملوا بها، الأصول الإيرانية، سواء الفيليين أو غيرهم، حتى لو كانت أصولهم عربية دون أن يكونوا قادرين على اثباتها، أحيلوا على القتل والدفن، وأنتهى أمر كل هؤلاء الشباب إلى متاهات المقابر الجماعية.
رووداو: هل توجد إحصائيات وأرقام عن الشباب الفيليين الذين قتلوا؟ كم كان عددهم؟ واين تم اخفاؤهم؟
صباح الحمداني: موضوع الدفن، أين، مسألة كبيرة جداً. نتحدث عن صحاري العراق. غرب العراق من الموصل وصولاً إلى صفوان. هذه مناطق صحراوية ومناسبة للمقابر الجماعية، ايضاً هناك في كركوك، وربما حتى في أربيل، في مناطق السلاسل الجبلية التي من الممكن أن تستخدم في المقابر الجماعية.
رووداو: ما عن عددهم؟ هل تتوفر أرقام عن عدد أولئك الشباب حتى لو كانت تقديرية وطريقة قتلهم؟ هل تم دفنهم وهم أحياء أم في مقابر جماعية؟ ما الذي تعرفه بهذا الشأن؟
صباح الحمداني: لا يوجد إحصاء في الحقيقة، لكن كم عددهم؟ لو خصصوا دوائر في الحكومة العراقية التي لا تريد أن تنفق على هذه الأمور المهمة، وإنما تنفق على النهب والسرقات، لو أنهم عينوا مختصين يتابعون هذه المسألة، لتوصلوا إلى الأعداد، وعرفوا كل من انتهى حقيقة، حيث هناك أيضاً كذب ومبالغات. أما عملية القتل والدفن، فقد تحدثنا عنها، وسنتحدث عنها عندما نأتي إلى المقابر الجماعية أو الفردية التي شملوا بها. يقتل ويدفن. أما الأطفال، كما شهد أحد الاخوة يرمون مع أهاليهم الذين يقتلن ويدفنون أحياء.
رووداو: صحيح أن صدام كان يتخذ القرار، لكن هناك أناس قاموا بتنفيذها؟
صباح الحمداني: كما قلت، هذا المظلوم كان له الأولوية في القتل لكونه كوردي وشيعي أيضاً، وأولوية في التسفير، وقد تكالب عليه هذان الجانبان وانتهى، ومن البديهي أن يكونوا هدفاً سهلاً للتخلص منهم.
رووداو: من جانب آخر، تشير الوثائق إلى أن الكورد الفيليين كانوا أصحاب رؤس أموال وتجاراً كبار وكان قسم من تجارة بغداد تحت أيديهم. ألم تكن مسألة التبعية الإيرانية ذريعة لاخراجهم من تلك التجارة والاستيلاء على أملاكهم وثرواتهم؟
صباح الحمداني: ممكن جداً. هذا أمر وارد. بإمكاننا أن نضيف عاملاً ثالثاً لاستهدافهم. التهجير أو التسفير بقصد نهب الأموال. لأنه جرى فعلاً. في البداية كانوا يسمحون لهم حتى بأخذ قسم من أموالهم، لكن تم تجريدهم لاحقاً من كل شيء. من الذهب والأموال التي كانت معهم، وبات الهدف الاستحواذ على أموالهم أيضاً، وكلما زادت أموالهم، وهو يواجه اتهامين لكونه كوردياً وشيعياً وإذا به يكون مرشحاً للتسفير.
رووداو: بعد الفيليين، جاء دور الإبادة الجماعية للبارزانيين عام 1983 عندما كان برزان التكريتي مديراً للامن العامة، تم تطويق مجمعات البارزانيين في منطقة أربيل، وتم تغيب الآلاف من شبابهم. ماذا تعرف عن ذلك؟
صباح الحمداني: لدي معلومات ووثائق إذا أمكن أقرأ منها حتى تعرضوها..
رووداو: من أين صدرت هذه الوثائق؟
صباح الحمداني: هذه عثر عليها بعد عام السقوط في 2003، وقسم عثر عليها في 1991، وهذه من الممكن أن يتحدث المرء بشأنها لأنها واضحة جداً، وكنا نسمع بشأنها ونعرف بأن مقابر حفرت في قوشتبة وتلك المناطق، لكن هذا الوضوح في هذه الكتب والمستمسكات، يعطيك حقيقة ما جرى للبارزانيين وأعدادهم وفق الفكرة أو وفق الرواية الحكومية. فإذا أردتم أن نتكلم بشأنها من الممكن أن نقرأ منها.
رووداو: يسعدنا إن كانت أدلة موثقة..
صباح الحمداني: نعم، هي دلائل رسمية وكتب موثوقة صادرة من قبل مدير الأمن العام تتحدث عن عشيرة البارزانيين عام 1983. كما نعلم، بدأت المقابر الجماعية، واختمرت الفكرة لدى صدام حسين، وبلغ بها الدكتور فاضل البراك في حينه، وبدات عملية قتل الناس في المقابر الجماعية. ماذا حصد البارزانيون من هذه التعليمات والقرارات وكيف تعاملوا معهم؟ بدأت في النجف والمحافظات الجنوبية ضد حزب الدعوة، أو من يتهمون بأنهم ضد الحزب والثورة. انتقلت إلى مناطق كوردستان، إلى البارزانيين. كنا في حينه، عبر التقارير الشهرية، نسمع عن اعتقالات البارزانيين وضرورة القضاء على البارزانيين سليلي الخيانة، كانوا يسمونهم في سليلي الخيانة، يعني اباً عن جد هم خونة، فيجب التخلص منهم. وبالتالي كنا نعرف أنه تم القضاء على عدد منهم حسب السياق. لم تحدد في حينه الأرقام. لكن، بعد سقوط المحافظات سواء في 1991 أو في 2003، خرجت الكثير من هذه الحقائق ونشرت عبر الإنترنت. وعندما نقرن هذه الحقائق مع ما كنا نعيشه في جهاز الأمن نعرف حقيقة هذه المصادر أو حقيقة هذه المستمسكات. والآن سنقرأ لكم من هذه المصادر، كم عدد البارزانيين الذين قتوا، وكيف قتلوا، واين قتلوا،وفقاً لمستمسكات مدير الأمن العام وما كتبه شخصياً، وستعرضونها بالتأكيد على البرنامج.
وثيقة أولى تقول: بايعاز من السيد مدير الأمن العام الأسبق (يشير إلى الدكتور فاضل البراك والذي يتحدث عبد الرحمن الدوري)، قوة من منتسبي مديرية مقر الأمن العامة ومديري أمن بغداد تولت استلام المقبوض عليهم في المجمعات أعلاه وأمثالهم المحجوزين في سجن أبو غريب، حيث بلغ مجموع الذين استلمتهم هذه القوة 2225 شخصاً. بعد استلام البارزانيين قامت تلك القوة بنقلهم (هنا يخاطب رئاسة الجمهورية لأن مدير الأمن العام مرتبط بها) إلى منطقة بصية بمحافظة المثنى ليتم اعدامهم (مدير الأمن العام يتحدث بهذا) من قبل فريق عمل قام بتنفيذ حكم الشعب بحق المذكورين.
ظهر صدام حسين في لقاء مع مجموعة من الكورد الموالين وقال يبدو أن أبناء مصطفى البارزاني أوغلوا في الخيانه إلى حد عدم القدرة على التراجع ونقلوا هذه الخيانة إلى بعض أوسع من هذه العائلة المباشرة، حتى ارتكبوا هذه الجريمة في أن يكونوا عوناً لجيش الفرس وأدلائهم لاحتلال أرض العراق.
نختصر لأنه كلام لاقناع الآخرين. هذه الوثائق منسوخة من الأمن العامة، متوفرة، وتتحدث عن الموضوع. هي أربع أو خمس وثائق، يخاطب فيها عبد الرحمن الدوري رئاسة الجمهورية ويحدد كيف قامت المفارز الأمنية التي جاءت من الأمن العام وكيف طوقت المجمعات التي يسكنها البارزانيين، وكيف كانوا يتعاملون مع الأشخاص من 18 إلى 45 عاماً ومع الآخرين، وكيف تم حجزهم واحالتهم إلى المحاكم، وحتى هناك قرارات من مجلس قيادة الثورة بإعدامهم وكلهم عندما تقرأ اسماءهم، والتي ساعطيكم نسخة منها، بارزانيون.
رووداو: اعتقد بأن صدام يقر بذلك في نفس اللقاء المتلفز ويقول لقد قتلناهم..
صباح الحمداني: هناك وثيقة رسمية ابعثها لكم ورد فيها هذا الأمر، يقول لا تتكلموا عن هؤلاء لأنهم ليسوا بمشكلة الآن، اليوم نريد أن نتكلم عن حلول، بمعنى اتركوا هؤلاء.
رووداو: هذا يعني أنه كان هناك تخطيط مسبق لذلك، للاستمرار بالقتل والمقابر الجماعية، لأنه يقول ذلك صراحة..
صباح الحمداني: نعم. فكرة المقابر الجماعية بدأت في الأمن مع بداية الحرب العراقية – الإيرانية. بدأت الحرب، واندفع جيش صدام 70 كيلومتراً داخل إيران. انتشا صدام وأصابه الغرور. لقد دخل إيران وهي آيلة للسقوط، قد يسقطها ويقيم دولة عربستان. الكثير من الأمور باتت تدور في ذهنه. تصور بأن الخميني سيسقط قريباً، فصدرت تعليمات أمنية تؤكد ضرورة استغلال هذا الانتصار العظيم لجيش قادسية صدام، ويجب على الأجهزة الأمنية، الأمن والمخابرات، أن تلقي القبض على كل من تعرف بأنه يحمل أفكاراً معادية للحزب والثورة، حيث كان يقال لدينا في الأمن معاد للحزب والثورة، أي معاد لصدام حسين، الحزب والثورة يعني صدام حسين، وكان على الأجهزة الأمنية أن تعثر على هؤلاء، تقوم باختيارهم وحصرهم في أماكن معينة، وتبدأ بعمل مقابر جماعية تقتلهم فيها بدون محاكمات، وهذه الفكرة بدأت مع انتصارات صدام في الشهر الأول من المعارك، وانتقلت إلى كوردستان عندما بدأوا بقتل البارزانيين عام 1983. بدأت في الثمانين واستمرت في النجف وفي المحافظات المعنية الأخرى التي فيها أحزاب مثل الدعوة..
رووداو: هذا يعني أنهم بدأوا بالبارزانيين في كوردستان؟ أم بالفيليين؟
صباح الحمداني: لم أعط خصوصية للفيليين لأنهم جزء من عوائل التسفير الإيرانيين، وبالتالي كانوا مع جماعة التبعية الإيرانية، لكن الكورد عراقيون 100% فيما الفيليون لا يملكون شهادات جنسية عراقية بالاساس، وبالتالي اعتبرناهم من التسفيرات، أي كنا نتبع الفكرة الأمنية.
رووداو: لكن من العبث أن يعد أناس سكنوا بلداً مئات السنين غرباء، ويتم تبليغهم ذات يوم وبصورة مفاجئة بأن عليهم الرحيل عن البلد. الأمر كذلك بالنسبة للفيليين. هل يعقل أن تعيش في مدينة ل 400 عام ويطالبونك بالرحيل عنها؟
صباح الحمداني: اتفق معك 100% لكن أتكلم بعقلية أمنية في ذلك الوقت وماذا كان يجري. أنا حصلت على الجنسية الهولندية في 5 سنوات وبت أملك حقوقاً كأي مواطن هولندي 100% وليس 99%. لماذا تمنحك هولندا الجنسية في 5 سنوات ولا ترحلك أو تسفرك؟ لأننا لا نملك إنسانية.
رووداو: هل صدرت خطة القتل الجماعي للبارزانيين بقرار من صدام نفسه أم أن شخصاً آخر مثل برزان التكريتي هو الذي وضع الخطة؟ من قام بوضع الخطة؟ أنت تربط كل شيء بصدام.
صباح الحمداني: القرار قرار صدام. موضوع البارزانيين ليس له علاقة ببرزان وإنما فاضل البراك الذي دافعت عنه قليلاً. هو مجرم، لا نقاش في ذلك، لكنني أعرف شخصيته. وجدت أن شخصيته لم تكن دموية جداً، ولا يحب القتل والدفن وهكذا أمور، لكن تلقى أوامر. انتهى. عليك أن تنفذ خطة المقابر الجماعية وتخلّصنا من الأعداء، وإذا توانى يعدم. قد يقتل، وقتل في نهاية الأمر. كان متردداً كثيراً ويحاول استنفاد طاقات الأحزاب المعادية في كسبهم لصالحنا، وهذا ما كان يريده في السنين الأولى، من 1977 -1980، لكن في الثمانين تغيرت نظرة صدام. لقد انتصر، إذا يجب أن يقتل كل الأعداء ويقوم بتصفية البلد. وهكذا بدء الأمر وكان على فاضل البراك التنفيذ، ومن اتخذ القرار بشأن البارزانيين هو صدام حسين والذي نفذ هو فاضل البراك والأجهزة الأمنية.
رووداو: قوات الحرس الجمهوري شارك أيضاً في عملية جميع واعتقال البارزانيين، وهذا يدل على أن صدام حسين هو الذي اتخذ القرار.
صباح الحمداني: لا نقاش في ذلك. أويد ذلك. الحرس الجمهوري يساعد لكنه لا ينفذ، ويسلّم للأجهزة الأمنية والتي يكون التنفيذ من قبلها، لأنها باتت متخصصة في عمليات القتل والتصفيات ومقابر جماعية وفردية.
رووداو: لكن يوجد هنا ما يثير الاستغراب. الإبادة الجماعية للبارزانيين استهدفت الذكور فقط، لكن النساء استهدفن النساء والأطفال والشيوخ والشباب جميعاً. كيف تقرأون ذلك؟
صباح الحمداني: التعليق بسبط وأنا ذكرته وسنذكره بتفصيل أكثر. الموضوع هو، قتلوا نساءنا وأطفالنا اقتلوا نساءهم وأطفالهم. مسلح يقتل 100 شخص من أطفال ونساء ويقوم بذبحهم في قرية في التون كوبري أو في كفري، فيما أنت دولة وتمتلك كل مقومات الحكم تصدر قرارات باعدام آلاف مؤلفة من الأطفال هم أطفالك ونساؤك ونساء دولتك في الحقيقة. إذا، كيف تمارس عملاً يمارسه شخص تسميه أنت بالمخرب؟ إذاً، اصبحت أنت أكثر إجراماً وأكثر دموية وتخريباً من هذا المخرب. أنت شجعته على التخريب. من صنع المخربين في العراق؟ صدام، عندما أربكنا في الحروب وسرق أموال البلد وحرقها في الحروب وبناء القصور وملذاته الشخصية، ومنعنا من أن نعيش حياتنا.
رووداو: لكننا لم نحصل على إجابة. لماذا في حالة البارزانيين تم اعتقال الذكور، لكنهم لم يكفوا أيديهم عن أحد في الأنفال؟ ما هي الرسالة التي تضمنها الاختلاف؟
صباح الحمداني: في بداية، حتى في الجانب الشيعي ولا نتكلم عن الكورد فقط، لأنها بدأت بالشيعة، استهدفت هذه التعليمات الأشخاص المعادين للحزب والثورة من الشيعة، لم يقتلوا العوائل. قتلوا الرجال فقط. أما العوائل فقد قتل قسم منها، وهناك عوائل قتلت في محافظات شيعية لكن باعداد قليلة جداً. لكن عندما تعلق الأمر بالبارزانيين، قرروا قتل الشباب من سن معين إلى سن معين حتى يفقدوهم إمكانية قتال الدولة مستقبلاً. هذه هي الفكرة، لكن المسألة تطورت عند صدام حسن لاحقاً، واصبح لا يرى العراقيين كبشر، يراهم كجرذان، ليست هناك مشكلة إذا قتل 100 ألف منهم من مجموع 30 مليوناً. كانت هذه فكرة صدام.
رووداو: من الأمور التي لا تزال غامضة، عدد الضحايا. الوثيقة التي بين يديك تشير مثلاً، إلى أن عدد البارزانيين كان 2225 شخصاً، بينما الإحصائيات المتوفرة في كوردستان تشير إلى تغييب نحو 8 آلاف بارزاني. ما سبب الاختلاف بين هذه الأرقام؟
صباح الحمداني: أحسنت. الأمر واضح لدي. ال 2225 أحيلوا لاحقاً إلى محكمة الثورة، وهم في قبورهم ومقابرهم الجماعية، وصدرت بحقهم احكام إعدام رسمية كي يمنحوا شهادات وفاة وتختفي مشاكلهم القانونية والشرعية كما حدث للشيعة ايضاً في الجنوب. هناك أشخاص لم يصلوا إلى المحاكم، قتلوا قبل أن يصلوا أو سقطت أسماؤهم من القوائم. هذا هو الفارق، ربما إذا جمعت الرقمين ستصل إلى النتيجة ذاتها. حتى في عمليات الأنفال أيضاً هناك ألوف لم يذكروا، أيضاً سقطوا واعدموا في المقابر الجماعية.
رووداو: كان هناك عدد من الشخصيات البارزة من البارزانيين يقيمون في بغداد، بينهم لقمان وصابر بارزاني. ما سبب قتلهما؟ هل لديك معلومات عنهما؟
صباح الحمداني: حقيقة ذكرت لكم قصة ابن المرحوم مصطفى البارزاني، عبيد الله..
رووداو: أخبرتنا عن ذلك، لكننا نريد اطلاع المشاهدين عليها أيضا..
صباح الحمداني: عبيد الله بارزاني انشق، وقرر الالتحاق بالدولة واختارها. ذهب للعيش في بغداد ومنح وظيفة مناسبة. أتذكر أن بيته كان بجوار الأمن العامة، لحمايته أولاً، ثم كان قصراً من القصور المصادرة، عندما اشترته الأمن العامة عندما كان مقرها مقابل القصر الأبيض. هذا ما أذكره بشأن عبيد الله. لكن، حتى الأخوة الضباط، قال لي أحدهم بشكل مباشر إنه دخل في الثمانين إلى الشعبة الثالثة، فتح الباب ورأى عبيد الله بارزاني جالساً ويرتدي بدلة رسمية. كان معتقلاً. كان بيته بجوار الأمن العامة، لكنهم أتوا به إلى الدائرة بعدما تلقوا أوامر باعتقاله. قال لي (ضابط الأمن) إنه استغرب لأنه كان يعمل في الشعبة الثالثة وعلى معرفة شخصية به (عبيد الله)، وسمع بعد يومين بقرار اقالته من وظيفته. في نفس الوقت، أُرسل مدير الشعبة الثالثة إلى بيت عبيد الله، وكان اخيه موجوداً هناك، اعتقد صابر، كما فهمت، وابلغه بأن السيد الرئيس أو السيد النائب، يرسل لكم تحياته ويقول لكم إن عبيد الله كلّف بمهمة وسيتأخر عن العودة، لكن المساعدات لكم ستستمر. بعد يومين صدر قرار باقالته واختفى. كان ذلك في شهر أيلول، لاحظ ذلك، مع بداية الحرب العراقية – الإيرانية، مع بداية الثمانين وحسب السياق أي المقابر الجماعية، إذا هو من أوائل الذين دشنوا حسب السياق وقتلوا دفناً. رحم الله جميعاً. هذا ما أعرفه بالضبط.
رووداو: لكن هناك قصة أخرى، يقال إنه بسبب تفوه صدام بكلام غير لائق بحق والده، جرى سجال بين عبيد الله وصدام. هل سمعت عن ذلك؟
صباح الحمداني: قد يكون ذلك ورد في مواقع التواصل الاجتماعي، لكننا نتكلم عن شهادة، سواء رايت ذلك بعيني أو قرأت عنه أو سمعته من أحد اخوتنا العاملين في الأجهزة الأمنية. لذلك أقول الحقيقة دائماً. أما الملاسنات قد تكون حدثت عبر الهاتف. لكن تمت شوهد (عبيد الله) في الشعبة الثالثة وانتهى فيها. هل أخذوه إلى صدام حسين؟ استبعد ذلك. تلاسن مع صدام في بيته؟ ربما، وهو احتمال وارد جداً. لا أنفي هذا. لا أقول بأن ذلك لم يحدث. ربما حدث، وتلاسن معه أصدر صدام حسين على إثره أمر قبض والقى فاضل البراك القبض عليه.
رووداو: ماذا كان دور مديريتي أمن كركوك وأربيل في اعتقال البارزانيين؟ هل شاركتم كمديرية أمن كركوك في ذلك؟
صباح الحمداني: في عام 1983 لم أكن أعمل في أمن كركوك. في هذه الواجبات، سرايا الأمن تدعم السرايا المنفذة دائماً، وكانوا قريبين من بعضهما، أمن كركوك والحكم الذاتي والسليمانية، كلها تشترك عندما هناك عملية لإلقاء القبض على مجموعة كبيرة، نتكم عن مجمعات يسكنها هؤلاء الناس. ستطلعون على التفاصيل في المستسكات التي ستعرضونها. كيف تمت محاصرة المجمعات، وكيف بدأ القاء القبض على البارزانيين، وكيف حددوا الأعمار، وكيف أرسلوا إلى مديرية الأمن العامة.
رووداو: بودنا أن نطرح عدداً من الأسئلة الشخصية قبل أن نختتم هذا الجزء من حوارنا. عندما كنت ضابطاً في الأمن برتبة رائد، هل شاركت في التحقيق مع المعتقلين؟ وهل شاهدت بنفسك عمليات تعذيب للناس؟
صباح الحمداني: نعم رأيت لكنني لم أفعل ذلك لأنه لم يكن من اختصاصي. في أمن النجف كان اختصاصي المرجعية. ضباط ارتباط واعرف كل شيء يدور حولها وأكتب بشأنه، لكن ليس لدي تحكم على ذلك. في كركوك، كان واجبي في الشعبة الخامسة. عملت الكثير من الخير للناس، ما استطعت اليه سبيلا. لم اعتقل أحد ولم اتسبب في اعتقال أحد، لأن الفترة التي عملت فيها في أمن كركوك لأكثر من سنتين لم تشهد مشاكل. وعرضت في قناتي الشخصية، مشاكل أناس محددين في كركوك، مثلاً فخر الدين عندما قمت بإعادة بيته اليه ومحلاته لأنه كان مظلوماً.
رووداو: نقصد هل شاركت بنفسك في أي تحقيقات مع سجناء سياسيين وبيشمركة ومن اعتقلوا في كركوك؟
صباح الحمداني: لم أشارك ابداً لأنه ليس من اختصاصي وواجبي، ولم أكن لأقبل حتى لو كان من اختصاصي بالتحقيق. المحققون أناس يختارهم المدراء لمعرفتهم بشدتهم، وأنا لم أكن شديداً، وأحب الآخرين. كنت أسير في النجف دون أن أحمل سلاحاً.
رووداو: يجري الحديث كثيراً عن وحشية بعض البعثيين خاصة في السجون. أسألك للتاريخ إن كنت قد سمعت من زملائك المقربين منك والذين كانت مهامهم مختلفة، عن تهديد معتقلين بالاتيان باخواتهم وامهاتهم واغتصابهن على مرأى منهم؟ هل حصلت أمور كهذه؟
صباخ الحمداني: هذا الأمر ممنوع رسمياً، سمعت مرة بأنه حدث في أمن النجف، وأنا ضمن المعترضين. أحد الضباط، النقيب خضيّر الجبوري، هدد شخصاً قام بجلب عائلة، اخته أو زوجته ووضعها في غرفة ثانية، واسمعه صوتها، لكن حقيقة مدير الأمن رفض ولم يقبل منه ذلك. عندما تكون متهماً وتسمع صوت اختك في غرفة ثانية، قد تعترف بجريمة لم ترتكبها. سأعترف حتى لو كنت بنفسي في مثل هذا الموقف. هذه الممارسات كانت ممنوعة رسمياً.
رووداو: لكنها حدثت؟
صباح الحمداني: نعم حدثت. أتذكر في أمن كركوك أتوا بشخص قبضوا عليه في السيطرة كان أمر قبض صدر بحقه لكونه شيوعياً، توفي على يدهم خلال خمس ساعات من القبض عليه اثناء التحقيق. لماذا؟ الرائدان حميد وسفيان التكريتي حققا معه. انهالوا عليه ضرباً حتى وفاته رغم أن مهمة المحقق هو السعى وراء الحقيقة. قتل على يدهما واحيل إلى البلدية لدفنه. هذه هي الممارسات التي شهدتها. أما التعذيب فلم يكن شيئاً يذكر، وكان يحدث بكثرة. كل أنواع التعذيب التقليدية.[1]