#قيس قرداغي#
كثيرا ما توصف ببرميل من البارود ، وهي كذلك ، ولكن لا أحدا يريد التحري عمن وضع هذا البارود في لغم سريع الانفلاق في أية لحظة وفي مدينة مثل كركوك لها خصوصياتها التي لا يعرفها الا من عاش وأقام فيها ودرس تلك الخصائص بدقة وتأني ، والقليل جدا من المتحدثين عن هذه المدينة يجشمون عناء البحث عن معلومات لابد منها عن تاريخ المدينة والسيرة الذاتية للمعضلة السياسية التي كبرت عبر مراحل متعددة وفي حجر أنظمة متعددة أكثرها لقيطة لا يهمها مستقبل الأجيال وما يمكن أن يحدث لها جراء حماقاتها ، فقد كان سلوك تلك الأنظمة أبدا سلوك اللصوص الذين يتسارعون الى توزيع المغانم فيما بينهم ليهموا الى تدبير حملة جديدة للسرقة . فالكلام عن موضوعة مبهمة بلا أساسيات وبلا خزين للمعلومات في جوانب عديدة للموضوع يكون بمثابة البلاء الذي يضحك أكثر مما يبكي وهذا ديدن معظم من يدلون دلوهم في موضوعة كركوك وهم معصوبي الأعين ومقفلي الأدمغة أمام الحقائق والوقائع لا يهمهم سوى رش مستمعيهم بسيل من الكلام الفارغ والانشاء المبطن المغلف بأكاذيب عارية وأتهامات باطلة تنم عن جهل مطبق وهذا ما نلتمسه في الفضائيات العربية التي نشطت في الآونة الأخيرة وأعلن البعض منها حربا أعلامية شعواء ضد المكون الأساسي لهذه المدينة على أمل إشعال فتيل القنبلة المزعومة .
عندما نتحدث عن أية مدينة يكتنفها اللغط السياسي علينا البدء بسلق بيضتها التأريخية ، ولا أعني التأريخ القديم فهو غير مجدي ، لأن الأمصار والمدن القديمة في كل العالم كانت محطات عبرت منها الشعوب والأمم والملل والنحل أمواجا وليس من الضروري أن ننسب الأرض الى شعب ما لمجرد أن يكون هذا الشعب قد سبق الآخرين في العيش عليها ، فالشعوب ومنذ القدم ولأسباب كثيرة تنقلت وهاجرت وهجرت وغزت وغُزيت والامثلة بالعشرات ، فأمامنا 22 دولة عربية الآن لم تكن عربية قبل الفتح الأسلامي الا عدد قليل منها ، وكذلك الدول التي يقطنها الأتراك في الوقت الحاضر ، لربما الكورد هم الشعب الوحيد في المنطقة الذي بقى متمسكا بموطنه لم يزحف شمالا وجنوبا ولا شرقا ولا غربا الا في مساحات قليلة وقد تكون الجبال التي لازالت الصديقة الوفية للكورد هي التي وقفت عائقا أمام زحف الجيوش الجرارة والغزوات التاريخية وتمسك الكورد بها الى الوقت الحاضر ولم يتحركوا الا عند التكاثر والنمو السكاني الذي عادة ما يحدث في فترات السلم والعافية فأنفتحوا في الجهات الأربعة وربما من دون الأستيلاء على أراضي الآخرين حيث كان عدد سكان الكون قليلا وعليه تستوعب الموجات البشرية المتعاقية .
كركوك شأنها شأن المدن الأخرى ، كانت حاضنة لأستيعاب الموجات الكوردية المتعاقية التي قدمت اليها من أطرافها، حيث كانت المدينة تتميز بحركة تجارية وزراعية وصناعية كبيرة مثلما يتحدث عنها الرحالة والبلدانيين وكانت مركزا لمجموعة كبيرة من المدن الصغيرة وجميعها مدن كوردية تابعة لها من حيث الادارة ومن أبرزها مدن كفري وطوز وجمجمال وكويسنجق وآلتون كوبري وأربيل وفي بعض الفترات كانت حدودها الادارية تمتد حتى مدينة راواندوز شمالا ، ولكن في العهد الملكي وبعد أن أستحدث لواء أربيل أقتصرت حدودها من النهر الى النهر والمعني نهري الزاب الأسفل الذي يشق مدينة آلتون كوبري ونهر سيروان الذي يمر بمحاذاة دربنديخان وباوه نور وكلار الى جلولاء التابعة لقضاء خانقين من أعمال محافظة ديالى ، ولذلك نرى أن نفوس الكورد أزدادت كلما أنتقلت الجماعات الى المدينة وكل زائر ينتقل لسبب معين ، منهم الموظفين ومنهم العمال ومنهم الكسبة ومنهم الفلاحين الذين يهجرون حقولهم في سنوات القحط ويستقرون في المدينة ، وهذا الحال ينطبق على معظم المدن في العراق والعالم ، فعدد ساكني المحافظات الذين أنتقلوا الى بغداد مثلا واستقروا فيها في فترات متعاقبة هو أضعاف أضعاف البغادة ( سكان بغداد الأصليون ) الذين لا يشكلون الا أقلية في المدينة، فالريف كان أبدا الرافد الجارف لسكان المدن .
كركوك قبل قرن وبضعة سنوات لم تكن مثل كركوك في ايامنا هذه ، فحسب الرحالة أن عدد نفوس كركوك في العقد الأخير من القرن التاسع عشر لم يكن أكثر من ثلاثين ألف نسمة , وحسب البلداني والموسوعي العثماني الأشهر شمس الدين سامي الذي كتب عن المدينة في متن قاموسه العملاق الموسوم ( قاموس الأعلام العثماني ) في باب ( حرف الكاف ) ، حيث يشير الى عدد نفوس المدينة وعدد الخانات والمحلات التجارية ويشير الى عدد الكورد ويقول عنهم أنهم يُشكلون ثلاثة أرباع المدينة والربع الآخر هم خليط من الترك ( هكذا ) والعرب والكلدان والأسرائيليين ( كذا ) ويدّون كل ذلك بالارقام ، وهذا يعني أن الكورد الموجودين في المدينة ليسوا من الزاحفين من الأطراف كما يتصور البعض ، بل أنهم من سكان المدينة الأساسيين وقد أضيف اليهم الاعداد الزاحفة اليها من الأطراف فيما بعد لتبقى النسبة التي تحدث عنها شمس الدين سامي ثابتة لحين ممارسات التغيير الطوبوغرافي التي طبقتها الحكومات العراقية منذ تأسيس العراق الحديث عام 1921 ولحين الايام الاخيرة من حياة النظام الصدامي مع الاشارة الى التصعيد الخطير لسياسة التعريب الممنهجة في عهد النظام البعثي حيث لم يمر يوما دون أن تشهد المدينة مجموعة من العوائل المهجرة من الكورد وهنالك وثيقة غريبة موقعة من قبل طه ياسين رمضان يأمر فيها بتهجير سبعة عوائل كوردية صدرت قبل خمسة أيام فقط من سقوط الحكم السابق وقد أشار الأستاذ مسعود بارزاني الى هذه الوثيقة عند زيارته الأخيرة الى مدينة كركوك أثناء لقائه بشخصيات من العرب والتركمان في مقر المحافظة .
وما مدون في موسوعة سامي مدون في الكثير من المصادر الاسلامية والعربية والأوروبية وهنالك معلومات أدق في السالنامات التركية التي كانت تدّون دقائق الامور حول أمور مختلفة للامبراطورية العثمانية وكذلك نجد الشئ نفسه في دائرة المعارف الاسلامية والانسكلوبيديا الخاصة بالدول الاوروبية والاسيوية ، أما ملاحظات الرحالة ومنهم الرحالة الترك ومنهم أوليا جلبي فيخبرنا عن أمور تعد للبعض ثانوية فيما يعتبرها الأكاديميين المهتمين بدراسة البلدان والامصار قضايا مهمة ومراجع معتمدة وفي عام 1947 قامت مجموعة من الباحثين العراقيين بتأليف أربعة عشر موسوعة للألوية العراقية ومنها كركوك يمكن أعتبارها وثيقة ومرجعا تأريخيا مهما ولم يكن بين اللجنة او رئيسها كوردي واحد وقد أعددت قراءة للموسوعة في التسعينات نشرت في صحيفة الأتحاد .
وهنا نجد من الضرورة اعادة نشر النص الدقيق لما كتبه شمس الدين سامي وقد كنت سباقا الى ترجمتها الى لغة الضاد ونشرها في عدة صحف وجرائد ومواقع ألكترونية فيما بعد ، لعل المتحدثون عن موضوعة كركوك يكونون على بينة من حقيقة المدينة قبل قرن من الزمان .
كتب العلامة شمس الدين سامي في الصفحة ( 3846 ) ضمن حرف الكاف في قاموسه وباللغة التركية العثمانية حول كركوك مايلي :
(( كركوك ، مركز سنجق شهرزور في ولاية الموصل بكوردستان تبعد عن الموصل مسافة{ 160 كلم } جنوبا ، تقبع خلف سلسلة من التلال على سهل واسع في وادي ادهم { ادهم هو الاسم القديم لنهر خاسه او خاصة في كركوك - المعرب } عدد سكانها يبلغ { 30000 } نسمة ، فيها قلعة و { 36 } جامع ومسجد ، { 13 } خان و { 1282 } محل تجاري ومستشفى واحدة و { 8 } حمامات و جسر على النهر { كذا } ومدرسة رشدية واحدة مع { 18 } مدرسة ابتدائية و { 3 } كنائس ومعبد واحد لليهود .
من احيائها محلة التبة ومحلة القلعة وما يجاورها من الاحياء السكانية في القسم الشرقي للنهر ، {{ ثلاثة ارباع سكانها من الكورد اما الربع الآخر هم خليط من الترك والعرب وسائر الاقليات مع ( 760 } اسرائيلي و { 460 } كلداني }}.
الحركة التجارية فيها نشطة كون وقوعها على ملتقى عدة طرق رئيسية ولكثرة المياه الجارية فيها يلاحظ المرء في اطراف المدينة العديد من البساتين الغناءة بانواع الحمضيات كالبرتقال والليمون وسائر الانواع الاخرى ، اما بالقرب من المدينة تتوفر المياه المعدنية والنفط ، كما ويوجد فيها معمل لصناعة الاقمشة وآخر لاعمال دباغة الجلود والغزل والنسيج ومعمل لانتاج عصير البرتقال .
هواءها معتدل وصحي لكنه حار جدا في الصيف ، من شواهدها مقام النبي دانيال والنبي عزيز عليهما السلام مع عدد من الشيوخ والصالحين يتبرك بزيارتهما الأهالي .
كركوك مدينة قديمة كان اسمها { كركوره } ، وقضاء كركوك مركز لسنجق { شهرزور } يحدها سنجق السليمانية شرقا وقضائي كويسنجق واربل شمالا وسنجق الموصل غربا وولاية بغداد من الجنوب الغربي وقضاء الصلاحية { الصلاحية الاسم الرسمي لقضاء كفري في العهد العثماني } من الجنوب الشرقي ، تتبع مركز القضاء خمسة نواحي ادارية وهي { طوز خورماتو ، التون كوبري ، كل وشوان مع { 352 } قرية .
نهر ادهم الذي يصب في نهر دجلة يشق المدينة الى صوبين ، تربتها منبتة وصالحة للزراعة ، تزرع فيها الحنطة والشعير والرز والتبغ والكروم وسائر الحمضيات وخاصة الليمون ، هنالك آبار غنية بالبترول في الجهة الشمالية للمدينة يستخدمها الأهالي بدلا من الزيت ، في المحل الذي يحمل اسم { بابا كوركور } ينبع سائل يستخدم في علاج انواع مختلفة من الامراض ، وفي جنوب المدينة هنالك مياه مالحة تتخذ منها مملحات لانتاج الكثير من الملح ، كما وتكثر فيها الحيوانات الاليفة كالخرفان والماعز ومختلف انواع الخيول ، يصنع من صوف تلك الحيوانات الشال والسجاد والعباءات }} .
فبعد أن نشرت الوثيقة أعلاه قام البعض بكتابة الردود الضعيفة يقولون في معظمها أن شمس الدين سامي لم يكن تركيا بل هو ألباني ، ونقول لا يغير ذلك من أمر القاموس شيئا ، المهم أن المعلومات الواردة عن كركوك صحيحة تماما ، فلا يمكن لمؤلف قاموس كبير كقاموس الاعلام العثماني أن يكتب كل تلك المعلومات عن كركوك دون الاستعانة بالمصادر والمراجع وخصوصا الرسمية منها والا كيف علم أن عدد القرى التابعة لمركز الدينة هو ( 352) قرية ، أو الارقام المذكورة بصدد عدد الدكاكين والمدارس والمحلات والحمامات وسواها ، فلابد أن يكون الأمر صحيحا بصدد نسبة الكورد الى باقي الأقليات الموجودة في المدينة .
فلو تقدمنا قليلا وأنتقلنا الى مرحلة تشكيل الحكم الملكي وأستطلعنا عدد ممثلي هذه المحافظة في مجلس النواب العراقي لوجدنا أن نسبة الكورد في المحافظة لم تتغير فقد كانت نسبة النواب الكورد تشكل 80% والبقية موزعة بين التركمان والعرب والآشوريين بالتسلسل العددي ، وقد أعددت دراسة حول الموضوع بعنوان ( نسبة التمثيل الكوردي لمحافظة كركوك في العهد الملكي في العراق ) نشرت في حينها ولكي لا أتهم بالانحياز أعتبرت من أصله كوردي وثقافتة تركمانية من بين النواب تركمانيا ومن لم أعرف عنه المزيد من المعلومات لم أنسبه الى أي من قوميات المدينة وخصصت لهم حقلا خاصا وقد وردتني رسائل من بعض القراء تلقي الضوء عن سيرة البعض منهم وقد قام الاستاذ حمه رشيد هرس بترجمة المقال الى اللغة الكوردية وأضاف معلومة حول أحد النواب الذين لم أحسبهم أنا من الكورد وهو النائب محمود فهمي وقال أنه كوردي من جمجمال ومن عشيرة الهماوند المعروفة وقال عنه أنه تربطه علاقة قرابة مع أسرة أبيه وقال أنه أغتيل أمام معمل السكائر الكائن في شارع سالم في السليمانية .
من مجموع (98 ) نائبا أنتخبوا ليمثلوا لواء كركوك المجلس النيابي العراقي في العهد الملكي خلال ستة عشر دورة إنتخابية كان نصيب النواب الكورد منهم 61 نائبا و من التركمان 23 نائبا و نائبا واحدا من الآشوريين ونائبان من العرب و11 نائبا آخرا نجهل الانتماء القومي لبعضهم وهنالك إختلاف بين الكورد والتركمان على البعض الآخر منهم .
وكما نجد أن النواب الكورد تناقصوا بتقادم الزمن بعد توطين العرب في ناحية الرياض والحويجة بعد أن قام رئيس الوزراء ياسين الهاشمي بتوطين عشيرة العبيد التي كانت عشيرة رحالة ولها مشاكل مع القبائل العربية الأخرى كالشمر والجبور بعد أن أقيم لهم مشروع الرياض الزراعي على أراضي الكوردي سيد أحمد خانقاه الذي منحه السلطان العثماني كافة الأراضي الرعوية في حدود قضاء الحويجة الحالية ، فبينما كانت نسبة الكورد في أول دورة أنتخابية 75 % ، أصبحت نسبتهم في آخر دورة 60 % من مجموع النواب ، وكما نجد أن معظم النواب الكورد ينتمون الى القبائل الكوردية الكبيرة مثل الجاف والداووده والهماوند والطالباني مثل النواب داود بيك الجاف وأمين رشيد الهماوندي ودارا بك داووده وحبيب الطالباني وآخرين أو من أبناء الأسر الثرية أو الدينية أو الاجتماعية من أبناء المدن كجميل بك بابان ونجله محمود بك بابان وكلاهما من أسرة بابان الشهيرة ومن أمراء إمارة بابان الكوردية سكنوا مدينة كفري بعد زوال الامارة البابانية وأسسوا محلة أسماعيل بك ولا زالت أثارهم وشواهدهم باقية ومنها قصر مجيد باشا بابان الذي تقوم مديرية الآثار العامة في كوردستان بإعادة ترميمه في الوقت الحاضر وكذلك حسين خانقاه وعائلة خادم السجادة وغيرهم أو ينتمون الى الأسر التي كان لها أبناء من الرتب العالية في الجيش العثماني كأمير اللواء سليمان فتاح ، أما عشيرة الزنكنة التي تعد من كبريات القبائل الكوردية في لواء كركوك فلم نجد منهم نائبا سوى ما يقال عن أصل عائلة النفطجي الشهيرة في كركوك ولعلهم أدلوا بأصواتهم لهذا الأخير أثناء الانتخابات في لواء كركوك لأن منزل حسين آغا النفطجي في كركوك يحمل قطعة معدنية مكتوب عليها منزل حسين آغا النفطجي الزنكنة وقد بقت تلك القطعة لحين أنتهاء العهد الملكي في الرابع عشر من تموز 1958 . أما من التركمان فنجد أن الدور النيابي كان محصورا في عائلة قيردار في كركوك بالاضافة الى سليمان بيات الذي غير إنتماءه القومي ولا زال البياتيين يعتبرون أنفسهم عربا وكذلك نائبا واحدا من التركمان الشيعة أنتخب لمرة واحدة فقط من مجموع الدورات الانتخابية ما بين تموز 1925 وتموز 1958.
إذا كان التاريخ القريب لكركوك قبل التغيير الطوبوغرافي لها على هذا المنوال ، إذن ما وراء التغافل والتجاهل للبعض المتحدث عن أمر لا تؤهل معلوماتهم للحديث فيه ولكنهم يحشون أحاديثهم بخليط أنشائي لا يفيد الطبخة أبدا.
البعض من هؤلاء المتحدثين يشيرون الى عداء مزعوم بين الكورد والتركمان في كركوك ، غير إننا حينما نقلب التأريخ صفحة صفحة والصفحات سطرا سطرا لا نجد ما يدعم تلك المزاعم الباطلة وإن كان الحديث عن أحداث 1959 في كركوك فلم تكن الحادثة عراكا بين الكورد والتركمان بكل الدلائل وخصوصا أن أغلب معاصري تلك الحادثة على قيد الحياة ولكن من يريد أن يشبه الحادثة بقميص عثمان هذا شأنه وشأن من يمليه من خارج حدود العراق ، فبين الكوردي والتركماني في كركوك وكافة المدن ذات التعايش المشترك وشائج وروابط قلما نجدها بين عنصرين في العالم ، فقلما نجد عائلة كوردية في هذه المدن لم تربطها علاقة قرابة مع عائلة تركمانية ، ففي مجالس الفرح والترح نجد المجتمعين هم خليط من كلا القوميتين فأين الخلل وأين المشكلة المزعومة وأين المخاوف التي تدّعيها الدولة التركية ؟ ، فالعلاقات الكوردية التركمانية أقوى بكثير من العلاقات التركمانية التي لم نجد لها وجودا أصلا الا في حدود معروفة وأغلب تلك العلاقات ليست سوى علاقات سياسية أو أستخبارية عرابوها معروفون في الساحة .
أغرب ما في المشهد السياسي المصطنع حول كركوك هو الخطاب المبهم الذي يسوّقه معارضي إلحاق المدينة بأقليم كوردستان ، فكل ما يُفهم في ذلك الخطاب الغريب هو جهل مطبق فيما يتعلق بالفيدرالية التي تعني الاتحاد وليس الانفصال كما يقولون وكذلك ترجمة أمينة لأجندات مسوّقة من الخارج ، فالحقيقة التي تتجلى أمامنا أزاء هذه الادعاءات الفارغة تقودنا الى أن هؤلاء الناس هم أبعد الناس عن وحدة التراب العراقي ومصالح الناس الذين يعيشون على الارض العراقية ، فقد كانوا وأبدا أداة للفتنة والشرذمة والتفرقة ولا أتفق حتى مع الذين يشبه هؤلاء بأنصار النظام السابق ، فعلى الأقل كان صدام يعتبر كوردستان كوردستانا ويعترف بواقعها القومي رغم كل جرائمه ولكن هؤلاء ربما لو شاء لهم أن يسيطروا على زمام الامور في العراق فالمتوقع منهم أن يخططوا لما هو أبعد واعمق وأوحش من جرائم الانفال والكيمياوي والمقابر الجماعية ، ولكن لسوء حظهم ولحسن حظ العراقيين أن نظاما دكتاتوريا مثل الانظمة السابقة لا ولن يعتلى على عرش العراق أبدا ، فزمن الانقلابات والقرارات الارتجالية واللعب بمصائر الناس من قبل الجهلة والمتعصبين الشوفينيين قد ولى من دون رجعة .
فنقول لمن يدس أنفه متدخلا في شأن كركوك كفاكم لعبا بالنار ، فأهل كركوك هم الذين يقررون مصير مدينتهم وسواهم لا يحق لهم الا أحترام رأيهم .[1]