الدولة القومية هي دولة عنصرية تكويناً ونهجاً!!
#بير رستم#
الحوار المتمدن-العدد: 5195 – 2016-06-16
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
ربما يكون العنوان صادماً للكثير من الإخوة والأصدقاء الذين يتابعون كتابتي ومقالاتي وبالتالي هم على دراية بمواقفي الفكرية والسياسية حيث في جل تلك الكتابات كنت وما زلت أقول؛ بأن الدولة القومية هو المشروع السياسي الأكثر ملائمةً للمرحلة التاريخية حيث صراع المكونات في مرحلة الإنتقال من الدولة القبيلة إلى الدولة القومية وذلك رغم تقسيم منطقة الشرق الأوسط عموماً _ومنها كوردستان_ ومنذ قرن كامل، فهي ما زالت تعاني من مشكلات حقيقية وأكثرها عمقاً وإشكاليةً؛ هي أزمة الهوية حيث تجد الصراعات الدينية الطائفية والأقوامية الإثنية في جغرافيات ما زالت قيد التشكل والتبلور وذلك على الرغم من مرور مائة عام على توقيع الإتفاقيات الدولية ورسم خرائط دول وكيانات سياسية في جغرافية المنطقة.
لكن وللأسف رسمت تلك الخرائط وفق المصالح الإستعمارية آنذاك وليس وفق (رغبات) ومصالح المكونات المجتمعية للمنطقة بحيث تركت الكثير من الصراعات تتأجج تحت رماد الحربين العالميتين الأولى والثانية ولتنفجر بعض البراكين هنا وهناك خلال القرن الماضي إلى أن كان الإنفجار الشرقي الهائل مع ما عرف بثورات الربيع العربي؛ حيث تعاد رسم خرائط جديدة لكيانات سياسية جديدة، تتوافق مع رغبات ومصالح استعمارية لدول حلت مكان الدول الإستعمارية القديمة وبالتالي خلق وإيجاد كيانات سياسية أقوامية جديدة في المنطقة وفق مصالحهم _أي مصالح الدول الإستعمارية البديلة_ حيث نجد بأن المنطقة تمر بمخاض عسير وقد يشهد ولادة كيانات قومية؛ “دولة كوردستان” وكذلك طائفية دينية؛ “دولة سنية واخرى شيعية”، فما هي الدولة وذلك قبل أن تكون قومية أو غير قومية عنصرية او غير عنصرية.
يقول الكاتب منصور الجمري” في مقالة له بعنوان؛ “ما الدولة القومية؟” منشورة في صحيفة “الوسط” العدد 1889 بخصوص مفهوم الدولة ما يلي: “المفكرون اختلفوا بشأن الدولة، وإذا ما كان لها شخصية اعتبارية أم لا. فهناك من قال إنها قامت في الأصل على أساس غير أخلاقي (الفيلسوف نيتشه)، على حين قال آخرون بأهميتها إلى حد التأليه (مثل هيغل). غير أن الآراء التي عمت الفكر الإنساني في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين تقول إن «الدولة» هي التعبير القانوني للأمة أو الوطن، وإن أي اعتداء على الدولة هو اعتداء على الأمة والوطن، لأنها مستمدة من ارادة جماعية” ويضيف كذلك؛ “بعد انهيار العهد الروماني ومجيء عهد الإقطاع في أوروبا أصبح مفهوم الدولة يعني الأراضي التي يملكها سادة الإقطاع. وكلمة الدولة بالإنجليزية «STATE» قريبة من كلمة «ESTATE»، التي تعني العقار وقطعة الأرض، ولهذا لم يكن التفريق بين الإقطاع والدولة في تلك الفترة واضحا”.
لكن هذا المفهوم؛ مفهوم الدولة قد تطور مع الأفكار والنظريات القومية والتي شهدتها المرحلة التاريخية الماضية وعلى الأخص بعد الثورة الفرنسية 1789 حيث “انتشرت الأفكار القومية الأوروبية في القرن التاسع عشر بصورة ألهبت المشاعر وأعطت قدسية وربما ألوهية لفكرة «الوطن» و«الأمة» و«القوم». وقد أدى ذلك اللهب القومي لاحقا إلى نشوء حركات عنصرية ووصول الحكم النازي في ألمانيا والحكم الفاشي في إيطاليا بعد الحرب العالمية الأولى. وقام هؤلاء الحكام بتحوير مفهوم حماية أمن الدولة ضد جميع المعارضين واعتبروا المعارض السياسي مجرما وعدوا للشعب؛ لأنه عادى نظام الحكم القائم” (المصدر السابق) حيث يؤكد الكاتب على أن الفكر النازي أنطلق من تلك المشاعر القومية الملتهبة في فكرة تفوق العنصر الآري على باقي العناصر والمكونات الأقوامية الأخرى.
ويقول كذلك الكاتب “علي عادل” في مقالة له بعنوان؛ “ما هي الدولة القومية الحديثة؟” ومنشورة في موقع إضاءات بخصوص نشوء الدولة القومية ما يلي: “اختلفت العديد من الكتابات الأكاديمية والفلسفية النظرية في تحديد نشأة الدولة القومية الحديثة؛ إلا أن مصطلح الدولة بشكل عام لم يكن حديثا، بل هو بدأ في الظهور من بعد معاهدة ويستفاليا عام 1648 للصلح بين المجتمعات والإمبراطوريات الأوروبية المتناحرة. جاء ذلك المؤتمر لوضع حدٍ لتلك الصراعات المسلحة والتي أودت بحياة الكثير من البشر. تم الاتفاق على أن يتم تعيين ما سمي وعرف بعد ذلك بال Nation State أو الدولة القومية، والتي كانت تعني أن يتخذ كل مجموعة من الأعراق وأصحاب اللغات المتشابهة أرضا ويعينوا لها حدودا وتصبح بذلك دولتهم التي لا يُغير عليها أحد ولا يشاركهم فيها أحد”.
إذاً إرتبط مفهوم الدولة القومية بقضية صراع الأقوام على السيادة والهوية ونحن اليوم كشعوب منطقة الشرق الأوسط نعيش مرحلة “صراعات متناحرة” ربما تستمر قرناً آخر بين مكونات المنطقة؛ صراع ديني مذهبي (شيعي سني) وآخر كوردي مع المكونات المجتمعية الأقوامية الأخرى في المنطقة _الأتراك والعرب والفرس_ وذلك على تثبيت هويات هذه التكوينات والجغرافيات السياسية الناشئة والصراع على الحدود، لرسم قواقعنا وكياناتنا السياسية (العنصرية) _ونقصد هنا بالعنصرية كخصوصية إثنية أو دينية لتلك الدول والكيانات حيث العنصر المحدد في تشكيل الهوية_ كون مفهوم الدولة القومية أو “الدولة الأمة (وأيضا الدولة – القومية) هي منطقة جغرافية تتميز بإنها تستمد شرعيتها السياسية من تمثيلها أمة أو قومية مستقلة وذات سيادة”، كما رأينا سابقاً وكذلك بحسب الموسوعة الحرة ويكيبيديا والتي تحدد الدولة على أنها؛ “كيان سياسي وجيوسياسي بينما دولة القومية هي كيان ثقافي وإثني”. وهكذا فإن مصطلح الدولة القومية وفق ذاك المصدر؛ “يفيد إلتقاء وتوافق السياسي الجيوسياسي مع الثقافي والإثني معا”، وبالتالي تَشكل “دولة القومية” حيث أن “الصفة الفريدة للدولة القومية هو تماثل وتطابق الشعب مع الكيان السياسي”.
وهكذا فإن الأساس في تكوين هذا الكيان السياسي (الدولة القومية) هو ذاك العنصر المحدد لهوية الدولة ومن هنا جاءت قضية أن الدولة القومية؛ هي دولة عنصرية بالتكوين والنهج وذلك تكويناً وثقافةً من ذاك العنصر “القوم” المكوّن لتلك الدولة الخاصة بهم كعنصر ومكون إجتماعي ثقافي متمايز ومتفوق على عناصر وثقافات أخرى تكوّن كيانات سياسية أقوامية عنصرية أخرى تجاورها وتصارعها على الحدود والهويات الأقوامية حيث شهدت تلك الساحات الكثير من المجازر والإبادات الجماعية وتعرف الموسوعة العربية العالمية مفهوم العُنْصُرية كالتالي؛ هو “الاعتقاد بأن أعضاء جنس أو سلالة أو مجموعة من السلالات أعلى أو أدْنى درجة من أعضاء السّلالات الأخرى. ويسمى الناس الذين يعتقدون أو يمارسون ما يوحي بتفوق سلالة على أخرى عنصريين، فهم يدَّعون أن أعضاء سلالتهم أعلى شأنا في النواحي العقْلية والأخلاقية أو الثقافية من أفراد السّلالات الأخرى. ولأن العنصريين يفْترضون أنّهم أرفع مقامًا، لذلك فإنهم يعتقدون بأنهم يستحقّون حقوقاً وامتيازات خاصة”. وهكذا وبمراجعة لتجربة شعوب المنطقة والعالم _تجربة الدولة القومية وكذلك الدينية_ فإننا نقف على حقيقة مرة؛ وبأنها قامت على فكرة التفوق لعنصر ما على باقي العناصر والمكونات المجتمعية الأخرى في تلك الجغرافية التي حددت لنفسها كأوطان وكيانات أقوامية أو إمبراطوريات دينية عنصرية.
لكن وأخيراً علينا أن نطرح السؤال الإشكالي المحيّر؛ هل علينا أن نرفض أو نقبل الدولة القومية الكوردية وولادة دولة كوردستان .. بالتأكيد إننا سوف نخضع هنا لضغط مركب تشترط علينا القبول والترحيب بها؛ أولاً كشرط إجتماعي أخلاقي يفرض علينا المطالبة بالدولة القومية، كي لا نتهم بالخيانة للقضية وكذلك وثانياً؛ القبول والترحيب بالدولة القومية كضرورة مرحلية تاريخية حيث البنية الإقتصادية والعلاقات المجتمعية والوعي الثقافي لشعوب المنطقة ما زالت تشهد تحولاتها الفكرية من دولة القبيلة إلى الدولة الوطنية (القومية أو الدينية) وحيث لا يمكنك أن تبني دولة وطنية حديثة مستنسخة أوربياً؛ كون هناك فارق حضاري بين كلا المجتمعين وبالتالي لا يمكنك حرق المراحل التاريخية .. وهكذا لا بد من قبول الدولة القومية حتى وإن كانت عنصرية!![1]