واقع شعبنا .. في ظل الخلافات الحزبية.
#بير رستم# (أحمد مصطفى)
إن الإختلاف والتباين بين الأحزاب والتيارات السياسية هي من طبيعة الحياة والعمل الفكري والنضالي حيث لكل تيار سياسي أيديولوجيته وبرامجه الوطنية المرحلية وكذلك له أهدافه الإستراتيجية وهي إحدى المرتكزات الأساسية للعمل المؤسساتي وتكريس لمبدأ التعددية السياسية في مناخ ديمقراطي حر .. وهكذا فإن التعدد الحزبي والسياسي سمة المجتمعات والدول الديمقراطية وتعبر عن وعي إجتماعي وسياسي متطور بحيث لكل فئة وشريحة إجتماعية أداته السياسية التي تعبر عن طموحات وأهداف ذاك المكون المجتمعي، طبعاً ذاك في المجتمعات والبيئات الحضارية والدول والشعوب التي حققت مراحل متقدمة في الوعي السياسي الديمقراطي. أما الحال في واقع المجتمعات المتخلفة والتوتاليتارية فيا للأسف؛ فإن الأحزاب ليست إلا قوالب شكلية للتعددية السياسية والمنهجية الفكرية حيث يكون الولاء لقيم وأيديولوجيات ما قبل الدولتية “أي للدين والعشيرة” كمثال عن ذاك الواقع.
وبالتالي فإن الإنتماء لأحد التيارات السياسية _وفي أغلب الأحيان_ تكون وفق العلاقة الإجتماعية وليس الفكر الأيديولوجي للحزب نفسه، لكن وعلى الرغم من هذا الواقع الإجتماعي المتخلف، فإن بعض النخب الفكرية والسياسية أستطاعت أن تؤسس أحزاباً وفق أيديولوجيات متباينة في مجتمعاتنا كالتيار القومي اليساري والتيارات الدينية من الإخوانية إلى القاعدة و”داعش” ومروراً بالتيار الوهابي السلفي وكذلك كانت الشيوعية وفي مراحل تاريخية لها إمتداداتها في بعض الأوساط الشعبية الفقيرة حالمةً بجنة الأرض وتحقيق الشيوعية والمساواة بين الناس .. ذاك في الحالة العامة، أما في واقع المجتمعات والشعوب التي ما زالت رازحة تحت الإحتلال كالكورد، فإن الفكر القومي وبكل تأكيد سيكون المحرك والدافع الأساسي لتشكيل أي فصيل وتيار سياسي، هكذا تقول منطق الأشياء والحياة والواقع الإجتماعي السياسي.
لكن وعلى الرغم من وحدة الحال الكوردية تلك بحيث تكون سبباً لوحدة الكلمة والموقف والصف الكوردي، إلا إننا نجد؛ بأن هناك أكثر من صراع وتيار سياسي داخل الحركة الكوردية _طبعاً لا ندعو إلى ضم كل الأحزاب في حزب واحد_ لكن واقع شعبنا والمرحلة التاريخية تتطلب من كل الأطراف السياسية والأحزاب الكوردية، أن تتفق على أهداف إستراتيجية لإنجاح مشروع وطني يتحرر شعبنا ووطننا في نهاية الأمر وبالتالي تأجيل الخلافات الداخلية والصراعات الحزبية على النفوذ والهيمنة على الساحة، بل وتأجيل ثوراتنا الإجتماعية و”ربيعنا الثوري” إلى ما بعد إنجاح الثورة الوطنية حيث لا يمكن أن “تضع الفرس أما العربة”.
وهكذا لا يمكن القفز إلى الثورة الإجتماعية والحريات العامة والديمقراطية في ظل واقع شعب ما زال تحت الإحتلال والهيمنة، لكن ونتيجة ضعف الوعي الإجتماعي السياسي وغياب الدعم الدولي، بل ومحاصرة الحركة الكوردية بدول وكيانات غاصبة تعادي وحدة الكورد وتعمل على تشتيتهم وربطهم بأجندات تلك الدول الإقليمية الغاصبة لأجزاء من كوردستان، فإن كل ذلك قد عمق الخلافات الحزبية وصراعاتنا الداخلية بحيث جعل الإنقسام الكوردي حاداً لتصل الأمور بنا إلى أن يتسيد بعض المرتزقة المشهد السياسي الكوردي والذي دفع بدوره إلى المزيد من الأزمات والمآسي لتصل بنا الحالة الكوردية إلى حافة الكارثة الوطنية وللأسف.
وهنا يأتي دور المتنورين والمثقفين ومفكري الأمة للعمل على ترميم تلك الجراحات والإنشقاقات في جسد الحركة الوطنية وتقديم خطاب سياسي فكري بعيد عن حالة التحزب والتمحور، خطاباً فكرياً متوازناً تقدم من خلاله مشروع وطني جامع لأهداف الأمة والقضية الواحدة تتقاسم فيه كل الأطراف والأحزاب السياسية ولذلك فإن من أصعب المهام لمثقفي شعبنا هو الحفاظ على التوازن النفسي والفكري وعدم الإنجرار إلى لغة التخوين والذي تمارسه كل الأطراف الكوردية _وللأسف_ بحق بعضها البعض، بل على النخب الثقافية والفكرية أن تدين مثل هذا الخطاب التخويني ولا تكتفي بذلك بل تقدم خطاباً وطنياً كوردستانياً وبذلك تؤكد على شخصيتها ودورها الوطني في إنهاض الأمة والوصول إلى طموح شعبنا في الحرية والإستقلال .. وذاك ما نأمله من كل النخب الثقافية الكوردية.[1]