الكرد يحافظون على تقدّمهم في الولايات الكردية
وحدة الدراسات التركية
حاز تحالف “العمل والحرية” الذي يقوده حزب اليسار الأخضر على 10.54% من أصوات الناخبين في عموم تركيا أي ما ترجمته 66 نائباً في البرلمان، كانت حصة اليسار الأخضر(الشعوب الديمقراطي) منها 61 نائباً. وعلى الرغم من تراجع عدد نواب حزب اليسار الأخضر بواقع 5 مقاعد مقارنة مع انتخابات عام 2018، إلا أن الحزب حافظ على موقعه في البرلمان التركي كثالث أكبر كتلة نيابية في البلاد بعد حزب السلطة العدالة والتنمية، وحزب المعارضة الأكبر الشعب الجمهوري، متقدّماً على كل من شريك السلطة حزب الحركة القومية (اليميني المتطرف) وشريك المعارضة حزب الجيد اليميني.
نجح الحزب في الحفاظ على موقعه المتصدّر في الولايات شمال كردستان، دون حدوث خرق يذكر في هذه الولايات، فيما أفسح المجال في الولايات الغربية لتقدّم شريكه في تحالف “الحرية والعمل” حزب “العمال التركي” اليساري بعد أن كان حاضراً بفاعلية في تلك الولايات، الذي فضّل بدوره المشاركة في الانتخابات بلوائح مستقلّة، ففي حين خسر الحزب 5 مقاعد، كسب شريكه العمال التركي 4 مقاعد في الولايات المطلة على البحر المتوسط غرباً، هذا يعني أن الخسارة لم تتجاوز مقعداً واحداً.
من المفيد استعراض نتائج الحزب في الولايات الكردية التي حافظ عليها بالنسب المئوية: آمد/ديار بكر 60.79، ماردين 54.63، شرناخ 62.49، جولمرك/هكاري 62.47، وان 52.97، سيرت 46.69، باتمان 57.78، بتليس 40.20، موش 50.61، آغري 54.51، إغدير 43.59%، قارس 27.92، ديرسم 42.83.
في حين نجح الحزب بالمناطق المتاخمة للولايات ذات الغالبية الكردية، أي في الولايات المختلطة إثنياً، في تثبيت حضوره؛ ففي ولاية روها/أورفا حاز الحزب على 4 مقاعد، وفي أرزروم حصل على مقعد واحد، كذلك في ولاية بينغول حلّ ثانياً بنيله مقعد من أصل ثلاثة، وفي عنتاب حصل على مقعد واحد، أما في المناطق القصيّة فقد حصد الحزب في أنتاليا وكوجالي وأضنة على مقعد عن كل ولاية، وفي مرسين مقعدين، وعن إسطنبول 9 مقاعد.
واقعياً، نجح الشعوب الديمقراطي/اليسار الأخضر في الحفاظ على تمثيله للولايات الكردية متقدّماً على حزبي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري بفارق كبير، رغم عمليات القمع السياسي والمضايقات الأمنية وحملات الاعتقال التي طاولات الآلاف من محازبي الشعوب الديمقراطي واعتقال قياداته المؤثّرة والملهمة لجيل كرديّ شاب.
خلال جولات الانتخابات السابقة، تعرّض حزب الشعوب الديمقراطي، الذي دخل الانتخابات الأخيرة تحت اسم اليسار الأخضر، لعملية “تطهير” حكومية واسعة النطاق، ففي يوليو(تموز) 2015 ألقي القبض على 93 من رؤساء فروع الحزب الكردي في كبرى مدن تركيا، وعلى 194 رئيساً لفروع الحزب في المدن الصغرى، واحتجزت السلطات الرئيسين المشاركين للحزب صلاح الدين ديمرتاش وفيغن يوكسكداغ مع 18 نائباً، و23 آخرين من قادة الحزب و21 من أعضاء مجلس رئاسة الحزب، إضافة ل 800 عضو من منظمي شؤون الحزب في عموم تركيا، لتبلغ حصيلة الاعتقالات الأمنية، ما مجموعه أكثر من 17 ألف عضو حزبي منذ 24 يوليو (تموز) 2015 بينهم 5 آلاف منهم محتجزين حتى الآن بينهم رؤساء مشاركون ونواب ورؤساء بلديات، وذلك بعد فوز الحزب بالانتخابات البرلمانية التي حصد فيها آنذاك على 80 مقعداً.
لاحقاً، في 21 حزيران/يونيو 2022، ستوافق المحكمة الدستورية على لائحة اتهام قدّمها المدعي العام تطالب بحل حزب الشعوب الديمقراطي، بدعوى ارتباطه بحزب العمال الكردستاني، وهي الذريعة الرسمية التي طاولت معظم محازبي الشعوب وبرلمانييه ورؤساء بلدياته ضمن سياسة تأديب الحزب التي اتبعتها الحكومة التركية، ولأجل ذلك قرر الحزب عدم المجازفة في خوض الانتخابات باسمه المؤثّر في الساحة الكردية واللجوء إلى خوض الانتخابات تحت يافطة اليسار الأخضر، هذا فضلاً عن طلب المدعي العام، بقطع مساعدات الخزانة عن حزب الشعوب الديمقراطي، قبل أن تعدل المحكمة بعد ذلك عن قرارها بعد تعليق مؤقت.
خاض الحزب منذ العام 2015 معركة وجود فعلية، وكجزء من تدابير الوقاية قرر الحزب،المنتنمي لشجرة الأحزاب الكردية المحظورةمنذ عام 1900 ابتداءً من حزب العمل الشعبيHEP) ) والأحزاب الكردية الخمسة التي تلته، خوض الانتخابات باسم جديد على مسامع المجتمع الكردي، وذلك قبل شهرين من موعد الانتخابات، لئلا يتم حظر الحزب الجديد أيضاً، الأمر الذي انعكس على الناخبين الذين لم تصلهم التحديثات التي قام بها الشعوب الديمقراطي حول هوية الحزب الجديد وبرامجه وإن كانت متطابقة مع برامج الحزب السابق؛ فمعظم الأحزاب التركية خاضت الانتخابات بأسمائها الرسمية لدورات انتخابية عدّة عدا الشعوب الديقراطي الذي اضطر إلى التخلّي عن الاسم المؤثّر في وجدان الناخب الكردي للأسباب التي تمّ تبيانها هنا.
لقد ساهم اعتقال القيادات المؤثّرة للحزب الكردي، وأعضاء الحزب لاسيما العاملين ضمن مكينته التنظيمة والإعلامية في إحداث فراغ سرعان ما ملأه الحزب مجدداً، لكن هذا النزيف التنظيمي الذي تسببت به السلطة انعكس على أداء الحزب، فالتجمّعات الانتخابية السابقة كانت تزخر بأسماء بات معظمها خلف القضبان، وهو الأمر الذي حسبته السلطة بدقة متناهية، فلم تكن الاعتقالات اعتباطية بقدر ما حاولت توجيه ضربة لمكامن القوة التنظيمة والإعلامية والشخصيات الكاريزمية داخل الشعوب الديمقراطي، وقد يستمر نهج السلطة في هذا الاتجاه حال بقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في منصبه مستفيداً من جمعه السلطات بيده وتأثيره على استقلالية القضاء وتجاهله لأحكام المحكمة الدستورية العليا، وقد لا يستبعد الاحتكام إلى سياسات الحظر التي قد تطال اليسار الأخضر أيضاً أسوةً بسلفه.
في المقابل حقق مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو تقدّماً في الولايات الكردية، بل إن نتائجه كانت الأعلى في آمد/ديار بكر وباتمان وجولمرك/هكاري وديرسم وشرناخ قياساً إلى مناطق نفوذ المعارضة نفسها، وذلك نتيجة التوجيه الذي قام به اليسار الأخضر، وهو ما عكس التزاماً شعبياً في الولايات الكردية بتوجيهات الحزب والرغبة الشعبية بالتغيير والانتقال الديمقراطي. بطبيعة الحال حافظ الكرد على موقعهم داخل المشهد السياسي التركي بوصفهم”صنّاع الملوك” إلّا أن الخلل لم يكن من الصنّاع هذه المرّة، بقدر ما كان في أداء المعارضة وألاعيب السلطة. من المتوقع أن يخوض الناخبون الكرد الجولة الانتخابية الثانية بالحفاظ على زخم التأييد الذي حصل في الجولة الأولى لمرشح المعارضة.
رغم حفاظ الشعوب الديمقراطي على كتلته الانتخابية إلى درجة كبيرة وفوزه في الولايات الكردية إلّا أن الحزب أبدى وجهة نظرٍ أكثر واقعية واعتبر تراجع المقاعد مسؤوليته، في اليوم التالي لصدور النتائج النهائية لم تدخل قيادة الشعوب، مدحت سنجار وبرفين بولدان، خلال مؤتمر صحفي في عملية تبرير لتراجع نسب مقاعده عن الدورة السابقة، بل طالبوا مؤيديهم (الشعب) بالانتقاد والإصلاح، يعني ذلك إمكانية إعادة مناقشة السياسات التنظيمية للحزب وآليات مشاركته الانتخابية، وإعادة قراءة الخريطة الانتخابية بما يفيد بتلافي جوانب القصور وترشيد استخدام الصوت الكردي في الانتخابات المقبلة، وكذلك التحوّط لعمليات حظر محتملة قد تطال حزب الكرد الجديد أيضاً. ولعل بروز أصوات نقدية من داخل القوس المؤيد للحزب يشكل عامل ضمان لعدم تكرار ما حصل من تراجع حتى وإن كان طفيفاً، هذا فضلاً إلى عن وجود أصوات تدعو إلى مراجعة الخطاب الاجتماعي والسياسي للحزب.[1]