أكد الضابط في مديرية الأمن العامة للنظام السابق، #صباح الحمداني# ، أن حلبجة تعرضت للقصف بغازي الخردل والسارين لمدة 3 أيام متتالية في عام 1988.
وأوضح صباح الحمداني في الجزء السابع من شهادته ضمن برنامج (پەنجەمۆر = بصمة) الذي يقدمه كاوه أمين من شبكة رووداو الإعلامية، إن كل قنبلة تحتوي على 250 كيلوغراماً من غازي الخردل والسارين.
ولفت إلى أن الضربة جاءت رداً على ضربة كيمياوية إيرانية كانت فخاً وقع فيه صدام حسين لغبائه، مشيراً إلى أن أول رد على الضربة الإيرانية شمل تنفيذ 65 طلعة جوية.
فيما يلي نص الجزء السابع من الحوار:
رووداو: دعنا نتحدث عن القصف الكيمياوي لحلبجة. هل توجد أي أدلة تثبت أن إيران أيضاً استخدمت السلاح الكيمياوي في حلبجة؟
صباح الحمداني: أتذكر عندما كنت في كركوك وبدأت #الأنفال# في عام 1988، علاقتي كانت مع أحد أصدقاء الطفولة في منظومة الاستخبارات آنذاك. الرائد هاني يونس جميل، حيث كنت أقضي الكثير من الوقت لديه، وكانت بيننا زيارات متبادلة. عندما بدأت الضربة الكيمياوية، وردت تعليمات استخبارية، وكانوا أقدر منّا فيما يتعلق بنشاطات الجيش وتحركاته، وأبلغني بأننا تعرضنا إلى ضربة إيرانية كيمياوية ولدينا جرحى. هذا الذي حدث.
رووداو: كان يقصد حلبجة؟
صباح الحمداني: نعم. كان يقصد حلبجة. سألته، ما هو الحل؟ وما الذي سيحدث؟ قال، إن القيادة ستتصرف. وفي اليوم التالي أخبرني بأن ضربة قوية جداً بالمبيد حدثت، وهذه إشارة واضحة ومعلومات من شخص يتحرك في هذا الإتجاه. بعد تلك الضربة، نُقل المئات من الجنود إلى المستشفى العسكري بكركوك، وكانوا مصابين بالكيمياوي الذي استخدمناه نحن في ضربة الرد. إيران كانت البادئ، والأحداث اللاحقة أثبتت أن إيران قد وجهت تلك الضربة، وأعطى الأميركيون ضوءاً أخضر يسمح لصدام حسين باستخدام خزينه من الأسلحة الكيمياوية ضد إيران ليجبرها على توقيع اتفاقية سلام ووقف الحرب. الإيرانيون وضعوا تلك الخطة وضربونا بالسارين الذي ينتشر على سطح الأرض ولا يتغلغل في عمقها مثل غاز الخردل، وعندما ورود خبر استخدامهم للسارين، إتخذ صدام حسين القرار بالرد. أحد الشهود الذي تكلم في قناتي الخاصة، وهو متخصص في تصنيع السلاح الكيمياوي في منشأة الثمنى لتصنيع الأسلحة، قال إنه عبأ بيده القنابل التي تم اسقاطها على حلبجة، وكانت كل قنبلة تحتوي على 250 كيلوغراماً من غازي الخردل والسارين. وأول رد شمل 65 طلعة جوية لطائراتنا لاستخدام السلاح الكيمياوي، وهذا شاهد على ما حدث وموجود، لكنه يرفض الظهور على شاشة التلفاز لظروف أمنية. وهذه هي الحقيقة. لقد شارك في تحميل القنابل على الطائرات، حيث لا يمكنهم ذلك دون وجود متخصص لمنع حدوث تسرب أو مشكلة في مطار كركوك. حملوا الطائرات التي قصفت حلبجة لمدة 3 أيام متتالية بالخردل والسارين. القصف بدأ يوم 16 آذار 1988 كما ذكر. لكن الضربة الأولى كانت إيرانية لتوريط صدام الذي وقع في الفخ.
رووداو: تقصد أن إيران استخدمت السلاح الكيمياوي قبل 16 آذار، أم في نفس اليوم؟
صباح الحمداني: في نفس اليوم. ضربوا ووردت التعليمات بشن ضربة كيماوية ماحقة، وكان الإيرانيون قد أعدوا لحضور الإعلام في المنطقة وتصوير ما حدث وأعدوا سيارات إسعاف لنقل الجرحى، لأنهم كانوا يدركون بأن الضربة ستحدث، الضربة المقابلة، وفعلاً وجه الجيش العراقي الضربة، وبدأ الضحايا يتساقطون، ونجحت إيران في التصوير الفوري للحدث ونقل قسم من المصابين بما في ذلك إلى لندن، ليُثبت عالمياً أن الضربة كانت عراقية، مع أنه كان فخاً.
رووداو: لكن حتى إن كان كذلك، فإن إيران استخدمت السلاح الكيمياوي ضد الجيش وليس ضد المدنيين..
صباح الحمداني: نعم. أتذكر مع ضابط الاستخبارات، أن اتفاقاً حصل بين الأجهزة الأمنية لتسريب معلومات مفادها أنهم وجهوا إنذاراً للمدنيين كافة يطالبونهم فيه بالخروج من حلبجة خلال 3 أيام، ولربما وزعوا منشورات ورقية بالطائرات، لكن ذلك كان عبارة عن كذبة، حيث لم تمض الأيام الثلاثة، وإذا بهم يوجهون الضربة. أناس صدقوا بأنه ستكون هناك ضربة، وآخرون لم يصدقوا ولم يتحركوا، لهذا أصيب العديد من المدنيين في حلبجة وأطرافها. هذه حقيقة الضربة بناء على معلوماتي الشخصية مع الرائد هاني، بالإضافة إلى معلومات شاهدنا المتخصص في تصنيع السلاح الكيمياوي، وهو من الضباط الذين أقسموا أمامي، كما أقسم الآن بأن معلوماتي لا تختلف عما حدثني به.
رووداو: كنت أنوي أن أسألك عن صناعة السلاح الكيمياوي. منذ متى بدأ العراق بتصنيع الأسلحة الكيمياوية؟
صباح الحمداني: معلوماتي الشخصية تؤكد أن السلاح الكيمياوي بدأ تصنيعه في الدائرة التي حجز فيها ناظم كزار وزير الدفاع في اليوم الذي قام بحركته عام 1973. هذه الدائرة كانت دائرة فنية شكلها ناظم كزار في الفضيلية، وكانت سرية جداً، وتشهد الكثير من العمليات الفنية، من ضمنها ما يتعلق بالسلاح الكيمياوي، وبقيت تعمل في المجال الكيمياوي بعد إعدام ناظم كزار، وتطورت بمرور الزمن ونقلت لمكان آخر، اعتقد في عام 1976، بأوامر من البكر، حيث أقاموا لها منشآت واستوردوا أجهزة ومكائن تصنيع السلاح الكيمياوي من ألمانيا الشرقية، بالإضافة إلى وسائل التعبئة، وهكذا تطور السلاح الكيمياوي في العراق.
رووداو: هل أن العراقيين صنعوه بأنفسهم أم استعانوا بخبراء أجانب؟
صباح الحمداني: في هذه الدائرة بالذات كان هناك خبراء أجانب منذ عهد ناظم كزار ، وبقوا مستمرين في العمل.
رووداو: من أي الدول كانوا؟
صباح الحمداني: ألمان. أعتقد ألمانيا الشرقية، وحتى الألمان الغربيين لم يكن لديهم مانع في العمل، ولم يتحلّوا بالإنسانية التي تدفعهم لمنعك من تصنيع لاسح كيمياوي، لأنهم يعرفون أين ستستخدمه.
رووداو: لكن لماذا استخدم هذا السلاح في حلبجة بالذات؟ قلت إنه كان رداً على الإيرانيين..
صباح الحمداني: نعم. هذا هو الصحيح تماماً. كان رداً على فخ نصبه الإيرانيون. لحد الآن أقرأ كثيراً بهذا الشأن. حتى هناك تسجيل لوزير الدفاع يقول فيه، ضربناهم بالكيمياوي، قتلنا منهم 5، 10 أو 20 ألفاً ليست مشكلة.
رووداو: تقصد عدنان خيرالله؟
صباح الحمداني: نعم. عدنان خير الله. قال ذلك في تسجيل صوتي عرض في محاكمات رموز النظام. حسناً، وزير الدفاع الذي يحبه بعض الأشخاص ويزعمون إنه كان جيداً وخلوقاً يقول إن موت 20 ألف إنسان ليست مشكلة، لأنه لدينا مليونا كوردي جيدين، وبالتالي مات من كان غير جيد، وهم بالأساس أطفال كانوا نائمين في أحضان امهاتهم. هذه قصة الضربة. وزير الدفاع يعترف. متخصص بالسلاح الكيمياوي يعترف أيضاً. نزار الخزرجي أرسل برقية للمحكمة، محكمة رموز النظام، أحاطها فيها علماً بأنه كان موجوداً وقائداً لفيلق، لكنه لم يتخذ القرار، وإنما إتخذه صدام حسي شخصياً بعدما اتهمه صدام حسين خلال المحاكمة بإتخاذ قرار ضرب حلبجة، ولا يمكن لقائد الفيلق أن يتخذ القرار.
رووداو: طيب، من الذي نفذ القرار؟ وهل كان عدنان خيرالله على علم به؟
صباح الحمداني: بالتأكيد كان على علم به. الضربة الكيمياوية كانت بقرار مباشر من صدام حسين، لكن من الذي نفذه؟ بالتأكيد سيكون وزير الدفاع على علم بالأمر، وسيكون علي حسن المجيد على دراية بأن الضربة ستقع بعد فترة معينة، لكن المنفذين هم الضباط المتخصصون المكلفون بنقل العتاد وتسليح الطائرات.
رووداو: هذا يعني أن الطيارين الذين ألقوا القنابل على حلبجة كانوا يعرفون أنها قنابل كيمياوية؟
صباح حمداني: نعم يعلمون. والأمر واضح جداً لأن خبيراً كيمياوياً يشرف على عملية تسليح الطائرات، خشية من التسرب، حيث يستبدل أي قنبلة فيها تسريب، لذلك، الطيارون مبلغون بشأن تسليح طائراتهم بالسلاح الكيمياوي والعودة من دون حمولتهم، أي أن يقصف بالسلاح الذي زودت به الطائرة.
رووداو: ذكرت نزار الخزرجي، لماذا كان صدام يريد أن يُساق هو أيضاً إلى المحكمة في حين أنك تقول إنه لم يكن يدري بالأمر؟
صباح الحمداني: التوريط كنوع من الغيرة. كيف لنزار الخزرجي الذي كان يواجه محاكمات في الدنمارك أن يقود تنظيمات وعملاً معيناً فيما صدام حسين يقبع في السجن أو في المخبأ، وبالتالي عندما حقق معه الأميركيون أبلغهم بأن من إتخذ القرار هو نزار الخزرجي. كان يريد توريطه حتى يأتوا به وهو في الإمارات. لكن الخرزجي تلقى وعداً من الإمارات التي منحته اللجوء ووفرت له الحماية في سبيل بقائه، بعد الذي مررنا به والمخطط الذي وضعناه مع الخزرجي عندما تعاونا معه في 2003 وجئنا إلى سوريا بعدما غيّرت السعودية البرنامج بهدف أن يقيم الخزرجي الإقليم السنى في العراق، لغرض حماية الجيش والمدن السنية من السقوط عقب إعلان تواجده في العراق. كل هذا سمع به صدام حسين، ولهذا أراد توريط الخزرجي في هذا المخطط ليأتي إلى المحكمة، لكن كان (الخزرجي) قد تلقى وعداً وانتهى الأمر.
رووداو: لماذا إذن تدافع عن نزار الخزرجي، فهو أيضاً كان من كبار ضباط الجيش ولا يُعقل أن لا يكون على علم بأي شيء..
صباح الحمداني: أوكد لك أنني لا أدافع عن أي ضابط، خاصة من القادة. هؤلاء استفادوا من صدام حسين، نهبوا وسرقوا وحصلوا على أنواط شجاعة، وعلى عشرات السيارات والمزارع...وإلخ. كلهم مشاركون، لكن هناك درجات في عملية المشاركة. يقول إنه منفذ، لكن ذلك لا يعفيه. كيف ذلك؟ الجيش لحماية الوطن وليس لقتل المواطنين. يفترض بهم، لو كانوا يتمتعون بقليل من الإنسانية أن يغادروا بأي شكل، ومع أنه غادر، لكنه غادر في وقت متأخر جداً. هذه حقيقة الخزرجي ولا أدافع عنه نهائياً، ومتورط أيضاً، إن لم يكن في هذه القضية، فهو متورط في غيرها، لكن لديه مواقف لا بأس بها، وهو أفضل من غيره.
رووداو: هل كانت الطائرات وحدها تستخدم الأسلحة الكيمياوية أم كانت هناك طرق أخرى لاستخدامها؟
صباح الحمداني: الشاهد الذي كان من كبار العلماء والضباط الذين يعلمون بمجال تصنيع وتعبئة السلاح الكيمياوي في منشأة المثنى، يقول نصاً إن كل شيء استخدمناه كان فيه الكيمياوي، بما في ذلك قذائف ال RBG قمنا بتعبئتها بالكيمياوي، القنابل الصغيرة والضخمة، كما تلقينا ذخائر خاصة من مصر، حيث كانت القنبلة تنفجر قبل ملامستها الأرض إلى عدة أجزاء، قمنا بتعبئة كل جزء فيها بالكيمياوي. يقول إننا قمنا بتوريدها لغرض استخدامها ضد إيران، لكننا استخدمناها ضد الكورد، واستخدام الكيمياوي لم يقتصر على حلبجة، بل استخدم في كل كوردستان، في كل شمال العراق، ضد الجميع، وضد كل المناطق التي كانت يصعب على الجيش الوصول اليها، وبالتالي كان يقصفها بالكيمياوي.
رووداو: وهل يبيح لنا هذا القول إن الدول العربية، وخاصة مصر، مشتركة بطريقة من الطرق في جريمة استخدام السلاح الكيمياوي؟
صباح الحمداني: كانت قنابل مدفعية خاصة تحمل اسماً عربياً لا أتذكره، قد يكون الصقر، ومنحوه له (صدام) لاستخدامها ضد إيران، وقال لي الشاهد بأن الهدف منها كان استخدامها ضد إيران واستخدمناها ضد الكورد الإيرانيين، أي اعتبروا الكورد إيرانيين بعقلية صدام حسين.
رووداو: هل باعوا هذا السلاح للعراق خلال فترة الحرب أم بعد توقف الحرب العراقية الإيرانية؟
صباح الحمداني: قبل انتهاء الحرب. نتكلم عن شهر آذار 1988. لم يكن الخميني قد أعلن موافقته على وقف الحرب، ولم يعلنها إلا بعد هذا القصف الكيمياوي على الجبهات كافة. الإيرانيون في عام 1987 كانوا يخططون للهجوم على بغداد. كانت لديهم خطة، وجهّزوا فيلقاً كاملاً، يتكون من عدة فرق خاصة للهجوم على بغداد، فصدرت الأوامر بضربهم، وخلال ساعات أصيبت القطعات هذه كلها إصابات كيمياوية فظيعة. في ذلك الوقت ظهر صدام حسن على التلفزيون، وحيا العاملين في التصنيع الكيمياوي، مجاهدي منشأة المثنى، ووزع عليهم سيارات ومبلغ 3 آلاف دينار لكل واحد منهم، حسب الشاهد الذي اسميته الشاهد 422، نسبة لمنشأة المثنى.
رووداو: لماذا لا تذكر أسماءهم؟
صباخ الحمداني: هذه أمانة. الرجل أعطاني ملعومات كثيرة وأنا أعلنتها للناس وكانوا على بينة. لكن، أين هو الآن. ربما في مكان خطر جداً. أنا أعرفه وجعلته يقسم اليمين. الرجل ليس شيعياً ولا كوردياً، هو إنسان سني، وما تحدث به ضد صدام حسين صحيح 100%، لكنه يخشى علي حياته.
رووداو: حسناً، قُتل الشخص المسؤول عن مؤسسة تصنيع الأسلحة الكيمياوية في عملية غامضة. ماذا تعرف عن هذا؟
صباح الحمداني: عدة أشخاص، بينهم أحد كبار الضباط من مدينة الموصل، ولا أتذكر اسمه، قتل في حادث سير على طريق الموصل. كان ذلك في عام 1991 أو 1992 كي لا يسرّب معلومات لأن لجان التفتيش بدأت في ذلك الوقت تستمع إلى العلماء، فاسرعوا في قتل العلماء كي لا تؤخذ إفاداتهم ويحصلوا على المعلومات منهم. تخصلوا منه، لكن لا أتذكر الاسم. وآخرون كذلك، حيث كانت هناك متابعة شديدة في هذا الإتجاه.
رووداو: حبذا لو عدّدت لنا الأسماء حسب درجة المسؤولية، من هم المتورطون في جريمة القصف الكيمياوي لحلبجة؟
صباح الحمداني: لا تتوفر عندي معلومات بهذا الخصوص. معلوماتي قدمتها لدفع الناس لتصديق حقيقة أن القصف كان عراقياً، لكنه بدأ بضربة بسيطة (إيرانية). تشبه صفع شخص ما كي يستخدمه مسدسه. هذا ما فعله الإيرانيون في العراق، وصدام حسين وقع في هذا الفخ، لأنه مشهور بالغباء، ووجّه تلك الضربة وقتل شعبه بالكيمياوي.
رووداو: لكن بعض الأسماء معروفة، مثل صدام حسين وعدنان خيرالله وعلي حسن المجيد وبرزان التكريتي وغيرهم..
صباح الحمداني: أعتقد أن برزان التكريتي لم يكن موجوداً في العراق بل في سويسرا. لكن من ذكرتهم هم فعلاً دهاقنة الجيش والنظام، ومسؤولون بشكل مباشر، ولا نقاش في ذلك. بدءاً من رئيس الجمهورية بالدرجة الأولى الذي يتحمل المسؤولية 100%. والآخرون أيضاً يتحملون المسؤولية حسب أدوارهم، لكن علي حسن المجيد دوره كان فعّالاً. قيل، وهذه معلومات الخزرجي، إن علي حسن المجيد أوصل معلومات مفادها أن الجيش الإيراني وصل إلى مناطق لم يصلها في الحقيقة، لدفع صدام حسين إلى إتخاذ قرار توجيه ضربة سريعة كيمياوية. أي أن علي حسن المجيد كذب في هذه المعلومة، ونقلها سريعاً إلى وزير الدفاع وصدام حسين مباشرة ليتخذ قرار استخدام السلاح الخاص.
رووداو: هل يوجد في الجيش العراقي مَن أحجم عن تنفيذ ذلك القرار وقُتل بسبب موقفه؟
صباح الحمداني: لا تتوفر عندي معلومات عن هذا.
رووداو: في جهاز الأمن، وفي الشعبة التي كنت تعمل فيها، هل كان يجري الحديث عن أن العراق استخدم السلاح الكيمياوي في حلبجة؟
صباح الحمداني: نعم. كنا نقرأ البرقيات التي تعمم وترسل من الجبهات سواء من قبل المنظومة أن من قبل مقرات حزب البعث، وبالتالي كنّا نقرأ بشأن ما كان يدور. الإدعاء بأنه تم تبليغ المواطنين إشاعة تم نشرها بين الناس، لمنح الجيش عذراً عند تنفيذ الضربة، لأنه طلب من المواطنين المغادرة، لكن كانت كذبة في واقع الأمر. كنّا نقرأ المعلومات ونعرف بأننا استخدمنا الكيمياوي وقد أعذر من أنذر. وزعنا منشورات لا أحد يعرف كيف وزعت ومن قرأها. كذبة صنعت لتبرير الضربة للعراقيين.
رووداو: البرقيات التي كنتم تطلعون عليها، هل كانت تشير إلى استخدام السلاح الكيمياوي ضد المدنيين؟
صباح الحمداني: نعم العتاد الخاص، لكنهم لا يذكرون المدنيين. استخدم السلاح الخاص لتحرير حلبجة أو غيرها، أما المدنيين الذين قتلوا فلا أحد يتحدث عنهم.
رووداو: كانت هناك شائعات تتحدث عن استخدام البشر، وخاصة المعتقلين في السجون، لاختبار فاعلية السلاح الكيمياوي. ما مدى صحة ذلك؟ هل لديك معلومات بهذا الصدد؟
صباح الحمداني: احتمال وارد لكننا لم نسمع به حقيقة. ممكن لأنه بإمكانك أن تجرّب الأسلحة الكيمياوية على أشخاص سيعدمون أو يقتلون. محكومون. ممكن. لكن حقيقة لم أشاهد هذا الشيء.
رووداو: طارق رمضان، كان واحداً من الطيارين الذين شاركوا في قصف حلبجة بالسلاح الكيمياوي. هل سمعت عنه؟
صباح الحمداني: في الحقيقة لا أعرف عنه.
رووداو: سجن هذا الشخص في كوردستان لفترة، ثم أطلق سراحه. ما سبب إطلاق سراحه على ما ترى؟ هل كانت هناك مساومة أو ضغوط لإطلاق سراحه؟
صباح الحمداني: سمعت بشيء من هذا القبيل، لكن لا أعرف حقيقة الأمر، وما إذا كان صحيحاً أم لا. حتى الأميركيون أطلقوا سراح أحد أهم مهندسي السلاح الكيمياوي الذي أسموه م. ف. كان بين المعتقلين في 2003 أخذوا منه معلومات وقدم إفادات استخدمت في محاكمات رموز النظام، ثم أطلق الأميركيون سراحه. قبل عامين قدم شخص اللجوء في بريطانيا أطلق عليه الإعلام البريطاني S. A. S. وزارة الداخلية البريطانية حاولت أن تمنع منحه اللجوء، لكن وزارة الهجرة منحته حق اللجوء، لأنه لاجئ في كل الأحوال حتى لو عمل في مجال السلاح الكيمياوي، وحدثت خلافات داخل الحكومة البريطانية في محاولة لمنع منحه حق اللجوء لكنه حصل عليها. هذا الشخص نفسه كان معتقلاً وأطلق سراحه، وحالياً هو لاجئ في بريطانيا.
رووداو: لكن طارق رمضان يقر بنفسه أنه شارك في العملية، هل سمعت عن هذا؟
صباح الحمداني: لم أسمع عن هذا. لكن إذا هو طيار وقال ذلك، فهو الأدرى لأنه المنفذ. لكن هل أطلق سراحه بعد وصوله إلى كوردستان؟ هذا الأمر بيد السلطات. لربما كانوا قد أطلقوا سراحه ومنحوه اللجوء في حال وصل إلى هولندا. إذا أدلى بمعلومات وأثبت بأن النار كان سيطلق عليه في حال لم يطلق القذائف الكيمياوية، وسيقتل هو وعائلته. عندما تقول للأوروبيون بأنك كنت ستتعرض للقتل إذا لم تنفذ، سمنحونك حق اللجوء.
رووداو: هل توجد عندك معلومات خاصة عن القصف الكيمياوي لحلبجة لم تَبُح بها حتى الآن؟
صباح الحمداني: حقيقة هذه هي المعلومات التي أعرفها وقدمت لكم خلاصتها، لكن بالإمكان التوسع فيها في الأيام القادمة. لا استطيع أن أحفظ كل شيء في ذاكرتي. لدي معلومات كثيرة، وتحثت بها كثيراً عبر قناتي الشخصية.
رووداو: ماذا لو تحدثنا عن عدد الضحايا الذين يقول الكورد إنهم كانوا خمسة آلاف شخص. هل تتوفر لديكم معلومات مغايرة؟ على سبيل المثال، هل ضمت التقارير والبرقيات الواردة إليكم أي تقديرات لعدد ضحايا حلبجة؟
صباح الحمداني: كما سمعت من وزير الدفاع عدنان خير الله، العدد لم يكن مهماً. 5، 10 أو 20 الفاً؟ لاحظ، من ناحية نفسية، عندما يقول 20 ألفاً، يعني أن عدد الضحايا وصل إلى 20 ألفاً، وقال ذلك وكأنه لا يهم، وكأنهم غير موجودين ومجرد خونة، في مقابل مليون كوردي من الأخيار، وبإمكانك أن تستنبط الحقيقة بنفسك.
رووداو: لو أني سألتك سؤالاً آخر رغم أنه لا علاقة له بحلبجة، إلا أني أظن أن عندك معلومات خاصة هي ليست المعلومات التي سمعناها نحن. عن المناضل والمثقف الكوردي الذي غيّبته الحكومة العراقية، أقصد شاكر فتاح، ماذا تعرف عنه؟
صباح الحمداني: هذه المعلومات تداولناها في زمن ما، وكما قلت، من أخطاء جهاز الأمن هو الاستماع إلى كل شيء، لكن لا نحتفظ بكل به، ربما الاسم فقط، ثم نعود لنبحث من جديد بهدف معرفة حقيقة ما جرى لهذا الشخص. فهذا الشخص..
رووداو: شاكر فتاح..
شاكر فتاح: كان نائباً لرئيس مجلس الحكم الذاتي، أي بمثابة نائب رئيس الجمهورية. في عام 1988 حضر احتفالاً بمناسبة ذكرى صدور بيان 11 آذار، رقص فيه الجميع ابتهاجاً بالحكم الذاتي وما حققناه بالحكم الذاتي، لكنه صعد إلى المنصة وقال أربع جُمل جميلة جداً، يمكنك من خلالها إدراك أنه ليس هناك حكم ذاتي في واقع الأمر..
رووداو: ماذا كانت تلك الجمل الأربع؟
صباح الحمداني: كانت جملاً ذكية جداً بحيث عندما نقرأها الآن ستعرفون أنه لم يكن هناك حكم ذاتي وإنما حكم مدير أمن ذاتي. لاحظوا هذه النقاط الرائعة التي تفهمون منها حقيقة الحكم الذاتي. طلب أمام جميع البعثيين، إجراء المفاوضات مع جميع الثوار ، اسماهم الثوار، وإنهاء حالة الصراع والاقتتال لإقرار الحكم الذاتي، بمعنى لم يكن هناك حكم ذاتي بالمفهوم الصدامي الأمني. ثانياً طالب برفع الحصار العسكري والاقتصادي عن المدن والقرى في كوردستان، بمعنى أن هناك حصاراً عسكرياً واقتصادياً على مدن كوردستان. إذا أين الحكم الذاتي؟ ثالثاً طالب بتفعيل جعل اللغة الكوردية لغة رسمية تنفيذاً لاتفاقية ال 11 آذار 1970. أين التفيذ؟ لم يكن هناك تنفيذ للاتفاقية، ولم يُسمح بجعل اللغة الكوردية لغة رسمية، وكان ذلك يعني أن اللغة الكوردية كانت ميتة في عقر دارها. رابعاً، طالب بتنفيذ بنود الاتفاقية بكافة فقراتها وبحذافيرها، وهذا يعني أن بنود الاتفاقية غير مطبقة، بل فقط ما يخص سلطة المركز على الحكم الذاتي وحكومة مجلس الحكم الذاتي ومديرية أمن الحكم الذاتي. إذاً، لم يكن هناك حكم ذاتي حقيقي. هذا الرجل قالها بذكاء وشجاعة عجز عنها الجميع. ارتعب الجميع الذين صدموا، لكنه خرج إلى بيته وبعد أسبوع ألقي القبض عليه في السليمانية، وأحيل إلى أمن أربيل لغرض التحقيق معه، وبقي هناك مدة ثلاثة أشهر تحت التعذيب وعمره 75 عاماً. رجل كبير أديب ومثقف معروف. وبعد الأشهر الثلاثة، سُلّمت جثته مع آخرين إلى الطب العدلي، وقالوا في الكتاب الرسمي إنها جثث مخربين، وكان من ضمنهم المغدور .
رووداو: هل رأيت ذلك الكتاب بنفسك؟
صباح الحمداني: طبعاً لم أر ذلك الكتاب، لكن إذ بحثت عنه ستجده. سمعت أن أحد مدراء الأمن تواصل مع حكومة إقليم كوردستان بعد 2003 وسلّمها الكثير من الأوليات التي كانت بحوزته، وساعدته في مغادرة البلاد، وبالتالي الكتاب قد يكون موجوداً بينها ويمكن الرجوع اليه.
رووداو: لننتقل إلى الحديث عن الأنفال التي كانت عملية لاإنسانية وحشية ارتكبت ضد الشعب الكوردي. كيف جرى التخطيط لهذه العملية التي نفذت على ثمان مراحل؟
صباح الحمداني: الأنفال عدة مراحل، لكن سأتحدث عن المرحلة التي بدأت في شباط، أعتقد 19 شباط..
رووداو: 1988..
صباح الحمداني: نعم في 1988. عندما بدأت حضرت شخصياً في مقر لجنة شؤون الشمال التي كان يرأسها عبد الرحمن الشكرجي الذي كان من مدراء الأمن، الذي تمت اعارة خدماته وأصبح رئيساً للجنة شؤون الشمال. كان ضابط أمن برتبة لواء ومديراً لأمن الحكم الذاتي لفترة من الزمن، أي كان الرجل المناسب في المكان المناسب. وردت توجيهات من علي حسن المجيد تشير إلى أن عمليات الأنفال العسكرية ستبدأ، وسيتم فيها القبض على العوائل كافة الموجودة في مناطق الحزام الأمني وجلبها. تعلمون بأنه كان هناك حزام أمني عرضه 30 كيلومتراً. لكن كيف يفهم الجيش ال 30 كيلومتراً؟ من الممكن أن يجعلها 70 كيلومتراً . كل من كان يتواجد في ذلك الحزام الذي يبدأ من الحدود الإيرانية ويمتد إلى الحدود التركية، أثناء تلك المرحلة من عمليات الأنقال، يلقى عليه القبض ويجلب إلى معسكرات. أتحدث عن معسكري الدبس وطوبزاوا أو معسكر خالد في كركوك. كنت أحد الموجودين والتحقت بمعسكر الدبس وأتردد على معسكر خالد. بعض الأخوان يعلّقون ويستاءلون كيف كان صباح الحمداني حاضراً في كل مكان؟ في المقابر الجماعية في النجف، وفي المقابر الجماعية في كركوك أيضاً. نعم. فلتصدقوا. هذه هي الحقيقة. كان من حسن حظي أن أكون قريباً جداً من تلك الأحداث لأنقلها للناس، لأن الجميع يتجنبون قول الحقيقة للناس كي يعرفونها، ويعرفون من كان يحكمنا. لهذا أتحدث بسعادة. كنت مسؤولاً عن عملية تنظيم وجود المحتجزين، وهم بالآلاف. كان معنا ضباط ومفوضون وحتى من الاستخبارات، كان واجبهم إعداد صحيفة أعمال لكل عائلة يتم القبض عليها أثناء هجوم الجيش. طبعاً، الجيش لا يعرف ماذا يحل بتلك العوائل ولم أكن أعرف كذلك. عندما كلفونا قالوا اجردوا هذه العوائل وسجلّوا وثبتوا وافتحوا اضبارة لكل عائلة حددوا الأعمار وكل التفاصيل الأخرى واسحبوا الهويات التي بحوزتهم. الكل كان يلقي القبض عليهم، الانضباط العسكري، الشرطة، الأمن والجيش الذي كان يرسلهم لنا بالشاحنات العسكرية، فيما كنا نقوم باستلامهم واسكانهم في قاعات معسكر خالد التي كانت لا تغلق إلا في الليل فقط، وكان هنا طباخون ونوزع ما يكفي من الطعام على المحتجزين.
رووداو: ماذا كان طعامهم؟
صباح الحمداني: طعام الجيش الذي كان يُعدّ سريعاً فقط. كنّا نسمح لهم بكل شيء، لكن ضمن حدود المعسكر الذي كان الجيش يسيطر على سوره فيما كان الأمن يسيطر على داخله وكان من واجبه التنسيق والتبويب والإحصاء.
رووداو: ماذا كانت بالتحديد مهمتك هناك؟
صباح الحمداني: إحصاء الأعداد بالدرجة الأولى كي يقوم الجيش بتوفير البطانيات والتجهيزات الأخرى والطعام، وكنّا نزوده بالأعداد المحدثة يومياً. كان ذلك واجبي بالإضافة إلى تنظيم الأضابير. نتكلم عن آذار. العمليات كانت بدأت في شباط وعمليات إرسال المحتجزين من أواخر شباط. في يوم من الأيام سمعنا بأحداث آلتون كوبري، حيث تعرضت عشيرة الشمر إلى هجوم قام بها مسلحون قيل إنهم من الاتحاد الوطني الكوردستاني. تسللوا من مناطق بعيدة مثل حلبجة، لكنهم تمكنوا من تنفيذ العملية. قتلوا الجميع وغادروا. رجال العشيرة كانوا في اجتماع في المحافظة. كيف عرفوا بأن العشيرة لا رجال فيها في ذلك الوقت للدفاع عنها؟ لا نعرف. دخلوا وقتلوا الجميع، بما في ذلك الأطفال.
رووداو: كم عدد الذين كانوا قد قُتلوا؟
صباح الحمداني: شاهدت الفيلم الذي صوّره القسم الفني لدينا، لن المنطقة كانت ضمن مناطق مسؤوليتنا رغم أنها كانت في الجانب الآخر من آلتون كوبري.
رووداو: ماذا كان مضمون الفيلم؟
صباح الحمداني: ربما نحو 200 شخص من نساء وأطفال. المشهد كان مبكياً. في حينه تساءلنا، لما لا تعرضونه في التلفزيون لتعرف الناس أن هناك مسلحين ومخربين؟ قالوا، كلا، نحن مستقرون ولا نكشف عوراتنا، ولا ننشر غسيلنا. رفضوا رفضاً باتاً. بعد ذلك بيومن وقع حادث في كفري. حادث مشابه. هجوم على مدنيين.
رووداو: كانوا من عرب التعريب؟
صباح الحمداني: نعم. كانوا من الوافدين الذين جاؤوا بهم لتعريب منطقة كفري، أسوة بمن جاؤوا بهم لمنطقة آلتون كوبري. بعد أيام من الحادث الثاني تلقينا تعليمات، وأنا مسؤول عن تلك الأمكنة، الدبس ومعسكر خالد، طالبوا فيها بفرز الأشخاص من عمر 15 إلى 45 سنة.
رووداو: نساء ورجال؟
صباح الحمداني: من الرجال فقط وكانت نهايتهم أليمة. أقسم بالله، بأنني طلبت من العاملين معي تغيير الأعمار. عندما كان يأتينا شخص عمره 17 سنة، كنت أقول لهم سلجوه 14 سنة حتى لا يدخل في المتاهة ولا يرسل لإعدامه. كنا نقوم بحصر الأعداد لحين تلقينا أمراً بتوزيع الموقوفين على مديريات أمن المحافظات كافة، من الموصل نزولاً إلى البصرة، وكركوك أيضاً.
رووداو: كم شخصاً عزلتم؟
صباح الحمداني: أكثر من 15 ألفاً حسبما أتذكر في المعسكرين. لكن كم بلغوا في نهاية الأمر؟ لا أتذكر، لأنهم كانوا يأتونا يومياً. كانوا يأتون بعوائل عربية وأخرى تركمانية نلتقى أوامر بإطلاق سراحها فوراً بعد القيام بجردها. كانوا يمكثون في المعسكرين ليومين أو ثلاثة قبل أن نتلقى أمراً من لجنة شؤون الشمال، من عبد الرحمن الشكرجي ونطلق سراحهم ويبقى الكورد فقط. [1]