نوروز .. في التاريخ والمعنى والدلالات؟! (الحلقة الثانية)
#بير رستم#
الحوار المتمدن-العدد: 5113 – 2016-03-24
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
نوروز (نيروز)؛ المعنى والدلالات:
إننا وقفنا في الحلقة الماضية من بحثنا عن نوروز (نيروز) عند الواقع المجتمعي والسياسي لشعبنا وكيف إنه ونتيجة سياسات الإغتصاب والإلحاق الطويلة قد أجبر على الإبتعاد عن تاريخه وإرثه الحضاري، مما ألحقت بذاك الإرث الكثير من التشويه والتحوير ومن تلك التشوهات في الثقافة الكوردية ما ألحق بأهم وأعظم مناسبة وطنية وقومية لشعبنا؛ ألا وهو يوم نوروز _يوم الولادة الجديدة_ ورأس السنة الكوردية، وإننا سوف نحاول جاهدين في هذه الدراسة الوقوف على المسألة دراسةً وتحليلاً وذلك لإستبيان ما يمكن من الحقائق التاريخية وما أضيف إليها من تشوهات ثقافية، إن كانت لغايات سياسية أم لتعدد وتداخل ثقافات عدد من الشعوب، مما جعل “نوروز” يوماً وعيداً شبه عالمي، بحيث نجد أغلب شعوب العالم؛ قديماً وحديثاً تحتفل بهذ اليوم وإن كانت بمسميات متعددة، لكن وقبل ذلك لنتعرف إلى نوروزكعيد قومي لشعبنا الكوردي.
يقول الموقع الرسمي للحزب الديمقراطي الكوردستاني (العراق) بخصوص ذلك التالي: (ی-;-عتبر النوروز، أي “يوم جديد” العيد القومي للشعب الكوردي و في الوقت نفسه عيد رأس السنة الكوردية الجديدة والذي يصادف يوم ال 21 من آذار، وفق التقويم الميلادي). ويضيف (يعتبر عيد النوروز من الأعياد القديمة التي يحتفل بها الكورد، حی-;-ث يعود تأريخها إلى القرن السابع قبل الميلاد، وتحديدا منذ تأسيس أول دولة كوردية، “دولة ماد”. يحمل هذا العيد بعداً قومياً ولە-;- صفة خاصة مرتبطة بقضية التحرر من الظلم حی-;-ث يعمدون الى اشعال النارعند قمم الجبال، كرمز لانتصار الكورد على الطغاة والتخلص من الظلم الذي كان يمارس ضدّهم).
ويقول الموقع كذلك (يذكر أنّ هذا العيد يصادف بداية شهر الربيع وهو شهر الخصب والتجدّد حيث تكتسي الطبيعة ثوبها الأخضر فتظهر بأبهى حلّلها ما يسمح بطريقة أو بأخرى للشعب الكوردي في الاحتفال بهذه المناسبة المميزة. تی-;-منآ بهذا العی-;-د، تعتبر الأيام من 20 لغاية 23 من آذار من كل سنة عطلة رسمية في كوردستان – العراق. يخرج الكورد خصوصآ في تلك الأی-;-ام، و بعدها عمومآ، إلى أحضان الطبيعة مرتدين الزيّ الكوردي، فيمارسون طقوس هذا العيد من خلال إيقاد شعلة النوروز، والتي يُطلق عليها شُعلة كاوا حداد، وفق الاسطورة وعقد حلقات الرقص الجماعي والغناء)(1).
إن ما سبق هو التعريف العام لعيد نوروز، لكننا لن نكتفي بذلك بل سنحاول الوقوف على التفاصيل ومن مختلف المناحي والسويات والدلالات؛ الأسطورية (الحكائية) وصولاً إلى الترميز السياسي ومروراً بالجوانب الثقافية الحضارية في تلاقي وتلاقح ثقافات عدد من الشعوب وتقاطعها مع الحكاية الأم والتي نعتقد بأنها تعود جميعاً إلى الأعياد التموزية وخصوبة الطبيعة حيث نزول “عشتار” للعالم السفلي _عالم تيامات_ بحثاً الزوج العشيق والإله “تموز” لإنقاذه وإعادة الحياة للطبيعة مع بدايات الربيع.. لكن وقبل الخوض في تلك التفاصيل، دعونا نتعرف على نوروز كمعنى ودلالة لغوية ثقافية عند مختلف شعوب العالم وضمناً الشعب الكوردي؛ كونه أكثر إلتصاقاً به ويحمل أكثر من معنى ودلالة في ثقافتنا حيث الجانب الأسطوري الديني ممزوجاً بالجانب القومي السياسي، فما معنى نوروز إذاً لغةً ودالة ثقافية حضارية في لغات وثقافات الشعوب.
تقول معجم المعاني في معنى نوروز ما يلي: “نيروز: ( اسم ). عيد النَّيروز: عيد النوروز ، أكبر الأعياد القوميّة للفرس، وهو عيد الربيع” وتضيف كذلك “نَيْرُوزٌ: [ ن و ر ز ]. ن. نَوْرُوزٌ، أوّل يوم في السَّنة الشَّمسيَّة عند الفُرس ويوافق اليومَ الحادي والعشرين من مارس، وهو بدء فصل الربيع”. وتقول كذلك “نوروز، يوم الفرح عمومًا”(2). أما موقع ويكيبيديا (الموسوعة الحرة) فتقول بخصوص ذلك التالي: “يقابل عيد نوروز (معربها نيروز) أول يوم في التقويم الهجري الشمسي (21 مارس) ويحتفل به الفرس و الأكراد”. وتقول كذلك “أصل كلمة نوروز (نە-;-ورۆ-;-ز) (Newroz )هو من الكردية وتتكون من (نو ) ( new) بالكردية اللاتينية يعني “جديد” (روز) (رو ژ) الكردية بالاحرف العربية – الفارسية (Roj) بالكردية الاحرف اللاتينية “يوم” مما يعني يوم جديد وهذه الكلمة لها نفس المعنى بالفارسية و الكردية (نو روز= يوم جديد)”(3).
كما هناك نوروز في الثقافة القبطية (الفرعونية) حيث يقول الأغنسطس “نبيل فاروق” في كتابه؛ (عيد النيروز أقدم عيد لأقدم أمة) ما يلي: “النيروز وعيد رأس السنة المصرية هو أول يوم في السنة الزراعية الجديدة… وقد أتت لفظة نيروز من الكلمة القبطية nii`arwou (ني – يارؤو) = الأنهار، وذلك لأن ذاك الوقت من العام هو ميعاد اكتمال موسم فيضان النيل سبب الحياة في مصر.. ولما دخل اليونانيين مصر أضافوا حرف السي للأعراب كعادتهم (مثل أنطوني وأنطونيوس) فأصبحت نيروس فظنها العرب نيروز الفارسية.. ولارتباط النيروز بالنيل أبدلوا الراء بالأم فصارت نيلوس ومنها أشتق العرب لفظة النيل العربية.. أما عن النيروز الفارسية فتعني اليوم الجديد (ني = جديد , روز= يوم) وهو عيد الربيع عند الفُرس ومنه جاء الخلط من العرب”(4).
وكذلك فإن الموسوعة الحرة تقول بخصوص رأس السنة المصرية أو “عيد شم النسيم” ما يلي: “شَمُّ النِّسِيْمِ (من القبطية.. شُوْمْ إنِّسِم) هو مهرجان يقام سنوياً في فصل الربيع، إلا أنه ينسجم مع موروث ثقافي أقدم حيث كان من أعياد قدماء المصريين في عهود الفراعنة، ويحتفل فيه جميع المصريين بدخول الربيع بزيارة المنتزهات وتلوين البيض وأكل الفسيخ”. وتضيف الموسوعة؛ “ترجع بداية الاحتفال به إلى ما يقرب من خمسة آلاف عام، أي نحو عام (2700 ق.م)، وبالتحديد إلى أواخر الأسرة الثالثة الفرعونية ويحتفل به الشعب المصري حتي الآن. وإن كان بعض المؤرخين يرون أن بداية الاحتفال به ترجع إلى عصر ما قبل الأسرات، ويعتقدون أن الاحتفال بهذا العيد كان معروفًا في مدينة هليوبوليس “أون”. وترجع تسمية “شم النسيم” بهذا الاسم إلى الكلمة الفرعونية “شمو”، وهي كلمة مصرية قديمة لها صورتان: وهو عيد يرمز – عند قدماء المصريين – إلى بعث الحياة، وكان المصريون القدماء يعتقدون أن ذلك اليوم هو أول الزمان، أو بدأ خلق العالم كما كانوا يتصورون”.
وتقول كذلك “وقد تعرَّض الاسم للتحريف على مرِّ العصور، وأضيفت إليه كلمة “النسيم” لارتباط هذا الفصل باعتدال الجو، وطيب النسيم، وما يصاحب الاحتفال بذلك العيد من الخروج إلى الحدائق والمتنزهات والاستمتاع بجمال الطبيعة. وكان قدماء المصريين يحتفلون بذلك اليوم في احتفال رسمي كبير فيما يعرف بالانقلاب الربيعي، وهو اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار، وقت حلول الشمس في برج الحمل. فكانوا يجتمعون أمام الواجهة الشمالية للهرم – قبل الغروب –؛ ليشهدوا غروب الشمس، فيظهر قرص الشمس وهو يميل نحو الغروب مقتربًا تدريجيًّا من قمة الهرم، حتى يبدو للناظرين وكأنه يجلس فوق قمة الهرم”(5).
إن الإحتفال بنوروز ورأس السنة وإحتفالات الربيع في الحادي والعشرون من آذار لا يقف عند الشعوب الآرية “الهندوأوربية” _من كورد وفرس وأفغان وبلوش وطاجيك_ وكذلك الأقباط الفراعنة، بل يمتد إلى ثقافات وشعوب أخرى ومنها الثقافة الصينية حيث كان “يعتبر عيد الربيع أضخم عيد للصينيين في كل عام مثلما يكون عيد ميلاد السيد المسيح بالنسبة الى الغربيين. رغم أنه تماشيا مع تحولات العصور، تغيرت محتويات عيد الربيع وأساليب احتفال الناس به، غير أن عيد الربيع ما زال يحتل مكانة لا يمكن استبدالها في معيشة الصينيين ووعيهم”. و”قيل إن عيد الربيع الصيني يرجع تاريخه إلى ما قبل أربعة آلاف سنة. ولكنه لم يسمَ بعيد الربيع في البداية، ولم يكن له يوم محدد حينذاك. وقبل عام ألفين ومائة قبل الميلاد، كان الناس يسمون مدة دورة واحدة للمشترى بسوي واحد، فسمَوا عيد الربيع بسوي. أما قبل ألف سنة قبل الميلاد، فصار الناس يسمون عيد الربيع ب”نيان”. وكان ” نيان” في ذلك الوقت يعنى حصادا وافرا من كل محاصيل الحبوب. ويسمى الحصاد بنيان، ويسمى الحصاد الكبير بنيان كبير”(6).
وهكذا فإن لهذا الإحتفال والعيد الربيعي جذوره في كل الثقافات والحضارات ولدى الشعوب كافة؛ حيث الأوربيين أيضاً ينظمون إحتفالات وكرنفالات مع إنطلاقة فصل الربيع.. إذاً العيد “نوروز” وفي جذره اللغوي _”(نە-;-ورۆ-;-ز) (Newroz )هو من الكردية وتتكون من (نو) (new) بالكردية اللاتينية يعني “جديد” (روز) (رو ژ) الكردية بالاحرف العربية – الفارسية (Roj)”_ هو اليوم الجديد وكذلك فإنها تعني في ثقافة تلك الشعوب وحضاراتها ميلاداً جديداً وتقويم ورأس سنة قادمة تحمل ما هو “الجديد” في جوفها لنا لتقدم سلة الخير الزراعية؛ بمعنى إنه طقس تموزي “دموزي” بإمتياز حيث تقول الأسطورة؛ “تموز أو دموزي – Tammuz – Dumuzi – ومعنى أسمه الأبن المخلص، وهو أحد حارسي بوابة السماء والمسؤول عن دورة الفصول عندما يبعث حياً كل ستة أشهر عند شهر تموز رابع شهور التقويم البابلي ، ومن ألقابه الراعي والثور الوحشي ومن وظائفه الأخرى الإشراف على المراعي وهو إله الحظائر ويمثل عنصر الذكورة في الطبيعة وزوجته هي الإلهة عشتار”.
وتضيف الموسوعة الحرة بخصوص حكاية “تموز وعشتار” والولادة الجديدة للطبيعة التالي؛ “يعتبر موت وقيامة الإله تموز (دموزي) أحد الطقوس التراجيدية المهمة في حضارة وادي الرافدين بقصته الأسطورية، فهو الخزين التراجيدي الحزين في روح إنسان وادي الرافدين، ولحجم الاضطهاد والعذاب الذي تعرض له الإله تموز وعلاقة حبيبته الآلهة (عينانا) أو (عشتار) ودورها الملتبس بهذا الموت المأساوي أدى الى أن تمتلئ المثيولوجيا والآداب السومرية والبابلية بمناحات واساطير وملاحم وطقوس تعزية خاصة بمآسي آلهة الخصب الأنثوية الشهيرة هذه وغيابها عن الحياة بعد أن إختارت الإنتقال للعالم السفلي، ومن ثم قيامتها من جديد، وتعتبر اسطورة مأساة تموز حتى الان من أرقى وأغنى ما كتب في مثيولوجيا شعوب وادي الرافدين”(7). حيث أن الإله/ العاشق “تموز” يموت مع بداية الشتاء ويبقى في العالم السفلي _عالم تيامات_ ستة أشهر ليولد مع توسط الإلهة “عشتار” وإنقاذ عشيقها مع بدايات فصل الربيع والخصوبة والتزاوج .. أي إن الحكاية والأسطورة _و”نوروز”_ وفي إحدى تعبيراتها وإستدلالاتها هي عن الولادة الجديدة وكعيد زراعي لشعوب ميزوبوتاميا.
ملاحظة: إننا في الحلقة القادمة سوف نقف عند الجانب الحكائي الأسطوري لنوروز ورموزها ومعانيها الأسطورية.
=KTML_Bold=هوامش البحث:=KTML_End=
1- الموقع الرسمي للحزب الديمقراطي الكوردستاني (العراق).
2- موقع معجم المعاني، باب معنى نيروز.
3- موقع الموسوعة الحرة (ويكيبيديا).
4- موقع الأنبا تكلاهيمانوت القبطي الأرثوذكسي، مقالة بعنوان “عيد النيروز | رأس السنة القبطية”.
5- الموسوعة الحرة؛ مقالة بعنوان “شم النسيم”.
6- موقع (CHINA) مقالة بعنوان؛ “عيد الربيع الصيني”.
7- موقع ويكيبيديا؛ مقالة بعنوان “تموز، أسطورة”.[1]