=KTML_Bold=ثلاثية الحلم الكردي... الترجمة والمجمع ولغة الدستور=KTML_End=
عبد الحليم سليمان
ارتفاع عناوين الكتب المعروضة باللهجات الكرمانجية والسورانية والزازاكية إلى ثلاثة آلاف
يعكس الاهتمام الرسمي والثقافي في شمال وشرق سوريا باللغة الكردية رد فعل على أزمنة كانت ولا تزال ممنوعة رسميا بالبلاد - (أ ف ب)
يوجه أكراد سوريا بوصلة تحركاتهم مع كل مناسبة نحو كل ما يثبت هويتهم القومية في بلد يشهد اضطراباً وتنوعاً قومياً وثقافياً منذ قرن من الزمن. ففي 15 مايو (أيار) 1932، أصدر الأمير جلادت، سليل عائلات بدرخان التي حكمت إمارة بوطان (ولاية شرناخ بتركيا)، مجلة هاوار في دمشق والتي حملت على عاتقها نشر اللغة الكردية وقواعدها بالأحرف اللاتينية إلى جانب مواد ثقافية أخرى كالشعر والقصة وغيرهما.
وأصبح هذا التاريخ منذ عام 2006 عيداً للغة القومية يحتفل به الكرد في أماكن وجودهم بعد أن أقره المؤتمر القومي الكردستاني. وخلال الأسبوع الماضي وللعام الثاني على التوالي تحولت المناسبة إلى نشاط ثقافي بافتتاح معرض الكتاب الكردي، والذي تنظمه الإدارة الذاتية، وتشارك فيه اتحادات ثقافية مستقلة ودور النشر والمكتبات.
أرقام مميزة
يقول الرئيس المشارك في هيئة الثقافة التابعة لإدارة الحكم الذاتي بإقليم الجزيرة إلياس سيدو إن عدد عناوين الكتب الكردية المعروضة هذا العام وصل إلى ثلاثة آلاف و35 عنواناً باللهجات الكردية الثلاث (الكرمانجية والسورانية والزازاكية)، وبلغ عدد الكتب 12 ألفاً و140 كتاباً، مقارنة ب2524 عنواناً و10 آلاف نسخة للعام الماضي.
أما دور النشر والاتحادات والمكتبات المشاركة هذا العام فقد بلغت 14 دار نشر ومؤسسة لطباعة وإنتاج الكتب الكردية، إلى جانب مشاركة اتحادات المثقفين والكتاب في شمال وشرق سوريا، ومن أقاليم أخرى في إيران والعراق وتركيا، ليصل إجمالي عدد المؤسسات المشاركة إلى 32.
خلال السنوات الأخيرة زاد الاهتمام بالكتاب الكردي، لا سيما بين الشباب الذين يتلقون تعليمهم باللغة الكردية لدى الإدارة الذاتية، لكن ثمة ظروف ومعوقات تحد من هذا الاهتمام بين فئات أخرى من السكان والمهتمين يجملها سيدو في الظروف الاقتصادية والوضع المعيشي والحالة النفسية المتعلقة بالوضع الأمني والتهديدات المستمرة من الجانب التركي.
دفعت الأوضاع المعيشية مسؤولي إدارة الحكم الذاتي إلى البحث عن آلية في المعارض المقبلة، بالتنسيق مع دور النشر والمؤسسات المشاركة، بهدف تخفيض سعر الكتاب ونشر ثقافة القراءة من خلال تلقي الدعم اللازم من هيئة الثقافة، ليتمكن القارئ الكردي من الحصول على الكتاب الذي يريده وبسعر معقول، وفقاً للمسؤول في الإدارة الذاتية.
=KTML_Bold=تمكين اللغة والكتاب=KTML_End=
أدخلت الإدارة الذاتية اللغات الثلاث الرئيسة المنتشرة في مناطقها (الكردية والعربية والسريانية) إلى مناهجها الدراسية كما تتعامل بها في خطاباتها الرسمية قناعة منها في ترسيخ ثقافات سكان المنطقة المتنوعة.
وقال إلياس سيدو إن الفعاليات الثقافية تتيح لأصحاب هذه اللغات المشاركة، وبخاصة اللغة الكردية باعتبارها كانت مهمشة تعليمياً وتثقيفياً بلغتها الأم أو طباعة نتاجاتهم عبر أزمنة مختلفة، إضافة إلى ندرة وجود كتب متاحة للقراء باللغة الكردية.
ويعكس الاهتمام الرسمي والثقافي في شمال وشرق سوريا باللغة الكردية رد فعل على أزمنة كانت ولا تزال ممنوعة رسمياً في البلاد، حيث تخوض صراعها الوجودي في أماكن وجود الناطقين بها.
وأوضح الشاعر الكردي أحمد حسيني، وهو من شعراء جيل الثمانينيات وله عديد من الدواوين والنتاجات في اللغة والثقافة الكردية، أن كثرة الأعمال المنشورة باللغة الكردية خلال السنوات الأخيرة أسهمت في توسيع دائرة تداول اللغة.
وأشار إلى أن تحويل المناهج الدراسية في مناطقهم بسوريا إلى اللغة الكردية كان له أثر عظيم في ربط الناس مرة أخرى بلغتهم الأم، بعد أن حاربتها الحكومات السورية ولسنوات طويلة. ونبه إلى أن اللغة الكردية استطاعت المقاومة والتغلب على صعوبات كثيرة واجهتها في خضم صراعها مع لغات أخرى مثل العربية والتركية والفارسية.
=KTML_Bold=تحديات اللغة=KTML_End=
وخلال السنوات الأخيرة شهدت الساحة الكردية في سوريا نوعاً من الانفتاح الأدبي والذي أثر إيجاباً في الأدب بشكل عام، وفقاً لحسيني، الذي قال إن الأدب الكردي حقق خطوات مميزة وجدية نحو الساحات الأدبية العالمية من ترجمات من وإلى اللغة الكردية، موضحاً أن مئات من هذه الكتب القيمة والمهمة تخص الأكاديميين والمثقفين العاديين، على حد سواء.
ولكن هذا الجهد يحمل معه إشكالات تتعلق بالمفردات والمصطلحات عند صياغتها وترجمتها، إذ قال هناك واقع سلبي أيضاً تشهده لغتنا الكردية حيث الكلمات الدخيلة والمصطلحات المصطنعة والتي ترجمت حرفياً من اللغات المجاورة من دون اعتبار لخصوصية الكردية والناطقين بها، إضافة إلى وجود كثير من النتاجات الأدبية التي لا ترقى إلى المستوى المطلوب، وتحول أغلب الكتابات إلى التكرار الممل لا روح ولا تجديد فيها.
واعتبر أنه لا يمكن الفصل بين اللغة والظروف المحيطة بالأكراد من توزعهم في أربع دول متجاورة، موضحاً أن تطور اللغة الكردية متعلق بشكل أساسي بالواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
وقال نحن بحاجة ماسة إلى وجود مؤسسة أو مجمع لغوي يحتضن جميع اللغويين هنا وفي الأجزاء الأخرى من كردستان، والاشتغال على مواكبة وتطور المذاهب اللغوية العالمية وجعلها في خدمة الثقافة والأدب الكرديين.
وبحسب حسيني فإن الثقافة الكردية تتأثر بالقيم الاجتماعية والتقاليد مع مرور الوقت وحينها يكون للتعليم الأثر الأكبر في تطويرها داخل مجتمعهم لتسهم في نشر التفكير النقدي السليم واكتساب المهارات اللغوية والثقافية المختلفة.
ورأى الشاعر الكردي الذي ينحدر من مدينة عمودا أن ارتفاع مستوى الدخل يؤثر إيجاباً في الثقافة المادية والحضارة، وتزداد الاهتمامات الثقافية حين يتمتع المجتمع بحياة آمنة ومستقرة وهو الأمر الذي يعانيه السكان في شمال شرقي سوريا، لافتاً إلى أنه من الأهمية بمكان نشر الكتب وطباعتها في مجالات الحياة التعليمية والثقافية لجميع المستويات كونها السجل الحيوي للتاريخ والمعرفة الإنسانية ومن خلالها تنتقل الحضارة من جيل لآخر، على حد تعبيره.
=KTML_Bold=عوائق حركة الترجمة=KTML_End=
أسهم النشاط الثقافي الكردي خلال السنوات الأخيرة في ظهور حركة الترجمة من الكردية وإليها بعد أن كانت تعتبر محاولات من قبل أشخاص مهتمين. ويقول مدير منشورات نقش عبدالله شيخو الذي ينشط في مجال ترجمة الكتب من الكردية وإليها، إن الحديث عن حركة ترجمة قبل الحرب السورية غير ممكن، لأن اللغة الكردية نفسها كانت محظورة ولم يكن هناك مؤسسات تعنى بهذه اللغة والترجمة عنها وإليها.
وأضاف شيخو أنه حتى الكتاب والمترجمون الكرد القلائل حينها كانوا ينشرون معظم نتاجاتهم في تركيا أو العراق أو لبنان أو أوروبا، لافتاً إلى النشر بمعناه الحقيقي - وإن كان لا يزال خجولاً - بدأ مع رفع الحظر عن الكردية واعتمادها لغة رسمية في مناطقهم بسوريا.
ويرى مدير منشورات نقش، الذي أسس قبل أربع سنوات في مدينة القامشلي، أن حركة الترجمة ضعيفة ومن دون المأمول لأننا نحتاج إلى قوانين وميزانيات وكوادر ومترجمين محترفين، وكل ذلك لا يزال في طور التأسيس ويحتاج إلى وقت جيد وجهد جبار لإطلاق حركة ترجمة مؤسساتية تخدم اللغة الكردية.
ويخوض شيخو في حديثه عن عوائق حركة الترجمة، قائلاً إن المنطقة تفتقر إلى مترجمين محترفين ومؤسسات وأكاديميات وكليات متخصصة في الترجمة، في ظل انعدام استراتيجية خاصة بالتطوير اللغوي والثقافي لدى الكرد وأحزابهم ومؤسساتهم في سوريا.
واعتبر أن الإدارة الذاتية، صاحبة اليد العليا في المنطقة، لا تضع خطة عمل واسعة واستراتيجية، ولا تخصص ميزانيات مناسبة لتطوير اللغة الكردية ونمذجتها وتعويض سنوات الفوات الثقافي واللغوي التي عانتها الكردية بسبب سياسات الإنكار والصهر الثقافي في ظل سطوة مختلف السلطات القومية العنصرية التي حكمت سوريا وأنكرت هوية الكرد ولغتهم منذ تأسيس الدولة السورية وحتى اليوم، على حد قوله.
وأشار إلى أن الأسباب السابقة أدت إلى عدم ظهور طبقة واسعة من قراء اللغة الكردية، إذ لا يزال معظم الكرد يقرأون ويكتبون بالعربية، قائلاً يحتاج نشر الكردية على نطاق واسع ومحو الأمية باللغة الكردية إلى سنوات طويلة وجهد كبير وقوانين ومؤسسات نشطة، لكن في كل الأحوال، لا مجال للمقارنة مع سنوات حكم البعث، إذ لم يكن هناك طبقة من قراء الكردية، ولم يكن الكتاب الكردي متوفراً إلا بشكل سري وضيق للغاية.
=KTML_Bold=الصراع السوري=KTML_End=
على رغم أن الأكراد وحراكهم السياسي حمل مطلب الاعتراف بلغتهم في الدستور السوري لتصبح لغة رسمية في البلاد، فإنهم لم ينجحوا في التقاط أي مكسب يؤهل لإدراج لغتهم في مشروعية هذه البلاد، إذ بدأ ذلك مع جمعية خويبون عام 1925.
وحمل أول حزب كردي أسس عام 1957 راية المطلب ذاته مروراً بعقود من عدم الاعتراف الرسمي بها، بل عرضت المطالبة باللغة والثقافة الكردية خلال العقود الماضية، المئات من الناشطين والعاملين في الحيز الثقافي إلى الاعتقال والمنع، وصولاً إلى نشوء الإدارة الذاتية التي أحدثت مؤسسات وهياكل في هذا الشأن لكن من دون الوصول إلى اعتراف رسمي من الدولة السورية حتى الآن.
وفي كلمة للقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي وجهها إلى اجتماع لمؤسسة اللغة الكردية في سوريا، قال إنه خلال جولات عديدة من التفاوض مع النظام السوري خلال السنوات الماضية احتل مطلب الاعتراف باللغة الكردية واللغات المحلية الأخرى مكانة خاصة في تلك المباحثات.
ووصف النظام السوري بأنه الأعتى من بين الأنظمة التي تتقاسم المناطق الكردية في الشرق الأوسط من حيث رفض الاعتراف باللغة الكردية، معتبراً أن الاعتراف بهذه اللغة سيبقى من أولوياتهم في أي مفاوضات مستقبلية لإنهاء الصراع الدائر في البلاد.[1]