فرهاد حمي
*المركز الكردي للدراسات
تعيش مدينة #عفرين# التي تقع تحت سيطرة الدولة التركية بالتعاون مع المليشيات السورية المدعومة من قبلها منذ سنوات، أحد أسوأ حلقات في سياق تنفيذ السياسات العنصرية تحت يافطة الهندسة الاجتماعية السكانية. من الواضح أن وقوع عفرين تحت براثن الاحتلال التركي، تعتبر خطوة أولية في تطبيق الميثاق المليّ خارج حدود سيادة الدولة التركية من حيث الأهداف الخفية والعلنية لدى صنّاع القرار في أنقرة.
منذ هيمنة سلطة الاحتلال سيطرتها على جغرافية عفرين، بدأت تنفيذ منهجية السياسة السكانية والترحيل القسري عبر تحطيم هوية السكان المحليين، وتوظيف آلية الترحيل القسري، وتوطين المجموعات العربية السورية السنّية تحت غطاء إعادة إسكان اللاجئين والنازحين.
عملياً، وبغرض تنفيذ هذه السياسة، تستخدم أنقرة مع فصائلها السورية المتشددة، سلاح الحرب والعنف ضد السكان بصورة ثابتة، لكنها في الوقت عينه، تستعين بوسائل أخرى من أجل تحسين موقعها، وهنا بالذات يجري تسخير المنظمات غير الحكومية الموالية للإخوان والحركات الجهادية السورية بالتنسيق مع الشركات التركية لتشييد القرى والجوامع والمدارس بغرض نهب الثروة وإحداث التغيير الديمغرافي والتطهير العرقي، مستغلةً التمويل الذي يأتي من البنوك والمانحين الدوليين والجهات الشعبية، بذريعة تخفيف آثار الحرب القائمة على كاهل السكان والنازحين السوريين. والمفارقة تكمن في أن هذا التمويل يعاد استغلاله مجدداً عبر المؤسسات التركية والإخوانية السورية من أجل توسيع دائرة الاحتلال في شمال شرق سوريا.
وقد كشفت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية في تقرير لها قبل أيام آخر فصول هذه الاستراتيجية، حيث سلطت الضوء على عمل المنظمات غير الحكومية والإغاثية التي تعمل في فلك النظام التركي وتنطلق من الاراضي الإسرائيلية، بغية إحداث التغيير الديمغرافي في عفرين.
وأشارت الصحيفة أنه بتاريخ 21-06- 2021، تم افتتاح مسجد حديث البناء في قرية شيخ خورز التي تقع في عفرين في شمال غرب سوريا بالقرب من الحدود التركية، لافتةً بأن مقر المنظمة التي تسمى ب جمعية العيش بكرامة لا يقع في سوريا، وإنما في مدينة الطيرة، وسط إسرائيل، حيث أخذت هذه الجمعية بالظهور منذ العام الماضي بسبب الدعم التي قدمتها للسكان العرب في القدس احتجاجاً على عمليات الطرد المخطط لها في الشيخ جراح. وهي مرتبطة بمنظمات أخرى تدعم وجهة نظر إسلامية سنية، من النوع الذي يمثله الإخوان المسلمون والحكومة التركية.
تواصل حكومة الرئيس التركي رجب أردوغان سياسة تفريخ المستوطنات بدعم من منظمات وجمعيات إسلاموية بعد أن فشلت في توفير دعم أوربي وأمريكي، حيث تبين أنّ هدف تركيا هو توطين الموالين لها في تلك المستوطنات على حساب تهجير السكان الأصليين. كما تلقت تركيا اتهامات من الأمم المتحدة بالتورط في عمليات واسعة للتغيير الديمغرافي والتهجير.
منذ أن دخلت الميليشيات الإسلامية السنية السورية المدعومة من تركيا منطقة عفرين عام 2018، نزح حوالي 300 ألف شخص، معظمهم من الكرد، بعد تدمير الإدارة الذاتية في المقاطعة، وانخرطت بدورها حكومة أنقرة في إعادة توطين العرب السنّة السوريين المقيمين سابقاً في تركيا، وكذلك تلك العائلات النازحة من مناطق ذات أغلبية عربية سنيّة في سوريا، مثل ريف دمشق ومحافظتي حمص وحماة وجنوب إدلب عقب سقوط هذه المناطق تحت قبضة نظام بشار الأسد. وتزعم تركيا بأنها نقلت نحو 330 ألف سوري إلى مناطق عفرين وأجزاء أخرى من شمال سوريا، عقب سلسلة من العمليات العسكرية السابقة.
وأكدت صحيفة جيروزلم بوست في ذات التقرير أن جمعية الطيرة الخيرية أو العيش بكرامة هي أحد المشاركين في الجهود التي تقودها تركيا لإدماج السكان العرب السنّة الجدد على طول الحدود بين سوريا وتركيا. فمسجد شيخ خورز هو تفصيل صغير في استراتيجية تحول أكبر، تدعمها أنقرة، ويتم تنفيذها تحت رعاية الجيش السوري الإسلامي. والقصد من ذلك هو إحداث تغيير دائم في الهوية الديموغرافية والثقافية المتنوعة في عفرين.
ما أثار سخط لدى المنظمات الحقوقية المحلية ونشطاء على التواصل الاجتماعي مؤخراً، تمثل في مناشدة جمعية العيش بكرامة عبر صفحتها في الفيس بوك بتقديم التبرعات المالية بغية تمويل بناء مجمع سكني للاجئين العرب يعرف باسم بسمة، ويقع جنوب قرية شاديرة الإيزيدية، على بعد 15 كم، من الحدود السورية التركية. حيث يتكون المجمع السكني المكتمل الآن من ثماني وحدات، موزعة على 96 شقة، وتصل مساحة كل شقة حوالي 50 متر مربع، كما تم بناء مسجد ومدرسة ومركز صحي للقرية الجديدة.
منذ ذلك الحين، أعيد توطين حوالي 500 لاجئ عربي سوري. حيث تم بناء المجمع على أرض المواطن زياد حبيب، من سكان شاديرة، الذي أوضح أنه أجبر على بيع المنطقة. من المؤكد أن الهدف المرجو من هذه العملية هو تسكين السكان العرب السنة الموالين على طول الخط الحدودي، كجزء من التحول الديموغرافي الأكبر الجاري.
من بين الحملات الأخيرة التي أعلنت عنها جمعية العيش بكرامة على صفحتها في الفيس بوك، هي حملة دفء القلوب الرحيمة، نظمت من قبل فلسطينيو الداخل أو عرب 48 ونجحت في جمع 10 ملايين دولار قالوا إنها ستذهب لصالح المهجرين في مخيمات شمال غربي سوريا.
هذه الجمعية الخيرية الإسرائيلية العربية - الفلسطينية هي مكون واحد في أرخبيل أكبر للمنظمات الإسلامية المشاركة في مشروع إعادة توطين اللاجئين العرب في عفرين. ومن بين تلك المنظمات غير الحكومية، منظمة الأيادي البيضاء التي تتعاون معها العيش بكرامة عن كثب. هذه المجموعة التي تأسست في عام 2013، وفقاً لموقعها على الإنترنت، تتعاون بدورها مع جمعيات خيرية مرتبطة بالإخوان المسلمين ومنظمات غير حكومية من الخليج، بما في ذلك مؤسسة الرحمة الدولية وبيت الزكاة ومقرها الكويت، وقطر الخيرية التي تتخذ من قطر مقراً لها.
وقال المحامي حسين نعسو، وهو ممثل الهيئة القانونية الكردية تعليقاً على هذه الحملة في تصريح خاص لمركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا: نخشى أن يتم استغلال طيبة الشعب الفلسطيني ومشاعرهم النبيلة وأن تذهب الأموال إلى خزينة الاحتلال التركي الذي يقوم باستخدامها في بناء المستوطنات في منطقة عفرين المحتلة لتوطين وايواء عوائل المسلحين الموالين له من العرب والتركمان، بغية تغيير ديموغرافية المنطقة وطمس هويتها وخصوصيتها الثقافية الكردية.
وأشار نعسو أن تركيا قامت ببناء أكثر من 18 مستوطنة في منطقة عفرين بدعم جمعيات قطرية وكويتية وفلسطينية تتبع لتنظيم الإخوان المسلمين العالمي، وأشهر تلك المستوطنات هي: قرية بسمة في منطقة شاديرة بناحية شيراوة، مستوطنة جبل قاذقلي في حج حسنا، مستوطنة بافلون على جبل برصا، مستوطنة آفراز في قرية آفرازة.
تستهدف تركيا حسب المراقبين والمؤسسات الحقوقية، في توطين معظم اللاجئين السوريين العرب الموالين لها في المناطق الحدودية في سوريا، وتتمثل خطة تركية في سوريا حول إنشاء حزام من المستوطنات على طول الحدود التي كان يعيش فيها الكرد والأقليات الأخرى، وتحويلها إلى سلسلة من الوحدات السكنية المؤيدة لتركيا، من جهة ستكون معزولة عن تركيا، ومن جهة أخرى ستساعد في تعزيز ولاء اللاجئين السوريين لتركيا، وهو مخطط كشف عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أكثر من مناسبة، متذرعاً بأنّ هذه المناطق صحراوية لا تلائم معيشة الكرد وأنّها مناسبة لتوطين العرب فيها.
لقد سعى الكرد المضطهدين في عفرين دون جدوى في البحث عن آلية قانونية لردع هذه الجرائم اليومية المنتهكة بحقهم، ويبدو أن صوتهم قد استُبعد من إطار شرعية حقوق الإنسان والحماية القانونية الدولية لغاية الآن.[1]