=KTML_Bold=هجرة الشباب الكردي=KTML_End=
#بير رستم#
إننا نجد كل فترة يتم إثارة موضوع الهجرة، وبالأخص هجرة الشباب من مناطق الإدارة الذاتية، بل حتى من إقليم كردستان أيضاً، ومحاولة كل طرف الطعن في سياسات الآخر من خلال مشكلة الهجرة، متناسين بأن؛ إشكالية الهجرة ليست بجديدة على واقعنا وثقافتنا وإنما تعود بجذورها لما قبل الأزمة السورية بسنوات وعقود وأن مسألة “الحلم الأوربي والجنة الموعودة” كانت تراود أحلام أي شاب؛ إن كان لأجل الدراسة والمال في تحسين الأوضاع المعيشية له ولأسرته أو بهدف العلاقات الجنسية والنساء الشقراوات البيض. وبالتالي فالقضية ليست وليدة اليوم والأزمة السورية، لكنها أزدادت بدرجة كبيرة خلال السنوات الماضية وبطريقة وصلت لحد الاستنزاف للطاقة البشرية، وبالأخص الطاقة الشبابية، وهذه بالتأكيد لها أسبابها والتي أفرزتها ظروف الأزمة والحرب السورية حيث باتت الأوضاع كارثية معيشياً وأمنياً والتي يمكن تلخيصها وتوضيحها -أي قضية الهجرة- بعدد من النقاط أو الأسباب والتي يمكن أن نضيفها إلى “أحلامنا الشرقية” الواهمة عن الغرب و”الحياة في الجنان الموعودة” وتلك الأسباب بقناعتي هي:
1- غياب الأمن في ظروف الحرب والمقتلة السورية، كما قلنا، حيث غياب الحالة الأمنية واستقرار حياة الناس في ظل ظروف الصراع الداخلي الأهلي الميليشاوي بحيث باتت المناطق وسكانها تحت تهديد طائفي ميليشاوي حزبوي وحتى عصاباتي لمجاميع زعرانة هدفها السرقة وترويع الناس، ناهيكم عن التفجيرات والبراميل والقصف اليومي بحيث بات الناس يخافون على حياتهم وحياة عوائلهم وبالتالي لم يكن هناك إلا الفرار والهجرة خوفاً على البقاء وكانت في البداية الهجرات الداخلية من منطقة توتر وصراعات للمناطق الأقل توتراً، كما حصل مع أهلنا في حلب وذلك عندما توجهوا لعفرين مع بدايات الأحداث في عام 2013م ومن ثم وبعد أن طالت الأزمة وباتت الحياة حتى في الريف غير آمنة نتيجة القصف أو تهديد الجماعات الراديكالية الإسلامية مثل “داعش” وغيرها، بدأت الهجرة لدول الجوار.
2- تدهور الحالة المعيشية وفقدان وظائفهم وأعمالهم بحيث بات الكثير من العائلات غير قادرة على تأمين لقمة العيش وخاصةً أبناء المدن، مما أجبر الكثيرين للجوء إلى الريف حيث الأهل وبعض الموارد الطبيعية والتي قد تكفل بتأمين بعض الاحتياجات الضرورية ولكن وعندما نفدت تلك الموارد أو قلت بسبب التضخم السكاني والذي أحدثته الهجرة، فإن البعض قرر مغادرة تلك المناطق باتجاه الدول المجاورة مثل تركيا، لبنان، الأردن وإقليم كردستان.
3- إطالة الأزمة وفقدان الأمل لدى غالبية السوريين والبحث عن بلدان ودول لاستقرار حياتهم وتأمين احتياجات أبنائهم من عيش كريم وآمن مستقر وكذلك لاستكمال دراستهم وتخصصهم في المجالات العلمية المختلفة حيث دراسة الأبناء ومستقبلهم ساهم هو الآخر بشكل كبير في قضية الهجرة.
4- بالإضافة إلى ما سبق فإن هناك بعض الأسباب الخاصة المتعلقة بثقافتنا الشرقية، كما قلنا سابقاً والنابعة عن أن الغرب هي “الجنة الموعودة” والتي يحلم به أي شاب شرقي، بل أي كائن شرقي حيث سبق وذكرنا ذلك في المقدمة.
5- أما بخصوص الحالة الكردية وإضافةً لما سبق وقلناه من النقاط والأسباب؛ فإن قضية الصراعات الحزبية الداخلية جعلت المنطقة تستنزف طاقاتها البشرية حيث الخلاف الحزبي ومحاولة كل طرف أن يفشل الآخر سياسياً، جعلنا نخسر الكثير من النسبة البشرية. وللتوضيح أكثر نقول؛ بأن جماعة البارزانيين حاولوا أن يبرهنوا لجماعة الآبوجية، بأن الناس تهرب منكم! ولذلك حاولوا -وما زالوا- بث إعلام مكثف لشيطنة سياسات الآبوجيين وبأن الحياة لا تطاق تحت نفوذهم، وقد ساهمت في ترويج تلك الدعايات الكثير من الأخطاء السياسية التي وقعت بها الإدارة الذاتية وبالأخص في مرحلة البدايات من قضية ملاحقة كوادر الأحزاب المنضوية تحت كيان المجلس الوطني بحيث وصلت الأمور لتصفية بعض الكوادر أو اعتقالهم واختفائهم وصولاً لقضية الخدمة الإلزامية وقضية المناهج والتي وللأسف ساهم جماعة المجلس الوطني وبطريقة مقصودة لتشويه القضية مع العلم؛ أن تأسيس أي شخصية وطنية تنطلق من قضية اللغة والمناهج الدراسية. وأيضاً قضايا أخرى كثيرة ساهمت في التهجير؛ منها تتعلق بالتهديدات التركية -ومعها تهديدات الجماعات الإسلامية الردايكالية- للمنطقة وسكانها بحيث بات الناس يعيشون تحت شرط التهجير القسري وقد حصل فعلاً تهجير قسري لشعبنا من المناطق التي احتلتها تركيا مع جماعاتها الراديكالية الميليشاوية.
وآخراً وليس أخيراً وبخصوص هجرة الكرد، علينا أن لا ننسى شرطاً أو سبباً آخراً مهماً يجعل الكردي يترك أرضه وبيته، بل يبيعه بأرخص الأثمان لكي يلجأ لدول الشتات؛ ألا وهي قضية غياب مفهوم الوطنية في ثقافتنا وذاك يعود لغياب الكيان الوطني تاريخياً حيث غياب الشيء يجعلك تفقد شعور الاحساس بذاك الكائن، مثل غياب الأب في حياة طفل ما سيفقده شعور الأبوة وما معنى أن يكون هناك أب للإنسان. وهكذا فإن غياب الدولة الكردية نتيجة ظروف الاحتلال الطويل لكردستان جعلت قضية الوطنية تغيب عن الوعي الكردي الجمعي حيث الدول التي تقتسم الجغرافية الكردية تعتبر في وعي الانسان الكردي دول غاصبة محتلة وبالتالي لا تشعره بأي انتماء وطني، بل على العكس هي كيانات معادية في وعينا وثقافتنا السياسية ولذلك فمن السهل أن يهرب منها الإنسان لا أن يدافع عنها، كما وجدنا في الحالة الأوكرانية حيث ورغم قسوة الحرب بقي الشباب للدفاع عن وطنهم، بينما شبابنا هم أول من يريدون أن يهربوا من ساحات الوطن وذلك خوفاً من الخدمة الإلزامية والدفاع عن جغرافيته وكرامته وكرامة أهله، ناهيكم عن مفاهيم الحرية والاستقلال، بل الكثيرين ومنهم شخصيات وقيادية حزبية تسوق قضية الخدمة والدفاع الذاتي وكأنه دفاع عن الآبوجية ومشروعهم، بالرغم من أن الدول الغاصبة وعلى رأسها النظامين السوري والتركي ومعهم كل التيارات القومجية والإسلامية الراديكالية، يتهمون قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية ب”كيانات كردية انفصالية”.
وأخيراً علينا أن لا ننسى دور الدول الأوربية وبعض الدول الإقليمية في قضية الهجرة والتهجير السوري -وبالأخص الكردي- حيث دول إقليمية مثل تركيا ساهمت في التهجير وذلك نتيجة احتلالها لبعض المناطق الكردية وتهجير سكانها ضمن سياسات جينوسايد عرقية بهدف التغيير الهندسي البشري لتلك المناطق وذلك من خلال توطين العرب فيها بحيث يجعل هناك نوع من “سور بشري” تفصل جغرافيات كردستان على طرفي الحدود الدولية بين سوريا وتركيا والتي رسمت هي الأخرى بموجب اتفاقيات دولية وعلى حساب شعبنا وجغرافيته بحيث جعلت كردستان مقسمة ومحتلة بين دول وكيانات أربعة غاصبة. أما بخصوص الدول الأوربية فهي وللأسف لم تبادر لايجاد حل سياسي لانهاء الأزمة كي توقف النزف البشري من خلال هجرة الشعب السوري، بل بادرت بعض الدول مثل ألمانيا وغيرها -وربما لاحياجاتهم للموارد البشرية- إلى سياسات الاحتواء لأولئك المهجرين والمهاجرين حيث فتحت أبواب الهجرة لهم، مما ساهم في زيادة الاستنزاف السكاني وللأسف بحيث بات السوريين إحدى أكثر الجاليات التي تشاهد في الشتات الأوربي ولتكون الصدمة للكثيرين بحيث نصطدم بالواقع الأوربي ونجده كابوساً حقيقياً وليس ذاك “الحلم الوردي” الذي كان يراود خيالنا جميعاً!
كلمة أخيرة نود قولها؛ إن الاستنزاف السكاني لسوريا وتحديداً للمناطق الكردية لن يتوقف دون توفر شروط الحياة الآمنة وفي مقدمتها انتهاء المقتلة والحرب السورية والتوافق على حل سياسي سوري يجعل من البلد وطناً لكل السوريين وبقدر كامل من المساواة بين مختلف المواطنين وتحقيق حقوق كل مكوناتها في سوريا حرة ديمقراطية فيدرالية، لكن ربما وقبل تحقيق تلك “المعجزة” أن يكون بمقدور الأحزاب الكردية -وبالأخص الإدارة الذاتية- أن تخفف من تلك الهجرة وذلك من خلال العمل على تحسين الظروف الحياتية المعيشية وكذلك التخفيف من قضية الخلافات والصراعات الحزبية مع جماعة المجلس الوطني والبارزانيين بحيث تعطى مساحة حرية أفضل للنشاط السياسي، رغم معرفتنا أن ما يتوفر من مساحة حرية لجماعة المجلس لدى الإدارة هي أكثر بكثير مما يتوفر لها لدى ما تسميهم بحلفائها من جماعة تركيا والإخوان، بدليل إنها تريد أن تعقد مؤتمرها في قامشلو الخاضعة لنفوذ خصمها السياسي، بينما لا تجرؤ على عقد ندوة في مناطق نفوذ ما تسمى ب”المعارضة السورية” وتركيا وهي الحليفة معهم في كيان سياسي.. وآخر الكلام نقولها للجميع؛ الهجرة ليس هو الحل وأوروبا ليست هي الجنة الموعودة حيث أغلب شبابنا يشتغلون هنا في أوروبا بمهن وأعمال كانوا يرفضون حتى التفكير بأن يعملوا بها في سوريا![1]