أكد الضابط في مديرية الأمن العامة للنظام العراقي السابق، #صباح الحمداني# ، أن #نزار الخزرجي# خطط قبل سقوط النظام لإقامة إقليم سني، بدعم سعودي أولاً، ثم إماراتي وسوري.
صباح الحمداني، نوّه في الجزء التاسع والأخير من شهادته ضمن برنامج بصمة (پەنجەمۆر) الذي يقدمه كاوه أمين من شبكة رووداو الإعلامية، أن (الفريق الركن) نزار الخزرجي تواصل مع السعودية عندما اقتربت احداث 2003 كثيراً، واتفقوا على أن يقوموا بدعمه، لاسقاط المحافظات السنية بانتفاضة بدل سقوطها بيد الجيش الأميركي، وبذلك تحمي نفسها من النهب والقتل، وكي يبقى قوام الجيش قائماً فيما.
وأشار إلى أن سوريا والإمارات دعمتا فكرة الخرزجي بعد تخلي السعودية عنها، لكنهما تراجعتا في وقت لاحق أيضاً، لينتهي مخطط إقامة أول اقليم سني في العراق الجديد.
أدناه نص المقابلة:
رووداو: طلبت إحالتك على التقاعد، لكن لم يمض وقت طويل واستدعيت للخدمة من جديد، لكن في صفوف الجيش هذه المرة. كيف حدث هذا؟
صباح الحمداني: كلا. لكون عمري كان صغيراً، تم استدعاء مواليدي للعودة كضابط جيش مجند. صدام حسين كان يريد قتال الحلفاء بالأعداد، الملايين. لدينا كذا مليون مقاتل وسنقاتلكم. وفي الحقيقة، لم يكن هناك مقاتلون على أرض الواقع. التحقت وعُينت في عدة مواقع، في الحضر، الموصل، فوج الدفاع والواجبات، ثم انتقلت إلى السليمانية وأصحبت مساعد آمر فوج الدفاع والواجبات هناك.
رووداو: كنت في مدينة السليمانية؟
صباح الحمداني: نعم، داخل مدينة السيلمانية.
رووداو: هناك في الجيش، هل كانت عندكم ارتباطات بأجهزة الأمن والاستخبارات؟
صباح الحمداني: فقط لأنه كان لدي أصدقاء وابن عم هو محمد عبد الرزاق الحمداني الذي كنت العب معه سوية عندما كنا طفلين، وعلمت في فترة ما نجاراً لدى والده في الموصل. علاقاتنا كانت قوية جداً، وكان من الضباط الجيدين والمؤدبين جداً.
رووداو: كان ضابطاً في الأمن أم في الجيش؟
صباح الحمداني: كان ضابط أمن فنياً في مديرية أمن السليمانية. في ليلية سقوط السليمانية..
رووداو: تقصد في أيام الانتفاضة؟ انتفاضة 1991؟
صباح الحمداني: نعم، انتفاضة 1991. في تلك الليلة كنت مدعواً لديه، وفعلاً ذهبت إلى مديرية أمن السليمانية، والقيت التحية على مدير الأمن الذي كان عريفي عندما كنت في إعدادية الشرطة.
رووداو: ماذا كان اسمه؟
صباح الحمداني: سيد خلف الجوعاني. المهم التقيت بمحمد، وتناولنا العشاء جميعاً. طبعاً، في ذلك الوقت بدأت أحداث انتفاضة البيشمركة.
رووداو: هل كنتم تعرفون بوجود تحركات كهذه؟
صباح الحمداني: نعم. كانت ترد البرقيات لمدير الأمن الذي كان يقرأها ويطلعنا على مضامينها. البرقيات كانت تشير إلى الأماكن التي كان يصلها البيشمركة وهي مناطق لا أعرفها ولم أعمل فيها. عرفنا بأن الأمر اقترب، لكن معنوياتهم كانت مرتفعة جداً وكان يستبعدون أن يسيطر البيشمركة على المحافظة وكانوا يعدون دفاعاتها قوية، حتى محمد أصر على أن امكث لديهم الليل وأعود إلى موقعي في صباح اليوم التالي. رفضت ذلك. لو بقيت عنده (رحمه الله) كنت قد رحلت (توفيت) معهم، لأنه تم تطويقهم..
رووداو: قُتل محمد؟
صباح الحمداني: نعم، قتل (رحمه الله). غادرت وقد أرسلني بسيارة تابعة لهم إلى الموقع حيث نمت تلك الليلة هناك. كنت قد تركت سيارتي الشخصية من طراز اولدزموبيل في الموقع. في صباح اليوم التالي بدأت الانتفاضة والرمي. كان لدي جندي يدعى سردار كتبي من السليمانية. عمل معي نحو 3 أسابيع، لكنه أحبني بعدما رأى بأنني لست طماعاً ولا أقبل المساعدة من أحد. كما تعلم، كانوا يبيعون حتى الإجازات في الجيش. اشترى لي أشياء بسيطة مثل القرطاسية ورفضت أن يدفع ثمنها. مع اقتراب الاطلاقات النارية، قال لي سردار، سيدي إذا حدث أمر ما، هل تسمح لي بالذهاب إلى البيت. كان يعرف ماذا يجري، وأوصاني بأن انتبه لنفسي، وأن أتوجه إلى بيته في حال حدث أمر ما. لم أكن أعرف عنوانه، لكنه قال؛ بيتي في ساحة الغزلان (فلكةي ئاسكةكان) وسيدلونك على منزلنا عند سؤالك عني. قلت له؛ لن نحتاج إلى ذلك إن شاء الله. بدأت الأحداث، وإذا بالمديريات بدأت بالسقوط، مديريات ودوائر الدولة كلها. مدير الشرطة وغيره هربوا إلى مديرية الأمن ليقاتلوا. نحن واجهنا اطلاقاً للنار من أطراف الموقع الذي كان يشغل مساحة كبيرة جداً، واصيب آمر الفوج الذي كان معي برصاصتين في ساقه، عند خروجنا لمعالجة الوضع، وبالتالي انسحبنا. الجنود قالوا لي؛ سيدي لا حاجة للقتال، والبيشمركة باتوا من أسطح البيوت المجاروة للموقع، ولننسحب. قاموا بنزع رتبي بقوة، وانسحبنا للخلف. كانت هناك فجوة في السياج يهرب منها الجنود عادة، الذين كانوا يخشون الخروج من الباب الرئيسي. خرجنا إلى الشارع. أرسلت الآمر المقدم كزار دفار الذي كان مصاباً إلى المستشفى مع المراسل الذي تطوع للقيام بذلك، وبقيت أنا ونائب الضابط.
رووداو: هل كان عددكم كبيراً في الحامية؟
صباح الحمداني: في الموقع؟
رووداو: نعم..
صباح الحمداني: كنا 700 جندي وضابط. الغالبية هربت. سقط الموقع وانسحبنا إلى الخلف.
رووداو: هل أبديتم أي مقاومة؟
صباح الحمداني: مقاومة بسيطة في البداية. حدث اطلاق نار علينا من المنازل المجاورة. ثم توقفت المقاومة، وبدأ كل شخص ينسحب كما يريد محاولاً انقاذ نفسه. في الشارع العام، كان معي جندي من أهل النجف يدعى مضر ونائب ضابط من المفرزة الطبية. قلت لهما لنذهب إلى منزل سردار. كان الوقت غروباً ولم نستطع الوصول إلى هناك، وإذا بأحد آمرى المفارز الكوردية في الاستخبارات أصر وهو لا يعلم بأني ضابط بالذهاب معه. ذهبنا إلى منزله وتناولنا العشاء هناك وأمضينا الليل لديه، لكن منزله تعرض ايضاً إلى اطلاق للنار. قلت لمن معي؛ رحلنا عن المعسكر لنأتي إلى منزل أحد عناصر المفارز. في صباح اليوم التالي تناولنا الفطور..
رووداو: كنتم تحملون أسلحة؟
صباح الحمداني: كلا. قال؛ سيعرفون مباشرة بأنك ضابط، وأعطاني سروالاً كوردياً لارتدائه مع قمصلة عسكرية، وكان ارتداء القمصلة امراً مألوفاً حتى من قبل الجنود. بعدما تناولنا فطوراً جيداً، خرجنا من بيته، وقالوا لنا (مواطنون) اثناء سيرنا، إذهبوا إلى القصر وسلموا أنفكسم هناك، حيث يسلم كل أفراد الجيش أنفسهم هناك. رفضت ذلك، وقلت لنذهب إلى صديقنا. وصلنا إلى ساحة الغزلان وسألنا عن بيته، وقاموا بارشادنا اليه. أوصلني أحدهم إلى الباب. رحب بيّ عندما رآني في باب بيته قائلاً، أهلاً سيدي، ما دفع الشخص الذي أوصلنا وهو كوردي إلى التساؤل؛ هل أنت ضابط؟ فرد عليه سردار، كلا كان نائب ضابنا، من أجل أن يبعد عني الشبهات. دخلنا إلى بيت الرجل وبقينا فترة هناك.
رووداو: كم لبثتم هناك؟
صباح الحمداني: يوماً كاملاً وغادرنا في صباح اليوم التالي. قال لي؛ أنت لا تحمل هوية وسيشكّون بك. ملأ نموذج إجازة في الجيش باسمي الحقيقي قائلاً، هذه هويتك، يمكنك أظهارها للمفارز التي تعترضك في الطريق. وهذا النموج قدم لي خدمة عظيمة. الجندي يحمل عادة هذه النماذج كي يتمكن من إنقاذ نفسه، لكنه هذا النموج أنقذني أنا وكان الهوية الوحيدة التي أحملها في جيبي. ذهبناً إلى جمجمال سيراً. أرسلنا لبيت خاله في جمجمال. سرنا النهار كله حتى بلغنا جمجمال.
رووداو: ألم يرافقكم سردار؟
صباح الحمداني: كلا. تمكنا من تدبير أمرنا لحين وصولنا إلى جمجمال.
رووداو: أريد أن تحدثني قليلاً عن ذلك اليوم في السليمانية، عن المعارك وحصار مبنى الأمن الأحمر والعدد الكبير من منتسبي الأمن والبعثيين الذين قتلوا هناك..
صباح الحمداني: في النهار الذي أمضيناه لدى سردار، أخبرني بالقبض على ملازم كنا نعرفة. كان أعرجاً ومعنا في الفوج. عصراً أخبرنا بأن مديرية الأمن سقطت ودخلوا اليها البيشمركة وقتلوا الجميع. في صباح اليوم التالي ذهبنا إلى بيت خاله في جمجمال ووصلنا هناك أثناء الغروب وكانت هناك الأجواء ماطرة. كنا في الثامن من آذار. رحب بنا الرجل ومكثنا لديه حتى صباح اليوم التالي حيث قال إنه ادى واجب الضيافة ولا يمكنه الاستمرار في ذلك. قال؛ اذهبوا إلى كركوك. كانت هناك أخبار عن سقوط كركوك والحقيقة أنها لم تسقط. بدأنا السير ووصلنا إلى منطقة المعارك..
رووداو: بأي الجهات اتصلتم بعد وصولكم؟
صباح الحمداني: وصلنا منطقة المعركة بين البيشمركة والجيش. المعارك كانت متوقفة. بدأنا السير ولم يطلقوا علينا النار (البيشمركة)، علماً ان قتيلاً واحداً فقط سقط من بين الأشخاص الذين كانوا يسيرون معنا. كنا نحو 50 – 60 شخصاً. كنت في آخر المجموعة. وصلنا إلى الدبابات العراقية وأصبحنا آمنين. تعرف عليّ أحد الضباط وآمر بايصالي بسيارة إلى السيطرة التي كان يتواجد فيها الأمن، وكان أحد الضباط المتواجدين هناك وهو النقيب سعد التكريتي صديقي، وأرسلني بسيارة أخرى إلى المنزل.
رووداو: قتل عدد كبير من ضباط ومنتسبي الأمن في مبنى الأمن الأحمر. هل كان مدير أمن السليمانية بين القتلى؟
صباح الحمداني: كل المتواجدين في مديرية الأمن من ضباط الشرطة ومدراء ومسؤولين وبعثيين قتلوا جميعاً، بما في ذلك مدير الأمن الذي وجد مقتولاً في الحمام. لا اعرف إن كان قد انتحر أم قتلوه، لكنهم لم يلحقوا الأذى بعوائلهم. المقدم الذي كان آمر فوجنا سمعت بأنه أعدم في قلاجولان بعد القبض عليه أثناء وجوده في المستشفى، لكن لم يمسوا عائلته بسوء، كما لم يلحقوا الضرر بسيارته الشخصية، إلا سيارتي الشخصية التي قام البيشمركة باحراقها، رغم أني لم أكن من القادة كما لم تكن مكرمة.
رووداو: أين كنتم عندما تم تحرير كركوك؟
صباح الحمداني: هربت للمرة الثانية عندما سقطت كركوك بيد البيشمركة. كان منزلي الذي تبلغ مساحته 900 متر واشتريته من مدير شركة، خلف فندق الصنوبر. علي يميني كانت تقع مدير الأمن التي هرب جميع منسبيها، فيما كانت المحافظة تقع على يساري ويبعد منزلي عنها 70 متراً وهرب جميع منتسبيها أيضاً. قلت لزوجتي واطفالي؛ انتهى الأمر. ارتبكت خطأ وهو ارتداء الزي العسكري واصطحبتهم باتجاه منزل أحد اصدقائي في منطقة تسعين. الرجل اصطحبنا جميعاً بيسارته ال بيك آب نحو تكريت، وكان ذلك الهروب الثاني.
رووداو: بعد ذلك، شن الجيش هجومه المضاد، واستعاد السيطرة على كركوك ووصل إلى السليمانية. هل شاركت في الهجوم الذي شنه الجيش العراقي على مناطق كوردستان؟
صباح الحمداني: لحسن الحظ كنت قد اشتريت منزلاً في الموصل وبعت منزلي في كركوك. بعته بثمن رخيص لعربي، فيما يبلغ ثمنه اليوم مليار دينار، لأنه كان خلف فندق الصنوبر، وتحول إلى عمارات في الوقت الحاضر..
رووداو: لمن بعته؟
صباح الحمداني: لعربي طبعاً. فقط العربي كان بامكانه الشراء مني. بعته بثمن رخيص. المهم، كنت قد اشتريت منزلاً في الموصل لحسن الحظ. غادرت إلى الموصل لكن الأثاث كان لا يزال في منزل كركوك. أرادوا تكسير الأثاث. جاءني أحد الاخوة الكورد الذي عرفني دون أن اعرفه، وقال إن هذا البيت محمي من قبل رستم كركوكي. أرادوا تكسير الأبواب والدخول..
رووداو: لماذا؟ هل كنت تعرف (مام رستم)؟
صباح الحمداني: لم أكن أعرفه لكن ذلك الرجل كان يعرفه، وكتب على باب بيتي إن البيت محمي بأمر المحافظ رستم كركوكي. ذهبت لجلب الأثاث بعد تحرير كركوك من البيشمركة، أتحدث بتعابير النظام، وفي وقت كانت جثث القتلى لا تزال في الشوارع. اصطحبت شاحنة من الموصل مرتدياً الزي العسكري. لم يكن هناك عمال، وساعدني الجيران في تحميل الأثاث. كانوا أناساً طيبين من الكورد والعرب والتركمان. اعتذروا لاستخدام برميل نفط كان في البيت، وتحدثوا عما حدث عندما أراد البيشمركة أو أخرون اقتحام البيت لنهبه، لكن شخصاً ما تدخل وأوقف النهب وكتب على باب بيتي. الشخص عرفته لاحقاً، وأنقذته مع سيارته بعد حوالي أسبوعين تقريباً. كان محتجزاً في السيطرة. صاح بي.. عثمان، عمر واخوانهم. كانوا من جيراننا. قلت للنقيب سعد الذي كان مسؤول الأمن في السيطرة بأنني أعرفهم. قال إن كنت تعرفهم يمكنك اطلاق سراحهم من الحجز، كما أفرجت عن سيارتهم. كانوا من كركوك ولايزالان هناك.
رووداو: هل لا تزال علاقاتك معهما قائمة؟
صباح الحمداني: ذكرتهما عدة مرات، واتمنى أن يتصلا بي.
رووداو: إلى متى بقيت في الخدمة العسكرية؟
صباح الحمداني: رجعت إلى السليمانية بعد التحرير..
رووداو: عدت من جديد إلى السليمانية؟
صباح الحمداني: نعم، في اليوم الذي اطلقت فيه سراح عثمان وعمر واخوانهما من الحجز الذي أودى بالعشرات.. سيارتهم حجزت واعدم الكثير منهم.. شاركنا في عمل خير..
رووداو: بعد عودة الجيش العراقي إلى مناطق كوردستان. كلام للتاريخ، هل آذوا الأهالي؟
صباح الحمداني: تابعت الوضع في كركوك التي كانت تهمني، وكنت ساكناً فيها، روحي كانت تسكن فيها مع الناس، ولدي فيها اصدقاء كثيرون، مثل الحاج أنور كوبرلو التركماني الذي كان ابنه أحمد ضمن من قبض عليم واعدموا في التون كوبري.
رووداو: هل جاء انسحاب البيشمركة من تلك المناطق كنتيجة للقتال، أم أن الأمريكان أعطوا لصدام الضوء الأخضر وسمحوا له بالعودة إلى كركوك؟
صباح الحمداني: حصل على الضوء الأخضر خلال الاجتماع الذي عقد في خيمة صفوان. النظام طلب منهم السماح له بتحليق الطائرات المروحية فقط. لكن شاهدت بنفسي طائرات حربية مسلحة تحلق فوق السليمانية. أي خرقوا الاتفاق مع الأميركيين.
رووداو: بعد ذلك كنتم مجموعة خططت لاغتيال صدام، أين وكيف كنتم تريدون قتله، ومن هو صاحب الخطة؟
صباح الحمداني: كنا صديقين مقربين. أنا ورائد الأمن المتقاعد محمد ياسين النعيمي من أهالي الموصل، ولازال حي يرزق وقد يسمعني. كنا نبحث في هذا الأمر بعدما شاهدنا ما جرى. نهاية صدام حسين كانت خدمة للبلد. وبدأنا نفكر بأن قتل صدام حسين سيخلق مشكلة كبيرة في الجيش، سيحدث شيء كبير وسيمثل الشعرة التي قصمت ظهر البعير.
رووداو: في أي سنة كان ذلك؟
صباح الحمداني: في 1994. كنت حينها ممنوعاً من السفر لأن ضباط الأمن كانوا ممنوعين من السفر ل 6 سنوات بعد تقاعدهم، ولم يكن بإمكاني السفر للأردن، ولم يبق أمامنا سوى الشمال. قلت له سأذهب إلى الشمال مصطحباً العائلة.
رووداو: وماذا حل بمخططكم؟
صباح الحمداني: كانت الخطة تتضمن اختيار شقة فوق المحال التجارية التي تقابل المحافظة. يعرف أهل الموصل ذلك، هناك سوق ومحال تجارية مقابل المحافظة وفنادق أيضاً أو شقق. كنا نعتزم ايجار إحدى الشقق وجلب بندقية قنص والتناوب على التواجد بالشقة، وعند قدوم صدام حسين نقلته. هذا الذي فكرنا فيه بجد.
رووداو: هل كانت لديكم معلومات عن أن صدام سيأتي إلى الموصل؟
صباح الحمداني: في 1994 كان صدام لا يزال يتحرك. بعد 1996 بدأ صدام ينكفئ إلى داخل القصور وأماكن لا أحد يعرفها. كانت خطتنا مبينة على هذا الأساس.
رووداو: وهل جاء صدام إلى الموصل؟
صباح الحمداني: في تلك الفترة؟ نعم، جاء..
رووداو: لا، بعد أن وضعتم الخطة، كانت له زيارة إلى الموصل؟
صباح الحمداني: كلا. لكن توقعنا أن يزور الموصل، وخططنا للتحرك بأسرع وقت. قلت له (الرائد المتقاعد) سأغادر مع العائلة إلى الشمال وأحاول ترتيب الأمور. إذا تمكنت من ذلك، سنتواصل ونكمل المخطط. رحلت حسب الاتفاق وساهم هو في عملية خروجي ووصولي إلى أراضي كوردستان بعد عبور الزاب، وبدات الاتصال بالمعارضة التي خشيت مني، ولم ترغب بضمي لصفوفها أساساً.
رووداو: هل تواصلت مع المعارضة؟
صباح الحمداني: لم أتحدث مع أحدث حتى جاءتنا زوجة محمد ياسين بعد مرور شهر إلى دهوك التي سكنت فيها، وطلبت منها أن تبلغه تحياتي وتقول له بأن هذا الأمر (قتل صدام) لن يتم، لا يوجد من يرحب بنا، وعادت إلى الموصل في ذلك الحين.
رووداو: لكنك تحدثت عن المعارضة. ما سبب رفضهم قبولك؟
صباح الحمداني: ذهبت إلى (مصيف) صلاح الدين والتقيت بأحمد الجلبي، لكن اللقاء كان سريعاً جداً. كنت جالساً لدى سكرتيره أو مدير مكبته آراس. خرج من مكتبه وألقى التحية من بعيد دون أن يقترب مني، ربما خشي من أن أضربه. ترددت على المكان ثلاثة أيام وخلال تلك الفترة التقيت كريم سنجاري أيضاً.
رووداو: سنتحدث عن هذا فيما سيأتي. لكن هل كان بينكم وبين أحمد الجلبي حوار وتخاطب؟
صباح الحمداني: قال اتصل بنا السيد عبد مجيد (الخوئي) وسنتصل بك. كان كذباً. لا أحد تواصل معي كما لم يتقبلني أحد.
رووداو: وماذا كان السبب؟ هل أنهم لم يكونوا يثقون بك؟
صباح الحمداني: آراس (حبيب كريم) قال لي شخصياً، أنت ضابط في الأمن وسُني وبالتالي كيف تتوقع أن نثق بك. أي لا تتوقع منّا هذا الأمر. قال ذلك علناً رغم أني كنت أتردد عليه طول ثلاثة أيام. ذهبت مرة للقاء كريم سنجاري ومدير مكتبه. أثناء ترددي على آراس جاء وفيق السامرائي الذي كان يقوم بعملية الانقلاب على النظام. عندما سألني آراس، قالت له إنه ( وفيق السامرائي) كذّاب. كان وفيق السامرائي يتردد على آراس بهدف اجراء الاتصالات من الهاتف الذي كان موجوداً في الطابق الثاني من المبني بقادة الفيالق للقيام بثورة ضد صدام حسين، لكنه كان يقول إنه لا يستطيع الوصول اليهم.
رووداو: كنت تعرف وفيق السامرائي؟
صباح الحمداني: أعرفه لسمعته. سألوني في الحزب الديمقراطي الكوردستاني عنه. أشرت إلى ما ذكره عن قوله لصدام حسين إن الهزيمة التي تعرضنا لها أكبر هزيمة في التاريخ. أي خروجنا في الكويت. قلت لهم (للديمقراطي الكوردستاني) إنه يكذب. لا يمكن حتى لقصي أن يصف ما حصل بالهزيمة أمام صدام حسين، وبالتالي القصة غير حقيقة.
رووداو: عندما ذهبت إلى كريم سنجاري، هل أجروا معك أي تحقيق ليستلوا منك معلومات عن نظام البعث والأنفال والأمور الأخرى التي كانت عندك؟
صباح الحمداني: لم يحدث ذلك نهائياً. تعارف فقط. الرجل رحب بي وقدم لي طلباً من الحزب الديمقراطي الكوردستاني في دهوك لحماية بيتي لحين مغادرتي. قلت له اريد المغادرة إلى أوروبا، ولم أتحدث بموضوع محاولة اغتيال صدام. توصلت إلى قناعة أن الجميع لا يستطيعون فعل شيء، وأن أفضل ما يمكنني القيام به هو المغادرة إلى تركيا ومن هناك إلى أوروبا بأي طريقة.
رووداو: كم من الوقت بقيت في دهوك، وكيف كان تعامل الناس معكم؟
صباح الحمداني: الحزب الديمقراطي الكوردستان كان متعاوناً جداً معي ويوفر لي الحماية بشكل غير مباشر عبر الطلب من الدوريات أن تؤمن بيتي. كان يسكن أمام بيتي عضو في الحزب الديمقراطي الكوردستاني. كان سورياً أو زوجته سورية، المهم كانت لديه حماية، ووفر لنا الكهرباء بعدما تعرف علي. مكثت عدة أشهر في دهوك ثم غادرت إلى زاخو التي مكثت فيها شهراً، وكانت لدي موافقة من كريم سنجاري تسمح لي بالمغادرة إلى تركيا والعودة، وفعلاً اصطحبت عائلتي وغادرنا إلى تركيا بدون عودة.
رووداو: أي أن التعامل معك في كوردستان كان جيداً بصورة عامة؟
صباح الحمداني: جيد جداً.
رووداو: وكانوا يعرفون أنك كنت ضابطاً في الأمن العراقي؟
صباح الحمداني: كانوا يعلمون. أخبرتهم بحقيقتي وقدمت لهم خلاصة.
رووداو: هل زودت الديمقراطي الكوردستاني بهذه المعلومات أم أعطيتها فقط لكريم سنجاري؟
صباح الحمداني: للحزب الديمقراطي الكوردستاني وكريم سنجاري. كانوا يعرفون من أنا وعلاقتي، لكنهم رغبوا في تقديم المساعدة. قلت لهم إنني كنت أرغب بالعمل مع المعارضة لكنهم رفضوني، وها أنا أغادر، وغادرت.
رووداو: وهل انقطعت صلاتك بالمعارضة العراقية بعد ذلك؟
صباح الحمداني: نهائياً.
رووداو: ألم تعمل معهم؟
صباح الحمداني: لم يرغبوا بالتعاون معي. رفضوني.
رووداو: لكنك لم تكشف عن السبب..
صباح الحمداني: عدم الثقة. ضابط في الأمن، سُني من أهالي الموصل، كلها كانت مؤشرات سلبية، ولم يتقبلونني بصراحة.
رووداو: كيف حصلت على حق الإقامة في هولندا؟ وهل أخبرتهم بسيرتك المهنية وماضيك كله؟
صباح الحمداني: أبلغتهم بالحقيقة. كان عليّ أن اخبرهم بالحقيقة، فتحدثت عن عملي في الأمن، وقدمت تفاصيل في كل الأمور وحقيقة جرائم النظام.
تحدثت عن كل هذه الأمور، واتهمت النظام. ربما تحدثوا لاحقاً بما تحدثت به اليهم، وساهم في اسقاط النظام.
رووداو: قد يتساءل كثيرون لماذا لم تباشر بنشر هذه المعلومات قبل سقوط صدام؟
صباح الحمداني: نشرت الكثير من المعلومات. كانت لدي صفحة على الفيسبوك كانت تغلق بسبب الشكاوي الكثيرة. وافتح حساباً آخر ويغلق أيضاً. كنت اتحدث كثيراً. وانخرط بالعمل مع (نزار) الخزرجي بنية اسقاط النظام على طريقة الخزرجي الذي تواصل مع السعودية فيها وهي قصة طويلة، لا نستطيع أن نتعمق بها الآن.
رووداو: لماذا؟
صباح الحمداني: لأن الوقت لا يسمح بذلك..
رووداو: ماذا كانت خطته ولو بإيجاز؟ هل كان يريد القيام بانقلاب عسكري بمساندة أمريكية أم ماذا؟ ولماذا لم يفعل ذلك؟
صباح الحمداني: شكّل المجلس الأعلى للقوات المسلحة العراقية، وانضم اليه الكثير من الضباط والوجهاء. تواصل مع السعودية عندما اقتربت احداث 2003 كثيراً، واتفقوا على أن يقوموا بدعم الخزرجي، لاسقاط المحافظات السنية بانتفاضة بدل سقوطها بيد الجيش الأميركي، وبذلك تحمي نفسها من النهب والقتل، وكي يبقى قوام الجيش قائماً في المحافظات السنية. كانت تلك خطة تحركنا، لكن عندما وصلنا إلى المغرب، تخلى السعوديون عن الخزرجي، رغم أنهم دعموه بالمال الكثير في بادئ الأمر. اضطر واضطررنا معه للذهاب إلى سوريا التي تقينا فيها دعماً من الحكومة السورية ومن الإمارات. دعم الحكومة السورية لم يكن مالياً، إنما قدمت كل شيء، بعدما اقتنعوا بالفكرة بعد لقاء الخزرجي مع نائب الرئيس (السوري) عبد الحليم خدام. تخلت عنا الامارات أيضاً، ومنحوا الخزرجي فرصة اللجوء لديهم كي لا يستمر في هذا المشروع، ربما بتكليف من الأميركيين لتقويض هذا المخطط، لأن الخرزجي لو وصل الموصل، لالتحقت الكثير من القطعات العسكرية به وهو معارض، لكنهم رفضوا السماح للخزرجي وضباط الخزرجي بالوصول إلى الموصل أو إلى الرمادي أو صلاح الدين، ولهذا واجهنا صعوبات قوية جداً، بينها، اتصال المدعي العام الدنماركي بي وأنا في دمشق وهددني وهدد الخزرجي، بتسليمه فوراً كمجرم حرب بضغط من الحكومة الدنماركية، وانسحبت السعودية واتصل رئيس دولة الإمارات الذي كان رئيساً لأركان الجيش في حينه بالخزرجي أمامنا ودعاه للذهاب إلى الإمارات متعهداً بتوفير الحماية له، وابتعد عن هذا الأمر نهائياً، وانتهى مخطط إقامة أول اقليم سني في العراق الجديد.
رووداو: كان الخزرجي محتجزاً في الدانمارك لفترة بعد أن سجلت الجالية الكوردية شكوى ضده، كيف نفذ من ذلك؟
صباح الحمداني: المدعي العام الدنماركي تحدث معي شخصياً عبر مترجم لبناني، وقال لي؛ أنتم تتحملون مسؤولية لأنكم ساعدتكم الخزرجي في الهروب.. ساعدناه في الهروب..
رووداو: وأنت شهدت لصالح الخزرجي؟
صباح الحمداني: لم يطلب مني أحد الادلاء بشهادة، لكني اقول الحقيقة. فليتكلم هو. ننتظر منه ذلك لأنه يتكلم في الوقت الحالي. المهم، تهديد المدعي نُفذ. حاول المدعي العام الدنماركي بالتعاون مع المدعي العام الهولندي توجيه اتهامات لي، لكن محامياً هولندا أسكت الجميع بعذر قوي وغلق الموضوع بشكل نهائي. زوجة الخزرجي كانت تقيم لدينا في هولندا وكان جهاز مخابراتهم كشف ذلك من خلال اتصالاته (الخزرجي) مع عائلته، وبالتالي صار الضغط موجهاً نحوي مع اتهامات بمساهمتي في تهريبه وتهريب عائلته. وحمداً لله تخلصنا من تلك الاتهامات.
رووداو: كيف نجوت من ذلك؟ وهل ساعدته حقاً على الخروج من الدانمارك؟
صباح الحمداني: شرحت الأمر للمحامي الهولندي بيتر فان كليف الذي توفى لاحقاً. في ذلك الوقت بدأ المدعي العام الدنماركي يتحرك ضدي عبر وزارة العدل الهولندية. قال (المحامي) إن الأمر ليس ذي شأن. كتب تقريراً بصفته محامياً للاجئين. كان إنساناً بكل معنى الكلمة ولا يتقاضى أجراً من اللاجئين. أعرب في مذكرة عن استعدادنا للتعاون مع السلطات مقابل مليون يورو. ادفعوا ميلون يورو لصباح الحمداني لتحصلوا على كل تفاصيل خروج الخزرجي من الدنمارك. كانت حجة قوية جداً والتزمت وزارة العدل الهولندية والمدعيين العامين الهولندي والدنماركي بعد ذلك بالصمت. لم يكن بالإمكان أن أتخلص من الأمر لو لم أكن هولندياً.
رووداو: أي أن الدانمارك تخلت عن ملف الخزرجي من أجل مليون يورو، أم كانت هناك أمور أخرى وراء الستار؟
صباح الحمداني: تخلت عني كشاهد. لو كانوا ارادوا جلبه لكان بإمكانهم ذلك. حالياً هو في الإمارات وهم يعرفون ذلك، لكنهم يواجهون ضغطاً آخر أميركي – إماراتي كي لا يتسلموا الخزرجي.
رووداو: في حوار أجراه مؤخراً، عبّر الخزرجي عن تراجعه عن بعض مواقفه، وكان يبدو من كلامه أنه يدافع عن النظام العراقي السابق، ماذا تقولون عن هذا؟
صباح الحمداني: لا أثق بالعسكريين وتحديداً الضباط الكبار منهم، لأنهم كانوا مستفيدين، ولا يمكن أن يتحدثوا عن اشياء سلبية. لم يتكلم بالحقائق. فليتكم كما أتكلم أنا الآن. لا يستطيع. ليس بإمكانه قول الحقيقة.
رووداو: أي أنه لا يقول الحقيقة؟
صباح الحمداني: طبعاً لا يقول الحقيقة. جزء من الحقيقة. نعم، هو خرج ضد النظام، لكنه كان أيضاً جزءاً مهماً منه.
رووداو: سؤالنا الأخير في حوارنا المطول هذا: هل أن زملاءك الضباط الباقون الآن، قسم منهم في العراق وقد يكون قسم في بلاد أخريات، راضون عن إدلائك بشهاداتك هذه؟ أو، هل تعرضت لتهديد من أحد على خلفية تصريحاتك هذه؟
صباح الحمداني: اتلقى تهديدات كثيرة عن طريق القناة (يوتيوب) ورسائل، فتحوا حسابات على الفيسبوك تعمل ضدي وضد عائلتي، وطعنوا بعرضي. لا أخلاق لهم دائماً.
رووداو: هل تعرضت للتهديد بالقتل؟
صباح الحمداني: في قناتي أرفض الطعن بعرض صدام حسين، واقول لهم أنا لا أخوض في شرف الناس. نحن هنا نقاتل بشجاعة، لكنهم لا يقاتلون بشجاعة. هم أناس عديمو الشرف، لذلك وصلوا إلى مرحلة الطعن بشرفي وبعائلتي. هناك بعض الأصدقاء الذين يخشون الكلام. قد يوصلوا لي بعض المعلومات التي أتكلم بها، لكنهم لم يصلوا مرحلة يتكلمون فيها بحرية. ربما أتحدث لكوني أملك الجنسية الهولندية والقوة التي أشعر بها والعمل ضد النظام الذي قمت به، وكل ذلك شجّعني على أن أقول ما لم يقله أحد.
رووداو: هل فرحت بإعدام صدام حسين؟
صباح الحمداني: خاصة عندما أعدمه هؤلاء. قلت ذلك. فرحت لأنه أعدم بيد أحقر الناس. لم أكن أريد أن يعدم بيد رجال يقومون بثورة ويسقطوه وبإمكانهم أن ينفذوا بحقه اعداماً حقيقياً. هؤلاء يشبهونه تماماً. ربما أسوأ منه. لهذا نحن بعد 2003 أسوأ من ما قبل 2003.[1]