محمد إسماعيل
يأتي شهر يوليو هذا العام ليشهد ذكرى مرور 100 عام على معاهدة لوزان التي وقعت يوم 24-07-1923 وتحمل ذكريات أليمة للمكون الكرد؛ كونها عبرت عن الخذلان الدولي للكرد مجاملة للأتراك والحركة القومية الأتاتوركية وحرمتهم من إقامة دولة لهم أو كيان ذاتي الحكم على نحو تنص عليه اتفاقية سيفر التي سبقتها، لا سيما وأن الكرد هم الضلع الرابع في خريطة قوميات الشرق الأوسط إلى جانب العرب والفرس والترك.
الأصعب كذلك أن مرور 100 عام على المعاهدة – التي حرمت الكرد من دولة لهم – يتزامن مع حملة شعواء وشرسة يقودها “أردوغان” ضدهم، وهو الذي رأى في النزعة القومية (الأتاتوركية) الطريق السهلة للحفاظ على سلطانه الذي يتراجع تحت وطأة القمع والتدهور الاقتصادي، فحارب الكرد داخلياً وخارجياً، وأعطى لنفسه شرعية التدخل في شؤون سوريا والعراق ومصر وغيرهم.
معاهدتي #سيفر# ولوزان.. سياقات مختلفة
وقبل تلك المعاهدة كانت الدولة العثمانية قد هزمت في الحرب العالمية الأولى ووقعت معاهدة سيفر في 10-08- 1920 والتي بموجبها تتنازل عن كافة الأراضي التي يقطنها غير الناطقين باللغة التركية، وهي المعاهدة التي أشعلت ما يعرف ب”حرب الاستقلال” بقيادة مصطفى كمال (أتاتورك) والتي أطاحت بالخليفة العثماني وكذلك بكل من وقع سيفر، وأعلنت ميلاد دولة جديدة كان الكرد بين أبرز ضحاياها.
في هذا السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي الدكتور طه علي، في تصريحات ل”منصة تارجيت” الإعلامية، إن الفارق بين اتفاقيتي سيفر ولوزان هو أن الأخيرة أبرمت سنة 1920 في وقت كانت الدولة العثمانية في لحظة انهيار وخسارة وهزيمة كبيرة جداً وفي لحظة استسلام، ولهذا قامت المعاهدة على أساس تقسيم مناطق نفوذ الدولة فقد كانت أشبه باتفاقية استسلام.
د. طه علي كاتب ومحلل سياسي (متخصص في الملف الكردي)
وأوضح أن اتفاقية سيفر وضعت خطة للحكم الذاتي في المناطق التي تشهد أغلبية سكانية من الكرد وخصوصاً في مناطق شرق الفرات وجنوب حدود أرمينيا، حيث يتم إجراء استفتاء في المناطق ذات الكثافة الكردية وفق المادة 63، والحكومة التركية مطالبة بالموافقة على ما يتم التوصل إليه في هذا الشأن وفق المادة 64 من الاتفاقية.
وأشار إلى أن الاتفاقية تتضمن عرض نتائج الاستفتاء على عصبة الأمم، وإذا قررت الأخيرة أن الكرد جديرون بالاستقلال الذاتي يتم إبلاغ الدولة العثمانية التي تكون في هذه الحالة مطالبة بتنفيذ نتائج هذا الاستفتاء، واللغة المستخدمة هنا تشير إلى ضعف الدولة العثمانية التي كانت فعلياً في حالة ضعف داخلياً مع تصاعد حركات التمرد وقوة الحركة القومية التي يقودها مصطفى كمال، وخارجياً الهزيمة في الحرب العالمية الأولى.
ولفت المحلل السياسي إلى أن الخليفة العثماني السلطان عبدالحميد بدوره كان عنده مساحة من المهادنة والتفاوض مع الكرد، من ذلك ما حدث عام 1922 عندما توصل السلطان إلى اتفاق مع حركة الشيخ محمود الكردية والتي انطلقت من العراق، حيث تتعهد الدولة بمنح الاستقلال لكردستان الجنوبية أي كردستان العراق وأن تعترف الحكومة العثمانية بالشيخ محمود حاكم كردستان الجنوبية في السليمانية.
#معاهدة لوزان#
ويقول الدكتور طه علي إنه على العكس تماماً جاء السياق المصاحب لاتفاقية لوزان مقارنة بسيفر، والتي شهدت تراجع في الوعود التي منحت للكرد بالحكم الذاتي أو ما يشبه الدولة في مناطق معينة، وذلك لأن الحلفاء أو الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى بدأوا يتراجعون عن وعودهم، حيث أبرمت الاتفاقية وتم الاعتراف بحدود دولة جديدة وخاصة الحدود الجنوبية.
وأوضح أن هذه الفترة كانت تشهد صعود قوة مصطفى كمال أتاتورك وما يقوم به ضد حركات التمرد المطالبة بحقوقها وكثير من الجماعات العرقية التي كانت تطالب بالاستقلال أو الحكم الذاتي، ثم أن ما وصل إليه من نجاحات عسكرية حقق انتعاشة للدولة، كما بعمليات قمع لكل الأقليات مثل الكرد والأرمن وبعض العرب في جنوب شرق تركيا وغيرهم، وبالتالي تغير الوضع الجيوستراتيجي لتركيا وكذلك موقف بريطانيا تحت وطأة نتائج الحركة الكمالية ليتم التراجع عن التزامات سيفر.
وقال إنه بينما كانت هناك حالة من المهادنة أو التفاوض بين السلطان عبدالحميد والكرد، كان “أتاتورك” شديد القمع والعنف ضدهم، وجاءت اتفاقية لوزان لتخلق حالة من اليأس لدى الكرد، واكتمل ظلام المشهد عندما تم الإعلان عن الدولة التركية في أكتوبر 1923 كجمهورية ذات صيغة قومية متشددة، ليتم منع استخدام اللغة الكردية وأي مظهر من مظاهر الثقافة الكردية والتضييق على كل ما يختلف من ثقافات مع اللغة التركية.
وقد قام الكرد عقب ذلك بعدد من الانتفاضات، رداً على القمع الممارس ضدهم ومحاولات طمس هويتهم، لكنها لم تثمر عن شيء يذكر، نظراً للتفوق الكبير للقوات التركية خصوصاً في سلاح الطيران، كما كانت تركيا اقتصادياً أقوى، إلى جانب الدعم الإيراني لتركيا بهدف القضاء على أي نزعة استقلالية كردية، وتراجع لندن عن وعودها للكرد، فضلاً عن أن الصف الكردي نفسه لم يكن موحداً وكانت هناك خلافات بينية.
وقد لعبت المعاهدة دوراً رئيسيا في تقسيم الوطن الكردي بين إيران وتركيا وسوريا والعراق حتى اليوم، إلى جانب حرمانهم من دولة لهم ليكونوا بذلك أكبر شعب في العالم ليس لديه جنسية تعبر عنه أي الجنسية الكردية، إلى جانب معاناتهم لعقود من التمييز والقمع الممنهج القائم على أساس الهوية.
لوزان ومخططات أردوغان
بدوره يقول الدكتور طارق فهمي خبير شؤون الشرق الأوسط وأستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن مرور مائة عام على معاهدة لوزان يعني بالنسبة لتركيا الكثير، خصوصاً “أردوغان” الذي يرى أن هذه المعاهدة تسلب تركيا كثيراً من حقوقها لا سيما بعض المناطق الجغرافية بما تحمل من ثروات على حد زعمه.
د. طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في مصر
وأوضح “فهمي” أن الرئيس التركي يستغل مرور مائة عام على المعاهدة للترويج لعودة الأناضولية الجديدة، والتي تعني عودة تركيا إلى حدودها التي كانت عليها لما قبل معاهدة لوزان أي أن هناك خريطة جديدة لتركيا وهذا أخطر ما في الموضوع، هذه الخريطة تشمل مناطق في سوريا والعراق واليونان وقبرص.
ويرى الدكتور طارق فهمي أن هذه القناعات هي التي تبرر التدخلات التركية في سوريا والعراق – خصوصاً المناطق الكرية – وليبيا ومصر من قبل عبر جماعة الإخوان الإرهابية، وغيرها من التدخلات التي يمارسها نظام أردوغان في كثير من المناطق والدول العربية، لافتاً إلى أن هذه المعاهدة ذاتها قد حرمت الكرد من تحقيق حلم الدولة الخاص بهم كقومية مثل العرب والفرس والترك، أو على الأقل الحكم الذاتي، وقد كان لذلك مرارة في نفوس الكرد الذين لطالما طالبوا بالإنصاف أي إنصاف القوميات والشعوب في المنطقة وكان ذلك أبرز شعاراتهم.
وفي ختام تصريحاته، أشار إلى أن حزب العدالة والتنمية الذي يحكم تركيا أحد أبرز شعاراته “سنعود يوما”، وهذا الشعار المترسخ في أدبيات الحزب وقناعات أعضائه يعني العودة إلى ما قبل معاهدة لوزان ومفهوم الأناضولية الجديدة، والتي ترى أن هذه الحدود الحالية تفتئت على حقوق الأتراك، مؤكداً أن هذه ليست قناعة حزب العدالة والتنمية فقط بل كذلك المعارضة التركية.
سوريا مستباحة
من جهته، يقول الإعلامي السوري عبدالرحمن ربوع، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن معاهدة لوزان كانت سبباً في معاناة الكرد، إذ جعلتهم مقسمين بين سوريا والعراق وإيران وتركيا، وباعدت بين العائلات الكردية، في وقت ولا نزال نواجه تدخلات أردوغان بسبب ما يعتبره حقوقاً أبدية.
عبدالرحمن ربوع إعلامي سوري مقيم في مصر
ويرى “ربوع” أن اتفاقية أضنة التي أبرمت عام 1998 بدورها تعد امتداد لمعاهدة لوزان وما أقرته من تداخلات تركيا في شؤون الشعوب بالمنطقة، لافتاً إلى أنها أبرمت تحت ضغط قطع تركيا مياه الفرات عن أكثر من 40% من سكان سوريا، وصولاً إلى أن أصبح النظام التركي يتدخل بكل عنجهية في الأراضي المجاورة له وبكل الوسائل العسكرية.[1]