#قيس قرداغي#
اعتادت الولايات المتحدة الامريكية أن تختار الوصفة الخطأ في معالجة المشاكل المتعلقة بها وخصوصا تلك التي تحدث في منطقة الشرق الاوسط ، والانكى أنها كثيرا ما تعالج ما ارتكبتها من أخطاء بأخطاء مركبة لتخلف على الارض حالات سياسية شاذة سرعان ما تتحول الى كوارث ويكفي أن نشير الى دورها في تشكيل اللبنات الاولى لتنظيم القاعدة الارهابي الذي أصبح وبالا لا عليها فحسب بل على البشرية جمعاء حينما قدمت الدعم اللوجستي له أثناء مناهضته للوجود السوفيتي في أفغانستان ، وفي هذا لا يختلف الجمهوريون عن الديمقراطيين فكلاهما سواء في هذه الهواية ، ويمكن مطابقة سلوكها هذا مع الجماعات الاسلامية الراديكالية مع ما فعلته مع حزب البعث الحاكم السابق للعراق والقادم الى الحكم بقطار أمريكي حسب صالح السعدي أحد أبرز قيادي البعث في العراق في ستينات القرن المنصرم ، عندما كانت المصالح الامريكية تتقاطع مع البعث آنئذ ، غير ان تلك المصالح باتت بعد مرور ثلاثة عقود من حكم البعث تتعارض مع بقاء البعث فضربته عرض الحائط في عملية بدت فيما بعد وفقا لما رافقتها من متغيرات على الارض ارتجالية وتنقصها الكثير من التحضيرات السياسية وخصوصا لوضع استراتيجي كونكريتي لمشروع ما يمكن فعله بعد القضاء على الحكم في العراق فلاذت الادارة الى توكيل أمر العراق الى مجموعة من الهواة لم يعرفوا من أمور العراق غير ما قرأوا عنه نتف من المعلومات التي تفيد السائح أكثر ما تفيد حاكم لبلد يتصف بوجود موزائيك صعب التركيب من النواحي الاثنية والدينية والعشائرية والسياسية بحيث يصعب حتى اللجوء الى تطبيق أية تجربة أخرى في العالم لندرة وجود أمثلة مشابهة لحالة العراق في أي جزء من العالم ما نتج مجموعة من التراكمات السلبية من جراء الممارسات الخاطئة لمجموعة القرارات المتسمة بالدكتاتورية للحاكم المدني الدكتاتوري بول بريمر قادت الى ما أدت في يومنا هذا لحالة من الحرب الاهلية وما بعد الحرب الاهلية في البلد من حيث كبر المأساة لتتحول آمال الناس من أمال بنوها في مخيلاتهم لعراق ما بعد صدام الحروب والقمع الدموي والمقابر الجماعية الى خيبات أمل أطفأت حتى قبسات النور التي كانت تبدو أحيانا في آخر نفق الاحلام .
وان نظرنا الى الكورد بشكل خاص وتفحصنا آراء الناس في الشارع الكوردي بعيدا عن النخبة المستفيدة التي لا تهمنا آرائها قليلا أم كثيرا فنرى أن خيبة الامل لدى الانسان الكوردي لا تقل حجما عن نظيره العراقي في وسط وجنوب العراق ، وكما وصف الرئيس الليبي معمر القذافي فان الكورد خرجوا من المولد بلا حمص على حد المثل المصري المشهور ، فقد كان للكورد أقليما مستقلا لا علاقة لها بالمركز لا من بعيد ولا من قريب يتمتع بكامل الاستقلالية وقد حمته الشرور الداخلية حتى من شرور الجيران المتربصين أبدا طيلة عقد ونيف من السنين ، وكانوا ينظرون الى عملية ( تحرير العراق ) نظرة تنم عن أمل عودة المدن الكوردستانية الاخرى الى خيمة أقليمهم المستقل ، ذلك الامل الذي خفت يوما بعد يوم وصولا الى الموعد الذي ضربه الدستور العراقي الدائم الذي ثبت دوامه بعد التصويت عليه من قبل الشعب العراقي غير أن الآمال الكوردستانية وليست ال-الكوردية ) كما يصفها البعض يجب عليها النزوح نحو ظلام التقرير الذي قدمته لجنة كارتر - هاملتون الى الادارة الامريكية بعد خلوات من الاجتماعات المغلقة بغية إخراج الولايات الامتحدة الامريكية من الورطات بل قل سلسلة الاخفاقات السياسية في منطقة الشرق الاوسط ، حيث حمل التقرير من جملة توصياته النظرية الهزيلة تأجيل تطبيق المادة ( 140 ) من الدستور الى أجل غير مسمى ( أي بمعناه الضمني إلغائها ) ، ما يعني ان اللجنة راعت مصالح بعض الدول الاقليمية وتحديدا - تركيا - بدلا من مراعاة مصالح سكان كركوك بكل ألوانهم القومية والدينية والمذهبية ، وبدلا من إشعال شمعة جاءت اللجنة الموقرة فباركت الظلام الداكن على عكس المثل الشعبي الصيني القائل ( بدلا من أن تلعن الظلام , أشعل شمعة ) ، فنحن نعرف جازمين ان ظلاما يهيمن على الوضع في كركوك وتحت جنح الظلام هذا ينشط الظلاميون وأركان هذا الظلام لا تشمل أيتام البعث والقاعدة وحدها ، فأجهزة الاستخبارات التركية تعد عمادا لذلك الظلام وهي تنشط سرا وعلنا من أجل إدامة الانفات الامني للحيلولة دون حصول الكورد على موضع قدم ومعلوم ان الكورد يشكلون الاكثرية في كركوك حسب الاحصائيات التي جرت في المدينة ونتائج الانتخابين الأخيرين فيها وكذلك معظم المصادر التاريخية التي تبحث تاريخ المدينة ، ونظرة سريعة الى مجمل النشاط الارهابي في كركوك نرى أن الكورد كانوا الهدف الرئيسي لكافة العمليات الارهابية في كركوك ونظرة أخرى ومراجعة دقيقة للاخبار الكركوكية نرى ان العمليات الارهابية تلك لم تصاحبها أية ردود فعل سلبية من نوع الانتقام الذي يجري في بعض المدن الاخرى في العراق وخصوصا في بغداد العاصمة وأنا أرى أن القيادات الكوردية المختلفة هي التي منعت السكان الكورد من الالتجاء الى الانتقام ولولاهم لكان الانتقام رد فعل طبيعي ولكانت المدينة شبيهة أو أكثر مأساوية من مثيلاتها من المدن العراقية ، غير ان اللجنة الامريكية كما يبدو لم تضع يدها وعقلها على هذه الحقيقة أو أنها قرأتها وغضت الطرف عنها عبثا سيرا بمبدأ السياسة الرأسمالية حسب المقولة التأريخية لتشرشل في معادلة الصداقة الدائمة والمصالح الدائمة في السياسة حسب رأيه , والا كان على اللجنة غير المنصفة أن لا تسبح ضد تيار العرف ، فهي بذلك تريد معاقبة الصديق ومكافأة العدو ، فالكورد لدغوا مرات عديدة من الجحر الامريكي ، مرة في عام 1975 حينما كان هنري كيسنجر بطل اتفاقية الجزائر المشؤومة والمؤودة من وراء الكواليس ، تلك التي كانت ثمارها مرة لمجمل شعوب المنطقة ، إذ كان الكورد أول من ذاق مرارة تلك الثمرة حينما سقطت ثورتهم الايلولية في أتون تلك الاتفاقية مباشرة وثم جاء دور الشعبين العراقي والايراني الذين قدما أكثر من مليوني قتيل في الحرب العراقية الايرانية التي كانت أيضا ثمرة لتلك الاتفاقية ، ليأتي دور الشعب الكويتي فيما بعد حينما أجتاحت حكومة البعث الكويت ، ويمكن تصنيف كل ما جرى بعد ذلك من الويلات كتحصيل حاصل للنبتة الخبيثة التي نبتت في العاصمة الجزائرية في ذلك اليوم الربيعي من آذار عام 1975 الذي وقع فيه كل من الشاه الايراني المقبور محمد بهلوي والمدان صدام حسين على وثيقة إعدام المنطقة ، بعد هنري كيسنجر جاء دور كارتر وهاملتون وكلاهما ومن معهما من طاقم جورج بوش الاب الذي حث الشعب العراقي الى الانتفاضة أثناء حرب الخليج الثانية عام 1991 ليطعنهم من خلف في خيمة صفوان بعد أن قدم قادة صدام المهزومون من الحرب وثيقة الاستسلام الى الامريكان لقاء إعطائهم الاشارة الخضراء لقمع الانتفاضة المليونية التي خلفت هجرة مليونية ومقابر جماعية تضم جماجم مئات الالاف من العراقيين .
من خلال مراقبة ردود الفعل المختلفة على توصيات اللجنة نقرأ العجائب من رأي أناس يحسبون مع الطواقم السياسية ، ولعل أفضل وأوضح ما قرأناه هو رأي السيد مسعود البارزاني رئيس أقليم كوردستان الذي وضع النقاط على الحروف وقال موقفه المعارض الذي لا يقبل التأويل والتفسير ووضع الادارة الامريكية في محك المصداقية من عدمها أزاء موقفها من كورد العراق وقد حظي رأيه بتأيد معظم الكورد أينما وجدوا ، أما التصريح الذي قدمه السيد جلال الطالباني لوسائل الاعلام كان أكثر من معقول حيث يمكن أن نقول أنه أفرغ التوصيات من محتواها كونه يمثل جمهورية العراق الفدرالية وراعي الدستور الواجب تطبيقه بحذافيره ، وقد أحاط الادارة الامريكية بسور أحمر حينما قال أن البعض يتصور أن العراق مستعمرة بامكانهم التصرف به كيفما يشاؤون ، وهنا تكمن خطورة تطبيق توصيات اللجنة من قبل الادارة الامريكية حيث يكشفون الستار عن كل ما أعلنوه من شعارات سياسية قبيل وبعيد أحتلال العراق وتكون مصداقية امريكا في مهب الريح وآنئذ تزيد المنطقة أشتعالا بدلا من أنطفاء حريقها المدمر ، وتلك ما لا نراها مناسبة لا لمصالح شعوب وحكومات المنطقة ولا لمصالح الولايات المتحدة الامريكية التي تسير طرديا مع درجة الاستقرار في المنطقة كما يقولون هم ، فمن الغريب أن نجد سياسيا كالدكتور برهم صالح يروج لوصايات اللجنة البيكر هاملتونية قبل الاعلان عليها في ندوة تلفزيونية في لندن شارك فيها ثلاثة من السياسيين الانكليز ( أحدهم كان معارضا للتوصيات كونها تضر الكورد ) الاغرب انه كان مطلعا على التوصيات حسب اللائحة التي أعلنت أسماء الاشخاص المطلعين على التوصيات من العراقيين ، هنا من حقنا أن نسأل ونتسائل ، ترى كيف صعدت شخصية كبرهم صالح الى مصاف سياسيين كورد من الدرجة الاولى ؟ أأتقانه للغة الانكليزية والعربية والتمظهر كمتكلم لبق في وسائل الاعلام يكفيه لتقليد ذلك المنصب وتلك الاهمية والاهتمام ، أم مكوثه لمدة طويلة في الولايات المتحدة الامريكية وأرتباطه بدوائر أمريكية هو الذي دفعه الى الواجهة ؟ هذا الاخير يمكن استنتاجه خصوصا حينما نقرأ التاريخ النضالي الباهت للدكتور برهم صالح في الحركة التحررية الكوردية ،
سياسي آخر هو الدكتور محمود عثمان هو الآخر يتصرف وكأنه معارض أو مرشح يخطب للجماهير مبينا صواب رأيه وخطأ رأي الآخرين ، وكأن الناس لا يعرفون سيرته التاريخية وخطورة الادوار التي أنيطت به ولحد الآن ، وكأن الناس لا يعرفون أن شأنه كشأن الآخرين من الذين يملأون الشواغر الادارية المهمة للدولة للأقربين له والمنسوبين إليه ، أوليس المحروس أبنه يشغل منصب مهم في رئاسة الجمهورية العراقية على حساب المئات من الذين فقدوا حتى أعضائهم البدنية في سجون النظام السابق وهم اليوم إن أرادوا رؤية المحروس فلا يبلغوه حتى بعد تقديم عشرة إلتماسات اليه .
فقرة أخرى من تقرير اللجنة توصي بتقوية المركز على حساب الحكومات الاقليمية ( والقصد هو حكومة أقليم كوردستان لان ليست هنالك حكومة أقليمية سواها في العراق ) ، وهذه الفقرة هي الاخرى تنم عن فكرة أسداء خدمة لتركيا على حساب الكورد ، ولا أجد أي منطق وحكمة في هذه الفقرة فهي مضرة لامريكا والعراق والكورد في آن واحد ، فامريكا التي بلغ عدد قتلى جنودها في العراق عدة آلاف منذ بدأ العمليات الحربية للحين ، وليس للكورد أو منطقة كوردستان أي نصيب في تلك الاعداد وتلك الفضيلة إن كانت فضيلة فتعود الى حكومة أقليم كوردستان التي أمنت منطقة مستقرة ووفرت الكثير والكثير جدا من الجهد الحربي والاقتصادي والسياسي للادارة الامريكية أما العراق فقد قدم لاول مرة دستورا دائما حظي بتأييد الشعب العراقي ينص على الفدرالية التي توفر أقاليم آمنة ومستقرة ككوردستان ليكون هنالك عراقا آمنا وديمقراطيا طبقا لما تم في جزء من العراق وهو كوردستان لتأتي هذه الفقرة وتنسف ما أقره الدستور جملة وتفصيلا ولعمري تعد هذه سابقة لا يقدم عليها الا استعمار تقليدي يتصرف كدولة مستعمرة لا كحامية للشعوب كما تتدعي نهارا جهارا ، أما بالنسبة للكورد فهذه الفقرة تعد مكافئة فوق العادة لشعب رفع العلم الامريكي في مظاهراته ورفع صور الرئيس بوش حتى في المطاعم الشعبية متصورين انه المنقذ لهم حتى ألبسوا هذا الرئيس تسمية - حاجي بوش - الحاج بوش - باعتبار أقدامه على عملية ( تحرير العراق ! ) تعد بمثابة حج له ، وإن سألت رأي أي رجل في الشارع سيقول لك لو فعل الكورد كما فعل البعث لامريكا لكانت المكافئة غير هذه التي من شأنها زرع المزيد من القلق في مخيلة الانسان الكوردي .
هذا ، وهنالك الكثير من الفقرات الاخرى في التقرير الذي مر بحالة مخاض طويلة مما هو بحاجة للتمحيص ، ولكني أرى أن الاشارات السابقة تكفي الحليم تأملا ، غير أن مسك الختام هو أنتظار الحكمة التي ربما تختارها إدارة بوش الابن بأن تغلف التقرير بغلاف مذهب ويلقيه في ذاكرة الارشيف نظرا لمنزلة رئيسي اللجنة بيكر وهاملتون لدى عائلة بوش والخدمات التي أسدوها لها ، والا فالطين لا يتحمل المزيد من الماء ليزيده بلة .
ملاحظة :
من جملة ما لفت ملاحظتنا في التقرير أن كلمة ( البترول ) تكررت فيه لثلاثة وستين مرة .[1]