نحن الكرد.. هل سيأتي يوم لنتعلم لغة السياسة والديبلوماسية؟
إن مفهوم ومصطلح الخيانة سياسياً هو شبيه بمفهوم التكفير دينياً حيث الاثنان يؤديان معناً واحداً؛ ألا وهو نسف وإلغاء الآخر وإقصاءه، بل قتله إن كان مادياً أو معنوياً وللأسف نحن شعوب الشرق عموماً ما زلنا نعاني من المفهومين أو النهجين السياسي والديني حيث مجتمعاتنا تئن تحت وطأة الأيديولوجيتان الدينية والسياسية واستقطاب الفريقين في ظل انقسام المجتمع بين مشاريعهم العقائدية والويل كل الويل إن لم تكن ملحقاً بأي مشروع من هذه المشاريع حيث ستكون هدفاً سهلاً لينال منك الجميع، بل ليمارس الجميع توحشه عليك بطريقة سادية بشعة جداً وخاصةً أن لا ظهر ولا حماية لك في بيئة مجتمعية منقسمة بين فرقاء بحيث كل فريق يشكل مظلة أو قبة أيديولوجية حديدية لجماعته وبالتالي فأنت المستقل العلماني ستكون دون تلك المظلة والقبة العقائدية لتحميك من رمايات الآخرين.. ما دعاني لكتابة ما سبق هو حجم الاستقطاب والتخندق الذي نعاني منه في واقع مجتمعاتنا الشرقية مع أصحاب الرؤوس المربعة والمثلثة وحجم التخندق العقائدي بحيث كل فريق يجد الآخر المختلف معه كافراً خائناً يجب رجمه .. إنني لم أقل الكافر الخائن، كون هذان المفهومان هما مفهومان عقائديان يختلف معناهما ودلالاتهما بحسب إنتمائنا للضفة التي ننتمي إليها حيث ما هو كافر خائن عندك قد يكون لدى الآخر مؤمناً وطنياً!
وبالتالي فأي محاولة لعقلنة الخطاب السياسي سيواجهك أصحاب تلك الرؤوس وربما هذه هي الحالة الوحيدة الجامعة بينهم؛ أي أن يجتمع كل أولئك العقائديين الأيديولوجيين -دينياً وسياسياً- لكي يجعلوك “خائناً كافراً”.. إخوتي لم ولن أطالب يوماً بالترحم على الأعداء والخصوم ولكن هذا الخطاب اللفظي الترهيبي الشتائمي ضد الآخر المختلف يسيئ لك ولمشروعك قبل أن يسيئ لذاك الآخر، كونك بذاك الخطاب عبّرت عن سويتك الثقافية والأخلاقية من جهة ومن جهة أخرى لا فائدة منه سياسياً، بل سيستخدمها خصمك ضدك وللاشهاد عليك بأنك لا تقل إرهاباً عن أي جماعات متطرفة سلفية إرهابية، كما إنك بذلك تدفع بالكثيرين لأخذ موقف سلبي منك وبالأخص الذين يقفون في المنطقة الرمادية.. للأسف في لعبة التجارة ابن المدينة يفوز دائماً على ابن الريف، كون الأخير ورغم طيبته وإنه صاحب المنتوج والذي يجب أن يسترزق منه، لكن لا يجيد لعبة التجارة والبازار، كما يجيدها ابن المدينة ذاك السمسار المرتزق وذلك فقط لكونه دمث الخلق ويعرف لغة التجارة والتسويق للبضاعة وهكذا من يملك البضاعة/القضية يخسرها، بينما التاجر/المحامي العارف والماسك بلغة السوق هو الذي يربح في لعبة البازارات السياسية أو المالية .. وها إننا نتساءل؛ هل سيأتي يوم لنتعلم -نحن الكرد- لغة السياسة والديبلوماسية حتى لا نخسر قضايانا؟
إلعن خصومك عشرات المرات بينك وبين نفسك، لكن تعاطى مع الواقع بحنكة ديبلوماسية.. للأسف هكذا هي السياسة يربحها من يتقن لعبتها في المناورة لاسقاط الخصم في فخاخ اللعبة ويسقط أولاً من يعلن صراخه ومسباته وشتائمه في وجه الآخر .. أتمنى أن أكون قد وفقت بتوضيح فكرتي حول عدم اللجوء لخطاب لفظي شتامي، بل أن نركز على الجانب السياسي والفكري في إضعاف حجج الآخر وضرب نظرياته ومقولاته السياسية مقتلاً بدلاً من اللجوء لمقتل صاحبه لفظياً معنوياً وربما البعض يتمناها مادياً أيضاً![1]