=KTML_Bold=إعتقال أوجلان؛ هل كانت مؤامرة ضده أم ضد الكرد؟!=KTML_End=
#بير رستم#
عندما أعتقل أوجلان جاء أخي حسن -وهو أستاذ رياضيات ويصغرني بعامين- ليخبرني بالخبر، فكان ردي بشكل عفوي ومباشر: “تخلصنا من مستبد!”، طبعاً كان ذاك رأي وقناعتي بشخصية أوجلان من خلال متابعتي له ولسلوكه مع الآخرين وأعتقد بأنه كان يحاول الاقتداء بكل من ستالين وصدام والذي كان هو نفسه -أي صدام- معجباً بشخصية ستالين ويقلده في كل تصرفاته حتى اللباس والهندام والشوارب، ناهيكم عن الفكر الأيديولوجي والانضباط الثوري العسكريتاري، وقد أشرت لهذه القضية من قبل في عدد من البوستات والمقالات وأكدت في إحداها؛ بأن لو حظي أوجلان مثل ستالين وصدام بحكومة وكيان سياسي لأعاد تجربة كل من الرجلين في مسألة الاستبداد والديكتاتورية وقمع الحريات؛ يعني كيان سياسي أقرب لجمهوريات الرعب التي أنشأها أولئك الطغاة المستبدين، لكن ما أنقذ الرجل -أي أوجلان- هو أمران؛ أولاً سنوات السجن الطويلة خلف قضبان زنازين عتاة ومستبدين آخرين، ألا وهي الحكومات التركية المتعاقبة بحيث بات أحد أكثر القادة الذين يقضون سنوات في السجن. وتالياً أو الأمر الآخر والذي أنقذه من ذاك المصير المحتوم هو نتاجه الفكري السياسي داخل سجنه وزنزانته بحيث نقلته من زعيم أوحد أقرب لشخصية “الأنبياء والقديسين”، بل لآلهة أمون حيث السجود له إلى شخصية روحية ثقافية فكرية مؤسسة لفكر سياسي جديد نتجت عنها مدرسة فكرية لأول مرة يكون الكرد قادتها؛ ألا وهي التي تسمى ب”الأمة الديمقراطية وأخوة الشعوب” ورداً على الأمتين الإسلامية والإشتراكية.
إنني حاولت في المقدمة السابقة إيجاز قراءتي لشخصية أوجلان وسلوكه الشخصي والسياسي مع الأتباع والآخرين عموماً رغم أن تلك المقدمة لا تكفي الإيفاء بحق الرجل، بل ربما يحتاج أحدنا لأبحاث ودراسات مطولة ومفصلة بهذا الشأن، لكن فقط كان ذلك نوع من التعريف السريع به وبموقفي منه وللتأكيد بأنني لست ممن يقدمون السجود لأحد حيث لا مقدسات وزعامات وآلهة وأنبياء لدي، بل أنظر لمختلف القضايا والأمور وكذلك الشخصيات نظرة نسبية حيث لكل منها جانبها المضيء كما لها جانبها المظلم وأوجلان لن يكون الاستثناء حيث للرجل محاسنه ومساوئه مثله مثل أي زعيم وقيادي سياسي آخر والاختلاف هي بالدرجة بين هذا وذاك.. المهم وبعد أكثر من عقدين من اعتقال أوجلان هل كنت محقاً في قولي السابق بخصوص اعتقاله؟ أعتقد حينذاك ربما نعم ولكن وبعد كل هذه السنوات وبقناعتي كان من الأفضل لنا، كشعب وقضية كردية، لو بقي خارج السجن ليس ضمن جغرافية الشرق -خاصةً بعد إخراجه من سوريا- ولا حتى في جبال كردستان وقنديل، بل لاجئاً في دولة أوربية حيث لو بقي في إحدى دول الشرق من جمهوريات الرعب والاستبداد أو حتى لجأ إلى جبال كردستان والالتحاق بقنديل، لربما دخلنا في نفق أكثر ظلاماً والعديد من الحروب الداخلية والمزيد من تكريس شخصية الزعيم الأوحد المستبد الطاغي، لكن لو تحصن في إحدى الدول الأوربية وأمتنع عن الخروج منها -وهو الذي وصل للعديد منها مثل ألمانيا، إيطاليا وهولندا ولا أعلم لما تركها وخاصةً قوانين هذه الدول لا تستطيع اعتقاله سياسياً- لكان أفضل لشعبنا ولقضيتنا حيث كانت حينها القضية الكردية أخذت بعداً دولياً ديمقراطياً، بدل الأيديولوجيا الثورية التي كانت تسير فيها المنظومة العمالية الكردستانية حينها وذلك قبل النقلة الجديدة صوب مشروع الأمة الديمقراطية.
بكل الأحوال فإن ما يحز في النفس أكثر، هو أن وبعد حوالي ربع قرن من اعتقال أوجلان (15 فبراير 1999) وقبله وضع حزب العمال الكردستاني على لائحة الإرهاب الدولي عام 1988 وذلك بعد عامين من مقتل رئيس الوزراء السويدي؛ “أولوف بالمه” عام 1986 وربطه بنشاط الكردستاني زوراً وهو ما أكدته المحكمة السويدية بعد سنوات ورغم ذلك أبقوا الكردستاني على تلك اللائحة وذلك نتيجة لقرار أمريكي وبطلب تركي طبعاً -حتى اعتقال أوجلان بعد عقد من الزمن جاء استكمالاً لتلك المؤامرة ليس فقط على أوجلان وإنما على القضية الكردية عموماً- نعم وللأسف ورغم كل هذه السنوات لم تقم الجهات الكردية، أحزاب ومؤسسات بحثية، بالوقوف بشكل دقيق ومفصل على هذه القضايا والتي جعلتنا نخسر الكثير حيث لو دققنا في المجريات والأحداث التي بدأت مع مقتل رئيس الوزراء السويدي وكيف أن كل الدلائل والإشارات كانت تؤكد على تورط أحد السويديين بالعملية؛ “ستيغ أنغستروم” والمعروف ب”رجل سكانديا” -سكانديا مان- إلا أن رئيس التحقيق طمس مع رجاله كل الدلائل والوثائق ليتهم الكردستاني وبقرار أمريكي ليتم بعدها وضع الحزب على لائحة الإرهاب حيث كان الصراع بين المعسكرين؛ الغربي الرأسمالي والشرقي الإشتراكي في ذروته ضمن سياق ما عرفت ب”الحرب الباردة” وكانت تركيا حليفة هامة في إستراتيجيات الصراع بين الفريقين وضمن “حلف الناتو” وكان من الطبيعي أن تلبي كل من أمريكا وكذلك إسرائيل ودورها في عملية الاعتقال لأوجلان في نيروبي – كينيا عام 1999 حلقة متكاملة لضرب الكردستاني وإرضاءً لتركيا وكانت ضربة قوية ليس فقط لأوجلان وحزبه وإنما لمجمل القضية الكردية وللأسف.
موجز القول؛ إن اعتقال أوجلان جاء لاستكمال حلقة الخنق على القضية الكردية في باكورى “شمال” كردستان -أي تركيا- حيث بدأت المؤامرة منذ ربط اغتيال بالمه؛ رئيس الوزراء السويدي بالكردستاني ووضعه على لائحة الإرهاب -بالمناسبة وبعد استبعاد التهمة عن الكردستاني على هذا الأخير أن يطالب الحكومة السويدية بالتعويض المادي والمعنوي، وكذلك يطالب الأوربيين والأمريكيين برفع اسمه من لائحة الإرهاب- وللأسف ساهمت فيها دوائر كثيرة وبالأخص الموساد الإسرائيلي بخصوص قضية الاعتقال لأوجلان وبالتالي كان على الحزب تشكيل فريق قانوني لمتابعة القضية ومطالبة كل الأطراف بالتعويضين المادي والمعنوي وأولها رفع اسم الحزب من لائحة الإرهاب، كما قلنا حيث نعلم جميعاً بأن القرار كان بالأساس ظالماً كيدياً وسياسياً وليس نتجة لتورط الكردستاني في جرائم إرهابية دولية بالرغم من الكثير من أخطائه وسلوكياته القمعية مع أعضائه أو مع قوى وأحزاب كردستانية أخرى، لكنه لم يتورط بأعمال إرهابية دولية أو على الأقل لم تثبت عليه حتى تلك التي أدعوها؛ قضية مقتل بالمه.. أما القضية الأخرى فهي إننا نؤكد بأن إنكسار أي حزب كردستاني وفي أي جزء هو ليس خسارة لذاك الحزب وأعضائه فقط، بل خسارة سياسية لعموم كردستان وابنائها وعلينا وفق هذه الإستراتيجية أن نتحرك وإلا ستكون خسائرنا كثيرة ودائمة. وهكذا فإن قضية إعتقال أوجلان ووضع الكردستاني على لائحة الإرهاب ليست فقط خسارة لطرف حزبي وإنما كانت خسارة للقضية الكردية عموماً![1]