=KTML_Bold=د. محمود عباس: هل كان للكرد أدباء وفلاسفة قبل الإسلام - الجزء الثالث عشر=KTML_End=
لا بد من دراسة مواد كتاب آرثر كريستنسن (تاريخ إيران في عهد الساسانيين) للتمييز بين اللغة البهلوية التي كانت لغة ملوك الساسانيين، لغة الإمبراطورية، وكانت السائدة في المكتبات والمدارس، وكتبت بها السجلات الملكية، والتي سميت في الفترات التاريخية المتأخرة باللغة (الفارسية الوسطى) دون سند، وبين اللغة البهلوية الفارسية الجنوبية، لغة منطقة فارس، والتي أحيتها مملكة سامان، وهي لغة الدولة الإيرانية الرسمية اليوم، والفرق بينهما تثبت أن الفرس والساسانيين شعبين منفصلين عن بعضهما، ففي الصفحة(80) عن تمثال حول تتويج أردشير شاهنشاهاً يقول ” وعلى حصان الملك نقش باللغات الإغريقية والبهلوية الأشكانية والبهلوية الساسانية، يبين الفارس عابد مزده أردشير المقدس شاهنشاه إيران الذي هو من أصل قدسي، أبن بابكك الملك” وفي نفس المصدر ينقل عن المؤرخ نولدكه في الصفحة(46) “أن هذا الكتاب البهلوي كان مصدراً أصيلاً لأقدم الكتب العربية والفارسية التي تناولت تاريخ إيران قبل الإسلام، وقد عرب اسم الكتاب فأصبح: كتاب سير ملوك العجم أو سير الملوك، وسمي بالفارسية شاهنامه، واشهر التراجم العربية لخداي نامه ترجمة ابن المقفع(المتوفي حوالي 143ﮪ/760م)، وهو مجوسي اسلم” ويتمم ” نقل عنه الفردوسي أعمال ملوك الفرس وأحوالهم في كتابه الشاهنامه فهو ترجمة فارسية للنص البهلوي لخداى نامه” وهذه اللغة لم تكن لها علاقة بالقبائل الفارسية، ولمعرفة هذه الإشكالية يجب أن نعود إلى نفس الكتاب الصفحة(41) عندما يقول “ومصادر الديانة الرسمية أيام الساسانيين هي الكتب المقدسة المكتوبة بلغة الأوستا، وهي تتكون من الأوستا الساسانية مقسمة إلى واحد وعشرين سفراً(نسكا) ومن الزند وهي الترجمة البهلوية للنصوص الأوستية مع شروح لها باللغة البهلوية (الساسانية). والأوستا التي بأيدينا الآن ليست إلا جزءاً صغيراً، من الأوستا الساسانية، ولكن الملخص لواحد وعشرين نسكا الذي ورد في الكتابين الثامن والتاسع من (الدينكرد) البهلوي قد حفظ لنا تفصيلاً قيما جداً عن تاريخ المدنية الساسانية”.
وللتأكيد على ما كانت عليه الحضارة الساسانية من رقي فكري، وتقدير للكتاب والمفكرين، وكان معظم آثارهم منسوخة باللغة البهلوية الساسانية، وهي أصل اللغة الكردية الحالية بلهجاتها الشمالية والجنوبية. وأنه كان هناك شريحة أدباء وفلاسفة وعلماء وبمكانة عالية في المجتمع، نعود إلى كتاب (تاريخ إيران في عهد الساسانيين) والصفحة(85) ” فكان هناك الطبقات الأربع الآتية أيام الساسانيين 1-طبقة رجال الدين(آثروان)، 2-طبقة رجال الحرب(إرتشتاران)، 3-طبقة الكتاب، كتاب الدواوين، (دبيران)، 4-طبقة الشعب (الفلاحين-وستريوشان-والصناع-هو تخشان) ويضيف الكاتب في الصفحة(86) ” وتنقسم طبقة الكتاب إلى كتاب الرسائل وكتاب المحاسبات وكتاب الأقضية والسجلات والشروط وكتاب السير ويدخل فيهم الأطباء والشعراء والمنجمون”. هذه المكانة التي كانت لشريحة الكتاب في الحضارة الساسانية، تطعن في مصداقية المؤرخين المسلمين المعاصرين، وتزيد من احتمالية العبث وحرق المكاتب المذكورة ومنها كيتسفون والإسكندرية وكندي شابور. وإن كان لا بد للمؤرخين والفقهاء المسلمين نفي الوقائع، فيجب عليهم التمييز، بين ما خلفه الغزاة باسمها وتحت غطائها، وبشاعة الحوادث التي حصلت، وبين ماهية الدين، ومفاهيمه، استناداً على قول الإمام علي بن أبي طالب ” الحق لا يعرف بالرجال، وإنما يعرف الرجال بالحق”. أو لنقل، الانتباه أو الحيطة من عدم السقوط في مستنقع الخلط بين الإسلام كرسالة والقبائل العربية، أو بين الإيديولوجية (لسنا في بحورها الأن) والشخصيات التي تبوأت قيادتها وأضفت عليها الغطاء السياسي، ومن بينهم الصحابة أو الذين حملوا راياته، ومعهم القبائل الجاهلية التي شاركت في الغزوات، ودمرت إلى جانب المدن والحضارة العمرانية، الأثار الأدبية؛ وقتلت من العلماء والشعراء والفلاسفة ما أدت إلى جفاف المنطقة من المفكرين لعقود طويلة.
احتمالية إهمال التاريخ عند القبائل العربية الغازية، لها علاقة مباشرة بتراكمهم المعرفي حول التاريخ ذاته، والتي لم تكن تتجاوز أخبار القبائل والنسب، ففي هذا يقول المؤرخ شاكر مصطفى في كتابه (التاريخ العربي والمؤرخون) الجزء الأول، الصفحة(49) ” وقد تأخرت كلمة تأريخ حتى ظهرت وفشت على الأقلام الإسلامية، ولئن اضطربت تفاسير اللغويين لأصل هذه الكلمة وشكوا في عروبتها حتى أعطوها أصلا فارسياً: “ماه روز” قالوا إنها حرفت عنه” ويتمم حول الفترة التي تم تداولها كمصطلح علمي عند العرب فيقول في الصفحة (51) “وكان ذلك على ما يبدو منذ أواسط القرن الثاني الهجري فما أطل القرن الثالث حتى صارت كلمة التاريخ تطلق على العلم بأحداث التاريخ وأخباره” و يوصلنا إلى ما وضعناها كاحتمالية، وترجح الحيز المؤكد فيه، في الصفحة(54) عندما يقول ” فأما المادة التاريخية الجاهلية فنوعان: بعضها قصص ديني وثني أو يهودي أو مسيحي نقله الأحبار والرهبان معهم أو أخبار من التاريخ الفارسي… وما من شك في الوقت نفسه في أن الكثير من التحوير والزيادة قد دخل على أشكاله الأولى والتالية. وإذا كان ثمة شبه بينه وبين القصص السامي العبراني والآرامي والبابلي في الطور البدوي لهذه الجماعات فإن نقله الشفهي وتأخر تسجيله بعد العهد الإسلامي أكثر من قرن أدخل عليه الكثير من الانطباعات الإسلامية… الدينية والسياسية…كما سادت لغة قريش والخط الذي كتبت به، فتراجعت لغات المناطق وألغيت الخطوط الأخرى وتطوراتها فلم يبقى سوى تطور الخطين النبطي والحيري…إن الصور الإسلامية التي أعطيت “للجاهلية” في أيام التدوين التاريخي، في القرن الثاني للهجرة، لم تشوه ذلك العصر كله فقط ولكنها كانت كافية أيضاً لإسدال حجاب كثيف على ما سبقه من عصور عربية” ولا شك هنا إذا كان الحجاب مسدلاً على التاريخ العربي فما بالنا بتاريخ الشعوب المجوسية والكافرة؟ ولا بد هنا من التنويه إلى أنه يوجد الخلط التاريخي المتوارث من الماضي، فمثلما طغى الصفة الفارسية على المنطقة والإمبراطورية الساسانية، وهو تاريخ للشعب الكردي قبل أن يكون للفارسي، كما أوردها أبن الوحشية الكلداني، عن ملوك الأكراد. فكما يقول المؤرخ الدكتور مهرداد آزادي في كتابه (الكرد… نشر بتاريخ 1992م) باللغة الإنكليزية، ونقتطف منها هذه الجمل بعد ترجمتها” لم يهيمن الكرد منذ أكثر من 800 عام، لذلك تم التجاهل والتعتيم على تاريخهم ومساهماتهم العظيمة في المنطقة بعكس الشعوب الأخرى”.
يقول شاكر مصطفى منقولاً عن كتاب المسعودي ( التنبيه والإشراف) الصفحة(92-93) ” وذكر المسعودي أم هشاماً (هشام بن عبدالملك بن مروان) نفسه أمر سنة 113ﮪ فكتب له كتاباً يحمل هذا التأريخ في تاريخ ملوك فارس، وقد ترجم إلى العربية مما وجد في خزائن أولئك الملوك وهو بالأصباغ والذهب والفضة والصور والورق الرائع…وقد رآه المسعودي سنة303 ﮪ ورأى فيه من الأخبار ما لم يره في كتاب فارسي غيره” هذا التطور الحضاري في الاهتمام بالكتب وصناعة الورق، لا بد وأن مكاتب عظيمة احتضنتها مدن الحضارة الساسانية، وكان يراعونها أدباء وكتاب وفلاسفة وعلماء، لا نجد لهم اثر اليوم ولا في القرون اللاحقة بعد الغزوات! وقد نعيد ما ذكرناه سابقاً، إن أول من أدخل (الكاغد) الورق، الذي طوره الصينيون، إلى العالم الإسلامي هو الفضل بن يحيى البرمكي (الكردي) كان والياً على خراسان عام 178ﮪ، ثم استعمل أخوه جعفر الورق(الكاغد) بدل الرًق في الدواوين، وكان مصنعه بدار الخز في بغداد…
يتبع…
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[1]