أكد الرائد في مديرية الأمن العامة للنظام السابق، #صباح الحمداني# ، دفن دفن قسم من الأطفال أحياء في المقابر الجماعية خلال عمليات الأنفال.
وقال في الجزء الثامن من شهادته ضمن برنامج (پەنجەمۆر = بصمة) الذي يقدمه كاوه أمين من شبكة رووداو الإعلامية، إن صدام حسين كان على علم بكل قرارات علي حسن المجيد الذي لم يكن بإمكانه أن ينفرد باتخاذها.
أدناه نص الحوار:
رووداو: ذكرتم أن بيشمركة الاتحاد الوطني هاجموا قبيل عمليات الأنفال قريتين في الدبس وكفري، فهل كان هناك دليل يثبت أن الاتحاد هو الذي فعل ذلك؟ ألم تشكوا بأن العراق ربما فعل ذلك ليبرر الأنفال ويثير حنق العرب؟
صباح الحمداني: حقيقة البرقيات التي وردت ذكرت أن هؤلاء المسلحين هم من الاتحاد الوطني الكوردستاني، لكن قد يكونوا مسلحين من تشكيلات أخرى. الله أعلم. التهمة ثُبتت على الاتحاد الوطني الكوردستاني، وهناك احتمال أن يكونوا مسلحين مدفوعين لارتكاب الجريمة لأنهم عرفوا بأن رجال القرية قد ذهبوا إلى المحافظة، والقرية بدون رجال. احتمال، لكن لا استطيع تقدير الأرجحية.
رووداو: ذكرتم أنه بعد ذلك الهجوم، تم عزل عدد من رجال العوائل المؤنفلة، وتقول إنك لا تعرف ماذا حل بهم. هل من المحتمل أنهم قُتلوا قبل القتل الجماعي للآخرين؟
صباح الحمداني: عملية الفرز جرت قبل أحداث كفري و...
رووداو: أي أن ذلك جرى قبل ذاك؟
صباح الحمداني: نعم. الفرز كان لفئة عمرية معنية، وشخصياً حاولت أن أغيّر في الأعمار، من كان يبلغ 40 عاماً كنت اسجله 47 كي لا يُشمل بالفرز، ومن كان يبلغ 17 – 18 عاماً كنّا نسجله 14 عاماً. قدرت شخصياً كضابط أمن بأن المسألة ترتبط بالإعدامات، كما قلت في موضوع المسفرين. كان تصرفاً محدوداً نتائجه معلومة، لكني قدّرت بأنه سيتم إعدامهم. لكن التعليمات تغيرت بعد أحداث آلتون كوبري وكفري. كنت أزور مقر لجنة شؤون الشمال المجاور لمديرية الأمن كل بضعة أيام، والتي كان يرأسها عبد الرحمن الشكرجي وضمت ضباطاً آخرين، منهم العقيد سالم. تحدثوا عن مصيبة كبرى. سألت عن التفاصيل. قالوا كل المحتجزين سيجري التعامل معهم حسب السياق. كلمة حسب السياق يعرفها رجال الأمن وتعني إعداماً ومقابر وجماعية. قرار شائن. ماذا يمكن أن يفعل في وضع كهذا؟ شاهدت أطفالاً ولدوا في المعسكرات. نقلنا إحدى النساء التي كانت تلد إلى المستشفى بالسيارة، ورفضوا ادخالها لأنها لم تكن بحوزتها هوية (البطاقة الشخصية) بعدما تم سحبها منهم، وقمت باكمال الإجراءات بصفتي ضابط أمن مسؤول، ووضعت مولودها هناك وكان ذكراً. كنت أشاهد الأطفال في المعسكر وأكاد أبكي (بعد قرار حسب السياق) وأتساءل، كيف يقتلون؟ ماذا لو كان أولادي وأحفادي معهم؟ ماساة لا يتحملها بشر. هذا ما كان يدور وأشعر به. أنقذني أمر مهم. ليس بوسعك أن تفعل شيئاً. مدير الأمن رشحني لدورة أحرزت فيها مرتبة متفوقة وحصلت فيها على هدية. هناك صورة مع مدير الأمن العام سنتشرونها. التحقت بالدورة في 1 نيسان تاركاً واجبي في وقت بدأت سيارات الأمن تنقل فيه وجبات من المعسكر إلى المقابر الجماعية. سيارات نقل الموقوفين كانت مغلقة. عوائل وأطفال لا يعرفون إلى اين يأخذونهم. رحلوا.
رووداو: هل كان عدد السيارات كبيراً؟
صباح الحمداني: السيارة الواحدة كانت تتسع لنحو 40 شخصاً بالتدافع.
رووداو: النساء والأطفال والرجال، كانوا يُحملون معاً؟
صباح الحمداني: نعم، سوية. الأغلبية بدون رجال. أطفال، فتيان تتراوح أعمال نحو 17 عاماً. عندما ذهبت إلى لجنة شؤون الشمال قالوا إن أوامر صدرت من علي حسن المجيد بتوزيعهم على المحافظات وإعدامهم. لديه (علي حسن المجيد) تسجيل قُدم في محاكمة رموز النظامن يقول فيه بصوته إن الرئيس القائد بعث له أوامر كي يقوم برعاية أولئك الذين سلّموا. ماذا أفعل لهم؟ أدفنهم. قال ذلك نصاً. أرسلت الحفارات والشفلات من هنا إلى هناك، للمديريات، كي ندفنهم. اسمعوا الصوت وسأرسله لكم ليسمعه الناس. علي حسن المجيد يعنل بصوته أنفلة آلاف العوائل، بينهم أطفال. هذا هو علي حسن المجيد وهذه عملية الأنفال. غادرت إلى الأمن العامة. انقطعت كي لا أستمر في رؤية تلك المشاهد والأطفال والوجبات التي تنقل يومياً. لم أكن أعرف إلى أين ينقلونهم. في يوم من أيام دوامي الذي استمر 3 أشهر من نيسان إلى تموز التي تخرجت فيها من الدورة، وعندما أزود سيارتي الفولفو الحكومية بالوقود من مديرية الآليات في الأمن العامة، وإذا بي أشاهد سيارة من تلك التي كانت تنقل الوجبات وهي مصابة بعشرات الأعيرة النارية. ثقبت بالرصاص. أثار الأمر فضولي وذهبت إلى الآليات وسألت عما حل بها، قالوا إنها كانت تحمل موقوفين وتعرضت إلى مصادمة. مصادمة ممن إذا كانت تحمل موقوفين وترافقها الحماية؟ عندما عدت إلى أمن كركوك في تموز، سمعت بأن وجبة حاولت الهروب أثناء توقف السيارة قرب الحفر التي أقاموها لأغراض الدفن، وقد شعروا بالخطر وحاولوا الهرب عندما تم فتح باب الحافلة، في منطقة ألله أعلم أين تقع، وباتوا يرمون عليهم. قتلوا الجميع واستمر الرمي حتى على من بقي داخل السيارة ولهذا تعرضت الحافلة إلى الإصابة بمئات أو آلاف الرصاصات. عندما شاهدت الحافلة، أدركت بأن المسألة لها علاقة بالأنفال. في تموز عدت إلى وظيفتي وعينوا ضابطاً آخر بديلاً عني في المعسكرات. من الطبيعي أن أسال عما كان يجري. قالوا لقد توقفت عمليات الأنفال والقتل، وتوقفت بشكل نهائي. نقلوا قسماً من الرجال إلى نقرة السلمان وعوائل أخرى وزعت على المحافظات العربية للسكن هناك ولم يكن مسموحاً لها بزيارة مناطق الحكم الذاتي أو المناطق القريبة، ولم يكن مسموحاً لها بمغادة مناطق المحافظة أساساً الإ بموافقة المحافظة. الكثير من العوائل كانوا أقارب لأناس شاركوا في القبض عليهم، من بينهم أفواج الدفاع التي كانت كوردية، ومفارز الأمن والاستخبارات الكوردية الذين كانوا لديهم أقارب أيضاً، وبدأ هؤلاء الأقارب يسمعون أخباراً عن اختفاء عوائل وأطفال من أقاربهم.
رووداو: هذا يعني أن أقارب أولئك الجحوش (المرتزقة الكورد) أيضاً كانوا بين المؤنفلين؟
صباح الحمداني: بالتاكيد. لم يكونوا هم من قبض عليهم بشكل مباشر، فآخرون من مجموعاتهم قاموا بذلك، أي كانوا يعرفون بأن جماعتهم هي من قامت بذلكن وهكذا.
رووداو: الجحوش (المرتزقة الكورد) المتعاونون مع الحكومة، هل كانوا يشاركون مباشرة في القبض على المؤنفلين؟
صباح الحمداني: نعم. شاركوا مشاركة فعليه لأنهم قاموا بواجبات التحرير، تحرير المناطق، وكلما كانوا يحررون منطقة يعتقلون من فيها، لكن لا الجيش ولا الأمن ولا الشرطة هناك ولا الانضباط العسكري، ولا أي قطعة أو حتى هؤلاء، يعرفون مصيرهم، ويتصورون بأن النظام سيحتجر ويدقق وسنقلهم إلى مدن عصرية وأماكن أخرى. لم يتصور أحد بأنه سيجري قتل هؤلاء الأطفال. أطفال وعوائل بكاملها. يقشعر لها بدن الإنسان. كيف ذلك؟ هذا هو صدام حسين وهذا هو النظام وما فعله.
رووداو: ألاحظ الدموع تغمر عينيك الآن. في تلك الأوقات، عندما كنتم ترون بأعينكم كل هؤلاء النساء والأطفال والعوائل يواجهون مصيراً مجهولاً، هل حدث أن سالت دموعك أنت والذين كانوا مثلك على أولئك الناس؟
صباح الحمداني: عندما عدت في تموز (إلى أمن كركوك) زارني أجد الضباط في مقر المديرية والتي شاركت بدورها واستلمت وجبات، وكنا نوزع الوجبات على الجميع، وكل مديرية من مديريات الأمن كانت تتسلم وجبة. المهم، أحد الضباط المشاركين وكان برتبة ملازم فيما كنت نقيباً، قال لي، سيدي ماذا أقول (في وصف ما حدث)؟ أحد المشاهد التي لا أنساها، أحد الأطفال، وبعد أن قتلنا أمه أو اخته دفعنا به في الحفرة، وقف واضعاً يديه على رأسه منتظراً أن تأتيه إصابة بالرأس لأنه كان يسمع اطلاقات للرصاص، أغلبها من كواتم، لكن صوتها كان واضحاً. قال أنهم دفنوا قسماً من الأطفال أحياء حيث كانت الشفلات ترمي التراب عليهم بعد قتل ذويهم. كان يتحدث وهو يبكي بحرقة. هذا هو الذي فعله صدام حسين، وما حدث خلال إعدامه شيء مفرح جداً انتقاماً لأولئك الأطفال. وأنا أناشد ضباط ومدراء الأمن ممن يسمعونني؛ إذا كان لديكم ضمير وتخشون الله، وانتم تعرفون بانني صادقن وتعرفون جيداً ما اقول، قد تكون مشاركاً باي طريقة أو سمعت من اصدقائك، تكلم. أيد ما أقوله وليسمع العراقيون والعالم ماذا جرى، كي لا يترحم أحد (على صدام حسين). جريمة الجرائم أن تسمع كلمة رحمه الله بحق صدام حسين. أو أن يشر أحدهم صورة لصدام حسين وهو يضك مع تعليق يقول فيه؛ هذا هو البطل. وهناك من يقول إن الشرف مات يوم مات صدام حسين. ماذا عنكم أنتم؟ ألستم شرفاء؟ وآخر يقول إن الغيرة ماتت يوم مات صدام حسين. ماذا عنكم أنتم؟ ألا تملكون غيرة. وهناك من يقول إن الرجال ماتوا يوم مات صدام حسين. ومن تكون أنت إذاً ؟ امرأة؟ امرأة، لكن لا تقول الحقيقة. على الأقل بإمكانكم أن تتنفسوا الصعداء أمام الله. أمام الله أولاً. أناشدهم تبرءة أنفسهم وأن يتكلموا بشجاعة. ربما تكون أعمارهم قريبة من عمري الذي يبلغ 70 الآن، ومدراء أمن أعمارهم تتجاوز ال 80 وهم يسمعونني، بعضهم انتقدني وآخرون اتصلوا باشخاص من اقاربي كي اتوقف ولم أفعل ذلك. سأقول الحقيقة لتلعنوا كل من شارك (في تلك الجرائم) ويؤيد ذلك المجرم الذي ارتكب الجرائم. كمنا سنعيش سعداء من 1979 لو منحنا أموالنا، وقام بصرف إيراداتنا المتأتية من الكبريت والفوسفات والنفط ومواردنا من المياه علينا. لكنا سعداء الآن وفي وضع أفضل من دبي وغيرها. لقد ارتكب جريمة بحقنا، وأنتم (مدراء وضباط الأمن) تعرفون هذه الحقيقة، فتكلموا رجاء.
رووداو: تحدث عن الضابط الذي روى لك القصة، لكنك لم تفصح عن اسمه وهويته؟ هل لا يزال على قيد الحياة أم لا؟
صباح الحمداني: حقيقة لا أعرف منه. كان ضابطاً برتبة ملازم وكنت برتية نقيب ويصغرني ربما ب 10 سنوات، لكن أتذكر بأنه اسمه كان إبراهيم، وهو من أهالي الحويجة وتلك المناطق العربية.
رووداو: أريد أن نرجع إلى البداية. هل بدأت عمليات الأنفال قبل أن يأتي #علي حسن المجيد# إلى كركوك أم بعد ذلك؟
صباح الحمداني: هو كان رئيس جمهورية الشمال. لنطلق عليه هذه التسمية.
رووداو: لماذا رئيس جمهورية الشمال؟
صباح الحمداني: لأنه كان مطق الصلاحيات، وكانت له صلاحيات كبيرة حزبياً، عسكرياً وأمنياً. قابلته يوماً كما أنا جالس أمامكم الآن. لديه محبة غريبة لصدام حسين ويسمع ما يقوله له كطفل، وكأنه جندي يتعامل مع صدام حسين. كان يستمع لما يقوله صدام حسين وينفذ ما يطلبه بحذافيره، رغم تمتعه بهذه الصلاحيات العظيمة.
رووداو: ماذا كان مصدر كل ذلك الغل والحقد على الكورد؟ هل كانت هناك أسباب محددة؟
صباح الحمداني: حقيقة لا أعرف السبب الحقيقي، لكنه محب لصدام حسين ويعرف عقليته، ولم يعرف عقلية صدام حسيم لما نفذ تلك الواجبات الشرسة والوحشية. تلك كانت شخصيته.
رووداو: هذا يعني أن صدام حسين كان على علم بكل إجراءات علي حسن المجيد؟
صباح الحمداني: نعم. لا يمكن لعلي حسن المجيد ان ينفرد باي قرار. تصور بأنهما كانا يتخاطبان بلغة الاشارات. كشفت ذلك من كلام علي حسن المجيد عندما قال إن صدام حسين أوصاه برعايتهم. هل يأمر صدام حسين علي حسن المجيد برعاية محتجزي عملية الأنفال ليقوم علي حسن المجيد بإرسالهم إلى المدافن. لا يمكن ذلك. لكنها كلمة متفق عليها ديربالك عليهم، اسوة بما كان يحدث في الشرطة والأمن عندما كانوا تعذيب شخص يوصون زميلاً لهم ب ديربالك عليه، ومعناها ابدأ بالضرب والتعذيب. ونفس هذه الكملة كانت اشارة بين صدام حسين وعلي حسين المجيد.
رووداو: عملت فترة مع لجنة شؤون الشمال. ماذا كانت مهام وأهداف تلك اللجنة؟
صباح الحمداني: لجنة شؤون الشمال كانت تعمل في إتجاه آخر، وكنّا نحن في مديرية الأمن. لكن بعد أوامر علي حسن المجيد بحجز من يتم القاء القبض عليهم نتيجة زحف الجيش ومفارز الكورد المتعاونين معهم (الجحوش) وألمن والاستخبارات، تم تشكيل لجان من ضباط أمن ومخابرات واستخبارات لاستقبال هؤلاء بالطريقة الأمنية، حيث يتم تسجيل معلوماتهم بانتظار تلقي المزيد من الأوامر. وكنت عضواً في لجنة استقبال المعتقلين تأو المحتجزين الذين ينقلون إلى معسكري الدبس وطوبزاوا أو معسكر خالد.
رووداو: ذكرت أنكم كنتم تسجلون أسماء المعتقلين في تلك المعسكرات. هل كنتم تصورونهم أيضاً، صوراً فوتوغرافية أو بالفيديو؟
صباح الحمداني: كلا لم نصورهم. نسحب هوياتهم (بطاقاتهم الشخصية) ومستمسكات أخرى، إن وجدت، ونرفقها بملفاتهم، وفتحنا اضبارة لكل عائلة..
رووداو: وهل كنتم تسجلون كل المعلومات، من قبيل محلات سكناهم وقراهم، أم تكتفون بالأسماء؟
صباح الحمداني: معلومات صحيفة أعمال كانت تتضمن الاسم واسم الاب، الأم، الخال، العم، بما في ذلك الأصدقاء، السكن ومسقط الرأس، خاصة بالنسبة للكبار وليس الأطفال الذين كانوا يذكرون مع العائلة.
رووداو: عمليات الأنفال شملت المناطق الممتدة من كرميان إلى دهوك، وقد قلت إن الجيش والجحوش (المرتزقة الكورد) وحتى الأمن لم يكونوا يعرفون الهدف من وراء جمع كل أولئك الناس. فهل كانت الحكومة قد قررت من البداية قتلهم جميعاً أم كانت تنوي فقط تدمير قراهم لتحرم البيشمركة من مكان يعيشون فيه؟
صباح الحمداني: القرار لم يكن لإبادتهم ولم يبحث هذا الموضوع، وإنما كانت يهدف إلى توزيعهم على محافظات العراق، أو نقل قسم منهم إلى نقرة السلمان أو أماكن احتجاز أخرى فقط أو مدن عصرية بعد أن تنتهي عمليات الأنفال. وهذه المرحلة التي بدات يوم 19 شباط، وكانت على هذا الأساس. لكن التغيير حصل لاحقاً. في بادئ الأمر تقرر فرز فئة عمرية. في ذلك لم تكن قد حدثت عمليات كفري وآلتون كوبري بعد. لكن الوضع تغيير بعد هاتين العمليتين. البعض يربطني بعلمية في آلتون كوبري عام 1985 حيث قتل بعض المسلحين مدنيين، لكن في 1985 كنت في النجف أساساً وليس علاقة بذلك الأمر. أتحدث عن عام 1988 والعملية التي استهدفت شمر طوقة الذين كانوا موجودين قريباً من آلتون كوبري تختلف، وحدثت في وقت كنت أزور فيه منزل شقيقتي التي فرت خشية بعد سماعهما عن العملية ذبح خلالها أطفال وعوائل عندما لم يكن الرجال موجودين. بعض الاخوة اتهموني بأن معلوماتي غير دقيقة وأربط الاحداث بطريقة غير صحيحة. كلا العملية التي اقصدها كانت أحدث، وهي التي أثر على مسار قضية المحتجزينن خاصة العوائل عندما قال علي حسن المجيد كما قتلوا عوائلنا سنقتل عوائلهم، وهكذا بدأ قتل العوائل.
رووداو: في المناطق المشمولة بعمليات الأنفال. هل كان القرار يقضي بالقبض على أي شخص يشاهد فيها؟
صباخ الحمداني: أي شخص في تلك المناطق مسلحاً كان أم غير مسلح يقبض عليه. المسلحون الذين كان يقبض عليهم في المناطق يعدمون فوراً، كما كان يفعل بارق الحاج حنطة عند تنفيذه العمليات، حيث ألقى القبض على بعض المسلحين وقاك برميهم من الطائرات المروحية بهدف ترهيب المسلحين الآخرين، إن وجدوا في تلك المناطق. أما غير المسلحين يلقى القبض عليهم ويرسلون إلى معسكراتنا. كان ذلك القرار الرسمي، ولا أحد من الموجودي في حينه كان يعلم ماذا سيجري لهؤلاء.
رووداو: ما هي الإجراءات التي اتخذت لتتسع المعسكرات لكل أولئك الناس؟
صباح الحمداني: كانا معسكرين كبيرين..
رووداو: لكن كانت تجري أنفلة الناس من كل أنحاء كوردستان ويتم نقلهم جميعاً إلى هذين المعسكرين. مثلاً، هل كان مؤنفلو دهوك وزاخو ومنطقة بهدينان أيضاً يُنقلون إلى هناك أم كانت هناك معسكرات مشابهة في أماكن أخرى؟
صباح الحمداني: حقيقة لا علم لي بذلك. كنت مشرفاً على المعسكرين. هل هناك معسكرات أخرى، وهو أمر وارد جداً. لا يمكن أن ينقلوا محتجزين من زاخو إلى كركوك. كانت عملية صعبة، نقل العوائل بسيارات تابعة للجيش الذي منشغلاً بالعمليات.
رووداو: كيف كان تصرف وتعامل الجيش والأمن مع المحتجزين في المعسكرين اللذين عندكم؟
صباح الحمداني: معاملة طبيعية جداً ليس فيها أي اعتداء ولا أذى أو اغتصاب ولا الأكاذيب إن وجدت. كان هناك أشخاص يقومون بواجباتهم لديهم غيرة. لا يمكن، أنا شخصياً ان أسمح لأحد أن يعتدي على أحد في المعسكر. مستحيل. كان هناك رجال أمن من ابناء عوائل ولديهم طيبة لايعرفون ماذا يجري، مقابل آخرين يتواجدون في كل مكان، حتى في البيت الواحد. هابيل وقابيل. قابيل مجرم وقتل هابيل. في كل مكان هناك مجرمون وأخرون جيدون.
رووداو: تقصد أنكم كنتم تجهلون جينها أن الناس الذين حشروا في المعسكرات بهذه الطريقة سيتعرضون للقتل؟
صباح الحمداني: لقد توقفت تلك العمليات بعد انتشار اخبارها، حيث كان الناس يبحثون عن ابنائهم، ويقدمون طلبات لمعرفة مصيرهم.
رووداو: أقصد في حين حشر الناس في المعسكرات. هل كانت هناك أي مؤشرات تدل على أنهم سيتعرضون للقتل؟
صباح الحمداني: تحدثت عن ذلك. في البدايات لم يكن شيء اسمه القتل. لكن في اليوم الذي طلبوا فيه فرز فئات عمرية، خشيت من ذلك، وقلت إن هذا الأمر له علاقة بالإعدام، وبدات أغيّر في أعمارهم، لأن أغلبهم كانوا دون بطاقات شخصية. من كان عمره 18 سنة كنا نسجّله 14 أو 15 عاماً.
رووداو: إذن أن تشهد بأنه لم يتعرض أحد للاعتداء أو الأذى أو التعذيب خلال فترة تواجدهم في المعسكرات؟
صباح الحمداني: على حد عملي، وطيلة فترة وجودي هناك، نهائياً. لا يسمح بهذا الشيء.
رووداو: في المعسكرات وقبل نقلهم. هل حدثت حالات فوضى وعصيان؟ أو هل حاول بعض المحتجزين الهروب من المعسكرات؟
صباح الحمداني: لم يحدث ذلك. المحتجون لم يكونوا يعرفون إلى أين سيأخذونهم. حتى عند نقلهم، لم يكن يعرف الباقون إلى أين أخذوهم.. ربما إلى الرمادي لعيش هناك. كانوا يشعرون بالراحة في المعسكر ولم يكونوا يواجهون ضغطاً. كانوا يسرحون ويمرحون فيما يلعب الأطفال، ونزودهم بالبطانيات والطعام، وكنا نغلق القاعات في الليل فقط.
رووداو: هل تذكر في أي يوم تم نقل الوجبة الأولى من الناس من معسكر خالد؟
صباح الحمداني: في نهاية آذار حيث نقلت الوجبة الأولى إلى كربلاء. أرسلت مديرية أمن كربلاء سياراتها المغلقة لهذا الغرض.
رووداو: قلت إنه لا تتوفر لديك معلومات عن عدد هؤلاء الناس. لكن هل تستطيع أن تخمن عدد المحتجزين في المعسكرين المذكورين؟
صباح الحمداني: لحين مغادرتي أكثر من 15 ألفاً. ربما 16 أو 17 ألفاً. كانت الأرقام تزيد مع جلب المزيد من المحتجزين وتقل عند نقلهم. وبعد توقف العمليات صدر العفو عن الموجودين في المعسكرات وبدأ اطلاق سراحهم، ومن من لازالوا بإمكانهم تأكيد ذلك، ويرسلون إلى المحافظات، والشباب منهم إلى نقرة السلمان، بحيث لم يبق هناك أحد في المعسكرين بحلول تموز أو آب.
رووداو: كان علي حسن المجيد يزور تلك الأماكن بنفسه؟
صباح الحمداني: لم يزرها خلال فترة تواجدي هناك.
رووداو: تحدثت عن هذا، لكني أريد أن أتأكد. من الذي قرر نقل هؤلاء الناس، وهل صدر قرار يقضي بنقل هؤلاء الناس من هناك وإرسالهم إلى الصحراء؟
صباح الحمداني: علي حسن المجيد وهو قالها بصريح العبارة (خلال محاكمات رموز النظام) واطلب منكم بث نص حديثه، كي يستمع المواطن الكوردي للحقيقة.
رووداو: ذكرت الكثير من التفاصيل عن ذلك المعسكر، لكن هل مر عليك مشهد لا تزال تتذكره، فقد كنت ترى الناس هناك يومياً ومطلعاً على أحوالهم، هل هناك شيء عالق في ذاكرتك؟
صباح الحمداني: كما قلت قبل قليل، أتذكر الأطفال وهم يلعبون قرب الحنفيات. وأتذكر ذهابي إلى مستشفى الولادة في كركوك، وشاركنا بولادة طفل وأرسلناه إلى الدفن. أمر مرعب ولا يمكن التكلم عنه. هذه أهم المشاهد التي أتذكرها حتى الآن.
رووداو: قسم منكم، من العاملين في الأجهزة الأمنية، يتحدث عن تلك القتول الجماعية ويقول إنها كانت تهز الوجدان وكانت لاإنسانية، فمن الذي ساق كل أولئك الناس إلى حتفهم وقتلهم؟
صباح الحمداني: انتبهوا لما قاله علي حسن المجيد. قال أرسلت لهم الحفارات وسأرسل لهم الشفلات. إذا كان هناك متخصصون بالدفن. أما فيما يتعلق بالقتل، فلكل مديرية أمن متخصصيها بالقتل.. 5 أو 10 ضباط يرافقهم مفوضون قيوم بتكريمهم ومنحهم أكثر من اللازم كي ينفذوا عملية القتل هذه.
رووداو: هناك شخصان يتردد ذكرهما كثيراً، وقد ذكرتم منهما (بارق) وهناك آخر اسمه (حجاج)، هذا الأخير يتردد ذكره كثيراً، ويتحدث الناجون من عمليات الأنفال عن ظلمه وجوره حين كان في معتقل نقرة السلمان. هل تعرف أي شيء عن هذا الشخص؟
صباح الحمداني: سمعت عنه في حينه واسمع عنه حتى الآن. لكن لا أعرف عنه شيئاً حتى الآن. من هو؟ أي ضابط هذا الذي يدعونه بالحجاج؟ ربما لظلمه وقتله الناس. قد يكون اللواء إبراهيم علاوي الذي ذكرته . ربما يمكننا أن نطلق عليه الحجاج. كان يحقق وبيده فاس، ويقطع رأس من لا يعترف ويقتله فوراً. قد يكون هو. حبذا لو اتحفنا أحد ضباط الأمن الأخيار الشرفاء بمعلومات عنه؟
رووداو: كنت تعمل لفترة على تسجيل أسماء الذين تعرضوا لعمليات الأنفال، كم هو عدد الذين تعرضوا للأنفال في كوردستان حسب تخمينك؟ الكورد يتحدثون عن 182 ألف شخص..
صباح الحمداني: على حد علمي وكما أتذكر جيداً، العدد كان فوق 15 ألفاً لحين انتقالي من المعسكر إلى الأمن العامة. بين 15 إلى 20 ألفاً. الرقم كان يتغيّر. لا أعرف على وجه الدقة. ربما في كل العراق أو كل مناطق الحكم الذاتي.
رووداو: في المفاوضات اللاحقة بين الجبهة الكوردستانية والحكومة العراقية، وعندما قال وفد الجبهة الكوردستانية لهم إنكم أنفلتم 182 ألف شخص، رد علي حسن المجيد على الوفد بأن هذا ليس عددهم، بل أنهم كانوا 100 ألف شخص فقط..
صباح الحمداني: إذا قال ذلك، فهو يعرف العداد، لأنه يتسلم (تقارير) الأعداد الحقيقة، وإذا قال ذلك، قد يكون مسؤولاً عن ذلك فعلاً. ذكي في هذه التفاصيل. ذكي في الشر.
رووداو: في نفس السياق، يجري الحديث عن منظمة مجاهدي خلق التي يقال إنها كان لها دور في مساعدة الحكومة العراقية، وخاصة في استعادة السيطرة على مناطق كوردستان بعد الانتفاضة. كنت في كركوك وكان لهم مقر في كركوك، فهل تورطوا في تلك الأعمال؟
صباح الحمداني: سمعت بذلك. نعم، شاركوا. وحالوا أن يتوصلوا إلى الإيرانيين الذي جاؤا مع الاتحاد الوطني الكوردستاني والمسلحين الآخرين لتنفيذ أهداف معينة. كانوا يهدفون للقبض على الإيرانيين. لكنهم لم يشاركو باعداد كبيرة مثل الجيش والأجهزة الأمنية والاستخبارات ومفارز الكورد (الجحوش).
رووداو: متى ولماذا تركت العمل في جهاز الأمن؟
صباح الحمداني: في تموز عام 1989 وعندما كنت في كركوك بلغات خدمتي في الوظيفة 20 عاماً. دوام كامل ل 20 عاماً، تضاف لها 10 سنوات عن الحركات، وباتت 30 سنة كي يزيد راتبي التقاعدي. كانت التعليمات تنص على احتساب خدمة مضاعفة لكل من يشارك في الحركات أو في المناطق التي تشهد حركات. كان عمر في ذلك الوقت 37 عاماً وكنت أشاهد تلك الأحداث، وبالتالي كان علي أن أغادر لو كان لدي ضمير. لا أريد أن احمل رتباً أعلى و لا أن اصبح عقيداً. صدام وبعد انتصاره الوهم على إيران، قرر ترشيق الجيش والأجهزة الأمنية، وبات بإمكان كل من يرغب في الاستقالة أن يقدمها. لقد صدر قرار احالتي على التقاعد مع 27 ضابطاً آخرين من رتبة عقيد إلى رتبة ملازم. العديد من الضباط طلبوا الاحالة على التقاعد، وحمداً لله كنت من أوائل من غادروا الجهاز ولديّ كم هائل من المعلومات كنت أريد ايصالها ورغبة كبيرة في الحديث عنه.
رووداو: هل يمكن أن تطلعنا على راتبك التقاعدي؟
صباح الحمداني: في عام 1989 كان نحو 360 ديناراً، وكان يكفيني في ذلك الوقت، لكن بعد الحصار صار لا يكفي لشراء طبق من بيض المائدة، ولا آجرة التكسي للذهاب لاستلامه. لذلك تخليت عن الراتب التقاعدي منذ 1991 بشكل نهائي.
رووداو: وفي أي سنة لجأت إلى كوردستان؟
صباح الحمداني: في 1994. كانت لديّ نية للمغادرة في عام 1992، لكن ظروف عائلية حالت دون ذلك وأجلت الأمر إلى 1994. كنت اتحدث مع أحد ضباط الأمن عن الطريقة التي يمكننا من خلالها قتل صدام حسين. هذه أول مرة اتحدث عن ذلك لرووداو. اسمه محمد ياسين جاسم، وهو حالياً يسكن في الموصل ورائد أمن متقاعد. ويتذكر كيف كنا نتحدث عن قتل صدام حسين. وضعنا خطة. كان صدام حسين يزور الموصل دائماً وبإمكاننا أن ننظره في الجهة المقابلة للمكان الذي يحيّ الناس فيه، حيث هناك منصة لمحافظة نينوي. نختار شقة مقابل المنصة ونبحث عن بندقية قنص جيدة لقتل صدام حسين. كان حديثا فيه شيء من الأمل والشجاعة والمبالغة.. فسروه كما تشاؤون، واتقنا بأن أغادر إلى كوردستان وابدأ التواصل لمعرفة ما إذا كان هناك شخص يرغب في تقديم المساعدنا لنا في التنفيذ.[1]