=KTML_Bold=حركة الترجمة في شمال وشرق سوريا=KTML_End=
دلشاد مراد
لا يخفى على أحد الدور الكبير، التي تلعبه “الترجمة” في إثراء ثقافات الأمم، وتقارب الشعوب، وتطوير العلم، وفي النهضة الحضارية للبشرية جمعاء.
الترجمة علم وفن لها تقنياتها وأساليبها وطرقها، والمترجم ينبغي أن يمتلك قدراً من الثقافة الواسعة، وقدرة على فهم اللغات “المترجمة منها وإليها” وأصولها ومصطلحاتها، وكذلك أن يكون مطلعاً على الواقع السياسي، والاجتماعي، والثقافي حسب العصر، الذي يعود إليه النتاج الأصلي. وكلما كانت الأعمال، التي تترجم منها ذات قيمة علمية وأدبية كانت لها تأثير أكبر في ثقافة ومعارف الطرف، أو الجهة التي يترجم إليها.
وتختلف أساليب الترجمة حسب الأشكال الأدبية، والعلمية المختلفة، فالنتاجات العلمية كعلوم الرياضيات، والطب، والفيزياء والكيمياء والجغرافية على سبيل المثال تتطلب الدقة والموضوعية في الترجمة، دون أي تدخل للمشاعر، أو العواطف فيها، وإلماماً بالمفاهيم والمصطلحات العلمية، وهكذا الحال بالنسبة لجميع الدراسات، والمقالات العلمية.
أما فيما يتعلق ببعض الأجناس الأدبية كالرواية والقصة، والشعر فيتطلب إلماماً بتقنيات وفنون الأشكال، والأجناس الأدبية، إضافة إلى قدرة فائقة في إبراز الجمالية في النص المترجم باستخدام الكلمات، أو التراكيب الملائمة المقابلة لما هو موجود في النص الأصلي؛ كي يحافظ النص الأدبي المترجم على مستواه العالي ورقيه، دون أي رتوش لروحه أو تحريف لمعناه العام.
وقد ساهمت الترجمة في نهضة شعوب الشرق الأوسط خلال القرن التاسع عشر، بعد قرون من الجهل والتأخر الحضاري إثر خضوعهم للاحتلال العثماني (التركي)، وكان العامل الأبرز لذلك احتكاك نخب شعوب المنطقة بالثقافة الغربية سواء عن طريق البعثات التبشيرية الأوروبية للمنطقة، أو من خلال إرسال بعض الحكام لبعثات علمية إلى أوروبا؛ وكان نتيجة ذلك الاحتكاك الحضاري قيام نخب شعوب المنطقة بترجمة أبرز النتاجات الفكرية، والأدبية الأوروبية، ونقلها إلى لغاتهم؛ ما أحدث نقلة نوعية في إحياء وتطوير آداب شعوب الشرق الأوسط.
ويجدر القول هنا، أن ترجمة الأفكار العلمية والثقافية، إن لم يرافقها تأثير إيجابي وتطوير في الجانب العملي، فأنه لن ينتج عنها التقدم العلمي والحضاري الهادف، حيث ستكون المعرفة حينها شكلياً، وتجعل من الأمم والشعوب رهينة لثقافات الأمم السائدة، وتكون الترجمة لأجل “الترجمة” فقط وليس بغرض الرقي والتقدم.
وانتقالاً إلى شمال وشرق سوريا راهناً، فإنه يمكن ملاحظة تأخراً وبطئاً في حركة الترجمة من وإلى اللغات الرسمية “الكردية والعربية والسريانية”، سواء فيما بين بعضها أو بينها وبين اللغات الشرق الأوسطية “الفارسية، التركية، الأرمنية …الخ” أو بينها وبين اللغات العالمية، ذات التأثير “الانكليزية، الفرنسية، الإسبانية، الألمانية، الروسية، الخ”، ونادراً ما يتوفر ترجمات لكبار الأدباء والمفكرين، والعلماء العالميين، ويعود سبب ذلك التأخر إلى ضعف أداء مراكز الترجمة، وعدم توفر المترجمين الأكفاء.
ورغم ذلك، يلاحظ انتعاش في حركة الترجمة خلال السنتين الأخيرتين، نذكر هنا دور دار أو منشورات “نقش” الخاصة بالترجمة والنشر، والتي تلعب مع دار نشر شلير، ودور نشر أخرى، بدور لافت في هذا القطاع من خلال ترجمات نوعية لبعض كتب الفلاسفة اللاسلطويين، وبعض الدراسات والروايات، كما بدأ “مركز ميزوبوتاميا للترجمة” بترجمة بعض من المؤلفات الكردية والعربية، وإن كان بحاجة إلى زخم كبير في هذا الاتجاه.
إن تطوير حركة الترجمة يستدعي تطوير مراكز الترجمة الموجودة، ودور النشر المحلية ورفدها بمترجمين أكفاء واختيار مؤلفات نوعية ومؤثرة، وبناء مراكز متطورة لتعلم اللغات، إضافة إلى اهتمام قطاعات أخرى بحركة الترجمة كوسائل الإعلام المختلفة، ومنها الصحف، والمجلات الأدبية، والجامعات، والأكاديميات، وحتى في دعم المشاريع الفردية في الترجمة.
المصدر: صحيفة روناهي[1]