السياسي الكوردي
بين الواقعية السياسية والرغبة الشعبوية!!
#بير رستم# (أحمد مصطفى)
إن السياسة لغوياً وبحسب الموسوعة الحرة، و(كما أشار ابن سيده، قال: وساس الأمر سِياسة. وقبله الصاحب بن عباد والسياسة فعل السائس، والوالي يسوس رعيته، وسُوِّس فلانٌ أمر بني فلان؛ أي: كُلِّف سياستهم وبعدهما الفيروز آبادي: وسست الرعية سياسة: أمرتها ونهيتها. وهي مأخوذة من الفعل “ساس”، أو هو مأخوذ منها، على خلاف بين النحْويين، ومضارع الفعل “يسوس”؛ أي: إنَّ المادة واويَّة، كما نصَّ على ذلك السرقسطي، مُوردًا الكلمة تحت “فَعَلَ” بالواو سالمًا، و”فَعَلَ” معتلاًّ). وأما إصطلاحاً فهي (تعني رعاية شؤون الدولة الداخلية والخارجية، وتعرف إجرائيا حسب هارولد لاسويل بأنها دراسة السلطة التي تحدد من يحصل على ماذا (المصادر المحدودة) متى وكيف. أي دراسة تقسيم الموارد في المجتمع عن طريق السلطة (ديفيد إيستون). وعرفها الشيوعيون بانها دراسة العلاقات بين الطبقات، وعرف الواقعيون السياسة بأنها فن الممكن أي دراسة وتغيير الواقع السياسي موضوعيا وليس الخطأ الشائع وهو أن فن الممكن هو الخضوع للواقع السياسي وعدم تغييره بناء على حسابات القوة والمصلحة).
والسياسة ليست حكراً على الحكومات والدول فقط، بل هي جزء من حركة المجتمعات في علاقاتها الداخلية والخارجية بمعنى أن كل القوى المجتمعية والمدنية من أحزاب ومنظمات حقوقية وسياسية تتشارك في رسم سياسات البلد، إن كانت داخل الحكومة أو خارجها كمعارضات وطنية وبالتالي فإن كل النخب الثقافية الوطنية هي مسؤولة عن سياسات بلدانها حيث “القيام على الشئ بما يصلحه أى المفترض أن تكون الأجراءات والطرق وسائلها وغاياتها مشروعة فليست السياسة هي الغاية تبرر الوسيلة وليست العاب قذرة فهذا منطق المنافقين الأنتهازين”. وهكذا ورغم أن السياسة وفي جزء منها؛ “العلاقة بين الحكام والمحكومين أو الدولة وكل ما يتعلق بشئونها أو السلطة الكبرى في المجتمعات الإنسانية وكل ما يتعلق بظاهرة السلطة” إلا إنها لا تقتصر على تلك العلاقة فقط، بل إنها تنظم حياة المجتمعات والبلدان في كل مفاصلها الوطنية حيث الإقتصاد والثقافة والعلاقات الخارجية والديبلوماسية، ناهيكم عن قضايا الحريات وحقوق الإنسان وأمن الإنسان والمواطنين وبالتالي فإن السياسة وبإختصار شديد؛ هو العقل الجمعي للمجتمعات والبلدان في إدارة شؤونها وبلدانها وحياتها اليومية في علاقاتها الداخلية المجتمعية أو في علاقاتها الخارجية الدولية.
لكن وبكل تأكيد لا يمكن أن تدار السياسة من قبل كل أبنائها بطريقة مباشرة، بل من خلال نخب سياسية وثقافية يتم تكليفهم من خلال مؤسسات وطنية يتم إنتخاب هؤلاء عبر إنتخابات وطنية شرعية ليتم تمثيل كافة الفئات والشرائح والمكونات وذلك بحسب النظام السياسي لكل بلد وقوانينها ودساتيرها المعمول بها وكذلك للمستوى الحضاري الثقافي وقضايا الديمقراطية والحريات المتوفرة لكل منظومة سياسية من هذه المنظومات الدولتية التي تدير حياة المجتمعات والدول كنظم سياسية معترف بها من قبل مجموعة المنظومة الدولية وشرعية النظام العالمي. وهكذا وبقدر التوافق الداخلي والخارجي على حكومة ما من هذه الحكومات وسياساتها العامة فإنها تمتلك الشرعية الدستورية والقانونية وبالتالي فإن قضية الشرعية هي مرتبطة وبشكل أساسي بقضية التوافق والإجماع الداخلي والخارجي حيث أي حكومة تعتبر شرعية داخلياً عندما تنال على الأغلبية البرلمانية من خلال إنتخابات حرة نزيهة تحترم إرادة مكوناتها الداخلية وتياراتها المجتمعية على إختلاف التباينات الثقافية الأقوامية والدينية وكذلك السياسية والأيديولولجية .. وهكذا فكلما كانت هناك تعددية برلمانية ومعارضات حقيقية في الداخل كلما أمتلكت تلك الحكومة شرعية دستورية حيث تعدد الآراء والقناعات السياسية هي إحدى الشروط الموضوعية للسياسات العقلانية والموضوعية وكما يقال فإن “إجتماع عقلين أفضل من عقل واحد“.
وهكذا فإن إحدى أولويات السياسة الناجحة هي أن تمتلك الموضوعية والعقلانية في إتخاذ مجموع القرارات والتوصيات بصدد قضية ما وبالتالي فإن على العاملين في هذا الحقل الحيوي والمهم في حياة الشعوب أن يمتلكوا عقلاً موضوعياً، رياضياً بحتاً، غير خاضع لرغبات شعبوية أو أيديولوجية سياسية _إلا في إطار المصلحة الوطنية_ تخضع القضايا لمواقف مسبقة مؤدلجة فحينها سوف تلوى عنق الحقائق وذلك بحسب أهواء ورغبات البيئة الإجتماعية أو الأيديولوجية السياسية الخاضعة لها تلك المنظومة الحزبية التي تقود البلاد والعباد بحيث تكون سبباً للكثير من الأزمات والكوارث الداخلية والخارجية .. وللأسف هذا ما نلاحظه في عموم سياسات المنطقة؛ بلداناً وأحزاباً ومنها سياسات أحزابنا الكوردية حيث تجد القيادي الكوردي والنخب السياسية والثقافية عموماً هو خاضع لشرطي الإستقطاب السياسي، ألا وهما؛ الأيديولوجيا السياسية لمنظومته الحزبية من جهة ومن الجهة الأخرى للرغبات الشعبوية المجتمعية بحيث ينقاد وفق المناخ الشعبي لرغبات مجتمعاتها وذلك بدل أن يكون قائداً لتلك المجتمعات.
وكمثال عن الحالة فيمكننا الأخذ بمواقف عدد من السياسيين الكورد بخصوص الموقف من تركيا وسياسات حزب العدالة والتنمية والحكومة التي يقودها رئيسها “أردوغان” حيث ورغم الإختلاف مع الكثير من النقاط والقضايا في سياسات تركيا، إلا إننا لا يمكننا أن ننكر بأنها حكومة غير منتخبة دستورياً وبأنها حكومة غير شرعية؛ كونها قد وصلت إلى السلطة وقيادة البلاد من خلال إنتخابات وطنية حرة وإن تخللتها بعض السلبيات، لكن لم تصل إلى حد الطعن بشرعيتها حتى من أشد المناوئين لها، إن كانت متمثلة في المعارضة القومية التركية؛ حزبي الشعب والأمة التركي أو من اليسار التركي وكذلك الكورد وحزب الشعوب الديمقراطية، بل ها هي الكتل البرلمانية الأربعة تعمل كفريق سياسي تحت قبة البرلمان، إن كانت كحكومة أو كمعارضات وطنية داخل تركيا وقد رأينا موقف هذه الكتل من محاولة الإنقلاب وكيف وقفوا مع الشرعية الإنتخابية في وجه الإنقلابيين وذلك بعكس عدد من السياسيين الكورد والذين زاودوا حتى على المعارضة التركية في مواقفهم وهم يرددون؛ بأن حكومة العدالة والتنمية هي “حكومة غير شرعية” وذلك بمقتضى الإستجابة لرغبة شعبوية من الشارع الكوردي في روج آفاي كوردستان أو نتيجة مواقف حزبوية ايديولوجية مسبقة، مما أفقد قراءاتهم الموضوعية السياسية والتي يجب أن يتصف بها أي سياسي.
كلمة أخيرة نوجهها لكل سياسيّ روج آفاي كوردستان وبكل أطيافنا الحزبية والأيديولوجية؛ إن ما نأمله منكم جميعاً، بأن لا تكونوا “ملكيين أكثر من الملك”، أن لا تكونوا بارزانيين أكثر من بارزاني .. وأوجلانيين أكثر من أوجلان!!
لوتزرن – سويسرا
22-07-2016
[1]