=KTML_Bold=د. محمود عباس: هل كان للكرد أدباء وفلاسفة قبل الإسلام - الجزء الخامس=KTML_End=
لا بد من الانتباه إلى النقاط التالية لإدراك جزء ولو يسير مما حصل للتراث الأدبي لشعوب المنطقة ومن بينهم الكرد قبل الإسلام، وما جرى أثناء الغزوات العربية الإسلامية الأولى:
1- على الرغم من أن إله الرسول مات بموت الرسول، ومقولة أبو بكر الصديق الشهيرة كانت في غيرها، لكن الجدلية بين (إشكالية التاريخ) أم (عدم اعتراف) رغم تقارب المفهومين، استمرت وفرضت حضورها، وعلى أثرها هيمنت أسئلة عديدة ذاتها على معظم المؤرخين والباحثين في التراث الأدبي والعلمي لشعوب المنطقة المغزية ومن بينهم الكرد. فهل كان التاريخ سيجري خارج الجزيرة العربية بغير ما حدث لو كان الرسول آمراً؟ وهل كان إله الرسول حاضرا عندما تم تدمير الحضارات وثقافاتها مقابل نصه القرآني؟ وهل كانت الغزوات في الحقيقة استمرارا لاغتصاب السلطة وتكوين الدولة السياسية، المسنودة وعلى مدى قرون بمنطق السلب والسبي، والتي خفت عندما شبعت قريش والقبائل الجاهلية العربية من غنائم الشعوب المجاورة؟ وهي الفترة التي يقال فيها بأن الإسلام أنتشر عن طريق السلام والمعاهدات.
2- لغة أقاويل الديانة الأزداهية و(الإيزيدية) حتى الأن مدموجة بين الفارسية والكردية، وبأسلوب سجعي، تلقى على طريقة كتاب الأفيستا والتي يعتقد البعض أن القرآن كتب بنفس الطريقة، ويقال إنه أخذ منه الكثير إما عن طريق مباشر أو غير مباشر عن طريق التوراة، وهو السجع الذي كان الكهان في الجزيرة العربية، وفي معابد الزرادشتيين يلقون صلواتهم ودعائهم بنفس الرتم، وعليه بنى الشعراء قصائدهم الأولى، مثلما خرج الفلاسفة من أحضان مفاهيم الأقاويل، والأزداهية تاريخها تعود إلى أكثر من ألف سنة قبل الميلاد، والشعر العربي كما ذكرنا بدء قبل مئة عام من ولادة الرسول، ولا تعني هذه بأنها ناقصة للشعر أو الأدب العربي الرائع.
3- الحضارات التي بناها الكرد والفرس معا، وخاصة الساسانية، لا تعطي الأفضلية للعنصر الفارسي،
فكما يذكر في الويكيبيديا، عن الكلدانية (سلالات الحكم في إيران قبل وبعد المسيح) أنه ” منذ بداية تاريخ البشرية المكتوب وإلى عهد بابل الثانية لا يذكر التاريخ شيئاً اسمه الفُرْسْ ولا الفارسية عند الكلام عن شعوب إيران القديم. وقبل عهد بابل الثانية وعند الكلام عن الشعوب التي عاشت إلى الشرق من ميزمبوتامية تذكر النصوص التاريخية العيلاميين أولاً ثم الميدييين وبعد ذلك الأخميديين والبرثيين” ويضيف ” دخل اسم الفرس في التاريخ مع سلالة حكم الأخميديين الذي امتد بين 550–330 ق.م.” وبعدها يتم ذكرهم أسم ميديا والفرس في الكتاب المقدس معاً دائما «الكبش الذي رأيته ذا قرنين يمثِّل ملوك مادي وفارس». دانيال8:3،4،20. ويقول المطران يوسف الدبس في كتابه (تاريخ الشعوب المشرقية في الدين والسياسية والاجتماع) الجزء الثاني الصفحة(498) في نقش على صخر بمدينة همذان مكتوب على لسان الملك داريوس: “لما قتل كمبيس (قمبيز) سمرديس أخاه…وصرت ملكًا بحسب مشيئة هورامزدا فأصلحت حال المملكة، وأعدتُ المذابح التي كان غومانوس دمرها، ورددتُ العبادة القديمة، ووطدتُ النظام في فارس ومادي وسائر الأقاليم”. وتصعيد اسم الفرس كانت ورائها قوى سياسية وسلطات، ظهرت في منتصف العصر العباسي، فمن المعروف تاريخيا أن مؤسسها أردشير بن بابك الساساني (229م-239م) كان من القبائل الكردية، واستند أحفاده عليهم لعدة أجيال، وظلت الحضارة معروفة على مر التاريخ باسم الساسانية، ومعظم المؤرخين العرب وغير العرب حتى القرون الأولى من العصر العباسي كانوا يصفونهم بملوك آل ساسان.
4- معرفتنا لأدق تفاصيل تاريخ الأدب والفلاسفة اليونانيين، الذين كانوا على علاقة قوية بالأدباء والفلاسفة الساسانيين، وبمدارسهم، تثبت أن هناك حقيقة غيبت على مر العصور حول حجم التدمير الثقافي الذي خلفته الغزوات الإسلامية العربية بالحضارة الساسانية وثقافتها، ومن حظ البشرية أن الغزوات لم تطال المدرسة الرواقية، وإلا لكنا اليوم في دروب أخرى حول دراسة المنطق، ولما كان الأطباء اليوم يقسمون بقسم إبيقريط. ولتعاسة البشرية أنه لم يبقى أثر يذكر لأدب الساسانيين رغم اهتمام ملوكهم الكبير بطبقة الكتاب.
وفي هذا يقول أبو العباس أحمد القلقشندي (1355م-1418م) ” كانت ملوك فارس (ساسان) تقول: الكتاب نظام الأمور، وجمال الملك، وبهاء السلطان، وخزان أمواله، والأمناء على رعيته وبلاده، وهم أولى بالحياء والكرامة وأحقهم بمحبة السلام” ولا شك أن ملوك بهذا القدرة من الحكمة والتقدير للكتاب لا بد وأنهم كانوا يحيطون بنخبة من الشعراء والفلاسفة، وأن مجتمعهم كان يذخر بهم، ويقول في مكان آخر ” أن ملوك آل ساسان قد جعلوا الكتاب في مقام يشار إليه بالبنان، وعاشوا عيشة مفعمة بالرغد والهناء في كنف الملوك الساسانيين وقد تهيأ لهم ما احتاجوا إليه ليخلفوا قسطا وافراً من كتابات رائعة”
وبناء على ما ذكر نقول:
1- أين الكتاب الذين كان يعزهم ملوك ساسان، ونتاجاتهم، ولماذا لم تحفظ، ولم تتم تداولها؟
2- ملوك بهذا الوعي والحكمة والاهتمام بالمجتمع ورعيته، وعلى مدى ما يصفهم بها أبن عبد ربه في كتابه (العقد الفريد) وكمثال، في الجزء الأول ص(78) حيث وصية الملك لعيونه، لا يعقل أن يكون المجتمع الساساني في نفر من ديانتهم الزردشتية أو المزدكية والمانوية أو المسيحية النسطورية، ومن ملوكهم، وتقبلوا الحكم العربي والديانة الإسلامية طواعية، كما يقولها المؤرخون العرب والمسلمون، كتبرير للغزوات التي دمرت المجتمعات الحضارية.
3- أن الملوك كانوا ساسانيين وأن كان يجب تفضيل عنصر في التاريخ، فسيكون العنصر الكردي، حسب ما عرف به جدهم الأول.
4- لو كان الكرد أصحاب السلطة لربما كانت العملية معاكسة، ولتم تسمية ملوك الساسانيين بملوك الكرد.
ولقد أتصف ملوك ساسان بالعدل مثلما أتصفوا بتقدير العلم والأدب، فيقول الثعالبي في كتابه ثمار القبوب في المضاف والمنسوب ص(195) ” إنه لم يكن في الأكاسرة بعد أردشير الذي له فضيلة أعدل من أنوشروان فلذلك ضرب المثل به في العدل من بينهم، وهو الذي ولد النبي(ص) في زمانه لتسع سنين خلت من ملكه، وافتخر عليه الصلاة والسلام بذلك وقال: ولدت في زمن الملك العادل”.
لا شك الدراسات في هذا المجال عديدة لكنها لا ترقى إلى مستوى الحدث، كماً ونوعية، لأن الضياع هائل وله تأثيره على مسيرة التاريخ الحاضر والقادم، ورغم ما قدمه المختصون في هذا المجال حتى الأن أمثال (غيل مارلو تايلور) والكورديولوجي المعروف (ألكساندر أوجست جابا) من خدمات جليلة في هذا الحقل، إلا أنه يبقى ناقصا، ومثلهم أميرالاي أمين فيزي بك (1860-1923م) ورفيق حلمي (1898م-1960م) وعلاء سجادي (1910م-1985م) وغيرهم…
يتبع…
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[1]