=KTML_Bold=حلبجة… “الأنظمة” تأكل الحصرم و”الكرد” يضرسون=KTML_End=
صحيفة روناهي
عبد الرحمن محمد
خمسة وثلاثون عاماً، وعيون الأمهات، والآباء والأبناء لم يجف دمعها، وصرخات الوجع والأنين لم يخفت صوتها، عيون تجحظ من الوجع والألم، وأخرى ترقب السماء لعلها تمطر مصلا يوقف نزف فاجعتها، خمسة وثلاثين موتا، يعيشه الكرد في كل آذار، لتكتمل لوحة القهر والتهجير والقتل، وإن قيل الكثير من أشكال الموت والقتل والأنفال، فإن الكثير بعد لم يقل.
لم تكن حلبجة فاتحة عذابات الكرد، وللأسف لم تكن خاتمتها، وربما انفردت أنها مع الأنفال كانت من كبرى مصائب الكرد، وكانت أولى تجارب الإبادة بالغاز في الشرق، وفي ظل حكم طاغية العراق صدام حسين، ويده التي طالما بطشت بأهل العراق عامة، وبالكرد خاصة، علي حسن المجيد، حتى استحق لقب “علي الكيماوي”. في تفاصيل الفاجعة، والتي طالما رددتها الألسن، ورأت تفاصيله الكثير من العيون، لكن “الخردل” أعماها، وسلب الروح من أجسادها، أن حلبجة كانت على موعد مع الموت، وهي التي عانت كما أغلب المناطق المحيطة بها من تداعيات وأحداث حرب ضروس، أعلنها الطاغية على الملالي، ودارت الحرب على مدى سنوات ثمان “1980-1988″، وقبل أن تضع الحرب الشعواء أوزارها، وفي تمام الدقيقة العشرين بعد الحادية عشرة من صباح يوم السادس عشر من آذار، كانت الصواريخ المحملة بغاز الخردل تنشر الموت في أرجاء حلبجة، بإيعاز من الطاغية، وتنفيذ من الجلاد “علي حسن مجيد “الكيماوي”، ذلك إن السلاح الكيمياوي كان تحت إمرة صدام حسين المباشرة، بعد أن تقدمت القوات الإيرانية في المنطقة، وانهارت “جحافله” كما كان يسميها، إثر عملية إيرانية واسعة أطلقت عليها “عملية ظفر7” ودخولها إلى حلبجة، وكانت فرصة لصدام حسين ليضرب “عصفورين بحجر واحد” وربما أكثر، فهو بهذا سيجهز على ما تبقى من الكرد بعد عمليات الأنفال، وسيضرب القوات الإيرانية ويعمد على تراجعها، ومن ثم يعمل على إلصاق جريمة استخدام السلاح الكيمياوي بإيران، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الجيش الإيراني كان يستخدم الأقنعة الواقية من السلاح الكيمياوي إبان القصف، ما يطرح أسئلة أخرى، وإشارات تعجب واستفهام كثيرة، هل كانت القوات الإيرانية على علم بالقصف، ومن ثم تظهر بطلان ادعاء صدام أنه استهدف القوات الإيرانية.
روايات الألم والوجع والفقد، لم تنتهِ، وما زالت بعض نتائج تلك المجزرة، بل تلك الإبادة الجماعية تظهر إلى اليوم، فلم تكن الفاجعة تنحصر في نتائجها الفورية، التي أشارت إلى أكثر من خمسة آلاف شهيد، وأضعاف الرقم من المصابين، إضافة إلى هلاك الزرع والضرع، وما ألحقته بالمنطقة من دمار للطبيعة وأذى بالبيئة، ففي السنة التالية كما قال شهود عيان استشهد الآلاف من تداعيات الكيمياوي، وبقيت تلك المقبرة الجماعية، التي دفن فيها قرابة الألف وخمسمائة شهيد مجهولة، فيما قبور المئات ما زالت مجهولة، ناهيك عن المواليد المشوهة نتيجة تعرض الوالدين لتلك الغازات، والحسرة والألم يعتصران قلوب الآلاف، الذين يجهلون مصير ذويهم، حتى بعد مرور ثلاثة عقود ونصف من الفاجعة.
القانون والمواقف الدولية
عدّ القانون الدولي ما حصل في حلبجة “إبادة جماعية” ذلك إنها عُدّت أكبر هجوم يستهدف مدنيين من عرق واحد، بقصد الانتقام والعقوبة، فيما حكمت محكمة هولندية في 23 كانون الأول عام 2005 بالسجن خمسة عشر عاما على رجل الأعمال “فرانس فان” الذي اشترى المواد الكيميائية من السوق العالمية، وقام ببيعها للنظام العراقي، ووصفت المحكمة الهولندية الهجوم ب “جريمة إبادة جماعية”، كما اتخذت وزارة الخارجية الأمريكية في أعقاب الحادثة المأساوية مباشرة موقفاً رسمياً، بأن إيران كانت المسؤولة جزئياً عن الهجوم، كما أدان البرلمان الكندي الهجوم، وعدّه جريمة ضد الإنسانية، وعدّت المحكمة الجنائية العراقية العليا رسمياً مجزرة حلبجة جريمة إنسانية، ووصفتها ب”إبادة جماعية” بحق الشعب الكردي في العراق بعهد حكم حزب البعث، ونظام الرئيس السابق صدام حسين. بينما قدم الادعاء في المحكمة العراقية الخاصة أكثر من 500 وثيقة من الجرائم خلال حكم نظام صدام حسين، وابن عمه علي حسن المجيد أثناء المحاكمة، وكان منها مذكرة عام 1987 من المخابرات العسكرية للحصول على إذن من مكتب الرئيس باستخدام غاز الخردل، وغاز السارين ضد الكرد، ووثائق أخرى تؤكد على أن استخدام الأسلحة الكيمياوية منوط بموافقة وأوامر صدام حسين مباشرة.
الجريمة واحدة والأعداء كثر
حاولت العديد من الروايات، والعراقية منها على الأخص تبرئة صدام حسين، وأزلامه من الجريمة، وإيجاد أعذار وتسويفات، غير أن الدلائل والمؤشرات كانت واضحة وضوح الشمس، والكثير من الخبراء والمحللين العسكريين يؤكدون ذلك حسب معطيات تلك الواقعة على الأرض، ورغم إن صدام قد رحل مع كل طغيانه وشروره، إلا أن بذرة الشر والطغيان لا تموت، وتظهر في كل مكان وزمان، لتظهر لأكثر من مرة في الأزمة السورية، وتبرز في الهجوم التركي على سري كانيه، إذ غزت صور الطفل “محمد” منصات الأعلام، وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي، بينما قصفت قوات المحتل التركي مناطق من كردستان بالسلاح الكيمياوي، وبأصناف عديدة، وعادت اليوم للتصدر أخبار مقاومة الشعب الإيراني، والكردي في إيران وروجهلات، واستخدام نظام الملالي للأسلحة الكيمياوية والغازات السامة، ربما كحل متأمل خشية أن يدق المسمار الأخير في نعشها.
انتهت الحرب العراقية الإيرانية، وانتهى عهد الطاغية صدام حسين، ومرت عقود على الإبادة، غير أن الجرح ما زال ينزف، وفي كل الأرجاء من كردستان، لكن بالرغم من هذا كله هناك الكثير من الآذان تُصم أمام أصوات الكرد الداعية للسلام والمحبة، وما زالت الكثير من الأعين تغمض عن الجرائم بحق الكرد، غير أن الإرادة الصلبة، وعشق الحياة بكل جمالياتها تبقى من أعظم الأسباب التي تحفز الكردي على أن ينشد للغد الأجمل، وإن طال.
الثقافة – صحيفة روناهي [1]