=KTML_Bold=الحوار العربي الكردي آفاق ومعوقات=KTML_End=
محمد برو
في مطالعتنا لتأسيس محاور أولية تُغني الحوار العربي الكردي كنموذج للحوار بين جميع المكونات في سوريا المستقبل بغرض الدفع بثقافة التعايش الإيجابي الى حدودها المرجوة.
بعد أن عملت الأنظمة القمعية المتعاقبة عبر عقود طويلة على ضرب هذه الثقافة والاستعاضة عنها بثقافة إقصائية قسرية تلغي الآخر ولا تعترف بحقوقه بل وتعمل على حصاره في أرضه والاعتداء على ممتلكاته ومحاولة مسح ثقافته أوطمسها.
وخلق فضاء عكر يفتقر إلى الحدود الدنيا للثقة اللازمة لبناء أي مشروع أوتوجه مشترك.
ربما تحمل مسألة الحوار الكردي العربي إشكالية في ذات السؤال
حيث يصبح المجيب عربياً قومياً في رده ويتحول السائل إلى كردي قومي في أساسه أوالعكس ، وفي الحالتين يكون الموضوع معزولاً عن البيئة الواقعية للعرب والكرد ومحصوراً بالعقل القومي السكوني للبعض، وضمن لعبة القوى المهيمنة على الواقع الموضوعي للبعض الآخر.
لا بد لنا في البدء من الوقوف عند مجموعة من النقاط التي تشكل مدخلاً مناسباً:
ربما تتركز المشكلة الكردية في أساسها إلى ذلك القدر الكبير والمديد من الظلم الممنهج الذي مارسته الدولة القمعية وفق إيديولوجيا قومجية إقصائية نالت من كرامة وحرية وثقافة وخصوصية الكرد كما نالت من ممتلكاتهم وأرضهم وحقوقهم كل ذلك تماشياً مع أسلوبها في الإدارة من خلال تخليق الأزمات والعمل من خلالها.
وقد طبعت هذه الثقافة الإقصائية التكوينات النظرية لقطاعات كانت تسير في ركب النظام وتشكل جزأ من نسيجه الاجتماعي خاصة في الجزيرة السورية.
من المفيد هنا أن نتذكر أن هذا الظلم الذي وقع على الكرد إنما أتى من نظام فاسد ظالم مارس ظلمه على الشعب السوري أجمع ولكن بمستويات متفاوتة وأنه يعمد إلى إبراز هذا التفاوت في نشر عسفه وظلمه لتعزيز الشقاق بين مكونات هذا الوطن الذي يجمعنا “سوريا”.
ربما تكون هذه هي المرة الأولى التي يتداعى بها مثقفون عرب وكرد* لتأسيس قاعدة للحوار تكون عاملاً مهماً في تصحيح علاقة وصورة جرى عليهما الكثير من التشويه والإفساد مما خلق مواقف لا تعبر بالضرورة عن بنية العرب والكرد سيما وأننا على أبواب مرحلة ربما تكون مؤسسة لمستقبل جديد ليس لسوريا وحسب وإنما لشعوب المنطقة كلها.
ومن موقع الحرص على إنجاح هذا المقصد المهم (تعزيز الحوار العربي الكردي)
ربما يكون من الأهمية بمكان التمييز بين إرادات الشعوب وثقافتها وبين تطلعات الطبقة السياسية وأدواتها وحساباتها الخاصة والقصيرة الأمد.
لقد أثبتت الأحزاب السياسية التقليدية العربية والكردية على مدى ستين عاماً أوأكثر فشلها وضيق أفقها وعجزها عن تشكيل حاضنة اجتماعية تضم المكونات السورية بتنوعها كما عجزت عن تقديم مشروع وطني يلبي احتياجات وتطلعات هذه المكونات عامة.
وقد آن الأوان للنظر إلى تطلعات الشعوب بمعزل عن برامج هؤلاء الساسة الذين عمدوا إلى تقديم كل ما هوطارئ ومؤقت وآني وضيق وذاتي في كثير من الأحيان بالنظر إلى القضايا الشائكة والمعقدة، على حساب ما هواستراتيجي وثابت وبعيد الأفق والمدى.
وسبق أن دعا مثقفون عرب وكرد إلى تأسيس معهد عربي-كردي يمكن توسيعه إلى معهد للثقافات الشرقية، لا سيما للشعوب المتجاورة، وذلك بهدف تنشيط حركة التواصل والنشر والترجمة والاطلاع على آداب وفنون وثقافات كل طرف بما لدى الطرف الآخر، إضافة إلى التحدّيات والمخاوف التي تواجه الهوّية المشتركة للعرب والكرد والهوّية الخاصة لكل منهما على انفراد.
وإذا كان الحوار هو أعلى لغة في التعبير بين الشعوب فإن التعايش الإنساني والثقافي هوالنتاج الحضاري والقيمي للإنسان الواعي في طوره المتحضر.
ولابد للتعايش أن يؤسس على عقلانية وموضوعية تنبري لمواجهة الإشكاليات القائمة دون تدليس أوالتفاف على جوهرهامع التحلي بقدر واف من روح التسامح وإدراك لأهمية المصالح المتأتية من تعزيز روح التعايش.
وكلنا أمل أن تكون سوريا المستقبل بما تحويه من حرية مأمولةأن تكون حاضنة لاضمحلال هذه العصبيات وشيوع روح التسامح والتعايش ومصونية الحقوق.
فمن الملاحظ أن الشعوب في حالة الحصار والاضطهاد تنكفئ إلى الاتكاء على الأمجاد التاريخية وتنحو إلى تعزيز حقوقها ومشروعية وجودها عبر قراءة خاصة للتاريخ وللجغرافيا معاً الأمر الذي يتمظهر بالاعتصام بالعمق القومي لهذا الشعب أوذاك.
بينما يتيح لها فضاء الحرية والرخاء النسبي فرصة أكبر للتعايش والاشتغال بالمنجز الحياتي ويضمر إلى حد كبير دور السند التاريخي والمشروعية الجغرافية والعصبيات القبلية والقومية.
نجد هذا واضحاً في التجربة الكردية في الجزيرة السورية حيث يجثم الفقر وتشح الموارد على الكرد وتفتقر مناطقهم لأي مشاريع تنموية حقيقية وتكثر الأمية والبطالة الأمر الذي يعزز دور الاحزاب القومجية ويضيق فضاء التعايش مع الآخر أوحتى قبوله.
أما في دمشق حيث تتمركز معظم مقدرات سوريا وتتقلص معدلات الفقر والحصار التي تمارس في منطقة الجزيرة ضد الكرد وتنخفض معدلات البطالة والأمية فإن كرد دمشق أكثر اندماجاً في محيطهم لدرجة تقترب من التماهي ومن الصعب على شباب الكرد في العاصمة السورية مثلاًالقبول بالانضواء تحت رايات حزبية ضيقة.
وفي سياق بحثنا عن معززات لغة الحوار والعيش المشترك تقف اللغة كحاضنة للثقافة ينبغي العمل عليها وعلى تنقيتها من كل ما لحق بها من مفاهيم المرحلة السابقة بما تحويه من فكر إقصائي مترع بروح الاستبداد وطبائعه وهذا يطل علينا في ثنايا اللغة المحكية عبر النكت والأمثال والتشبيهات ونحن هنا في غنى عن سرد الأمثلة الكثيرة.
كما يمكن تعميم لغة عالية تعيد تشكيل المفاهيم وبناءها ومن أهم تلك المفاهيم التي يجري تداولها غالباً مفهوم الأقليات الذي يحوي ضمناً النظرة الاستعلائية، لتنوب عنها لغة جديدة تتحدث عن جميع المكونات بلغة حيادية تمتح من مفهوم المساواة الإنسانية قيمتها لا من الكم العددي.
وغير خافٍ عنا جميعاً مقدار الجهد اللازم للخروج من حالة الانسداد تلك والتي ولدت مواقف متشنجة شملت النظام الممارس للإقصاء كما شملت قطاعات واسعة أخرى من النسيج المجتمعي السوري بسبب غياب التصورات الصحيحة والاستكانة لأوهام تتصنعها مناخات الظلم والإقصاء وغياب الثقة مما ينتج لغة عدائية تتجاوز من كان علة في هذا الظلم إلى من يتوهم أنهم شركاء فيه، وهذا ينتج في حدوده الدنيا عن التعميم الذي جرت العادة أن يُساء استخدامه في هذه المناخات الرديئة.
ومن هنا يتضح دور الحوار والمكاشفات وعودة الضوء لينير زوايا عششت فيها الظلال بدل الصورة النقية الواضحة.
ولتعود الأصوات من جديد تفعل فعلها في توضيح الصورة وتكوين التفاهمات وبناء الثقة التي شكل غيابها تربة فاسدة.
ربما يكون مشروعنا هذا الذي أطلقه مركز عمران للدراسات الاستراتيجية نواة لهذه التطلعات الضرورية عبر:
ورشات الحوار المتتابعة التي تسمع الأطراف أصوات بعضهم في مناخ هادئ بعيداً عن التصورات المسبقة والموتورية المتراكمة.
ندوات تعريفية تعمق معرفة الأطراف ببعضهم البعض وتنفي الأوهام المتداولة بغير وجه حق.
مؤتمرات فصلية يصار إلى الخلوص عبرها إلى تفاهمات وصيغ عامة تشكل أرضية آمنة يمكن أن تبنى عليها مشاريع مشتركة مستقبلاً.
استثمار شبكات التواصل الاجتماعية في نشر وتعميم ما ينتج عن هذه الورشات والندوات والمؤتمرات وخلق فضاء افتراضي يجري فيه الحوار المستمر حول كل ما ينبغي الحديث عنه في هذا الإطار.
إتاحة مساحات للعمل الفني والإنساني المشترك حيث يستطيع الجميع تقديم منتجه الثقافي إلى جنب منتج الآخرين مما يعطي فرصة للمقارنة التي تعرف بالمشترك الحضاري وتوضح الخصوصيات التي تغني هذا النسيج العام.
العمل على كتاب فصلي يشترك فيه مفكرون وباحثون وأدباء عرب وكرد يدور حول محاور محددة تشكل في تتابعها إضاءة موثقة لأهم الأفكار الإشكالية التي ينبغي علينا مواجهتها بجرأة والعمل على حلها أوتأسيس الأرضية النظرية لما يمكن أن يكون حلاً.
التشجيع على قيام مؤسسات مجتمع مدني تشترك فيها جميع المكونات تكون النموذج العملي على سعة الممكن المشترك.
العمل على تفعيل واستثمار دور المرأة لما له من أهمية معلومة لا سيما في القدرة المتميزة في التأثير على الأسرة والطفل بشكل عام، علاوة على دورها المهم في الحقل التعليمي.
إيلاء الأطفال اهتماماً خاصاً من خلال إتاحة الفرصة لبناء جيل لا يحمل أمراض المرحلة السابقة عبر تقديم مناهج تعليمية حديثة ولمنتج ثقافي وفني يقدم لهم.
ختاماً لا ينبغي الاستكانة لأوهام الاستحالة والسهولة في التعاطي مع هذا الركام الذي خلفته لنا عقود من الظلم والقسر وغياب الحرية بأبسط معانيها.
والاستعداد لبذل الجهد أثر الجهد للمضي قدماً في بناء ما تهدم وتنقية ما تلوث والخروج من دائرة التنازع والثقة الغائبة إلى دائرة الثقة المتبادلة والعمل المشترك في بناء سوريا المستقبل التي مزقتها الحرب الدائرة.[1]