كوردستان (سوريا) .. “وهم” أم حقيقة تاريخية وجغرافية؟!
#بير رستم#
الحوار المتمدن-العدد: 5124 – 2016-04-05
المحور: القضية الكردية
إننا تابعنا في الفترة الأخيرة قضية الفيدرالية المطروحة في سوريا وما لاقت من رفض رسمي وشعبي لها وذلك إن كان من قبل النظام أو قوى المعارضة السورية حيث وللأسف فإن الكل وقف بالضد من المشروع الذي طرحه الإخوة في قوى سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية بمؤتمرهم الذي أنعقد في أواسط الشهر الماضي بمدينة رميلان والذي أعتمدوا فيه مشروع النظام الفيدرالي الديمقراطي وعلى أساس ذلك تم الإقرار بفيدرالية روج آفا أو “الشمال السوري”.
لكن رأينا هيجاناً في الأوساط السورية عموماً برفض المشروع _ومن الجميع_ وذلك تحت يافطة عريضة وعلى إنه “مشروع تقسيمي”، فهل حقيقةً أن الرفض جاء نتيجةً لعدم إدراكهم بأن الفيدرالية لا تعني التقسيم والتجزئة ومنهم من هو مختص بالقانون الدولي ويعلم دقائق هذه القضايا وعدد الدول الفيدرالية بالعالم ونجاحهم على كل الصعد الإقتصادية التنموية والسياسية وغيرها من مناحي تطور الدولة الحضارية ودون أن تكون سبباً في نزعات تقسيمية بين كانتوناتها ومقاطعاتها، بل إن الفيدرالية كانت أحد أسباب نجاح تلك الدول المتقدمة ورغم ذلك رأينا الرفض من قبل كل الأطراف والشخصيات لدى كل من النظام والمعارضة السورية.
ورأينا بأن هناك من تحجج بأن المشروع طرح من قبل طرف سياسي ودون مشورة الآخرين “الشركاء”؛ إن كانوا على مستوى الداخل الإقليمي الكوردي مع المجلس الوطني الكردي أو على المستوى الوطني السوري مع قوى المعارضة السورية وقد تبنت تلك الرؤية كل من المجلس الكردي وبعض القوى الديمقراطية المدنية في الأوساط العربية، لكن الأغلبية الساحقة هي تلك التي أنطلقت من تفكير سياسي أيديولوجي حيث كل من المدرستين السياسيتين؛ القوموية العروبية والدينية الإسلاموية ولدى الجهتين _النظام والمعارضة_ رفضتا المشروع وذلك من منطلق إنه مشروع تقسيمي بيد حزب كوردي يمارس البراغماتية السياسية لسلخ جزء من (الوطن) في التأسيس ل”دويلة كوردية” كما روجوا لها في الإعلام، مع العلم أن المشروع لم يقل بإقليم كوردي كوردستاني وناهيكم عن معرفتهم التامة؛ بأن الفيدرالية لا تعني الإستقلال، بل هو نوع من الإدارة الذاتية للمقاطعات والأقاليم الجغرافية وبالتالي فإن حجتهم التقسيمية مرودة وباطلة، لكن رغم ذلك ما زال يتم بث هذه الدعاية ضد المشروع الفيدرالي لسوريا وبرعاية بعض دول الجوار كتركيا.
إذاً حجة التقسيم كانت الشماعة التي حاول الكثيرين إبرازها للتغطية على الأسباب الحقيقية التي كشفت عن الكثير من المقدمات والأسباب أو ما يمكن تسميتها ب“الحقائق المغلوطة” لدى الكثيرين من أولئك الذين تنطعوا لمسألة الفيدرالية ورفضها جملة وتفصيلاً وإن القضية ليست مسألة تقسيم البلاد أو جهل بالنظام الفيدرالي حيث كل تجارب الدول والشعوب التي سبقتنا تؤكد على نجاعة ونجاح النظام الديمقراطي في الأخذ بالمجتمعات ذات التركيب الديموغرافي المتنوع إلى بر الأمان وتحقيق السلم الأهلي والتقدم الحضاري، لكن بشرط الإعتراف بتلك التعددية الإثنية الأقوامية في البلد وكذلك الإقرار بأن من حق كل المكونات أن تقرر مصيرها بنفسها وذلك ضمن دولة ذات نظام فيدرالي إتحادي تقر للأقاليم بصلاحيات واسعة.
وبالتالي فإن المشروع الفيدرالي هو أولى اللبنات التي تؤسس عليها مسألة الإقرار بالتعددية العرقية الأقوامية وكذلك الجغرافية السياسية، فهل هناك في سوريا تلك الثقافة الوطنية وذلك عند كل من المعارضة والنظام السوري، بل لدى النخبة الثقافية السياسية في البلد.. إن الرفض للمشروع الفيدرالي وبالمطلق، أعطى الإجابة الواضحة؛ بأن مجتمعنا السوري ما زال ينظر للقضية بأن هناك شعب وجغرافية سياسية واحدة في البلد وهي “الجغرافية العربية والشعب العربي السوري” وإن الآخرين _ومنهم الكورد_ ليسوا إلا ضيوف مهاجرين، مرحب بهم أو غير مرحب، في (وطنهم) القومي.
هنا وعند هذه النقطة، نكون قد حددنا السبب الرئيسي في رفض الفيدرالية ليس لأنه مشروع تقسيمي، بل رفضاً لفكرة وقضية وجود سبب وداعٍ لذاك التقسيم السياسي بحسب قراءاتهم السياسية حيث هناك _في عرف وقراءة أولئك الرافضين_ شعب واحد وجغرافية واحدة وبالتالي وجوب حكومة مركزية واحدة تقر بحق المواطنة للجميع، فلا أعراق ولا جغرافيات أخرى في سوريا وأن أي إدعاء بوجود مناطق كوردية في سوريا أو إقليم كوردستان و “روج آفاي” كوردستان _أو حتى “روج آفا” حاف_ هو “وهم كوردي وسرطان يتمدد في الجسد السوري” وإنه مرفوض بكل الأحوال من قبل الأطراف والكتل السياسية القوموية العربية وكذلك التيار الراديكالي الإسلاموي وفي ذلك لا خلاف بين النظام والمعارضة السورية وبمختلف أحزابها وتياراتها السياسية، بل وهناك عدد من الدول الإقليمية التي تتفق معها في تلك القراءة السياسية وعلى الأخص الدولة التركية؛ كونها تدرك جيداً بأن كرة النار الفيدرالية ومع الزمن سوف تتدحرج إلى داخلها لتصبح هي الأخرى على النموذج الفيدرالي وذلك لحل المسألة الكوردية في أكبر جزء وجغرافية كوردستانية مغتصبة من قبل الدولة التركية.
وبالتالي فإن أي إدعاء من قبل طرف كوردي أو غيره من الشخصيات والكتل الحزبية المحسوبة على التيار الديمقراطي المدني والقول؛ بأن الوقت ما زال مبكراً لنقاش هكذا قضايا وطنية إستراتيجية وأن الأولوية لإسقاط النظام وتشكيل حكومة وطنية بديلة سوف تتكفل بطرح القضية والنقاش حولها ومن ثم طرحها للإستفتاء الشعبي، هو ليس أكثر من دحرجة النقاش والقضية إلى مرحلة إستقواء وإثبات للوجود بالنسبة لهم ولمشروعهم السياسي والذي لن تجد فيها الفيدرالية مكاناً للقبول حيث المزاج العام والثقافة المشتركة لدى الجميع تؤكد بأن لا قبول للقضية بتاتاً وذلك إنطلاقاً من القاعدة السياسية التي تؤسس لفكرهم السياسي؛ بأن “سوريا دولة عربية أرضاً وشعباً” وإن أي إدعاء بوجود جغرافية غير عربية في سوريا _كوردية أو غير كوردية_ هو “وهم وسرطان” ويجب إستئصاله من برامج تلك الأحزاب التي تقول: بأن الكورد يعيشون على أرضهم التاريخية وأن القبول بهم اليوم _أي بتلك الأحزاب_ ضمن صفوف المعارضة وقوى الإئتلاف السوري هي من باب التسويق الدولي بوجود الشراكة مع الطرف الكوردي ومن جانب آخر لإفشال “المشروع الإنفصالي” للطرف الكوردي الآخر؛ ونقصد مشروع الإدارة الذاتية وأخيراً فيدرالية روج آفا أو “الشمال السوري”.
وأخيراً بقي أن نتساءل؛ من منا يتحمل هذه المسؤولية _ونقصد بها مسؤولية تغييب المناطق الكوردية والكوردستانية في سوريا_ هل هو النظام بثقافته الأمنية القمعية وتعريب المناطق الكوردية على عقود من الزمن، أم هي ثقافة الإلغاء والإقصاء والهيمنة التي تكونت في الفكر العربي والإسلامي عموماً وإنها نتاج تراكم تاريخي حضاري بأن العرب هم “الأسياد” والآخرين ليسوا إلا “عبيد وموالي ولواحق إتباعية لهم ولجغرافياتهم الوطنية” والتي بالأساس تكونت بعد مرحلة الإستعمار الغربي حيث في الفترة الإسلامية كان هناك الإحتلال العثماني للمنطقة ولمدة تقارب الخمسة قرون من الزمن وبالتالي لم تكن هناك من مشروع للجغرافية والدولة العربية وقد جاءت مع دخول الدول الأوربية للمنطقة كقوى إستعمارية جديدة تحمل معها الفكر القومي، تلقفها بعض الشباب العربي المثقف في دعوة وحدة الأمة والجغرافيا العربية.
لكن وللأسف فإن تلك الدعوات تناست وجود عدد من الأقوام والمكونات الأخرى في المنطقة وخاصةً عند الأجيال اللاحقة وذلك من بعد تأسيس العديد من الدول العربية والإقليمية وفق تقاطع المصالح الإستعمارية الأوربية معهم وتغييب بعض الجغرافيات الوطنية لشعوب وأقوام أخرى في المنطقة مثل الكورد والأمازيغ والأقباط.. وهكذا وعلى الرغم من تلك الحقائق التاريخية؛ في أن المصالح الإستعمارية وثقافة الإلغاء عند الشعوب العربية الإسلامية وسياسات حكوماتهم العنصرية هي من أهم تلك الأسباب التي ترفض الإعتراف بالآخر، ألا إننا نحن الكورد نتحمل جزءً من المسؤولية؛ بأننا لم نقدر على إيصال صوتنا وقضيتنا للآخرين والدفاع عن وجودنا التاريخي والجغرافي في المنطقة.. وإننا سوف نتناول في المقال القادم هذا الجزء من إشكالية الوجود الكوردي في سوريا.[1]