النظام الفيدرالي جزء من ثقافة المرحلة التاريخية
#بير رستم# (أحمد مصطفى)
إن كل مناحي الحياة الإجتماعية هي خاضعة لحركة الكون وديناميكية الحركة التاريخية؛ بمعنى أبسط إن كل القوانين المجتمعية وبمختلف مناحيها تخضع لسرعة وتسارع الحركة التاريخية حيث وبقدر تطور شرط التواصل الإنساني البشري فإن حياتنا الإجتماعية تخضع بدورها لتلك الوتيرة المتسارعة ولتبسيط المسألة أكثر، فإننا سوف نؤتي بالمثال التالي؛ إن تاريخنا البشري وعندما كانت وسيلة النقل هي الدابة كانت بيوتنا تتكون من غرفة واحدة تقوم مكان غرفة النوم والضيوف والصالة والمطبخ؛ أي غرفة عامة لكل الإختصاصات، لكنها تتسع لعشرات الأشخاص القادرين على النوم جنباً وبالتالي كانت العائلة تملك العشرات من الأسرة والفرش والمخدات؛ كون الضيف وخضوعاً لشرط وإيقاع الحياة والحركة البطيئة يمكن أن يمضي ليلته بضيافة البيت _وهو الأرجح_ لكن مع تطور آلية النقل من الدابة إلى السيارة الميكانيكية الآلية، فإن بيوتنا فقدت تلك الإتساع والفرش والمخدات الكثيرة؛ كون الضيف وإن حلّ علينا فسيكون ضيفاً سريعاً ولن تستغرق معه الكثير من الوقت ليصل إلى أبعد نقطة خلال ساعات، بل إن بيوتنا بدأت تنقسم إلى عدد من الغرف الصغيرة ذات الإختصاصات والوظائف الحصرية بكل غرفة داخل البيت العائلي.
وهكذا فإن المجتمعات البشرية هي خاضعة لتطورها الفكري الحضاري وحيث لكل مرحلة تاريخية ما خصوصيته وإيقاعه الحركي وبالتالي لما تنتجها من قيم إنسانية حضارية وفي مختلف الصعد الحياتية وعلى رأسها النظم الإدارية لتسيير حياة مجتمعاتها وذلك إبتداءً من الخلية البشرية الأولى لها؛ “أي العائلة” ووصولاً إلى مجتمعاتنا الحالية حيث الدولة المدنية المعاصرة بمنظوماتها السياسية المختلفة والتي شهدت في طريقها التطوري؛ عصر الممالك والإمبراطوريات وصولاً للدولة القومية المركزية إلى أن رأينا منظومة العمل السياسي القائم على فكرة بناء الدولة الفيدرالية مع نهايات القرن الثامن عشر وولادة الولايات المتحدة الأمريكية 1787م من (13) ثلاثة عشر ولاية لتنتهي ب(51) ولاية حالياً كأقوى وأعظم دولة فيدرالية في العالم والذي يضم أيضاً _أي النظم السياسية الفيدرالية_ أهم دول العالم في منظومتها السياسية القائمة على النظام الفيدرالي.
وهكذا فإن قضية الفيدرالية وإعادة رسم حدود الدول الوطنية السابقة التي عرفت بمنظومات سياسية مركزية شديدة القمع والاستبداد تجاه الأقاليم والمكونات الأخرى _الأقليات_ بدأت تشهد إنهياراتها في المنطقة العربية مع موجة “الربيع العربي” ويقول الأستاذ “حسن عباس” في مقالة له بعنوان؛ “أوهام الجغرافيا القديمة القاتلة” وبخصوص المسألة ما يلي: “أن هيمنة جماعة على جماعات أخرى بحجة السلطة المركزية صارت فكرة تنتمي إلى الماضي، فهو يحدّد دوراً جديداً للسلطات المركزية في أيّة دولة إتحادية متنوّعة قومياً أو طائفياً، ألا وهو ضمانها بنفسها الشروط الموضوعية للامركزيتها. وهذا يعني أن استمرار الدول بحدودها الحالية قد يستمر، ولكنه سيكون مسألة شكلية تغلّف حقيقة تقاسم الجماعات المتصارعة للنفوذ والتوصّل إلى نوع من ترسيم حدود جديد لمناطق انتشار ونفوذ الجماعات، ترسيم ستحميه قوى عسكرية لامركزية”.
إذاً فإن حركة التاريخ كمسار تطوري تقدمي للجماعات البشرية السكانية تفرز دائماً واقعاً مفروضاً ملائماً في العلاقات المجتمعية الإنسانية ومع تطور التقانة الصناعية والثقافية من حالة الفكر الشمولي الجمعي إلى التعددية والإختصاص _حيث الطبيب العام لم يعد ذاك الطبيب المرغوب، بل إن الإخصائي هو الأفضل لعلاجنا_ وهكذا في السياسة أيضاً؛ حيث المركز الإداري لن يعالج كل قضايانا التنظيمية الإدارية والسياسية الثقافية والمجتمعية الإقتصادية، بل إن الأقاليم والكانتونات هي الأكثر معرفة وقدرة على تشخيص واقعها وبالتالي الأكثر قدرةً على إدارة مناطق نفوذها السياسي المجتمعي .. ولذلك فإن الدولة المركزية (الطبيب العام) لم يعد صالحاً مع واقع المجتمعات السياسي (الصحي) مرحلياً ولا بد لنا من القبول والخضوع لحركة التاريخ التصاعدية وبالتالي القبول بالنظام السياسي الفيدرالي كواقع إداري سياسي لمجتمعاتنا المعاصرة ومنها سوريا.
ملاحظة؛ إننا إعتباراً من اليوم سيكون لنا لقاء شهري مع زاويتكم “ومضات فكرية” والتي نأمل من خلالها إيصال أفكارنا ورسائلنا لكم من خلال صحيفتنا وصحيفتكم .. مع كل الشكر والتحية للإخوة في إدارة التحرير وكل التمنيات بالنجاح والموفقية.[1]