في ذكرى الإبادة في شنكال: تركيا تقتل وبغداد تصمت والإيزيديون يعانون
طارق حمو
في03-08-2014 شن تنظيم داعش الإرهابي هجوماً واسعاً على منطقة شنكال في إقليم كردستان، بعد احتلال التنظيم قبل ذلك مدينة الموصل (06-06-2015) وقضاء تلعفر ( 15-06-2014) واستحواذه على العديد من البلدات والقرى في محافظة نينوى، في ظل تقدم عسكري ملفت ومفاجئ لمقاتلي التنظيم، وتراجع وانسحاب قوات الجيش العراقي التي تركت أسلحتها الثقيلة النوعية في أرض المعركة.
خلال ساعات قليلة أصبح مقاتلو داعش وسط المجمعات والقرى الإيزيدية في شنكال، ولم يواجهوا أي مقاومة من القوات التي كانت مكلفة بحماية المنطقة وسكانها من الإيزيديين، وهي قوات البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني، وبعض النقاط والمخافر التابعة للجيش العراقي. لقد عمدت قوات الطرفين إلى الانسحاب، وتركت مواقعها لمقاتلي التنظيم، وشاهد العالم قوافل قوات البيشمركة وهي تنسحب من ساحة القتال في شنكال وتتوجه إلى عمق إقليم كردستان. لم تحدث إلا مقاومة ضعيفة من بعض الأهالي الإيزيديين المسلحين تسليحاً خفيفاً. باشر مقاتلو داعش في قتل واعتقال المدنيين الإيزيديين، بينما دفعت حالة الذعر عشرات الآلاف من المواطنين إلى ترك قراهم والتوجه إلى الحدود الشمالية مع سوريا، حيث بدأت قوات حماية الشعب (YPG) في التحرك سريعاً لفتح ممر آمن أمام المدنيين الفارين من عمليات الإعدام الجماعي والسبي التي نفذها مقاتلو التنظيم.
الانهيار الذي حدث للجيش العراقي أمام مقاتلي داعش في جبهات الموصل والرمادي وكركوك وصلاح الدين، وانسحاب قوات البيشمركة في الساعات الأولى من هجوم داعش على شنكال، رغم التصريحات والتأكيدات اليومية من قادة هذه القوات، ومن المسؤولين في إقليم كردستان، بالقتال بكل شراسة دفاعاً عن شنكال، لم يكن في حسبان أحد وخاصة الإيزيديين في شنكال. لقد نجح داعش في نشر جو من الرعب والصدمة لدى القوات العسكرية والأهالي، وارتبط اسم التنظيم بالبطش والقتل بدون رحمة. لقد كان للإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي دور كبير في تشكيل رهاب وخوف جماعي في المنطقة من مقاتلي داعش كإرهابيين “لا يقهرون”، ويتقدمون في الميادين بين الرصاص، ينشدون الموت و”الشهادة”. ولعل المشاهد التي بثها التنظيم لإعدام المئات من الجنود العراقيين الأسرى في مجزرة قاعدة سبايكر الجوية ( 12-06-2014) كان لها أكبر الأثر في هبوط وتدني معنويات القوات العسكرية التي كان من المفروض أن تواجه داعش وتمنعه من احتلال المنطقة.
بدأت وحدات حماية الشعب (YPG) تتقدم في فتح الممر الآمن، في الحين الذي أرسل فيه حزب العمال الكردستاني المئات من مقاتليه لحماية معبد لالش المقدس وبعض المزارات الإيزيدية، في ظل الأنباء التي كانت تتحدث عن إمكانية تقدم مقاتلي داعش باتجاه مدينة أربيل. نجحت وحدات حماية الشعب (YPG) في فتح الممر الآمن، الذي عبر منه أكثر من 150 ألف مدني إيزيدي إلى مناطق الإدارة الذاتية في في روج آفا، (منهم 120 ألف مدني في الأيام الثمانية الأولى)، وذلك بعد مواجهات عنيفة مع مقاتلي التنظيم الذين استماتوا لمنع فتح المر الآمن ومواصلة إحكام الحصار على الإيزيديين في شنكال، وحسب الجنرال مظلوم عبدي القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، فإن وحدات حماية الشعب (YPG) قدمت 300 شهيداً دفاعاً عن شنكال خلال مواجهتها لداعش وفتح الممر الآمن للمدنيين إلإيزيديين.
وفي هذه الأثناء تركزت المساعي حول تجميع صفوف الشباب الإيزيدي في إطار عسكري مستقل قادر على الدفاع عن الإيزيديين والمنطقة في وجه داعش، وقيادة مرحلة التحرير، ومن ثم التكفل بحماية المنطقة عسكرياً وأمنياً، وضمان عودة المهجرين وبناء إدارة ذاتية فيها. وبمساعدة واشراف من قوات الدفاع الشعبي الكردستاني (HPG) الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني، تم تشكيل قوات مقاومة شنكال (YBŞ) والتي ضمت الآلاف من الشابات والشباب الإيزيدي، وباشرت في التدريب والانتشار والتصدي لمقاتلي داعش، والبدء بشن عمليات خاطفة ضدهم، كما شاركت بفعالية في عمليات تحرير شنكال المنطقة والمدينة، من داعش.
وفي حصيلة لهجوم واحتلال داعش لشنكال، في ما سمي إيزيدياً بالفرمان/ الإبادة رقم 74، وثقّ الباحث الإيزيدي مراد ختاري 7400 اسماً قتلوا على أيدي مقاتلي التنظيم. وذكر ختاري في موسوعة ضخمة بعنوان ( جينوسايد الإيزيدية) ألفها حول الإبادة، بأن أعداد المفقودين والأسرى والسبايا بلغ 1835، وأن عدد المقابر الجماعية بلغ 76 مقبرة جماعية، بينما فجر التنظيم الإرهابي عشرات المزارات الدينية الإيزيدية. وتم تحرير 1207 امرأة و339 رجل و2008 طفل من عام 2014 وحتى الآن. هناك ما يقارب من 320 ألف مهجر ما يزالون يعيشون في مخيمات إقليم كردستان العراق، بينما ترك 100 ألف إيزيدي العراق وهاجروا إلى بلدان مختلفة.
رغم مرور تسعة أعوام على الإبادة الإيزيدية على أيدي مقاتلي داعش، فإن الحكومة العراقية لم تفتح الملف بعد، ولم تقم بأي محاكمات علنية عادلة لقادة ومقاتلي داعش المعتقلين لديها، ولم تحقق مع القادة العسكريين والسياسيين المسؤولين عن سحب قوات الجيش العراقي وقوات البيشمركة من شنكال ومحيطها، ولم تقم بإنصاف ضحايا الإبادة وتعويضهم، ولم تنفذ أي برامج لإعادة الإعمار وبناء المنطقة وتوطيد البنية التحتية فيها، بغية إعادة اللاجئين والمهجرين وتأمين الأمن والاستقرار وفرص الحياة والعمل لهم. ما تزال المنطقة مدمرة والبيوت مهدمة والخدمات شبه معدومة، ولا أثر لأي مشاريع تنمية وتطوير للحكومة العراقية هناك.
وفي ظل هذا الواقع المزري، تستمر الدولة التركية في قصف المنطقة واغتيال القيادات العسكرية والسياسية الإيزيدية التي دافعت وتدافع عن المنطقة، في مسعى واضح من حكومة تحالف حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية لتخريب شنكال والحيلولة دون توطيد الاستقرار والأمن فيها، ومنع عودة المهجرين إليها، بالإضافة إلى تصفية الكوادر الإيزيدية التي تعمل على تقوية وحدات مقاومة شنكال (YBŞ) وتثبيت الإدارة الذاتية، وحماية المنطقة من أي ظهور لمقاتلي داعش أو سواهم من المجموعات الإرهابية. وتتشجع الحكومة التركية في تنفيذ المزيد من عمليات التخريب والاغتيالات في شنكال مرتكزة على صمت وتواطؤ الحكومة العراقية والحزب الديمقراطي الكردستاني، الذين لا يتحركان في المناحي السياسية والدبلوماسية لإدانة أعمال القتل والإرهاب التركية ووضع حد لها.
على الصعيد الدولي ثمة اعتراف بالإبادة من العديد من الدول منها هولندا وألمانيا وبريطانيا، والتي أعلنت بأن ما تعرض له الإيزيديون في شنكال عام 2014 هو إبادة وجريمة ضد الإنسانية. بينما يسعى الإيزيديون والكرد في المهجر إلى استحصال المزيد من الاعترافات بالإبادة من دول وتكتلات عديدة، وفتح ملفات مقاتلي داعش وملاحقة المتورطين في الهجوم على شنكال وفتح دعاوي ضدهم.
بعد مرور 9 أعوام على الإبادة، ما تزال شنكال مهدمة ومهملة، ولا يزال مئات الآلاف من الإيزيديين مهجرين في مخيمات اللجوء في كردستان وغيرها، بينما تواصل الحكومة العراقية سياستها في التجاهل وترك المنطقة دون بناء ورعاية، وترفض التحقيق في ما جرى وتحديد المسؤولين ومحاسبتهم، وكذلك التصدي بحزم لهجمات الدولة التركية وإرهابها الذي يطال أهالي شنكال، في تدخل سافر في الشأن العراقي، واستهتار بالسيادة العراقية، ومنع مواطني العراق هناك من بناء إدارتهم الذاتية، وتدمير منجزاتهم لإضعاف موقفهم وبالتالي منح داعش وبقية الإرهابيين الفرصة للهجوم عليهم وإبادتهم مرة أخرى.[1]