=KTML_Bold=سوريا .. ومشروع الدولة الفيدرالية.=KTML_End=
#بير رستم#
الحوار المتمدن-العدد: 5120 – 2016-04-01
المحور: القضية الكردية
ربما باتت قضية الفيدرالية والتي أُعلِنَ عنها في السابع عشر من آذار الجاري في مؤتمر رميلان وتحت مسمى ومشروع “فيدرالية روزافا – شمال سوريا” وبمشاركة ممثلين من كافة المكونات الاثنية والدينية في المنطقة؛ “غربي كوردستان”، من أهم القضايا الساخنة في الساحة والملف السوري حيث “سرعان ما لاقى المشروع ردود أفعال قوية ورافضة من أغلب الاطراف المتصارعة في سوريا، لكن الأبرز في الأمر؛ كان تقاسم النظام والمعارضة نفس الموقف الرافض للفيدرالية، وهذا بحد ذاته يعتبر واقعة نادرة، بعد أن أصبح القاسم الوحيد بينهما”، وذلك كما عبر أحد الإخوة المعلقين على الموضوع حيث وللأسف؛ فقد رأينا “وحدة الأضداد” في العداء للمشروع السياسي وذلك من خلال توافق كل من (المعارضة والنظام السوري)، وبعد خمس سنوات من الحرب الأهلية، على الإتفاق في قضية رفض المشروع الفيدرالي، فما هي الأسباب والدوافع على تلاقي الجميع عند نقطة العداء للمشروع وهل فعلاً هو مشروع تقسيمي للبلاد والجغرافيات.
إننا سوف نحاول أن نقف على ذلك من خلال مقالتنا هذه، لكن قبل ذلك علينا أن نتعرف على الفكرة والمفهوم العلمي للفيدرالية كنظام سياسي للحكم في الأقاليم والدول وكتجربة شعوب عرفت الفيدرالية قديماً كحالة وواقع مجتمعي تكافلي وذلك قبل التنظير السياسي والفلسفي لها وفي ذلك تقول موقع الجزيرة التالي: “يُمكن القول إن الفدرالية وُجدت على أرض الواقع قبل أن يُنظر لها الفلاسفة في كتاباتهم، وبالتالي فهي تجربة سياسية واجتماعية حية أكثر منها نظرية فلسفية ألهمت خيارات سياسية لاحقا”. وتضيف “ففي عام 1291، قام عهد دفاعي بين كانتونين في سويسرا هما شويز وأنتروالد أسس لاحقا لقيام الفدرالية السويسرية التي اعتمدت في البداية النظام الكونفدرالي القائم على اتحاد كيانات سياسية مستقلة، وتفويضها صلاحيات سياسية وتنفيذية لحكومة مركزية تُمثل فيها تلك الكيانات. بيد أن الدولة الفدرالية كما هي معروفة اليوم قامت لأول مرة بموجب دستور الولايات المتحدة الأميركية الصادر في 1787”. والآن وبعد أن أطلعنا على نشوء النظام الفيدرالي وكولادة طبيعية في التضامن الإجتماعي ضمن النموذج السويسري، فإننا سوف نقف على الجانب النظري والسياسي لمفهوم الفيدرالية.
إننا وبحسب المصدر السابق؛ “نجد الأصول النظرية للنظام الفدرالي أو الفدرالية في كتابات الفيلسوف ورجل الدين الألماني جوهان ألتيزيوس (1557-1638) حول التنظيم السياسي في إطار اتحادي تضامني. وضمَّن ألتيزيوس أفكارَه بشأن النظام التضامني في كتاب صدر عام 1603 وحمل عنوان (السياسة: عرض منهجي ومعزز بنماذج شاهدة ومقارنة)”. إذاً ما هي الفيدرالية أو الاتحادية، حيث تقول في ذلك معجم المعاني بأنها؛ “خاص باتحاد ولايات تعترف بسيادة سلطة مركزيّة وتحتفظ ببعض القوى الحكوميّة الباقية” وتضيف بأن “مذهب الفيدراليَّة: (السياسة) نظام سياسيّ يعترف بوجود حكومة مركزيّة للدولة كلّها إلى جانب حكومات إقليميّة أخرى ذات استقلال سياسيّ، فتوزّع قوى الحكومة بين الحكومة المركزيّة والحكومات الإقليميّة”. وكذلك تقول الموسوعة الحرة بخصوص القضية ذاتها ما يلي: “الاتحادية أو الفدرالية (أو الفيدرالية) شكل من أشكال الحكم تكون السلطات فيه مقسمة دستوريا بين حكومة مركزية (أو حكومة فيدرالية او اتحادية) وووحدات حكومية أصغر (الأقاليم، الولايات)، ويكون كلا المستويين المذكورين من الحكومة معتمد أحدهما على الآخر وتتقاسمان السيادة في الدولة. أما ما يخص الأقاليم والولايات فهي تعتبر وحدات دستورية لكل منها نظامها الأساسي الذي يحدد سلطاتها التشريعية والتنفيذيه والقضائية ويكون وضع الحكم الذاتي للأقاليم، أو الجهات أو الولايات منصوصا عليه في دستور الدولة بحيث لا يمكن تغييره بقرار أحادي من الحكومة المركزية”.
وتقول الموسوعة أيضاً وذلك بخصوص الدول ذات النظم السياسية الفيدرالية في العالم؛ بأن “الحكم الفدرالي واسع الانتشار عالميا، وثمانية من بين أكبر دول العالم مساحة تحكم بشكل فدرالي. وأقرب الدول لتطبيق هذا النظام الفدرالي على المستوى العربي هي دولة الإمارات العربية المتحدة أما على المستوى العالمي فهي دولة الولايات المتحدة الأمريكية”. وكذلك فهناك ومن غير هاتين الدولتين، عدد من الدول ذات النظام السياسي الفيدرالي مثل؛ ألمانيا، روسيا، سويسرا، كندا، الأرجنتين، بلجيكا والهند والعراق .. وغيرها عدد كبير من الدول الأوربية والآسيوية، ما يقارب الثلاثين دولة؛ حيث تكون السلطات مقسمة بين المركز والأقاليم أو الولايات والكانتونات وذلك من دون أن تعني تقسيماً للبلد والدولة الفيدرالية. إذاً فإن الفيدرالية هي تقاسم للسلطات وليس للجغرافيات، كما يروج لها بعض (الجاهلين أو الحاقدين والرافضين) للمشروع السياسي الفيدرالي وبحجة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، مع العلم بأن هناك فيدراليات بحكم الأمر الواقع كما في كل من إسبانيا والصين؛ حيث إقليم الباسك في إسبانيا يتمتع بصلاحيات إدارية واسعة، ربما أكثر من إقليم فيدرالي في دولة إتحادية.
وهكذا فإن النظام الفيدرالي ليس مساساً بالوحدة الوطنية والجغرافية السياسية للبلد، بل هي الحد من سلطة المركز والتفرد بالقرار السياسي من قبل سلطة حاكمة متفردة بالعباد والبلاد حيث التأسيس لدولة الاستبداد والديكتاتوريات في الدولة المركزية. وبالتالي فإن مشروع الدولة الفيدرالية هي البديل الديمقراطي عن دولة الاستبداد، إنها دولة المواطنة الحقة عوضاً عن دولة المواطن (الإمعة) في نظم الاستبداد وذلك لمن يطالب بدولة المواطنة في سوريا حيث تقول موسوعة ويكيبيديا بخصوص ذلك ما هو التالي: “الفدرالية توفر نظاما دستوريا قويا تستند عليه التعددية الديمقراطية، وبأنها تقوم بتعزيز الديمقراطية النيابية عبر توفير مواطنة مزدوجة في مجمع جمهوري. وبالإمكان العثور على هذا التصريح الكلاسيكي في الوثيقة الفدرالية (The Federalist Paper) والتي تقول بأن الفدرالية تساهم في تجسيد مبدأ العدالة القضائية وفي الحد من الأعمال التعسفية للدولة”. وتضيف كذلك “إن مقولة أن الفدراية تساعد على تأمين الديمقراطية وحقوق الإنسان قد تأثرت بالنظرية المعاصرة حول الاختيار الشعبي. ففي الوحدات السياسية الأصغر بإمكان الأفراد الاشتراك بشكل مباشر في حكومة عمودية وحدوية. وزيادة على ذلك فإن لدى الافراد الساخطين من الظروف السائدة في إحدى دول الإتحاد خيار الانتقال إلى دول أخرى- وهذا طبعا بافتراض أن الدستور يكفل حرية الانتقال بين دول الإتحاد الفدرالي”.
إذاً وبعد أن تعرفنا على الفيدرالية كنظرية سياسية وتطبيقاتها العملية ضمن جغرافيات سياسية متعددة، شملت الكثير من الدول والتي يمكن إعتبارها من أكثر الدول حضارةً وتقدماً ورقياً حضارياً وفي مختلف المجالات؛ الإقتصادية التنموية أو في الجوانب الحقوقية والديمقراطيات والحريات المدنية، فما الذي جعل كل هؤلاء المتناقضات في عالم الشرق _سوريا؛ (كنظام ومعارضة) مع عدد من الحركات والأحزاب والدول في المنطقة وعلى الأخص تلك الغاصبة لكوردستان_ أن تتفق جميعاً ضد المشروع الفيدرالي والذي تم الإعلان عنه من قبل الإدارة الذاتية في مؤتمر رميلان، هل هو (جهلاً) بالفيدرالية والتي يعلمها الجميع بأنها؛ تعني “الاتحاد الاختياري أي التعايش المشترك بين الشعوب و الاقليات وحتى بين الشعب الواحد في أقاليم متعددة.. تجمعهم أهداف مشتركة ومصير مشترك”، كما يقول الكاتب “بهزاد علي ادم في مقالته (الفيدرالية والكونفدرالية والفرق بينهما) والمنشورة في موقع الحوار المتمدن. أم إن القضية هي أعمق من ذلك بكثير وتضمر عداءً للكورد وحقوقهم، لكنها مغلفة برفض فكرة الدولة الفيدرالية حيث يرى الجميع في المشروع؛ بأنها البداية التي سوف تحدد الوجود الكوردي، ليس فقط سياسياً، وإنما جغرافياً أيضاً، بمعنى أن الكورد سوف يرسمون حدودهم السياسية كإقليم كوردي وإن كان اليوم تحت مسمى إقليم روج آفا (أو الإقليم الشمالي).
وبالتالي وكملخص وكلمة أخيرة بالموضوع؛ فإن كل من المعارضة السورية والنظام والدول الإقليمية _وتحديداً الغاصبة لكوردستان_ والمهددة بالمصير السوري في الدخول إلى نفق الحرب الأهلية أو القبول بالشراكات الوطنية وذلك بحكم مركزية وإستبدادية تلك الدول وإنكار حقوق الإثنيات والأعراق والمكونات المجتمعية الأخرى داخل تلك الجغرافيات وعلى الأخص المكون الكوردي، كشعب متميز عن الترك والعرب والفرس، فإن كل تلك القوى والدول والأحزاب التي تدور في فلكها وجاذبيتها وقوتها الإقتصادية السياسية ومنها قوى الإئتلاف السوري، فإن جميعها أنبرت للهجوم على الفيدرالية ورفضها ليس بحكمها مشروعاً سياسياً تقسيمياً للبلد، وإنما كدفاع عن فكرها ومشروعها السياسي الجديد/ القديم في رفض الآخر وقبوله كشريك سياسي وطني حيث الفكر الاستبدادي والاستعلاء القومي ما زال يجمع الكل رغم الصراع على السلطة.
وهكذا فإن الفيدرالية عرت الجميع؛ بأنهم لا يحملون مشروعاً جديداً؛ الجديد فكرياً وسياسياً للمنطقة، بل يحلمون بالإستيلاء على السلطة وإستبدال نظام سياسي قمعي بآخر لا يختلف عنه إلا ببعض الشخصيات وربما الشعارات التي “لا تغني ولا تسمن من جوع” حيث وللأسف فإن العلة في الفكر والثقافة وليس فقط في الأطر والسياسة وبالتالي فالمطلوب كوردياً؛ المضي بمشروعهم السياسي الفيدرالي إلى النهاية ليصبح أمراً واقعاً في المعادلة السورية.
مصادر البحث:
1- موقع الجزيرة الإلكتروني؛ مقالة بعنوان “النظام الفدرالي”.
2- موقع معجم المعاني مقالة عن معنى “فيدرالية”.
3- الموسوعة الحرة (ويكيبيديا) بحث بعنوان “فدرالية”.
4- موقع الحوار المتمدن، مقالة للكاتب “بهزاد علي ادم” بعنوان؛ (الفيدرالية والكونفدرالية والفرق بينهما)[1]