روان جومي : تنميط كرد سوريا… قبل الحرب ماسحو أحذية وعمال مطاعم وبعدها انفصاليون وملاحدة
روان جومي كاتبة ايزيدية من عفرين، سوريا
“أتذكر في مراهقتي حين كان أصدقائي يستغربون كرديتي قائلين: آها إنت كردية، أنت لا تشبهين الآخرين”.
كان التعليق يترك لديّ شعوراً بالسوء بقيت بسببه أتهرب من نفسي فترة من الزمن، فقد ظلّ سؤال كرديتي يشعرني بالمذمّة والنقص إلى أن أدركت أن قوميتي ليست انتقاصاً وأن المشكلة ليست لديّ إنما في طريقة تعامل المجتمع مع الأكراد”.
تعمل زنوس حسو فنانة في صناعة مشغولات يدوية مأخوذة من البيئة الكردية وتراثها، وقد حاولت أن تبسّط جوابها لتصوّر تعامل من حولها في المدرسة ومن ثم في العمل معها.
الكرد أبناء الجن لا البشر… يقول المسعودي
“بويجي وغرسون” هما في عداد المهن التي تصلح للكردي وفق العقلية المتوارثة في سوريا، وهو تنميط وانتقاص لا يكتملان بدون الجملة المشهورة “فلان كويس لولا إنه كردي”.
التنميط تجاه الأكراد رسّخ التعصب القومي وحتى الديني ضدهم في السنوات الأخيرة، لتضاف لهم صفات جديدة أهمها أنهم “انفصاليون وملاحدة”.
“بويجي وغرسون” من المهن التي تصلح للكردي وفق العقلية المتوارثة في سوريا، لكن التنميط والانتقاص لا يكتملان بدون الجملة المشهورة “فلان كويس لولا إنه كردي”هذا إن لم نعرج على الروايات الأسطورية، فبحسب المؤرخ والجغرافي علي بن الحسين المسعودي المولود في بغداد 896 م. الكرد ليسوا مخلوقات بشرية، إنهم أبناء الجن.
اضطر موسى الذي نزل من قريته بريف عفرين قبل الحرب ليلتحق بجامعة حلب، أن يعمل في أحد المطاعم لتأمين مصاريفه الجامعية، بعد أن عجز عن التوفيق بين عمله في معمل النسيج ودراسته.
يقول: “طلبت من مدير المقهى العمل بشرط أن يضعني في المطبخ أو أعمال التنظيف لا في الصالة، فاستغرب ضاحكاَ وقال: كردي وطالب وبدك شغل وعندك شرط كمان؟ أول مرة بشوف كردي بيرفض العمل في الصالة مع إنو بالصالة في بقشيش، فقلت لا أريد بقشيشاً ولا أريد أن يراني أحد”.
يقول الصحافي والناشط ولات عفريني على صفحته في فيسبوك: “بويجي وغرسون هما بالأصل في توصيفات مهنية، مع مرور سنوات الأزمة السورية تيقنت أنني مخطئ والمقصود بهذا التوصيف مكوّن قومي تعداده نحو ثلاثة ملايين إنسان في سوريا، يعدونهم فئة طارئة على الجغرافيا”
لا توجد إحصائية دقيقة عن عدد الكرد في سوريا لكن بحسب المعهد المصري للدراسات في العام 2017، فالعدد يقدر بنحو ثلاثة ملايين، يتوزعون على ثلاث محافظات هي الحسكة (الجزيرة السورية)، وحلب (كرداغ وكوباني وأحياء الشيخ مقصود والأشرفية بمدينة حلب)، ودمشق.
التنميط تجاه الأكراد رسّخ التعصب القومي وحتى الديني ضدهم في السنوات الأخيرة، لتضاف لهم صفات جديدة بعد الحرب أهمها أنّهم “انفصاليون وملاحدة”
مع وجود عوائل من أصول كردية في العمق السوري كحمص، حماة، ريف إدلب، اللاذقية ودمشق، أصبح هؤلاء جزءاً من التركيبة الديموغرافية منذ العهد الأيوبي، فسكنوا حلب ودمشق (حارة الأكراد) ومنطقة حوض نهر العاصي وجبل الأكراد في الساحل الشامي، وانصهروا مع المجتمع السوري.
عم تستكردني؟
برغم التاريخ المشترك بين العرب والكرد ساهمت الصراعات السياسية والأنظمة العربية في بداية النصف الثاني من القرن المنصرم في توسع الفجوة بينهما وتعامل العرب بفوقية، رغم أن الكرد ساهموا في الحركة الثقافية العربية، وقدموا إبداعات في المجالات الفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية.
المخرج المسرحي أحمد كنعان يقول لرصيف22: “غالباً الدمشقيون ينظرون بعين الاستصغار للكردي، يتضح ذلك من لغتهم، فعندما يتعرض أحدهم لمحاولة احتيال يرد على المحتال بجملة “شو عم تستكردني” بمعنى هل تفترض أني كردي كي تستطيع الاحتيال علي ببساطة”.
عندما يتعرض أحدهم لمحاولة احتيال يرد على المحتال بجملة “شو عم تستكردني” بمعنى هل تفترض أني كردي كي تستطيع الاحتيال علي ببساطة؟ويضيف: “تأتي تسمية شارع العابد في دمشق من الأكراد وتحديداً آل العابد، وقد كان أول من تولى رئاسة سوريا أثناء الانتداب الفرنسي محمد العابد وهو كردي أو ما اصطلح على تسميتهم أكراد الشام، فكيف نجهل أصول المكان وننسى ساكنيه، وهل سأل الدمشقيون أنفسهم عن أصل تسمية حي القيميرية؟ أليس القيمري نسبة كردية أيضاً؟ الأكراد أصحاب منجز ثقافي واقتصادي وسياسي لا يمكن النظر إليهم بعين الاستصغار أو اختصارهم في لفظ بويجية”.
ثمة حادثة شهيرة عن الشاعر الكردي لقمان ديركي هي: “في جلسة جمعت الشاعر الكردي لقمان ديركي مع أحد أصدقائه في خمارة فريدي في شارع العابد في دمشق، وأراد الصديق أن ينال من لقمان لحظة مرور أحد “البويجية”، فقال الصديق هل تراهن أن هذا البويجي كردي مثلك، وانتهى الرهان على مائة ليرة، قبل لقمان بالرهان وطلبا “البويجي” وسألاه عن أصله فقال أنا تركماني، هنا صرخ لقمان: برافو عليك وأعطاه المائة ليرة التي ربحها من الرهان”.
برأي كنعان أن الكرد لم يتمكنوا من تغيير الصورة النمطية عنهم لأن الموهوبين منهم اجتهدوا للتعريف بأنفسهم بصيغ مختلفة على صعيد فردي “وهنا تغيب الهوية الحقيقية بتوريات سخيفة”، مضيفاً: “لا يمكن لأحد أن يلغي تأثير الخطاب العروبي لحزب البعث على كل مكونات المجتمع السوري من القوميات الأخرى وهذا مخجل”.
وقفة احتجاجية غير مسبوقة… بويجي وأفتخر
في 15 شباط/ فبراير 2016، نشر المعارض السوري عبد الرزاق عيد مقالاً في موقع “الحوار المتمدن” قال فيه: “أما الكردية السياسية (البككية) فهي بتهديدها بتفكيك سوريا إنما تبتز الشعور الوطني للشعب السوري، وانفصالها لا يخسر الشعب السوري، إلا جيشًا من العاطلين عن العمل في قطاع الخدمات والسياحة، أي في المطاعم والمقاهي والملاهي وصالونات تنظيف الأحذية”.
لترد مجموعة نشطاء كرد في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة بتاريخ 18 شباط 2016 بوقفة احتجاجية تحت عنوان “بويجي وأفتخر”، رداً على المقال الشوفيني وقام خلالها المنظمون بافتراش الأرض مع صناديق مسح الأحذية، داعين المارة لمسح أحذيتهم.
يرى الباحث في المركز الكردي للدراسات حسين جمو “أننا سنجد جذور النمطية التي تحولت إلى خطاب كراهية واستعلاء عنصري في الخطاب السياسي المفلس أولاً، والذي تفاقم مع تصدر المعارضة السورية المشهد السياسي في السنوات الأخيرة”، على حد تعبيره.
ويضيف: “مع أن الصورة النمطية تطال كافة الشرائح الاجتماعية، خاصة المجموعات التي تحولت إلى أقليات بعد ترسيم الفضاء السياسي للدولة السورية عام 1936، لم تكن صناعة أغلبية ضد أقلية، لأن مناطق شرق سوريا وحوران ضحيتان للصورة النمطية السلبية كذلك”.
وبحسبه فإن وصم الكرد ب”الغرسون والبويجي” كان نتيجة تغيير نمط الإنتاج العائلي فوقعوا ضحية هذا التغيير أثناء البحث عن بدائل العمل بالزراعة عند نزولهم إلى المدن، ويقول: “كانت هنالك مهن يمارسها أطفال فقراء في ساحة سعدالله الجابري في حلب، مثل صبغ الأحذية، وهؤلاء جاؤوا من شريحة اجتماعية هي أساساً من بقايا المجتمع الإقطاعي الكردي في عفرين، ومن أصول مختلفة إثنياً، وهذه مهنة يمكن انتقادها من حيث أنها شكل مفجع من عمالة الأطفال، لكنها تحولت إلى وصمة ضد الكرد، وهذا أمر غريب لأن الكرد في المنطقة التي جاء منها هؤلاء الأطفال يمثلون الإقطاع تاريخياً، أي النخبة الثرية المتعلمة، وهي كذلك إلى اليوم رغم تغير نمط الإنتاج الزراعي. وحقيقة علينا ألاّ نلجأ إلى نفي هذه الوصمة عن الكرد عبر إثبات أن أصول هذه الشريحة ليست كردية إنما ناطقة باللغة الكردية، بل لا بد من تفكيك الأصل السياسي لخطاب الكراهية، لا سيما الذي يمارس من جانب أدوات ومنصات إعلامية غير رسمية تتبنى خطاب المعارضة السورية”.
وحول وصم الكرد بمهنة العمل في المطاعم يضيف جمو: “هؤلاء أفراد وقعوا ضحية تغير نمط الإنتاج العائلي من الزراعة إلى البحث عن فرص في المدن، وحين لم يجدوا شيئاً سوى العمل الخدمي في المطاعم، زاول بعضهم هذه المهنة ليتمكن من الصمود في المدينة ويقاوم العودة إلى نمط الإنتاج السابق، وهي مهن غير معيبة ولا وضيعة، لكنها باتت كذلك في نظر شريحة ريفية تقيم في المدن وغير مندمجة في حياة المدينة، وهذا يرجح بقوة أن “الوصمة المهنية” ضد المجتمعات المحلية والأقليات ليست قادمة من البورجوازية المدنية إنما من العقليات المتحجرة ذات الأصول الريفية”.
مجرد تقييم المجتمع للإنسان وفق مهنته لا أخلاقه أو ثقافته يؤشر على خلل أخلاقي لأن الإنسان لا يقيّم بالمهنة ما دامت مشروعةويقول عفريني لرصيف22: “الحل ليس عند الكرد إنما على مستوى وطني. فالكردي لديه قابلية للاندماج ما لم يواجه موانع، والأهم أنّ مجرد تقييم المجتمع للإنسان وفق مهنته لا وفق أخلاقه أو ثقافته يؤشر على خلل أخلاقي لأن الإنسان لا يقيّم بالمهنة ما دامت مشروعة. وللعلم فإن نسبة التعليم عند الكرد مرتفعة، وكثير منهم أصحاب شهادات عليا ولا سيما كرد عفرين لقربهم من مدينة حلب”.
تعرض الكرد لعمليات القمع والصهر من قبل الأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط بعدما أنكرت وما تزال تنكر القومية الكردية إذ ساهمت في إحداث تغيير ديموغرافي في المناطق الكرديّة، فضلاً عن التكتّم على تعدادهم الحقيقي، إلا أن هذه السياسات لم تخمد محاولاتهم لنيل حقوقهم القوميّة والثقافيّة.
لكن وبعد سنوات من الحرب لعل عقداً اجتماعياً جديداً يُكتب بين السوريين تؤخذ فيه الخصوصية الثقافية لجميع مكونات المجتمع بعين الاعتبار على أساس العيش المشترك القائم على فكرة قبول الآخر ضمن النسيج السوري المتعدد، مجرّد أمنية.
المصدر:
https://raseef22.net
[1]