=KTML_Bold=من وثائق الصراع على الجزيرة عام 1937-33- خالد عيسى=KTML_End=
خالد عيسى
بذلت و لا تزال تبذل الجهات العنصرية المتنفذة في سورية المساعي في سبيل تفكيك الوحدة الوطنية لضمان سيطرتها على مقدرات البلاد لحسابها و حساب عملائها من الأجانب، و ذلك بإثارة النزعات العنصرية بين مختلف مكونات الشعب السوري، فعملت و تعمل على حشد القوى غير الكردية في صراعها السلطوي لمسخ الوجود الكردي، من جهة، و من جهة ثانية تسعى إلى زعزعة وحدة الصف الكردي بكل ما تملكها من قوات و خدع، و من جهة ثالثة تستقوي بقوى أجنبية على الشعب الكردي.
ففي الوقت الذي تطالب القوى الوطنية الكردية بحل سلمي و عادل للقضية الكردية، تتنكر السلطات السورية لوجود الشعب الكردي و لحقوقه المشروعة، و تستمر في شن العمليات القمعية دعماً لسياساتها العنصرية، و بغية إضعاف الحركة الوطنية الديمقراطية في البلاد، تسعى إلى تحويل الصراع إلى صراع كردي عربي من جهة، و إلى تفكيك صف الحركة الوطنية الكردية، بجر بعض العناصر و الجماعات الكردية إلى مواقعها اللاوطنية.
فتدعي السلطات السورية بهتاناً بأن الحركة الكردية تستهدف انفصال المناطق الكردية عن سورية، و تلوح بالخطر الكردي المزعوم لإثارة المشاعر العنصرية لدى العناصر و القوى العربية، و تحاول في الوقت نفسه تدجين بعض العناصر و القوى الكردية، عن طريق اللعب على الانتماءات المناطقية و العشائرية و الفكرية لأبناء الشعب الكردي في سورية.
فتشدد حملاتها القمعية ضد سكان جبل الأكراد مرة و ضد سكان كوبانى أو سكان الجزيرة تارة أخرى، و تلجأ إلى محاولة الإيحاء بأنها تميز في التعامل الأمني بين التيارات الكردية التي تهتدي فكرياً بخط البرزانيين أو بخط الطالبني أو بخط أوجآلان، و في الحقيقة لا تميز السلطات السورية بين أي من التيارات المذكورة و غيرها، فبالنسبة لها، يشكل الأكراد كتلة بشرية متجانسة على أراضيها، و يجب تعريب هذه المناطق، و يجب إقصاء كل النخب الكردية و منعها من المشاركة في المؤسسات السياسية في البلاد.
و في الحقيقة منذ تشكل الكيانات التي تحولت إلى دولة سورية، لم تر فيها السلطات العروبية المناطق الكردية إلا كبقرة حلوب، و كمرتع لها و لوكلائها، و حاولت، كما تحاول حالياً، مسخ وجود الشعب الكردي و تهميش نخبته الوطنية، و الإيقاع بين مختلف مكوناته الاجتماعية و السياسية.
و ضمن إطار هذه السياسة، كانت تسعى الكتلة الوطنية إلى تأليب بعض العشائر العربية ضد العشائر و النخب الكردية، و كانت تبث الخلافات و الشقاق بين صفوف الكرد، لكي لا يتمكنوا من التمتع بالحكم الذاتي في مناطقهم، أسوة ببقية المناطق الخاضعة للانتداب الفرنسي، و لتمنع فيما بعد من اشتراك الكرد في الحياة السياسة بشكل منصف. و تبدو اليوم ملامح سياسة متطابقة لتلك السياسة العنصرية الغادرة بحق الشعب الكردية.
ففي الوقت الذي كانت تشتد فيه الحركة الشعبية المطالبة بالحكم الذاتي في المناطق الكردية عام 1937، كانت الكتلة الوطنية، بهدف الاستئثار بحكم هذه المناطق و بخيراتها، تستعمل الوعد و الوعيد لجر أطياف كردية إلى معسكرها لعزل الحركة القومية و إضعافها، و تتبع السلطات السورية الحالية سياسة مشابهة لتلك السياسة، ففي الوقت الذي يعاني الشعب الكردي من الاضطهاد الثقافي و الاقتصادي و السياسي، و تتعرض نخبته الوطنية إلى أشد أنواع القمع، تتمنع هذه السلطات في الشروع في فتح باب الحوار من أجل إيجاد حل سلمي و ديمقراطي ضمن الإطار الوطني، و تعتمد على الأساليب المخابراتية و القمعية في التعامل مع هذه القضية العادلة، و تستقوي بالقوى الأجنبية على الشعب الكردي و نخبته الوطنية، وبذلك تستهدف المصالح العليا للبلاد.
سنستمر في نشر بعض الوثائق المتعلقة بالحركة الشعبية المطالبة بالحكم الذاتي في الجزيرة في عام 1937 ، نترجم في هذه الحلقة وثيقة فرنسية، مرسلة في الخامس عشر من شهر أيلول عام 1937، و وثيقة ثانية مرسلة في الثامن عشر من الشهر نفسه، من قبل مدير الأمن العام، المفتش العام للشرطة، إلى وزارة الخارجية الفرنسية في باريس. و تبين هاتان الوثيقتان كيف أن سلطات دمشق العروبية كانت تبث الشقاق و العداوة بين مختلف مكونات الشعب الكردي في منطقة جبل الأكراد.
****
(الوثيقة الأولى)
الأمن العام
بيروت في 15-09-1937
معلومة رقم 4855
أمن حلب : 13-9-37.-
آ/س- اشتباك دموي بين المريدين ( الوطنيين) و الأكراد (الانفصاليين) في كرد-داغ :
في ليلة الثامن عشر – التاسع عشر من الشهر الجاري، في منصف الليل، وقع اشتباك جدي في تجتل-كوي (كرد-داغ)، بين االمريديين ( من أنصار الوطنيين)(1) و الكرد (الانفصاليين)(2).
تم قتل ثلاثة من المردين و اثنان من الكرد.
حسب المعلومات الأولية الواردة إلى الإدارة، يبدو أن المردين هم الذين هجموا.
توقيع
مدير الأمن العام
المفتش العام لشرطة دول المشرق الخاضعة للانتداب الفرنسي
****
(الوثيقة الثانية)
الأمن العام
بيروت في 18-09-1937
معلومة رقم 4905
أمن حلب : 15-9-37.-
آ/س- اشتباك دموي بين المريدين و الأكراد) في كرد-داغ :
يتأكد، من مصدرين جدّيين، بأن الاعتداء الذي تم ارتكابه من قبل المريدين في قرية تجتل- كوي كان موجهاً ضد سيدود يكو زعيم الأكراد الاستقلاليين.
وتم إخطار الكرد من قبل ابن سيدو ديكو نفسه.
أكد شاهد بأن أحد المريدين الذي كان مصاباً بجروح خطيرة، أعترف، قبل أن يموت، بأنهم، لمهاجمة تجتل-كوي، كانوا مدفوعين من قبل علي غالب، و شيخ حنيفة، و حسين عوني، وذلك عقب اجتماع انعقد برئاسة شخص من حلب، كان يجهل الجريح أسمه (3).
من طرف آخر، يزعم مسافرون قادمون من ميدان اكبس، بأنه يقوم الطرفان، المريدون و الكرد، بتحضيرات حازمة، و بأنه يخشى من وقوع مواجهة عنيفة.
توقيع
مدير الأمن العام
المفتش العام لشرطة دول المشرق الخاضعة للانتداب الفرنسي
****
ملاحظات المترجم:
(1)- من أنصار الكتلة الوطنية.
(2)- من أنصار الحكم الذاتي للمناطق الكردية.
(3)- إشارة إلى مسؤول في الكتلة الوطنية.
يتبع[1]