=KTML_Bold=الحركة الكوردية بين العقائدية والمؤسساتية=KTML_End=
#بير رستم#
pirustem@gmail.com
بالعودة إلى تاريخ الشعوب ونضالاتها في سبيل نيل الحرية والاستقلال ومن ثم النهوض بشعوبها لترتقي إلى مستويات الأمم المتقدمة والتي قطعت أشواطاً حضارية كبيرة، سوف نجد أن للمؤسسات والهيئات الفاعلة دور جد مهم في قيادة تلك الشعوب وبالتالي التخلص من ربقة الاستعمار وآثاره السلبية والمانعة من التقدم والازدهار. ومن هذه المؤسسات الفاعلة والمؤثرة فإن الأحزاب والحركات السياسية، وخاصة في مراحل النضال التحرري، تكون لها أدوار مهمة بل هي رائدة هذه المسيرة؛ فالحزب عبارة عن الوعاء الذي يجمع في داخله كل القوى والفعاليات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية العقائدية وهكذا فهي؛ أي الأحزاب ما يمكن تسميته بالبديل المعنوي والمادي – إلى درجةٍ ما – عن النظام السياسي “الدولة” ومؤسساتها لإدارة المجتمع.
حيث أن الحزب وكما يعرفه “معجم الشيوعية العلمية” هو “الجزء الأكثر فعاليةً وتنظيماً من طبقة ما أو فئة ما. ويرتبط وجود الأحزاب السياسية بانقسام المجتمع إلى طبقات وعدم تجانس هذه الطبقات، وبالاختلاف في مصالح الطبقات والمجموعات المكونة لها. والأحزاب السياسية من أهم الأدوات التي تستخدمها الطبقة (أو إحدى فئاتها) للنضال في سبيل مصالحها الطبقية”. نلاحظ في هذا التعريف غياب مفهوم العرق والأثنيات وهو ناتج لحساسية الموضوع في ظل “الإتحاد السوفيتي” السابق ومشاريعها “الأممية” في محاولة منها لصهر القوميات والثقافات المتعددة في تلك الهوية “السوفيتية”؛ لذلك فإن واضعي التعريف قد غيبوا وبشكل متعمد المكون والمحرك الحقيقي للأحزاب السياسية؛ ألا وهي الأعراق – خاصةً في ظل ظروف الصراعات القومية ونشوء دولها – حتى لا يكون عامل تحريض لتلك المكونات العرقية وبالتالي الدعوة والنضال من أجل الحقوق والمصالح القومية لها.
وهكذا فإن الشعب الكوردي وحركته السياسية يخضعان لهذه الشروط والمبادئ وبالتالي فإن الحركة السياسية الكوردية هو “الجزء الأكثر فعاليةً وتنظيماً” و “أهم أداة” يمكن أن يستخدمه الشعب الكوردي “للنضال في سبيل مصالحه” القومية والثقافية الحضارية. ومن هذا المفهوم والمنطلق فإنه من واجب كل قوى الحراك المجتمعي أن تلعب دورها للارتقاء بهذه الحركة إلى مستوى المؤسسة الحقيقية، لكي تقوم هي الأخرى بدورها الفاعل داخل المجتمع الكوردي وأيضاً على مستوى العلاقة بالآخر كما يفترض بأي أداة نضالية حقيقية. وإن سلسلة مقالاتنا هذه ما هي إلا مساهمة متواضعة في هذا المنحى ولاستبيان بعض الحقائق الملتبسة والتي هي بحاجة إلى قراءات جديدة.
فما هي العوائق والعوامل الممانعة والتي تعيق وتفرمل عمل هذه الأحزاب داخل المجتمع الكوردي، من جهة، وفي علاقته بالآخر من الجهة الأخرى. بالتأكيد ومن خلال قراءة متأنية لمجمل الظروف والمناخات السياسية الدولية والإقليمية، فإننا سنصل إلى العديد من تلك المعوقات ومن أهمها؛ غياب المفهوم المؤسساتي عن الوعي السياسي الشرقي إجمالاً ومن ضمنه الكوردي. إن غياب المؤسسات – وإن كان أحد أسباب غيابها هو التخلف نفسه – ودورها في مجتمعاتنا يعتبر أهم عامل من عوامل التخلف و”الارتجالية” في اتخاذ القرارات وهكذا نستنتج بأن “المؤسسة” بمفهومها العلمي المدني ما هي إلا نتيجة وسبباً – في الآن ذاته – من أسباب التشرذم والانقسام الذي تعاني منه الحركة السياسية الكوردية.
ولذلك وإذا أردنا أن نرتقي بأحزابنا وببرامجنا السياسية وأساليب نضالنا وفي علاقتنا – علاقة الرفاق – ببعضهم وبجسد التنظيم، من جهة، ومن الجهة الأخرى العلاقة مع الآخر – مهما كان ذاك الآخر – مع أو ضد، فإنه يتوجب علينا أن نبني ونؤسس أحزابنا ومنظماتنا على مفهوم المؤسساتية، وليس على المفاهيم العقائدية الواحدة والشمولية، على غرار “المؤسسة” الدينية؛ بحيث يكون أي خروج على الحزب يعتبر ارتداداً عن نهج ذاك الحزب وبالتالي فهو يستحق عملية الرجم وإن لم يكن رجماً مادياً، كما ينص عليه النص القرآني لدى المسلمين، مع العلم بأن بعض الأحزاب قد مارست الاغتيال السياسي والتصفية الجسدية بحق كوادرها الذين اختلفوا معها وبالتالي هم لم يكتفوا بالرجم المعنوي فقط وإنما مارسوا المادي أيضاً وهكذا فهم اثبتوا بأنهم لا يختلفون عن تلك “المؤسسات” العقائدية الدينية بشيء.
وبالتأكيد وللانتقال إلى الحالة المؤسساتية تحتاج الحركة السياسية الكوردية؛ بمجمل أحزابها وأطرافها السياسية، إلى جملة عوامل وقضايا، منها تتعلق بظروف وأوضاع الشعب الكوردي في كل جزء من أجزاء كوردستان، ومنها تتعلق بمجمل الأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة والمستجدة. فمن جهة ونتيجة لظروف القهر والاستبداد والمعاناة وجعل “كوردستان مستعمرة دولية”، فإن الشعب الكوردي عموماً يعاني الفقر والتخلف والتهميش وبالتالي يفقد المحرك والآلية الضرورية للتخلص من الموروث الديني الخرافي والولوج إلى العصر والثورة التكنولوجية المعلوماتية، هذه من ناحية الظرف الذاتي الداخلي.
أما من الناحية الخارجية والموضوعية، وأيضاً ونتيجة لظروف الاحتلال فإن شعبنا يفتقد تلك المؤسسات المدنية المجتمعية والتي تفرز العقلية المؤسساتية الليبرالية؛ التي تؤمن بالرأي والرأي الآخر وتدعوا إلى مأسسة المجتمع على أساس المواطنة الحقيقية والكلية، بعيداً عن المذهبية والطائفية وهيمنة أحد الأطراف على كل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. حيث أن العلاقة بين المؤسسة؛ المجتمع القائم على الحياة المؤسساتية والمدنية، من جهة، وبين الوعي المؤسساتي والثقافة المدنية، هي علاقة جدلية بحيث يكون الواحد مرتبط بوجود الآخر؛ فهما صنوان لا يمكن لنا أن نفصل الواحد عن الآخر.
أما من جهة العامل الدولي ورغم دعوة المجتمعات الغربية عموماً إلى مأسسة الشرق وجعله أكثر مدنيةً وحضارةً، فنعتقد أنه لم يحن “ساعة الصفر” – على الأقل بالنسبة إلى هذا الجزء من الجغرافية الكوردية – لكي يعملوا على هذه الخارطة وضمن هذا المشروع التحديثي والتغييري، ولذلك نرى توالد هذا الكم الهائل من الأحزاب الكوردية في أوربا والمهجر عموماً ومن دون أن تمتلك مشروعاً مغايراً عن البرامج السابقة للأحزاب الكوردية إلا في تفاصيل معينة ومن بعض الأطراف، وهكذا فهي تقوم بتكريس حالة التشتت والتشرذم رغم دعوتها إلى توحيد الصف الكوردي ومحاولاتها في ذلك؛ وقد رأينا كل من كونفرانس واشنطن وبروكسل وما آلا إليه، حيث نعتقد أن الوقت لم يحن ولذلك لم تكن هناك خطوات جدية لإنجاح هذه المشاريع في لم شمل الحركة الكوردية.
ولكن ورغم هذه الظروف الصعبة والاستثنائية وبالاعتماد على القوى والإمكانيات الذاتية، فقد أستطاع شعبنا أن يؤسس لحالة مجتمعية مدنية؛ وما تجربة جنوب كوردستان، رغم أخطائها وسلبياتها، إلا دليلاً على ذلك. وهكذا فإن شعبنا – وعلى ضوء قراءتنا للواقع الكوردي في هذا الجزء – له القدرة على خلق مؤسساته الفاعلة والحقيقية، وخاصة بعد بروز إقليم كوردستان في الساحة السياسية، ولكن فقط نحتاج إلى أن يكون الشرط الموضوعي قد نضج وبالتالي حسم الموضوع لصالح قوى التغيير والحداثة؛ أي لصالح الحالة المؤسساتية والمجتمع المدني وبناء دولة القانون والمواطنة، بعيداً عن المنهجية والعقلية الشمولية والعقائدية الواحدة وبالتالي دولة الرعب والمخابرات كما هو حاصل اليوم في جل بلداننا.
ورغم هذه الصعاب والمعيقات ونتيجة لحاجة مجتمعاتنا إلى النخب الحقيقية لأن تقوم بدورها فإننا دعونا في مقالاتنا السابقة وها نحن ندعو مجدداً إلى الالتفاف حول الحركة السياسية الكوردية وليس حزباً بعينه، فهناك مجموعة أحزاب ورغم عدم اختلاف برامجها بشكل “مطلق” فإنه بالإمكان إيجاد حزب سياسي قريب إلى قناعاتنا الفكرية والسياسية، ومن ثم العمل من خلال هذه الأحزاب وبرامجها السياسية للارتقاء بها والوصول إلى الحالة المؤسساتية الحقة لتكون أداة نضالية حقيقية بيد شعبنا. أما الوقوف على الشاطئ الآخر ونعت الحركة بكل “ما هب ودب” – وهم محقون في جل ذلك – فلن يقدم لنا إلى المزيد من العطالة وتكريس الحالة البائسة لشعبنا وحركتنا السياسية والتي نعيشها.[1]