=KTML_Bold=ولكن لماذا هذا التباكي المفرط على معاهدة – سيفر – ؟ – صلاح بدرالدين=KTML_End=
#صلاح بدرالدين#
تعتبر هذه المعاهدة التي مرت عليها اكثر من مائة عام ، في سياق سلسلة من الاتفاقيات الدولية التي ابرمتها وفرضتها قوى التحالف المنتصرة في الحرب العالمية الأولى على المانيا ، وحليفتها الإمبراطورية العثمانية ، التي دفعت الأخيرة أيضا الثمن الباهظ بقبول التخلي عن جميع الأراضي العثمانية التي يتواجد فيها غير الاتراك ، حيث اخضعت فلسطين والعراق للانتداب البريطاني ، ولبنان وسوريا للانتداب الفرنسي ، وقبل ذلك تم التوقيع على معاهدة – فرساي – مع الإمبراطورية الألمانية ، وإلغاء كل امتيازاتها في المجال العثماني ، كما ابرم اتفاق سري بين كل من ( بريطانيا وفرنسا ، وإيطاليا ) ، تم بموجبه توزيع مناطق النفوذ ، والمصالح التجارية في تركة – الرجل المريض – بينها .
والى جانب فصل الولايات العربية عن الدولة العثمانية، حيث كما ذكرنا أخذت بريطانيا وفرنسا كلا من العراق والشام لتصبح خاضعة للانتداب، كما نصت الاتفاقية على وضع البوسفور والدردنيل تحت إدارة دولية، وعلى إعطاء جزر – دوديكانيسيا – لإيطاليا والتي كانت تحتلها بالفعل قبل الحرب العالمية الأولى .
اما بخصوص ( كردستان ) فقد اقتصر بشكل رئيسي على العراق، فقد جاء بالبنود ( 62 – 63 – 64 ) من الفقرة الثالثة بوجوب اجراء استفتاء لتقرير مصير إقليم كردستان العراق أو ولاية الموصل كما سميت ، ولم يحصل حينها اتفاق بين كرد العراق بهذا الصدد ولم يجري الاسفتاء ، وطويت الصفحة ، ولكن ممثل الكرد في مؤتمر السلام الجنرال شريف باشا طرح تصوره لتقرير مصير كردستان ، ونشر خريطة أيضا ، تظهر فيها كردستان تركيا ، وقسما كبيرا من كردستان العراق ، وجزء صغيرا جدا من كردستان سوريا ، وغياب كردستان ايران بالكامل .
ولم تجري الأمور كما نصت عليها المعاهدة حتى بخصوص اقليم كردستان العراق ، كما رفضت خارطة شريف باشا أيضا ، قبل ان ترفض القوى القومية بزعامة كمال اتاتورك كل المعاهدة بشدة ، وبدات حرب ( الاستقلال ) واستولت على مقاليد السلطة على انقاض الإمبراطورية وأعلنت – الجمهورية التركية – ونقلت العاصمة الى – انقرة – بدلا من القسطنطينية – استانبول – وادت التطورات الى الغاء معاهدة سيفر ، وابرام معاهدة لوزان حيث تم التوقيع عليها واعتمادها ( 1923 – 1924 ) الى جانب سعي – الجمهورية – في تحسين العلاقات مع – الاتحاد السوفييتي – السابق ، وإيطاليا ، والدول الأوروبية الأخرى .
لماذا يتباكى بعض الكرد على معاهدة سيفر ؟
1 – لااعلم هل ان المتباكين على اطلالها على دراية تامة ببنودها المتشعبة ؟ ولنفترض مجازا ان الامر كذلك ونتساءل : فاذا كان بين هؤلاء من دعاة تشكيل كردستان التاريخية الكبرى ، فان بنود المعاهدة ، تقتصر على كردستان العراق فقط ، حتى خارطة الجنرال شريف باشا التي رفضت حينها من الموقعين على المعاهدة لاتشمل كل الأجزاء ، والمناطق ، واذا كانوا من كرد سوريا فان المعاهدة لاتشمل كل المناطق الكردية السورية بل يمكن ان تضم ماسميت حينها بمنقار البطة ، أي – ديريك ، وعين ديوار – والمنطقة الملاصقة لكردستان العراق .
2 – من الغرابة بمكان العودة مائة عام الى الوراء ، والتمسك بمعاهدة الغيت بعد عامين من ابرامها ، ولم تطبق بكل مايتعلق بالكرد ، في حين يمكن المطالبة الان بما هو اكثر من بنود المعاهدة الملغية على أساس مبادئ هيئة الأمم المتحدة ، وخصوصا مبدا حق تقرير المصير التي لم تكن حينها متوفرة او معتمدة .
3 – الدول المتنفذة حينها ( فرنسا – إنكلترا – إيطاليا ) والموقعة على معاهدة سيفر ، إضافة الى انها نفسها متواطئة ضد الكرد منذ معاهدة سايكس بيكو ( 1916 ) فانها لاتشكل الان قوى عظمى في ترتيب القوى الدولية حتى يركن اليها ، صحيح ان أنظمتها ديموقراطية لشعوبها ولكنها مازالت تتاجر بقضايا الشعوب ، وتبحث لها عن أسواق ، ومقاتلين للايجار ، وتتعامل مع مبدأ حق تقرير المصير ببراغماتية سياسية مصلحية .
4 – قد تكون المرة الأولى التي ذكرت فيها عبارة كردستان في معاهدة بين دول أوروبية التي انعشت المشاعر وهو امر بغاية الأهمية ولكن لم ينتج عن ذلك شيئا على ارض الواقع ، وفي هذا السياق يمكن القول ان مسالة كردستان لم تغب يوما من تداولات القوى الفاعلة على المسرحين الإقليمي ، والدولي حتى لو باشكال غير مباشرة ، منذ معركة – جالديران – بالقرن السادس عشر وحتى الان ، وعلى الاغلب ماطرح في مداولات معاهدة – سيفر – كان بجهود فردية من جانب الشخصية القومية المرموقة الجنرال – شريف باشا – الذي حورب ، وحوصر ، واهمل بعد ذلك من اكثر من طرف وجهة ، ( وقد سمعت من احد المطلعين انه توفي مشردا في احدى محطات المترو بباريس ) ، ومكان دفنه مازال مجهولا ومن الجدير ذكره وإزاء موضوعة الاستقلال الذي رفع لواءه الراحل شريف باشا ، فقد كان هناك في ذلك الوقت تيارا قوميا من متعلمين ، ووجهاء ، ورجال دين من بين النخبة المتنورة الكردية الموزعة بين استانبول والمدن الكبرى في كردستان تنادي با الحفاظ على الخلافة العثمانية ، والعيش ضمنها وسمي هؤلاء با ( الاوتونوميين ) ، وقد ظهر مايماثله لدى العرب آيضا .
5– اذا كان البعض يولي الأهمية الزائدة لمعاهدة – سيفر – واعتبارها في عداد المعاهدات الدولية النافذة ، فانها لم تصدر من ( عصبة الأمم ) مثلا كهيئة دولية معتبرة قامت عام ( 1919 ) قبل عام من المعاهدة ، حتى تكون وثيقة ذات شان في مصاف القرارات الملزمة ، والواجبة التنفيذ مهما طال الزمن ، ولكنها صدرت من دول رغم انها كانت قوية حينذاك ، كما لم توقع عليها لا الولايات المتحدة الامريكية ، ولا الاتحاد السوفييتي ، والهدف الأساسي للمعاهدة لم يكن خاصا بالقضية الكردية ، بل موجها بالأساس لألمانيا ، وللامبراطورية العثمانية من اجل تقطيع اوصالها ، والحد من وجود جنودها ، واداراتها في البلدان الأوروبية ، وكان لابد من بحث موضوعي الأرمن ، والكرد كقوميات مميزة تعيش تحت النير العثماني .
6 – من المستبعد جدا ونحن في بداية القرن الجديد ، وتعقيدات ، وتداخل القضايا الاقليمية ، والدولية ، واشتداد الصراع بين الأقطاب الى درجة المواجهات الحربية المحدودة المرشحة للتصعيد ، ان يحصل توافق دولي حول ( كردستان التاريخية الكبرى ) كسلة واحدة ، خاصة ونحن في مرحلة تتعزز العوامل الوطنية على حساب العوامل القومية ، وانشغال الحركات السياسية ( الأحزاب ) في كل جزء بامورها الخاصة او بعبارة أوضح بالصراعات البينية لمصالح الاجندات الخارجية حيث اضاعت البوصلة ، وتفتقر الى وضوح الرؤيا بشأن القضية القومية ، وسبل حل القضية الكردية ، هذا بالإضافة أيضا الى تفكك تلك الحركات ، وانقساماتها التي لاتؤهل غالبيتها بتحقيق أي انجاز قومي مهما كان طفيفا .
7 – هؤلاء يعتمدون في تباكيهم على – سيفر – على مقولة خاطئة يتم الترويج لها من مصادر غير معروفة ، وهي أن مفعول معاهدة لوزان التي ابطلت – سيفر – سينتهي بعد بلوغ مائة عام من تاريخ التوقيع عليها أي بعد عام من الان ، في حين أن نص المعاهدة بموادها كاملة وملاحقها لم يأت على ذكر سقف زمني لانتهائها ، ويتجاهلون حقيقة مثبتة في العلاقات الدولية، وهي أن معاهدة لوزان كأي معاهدة بين الدول تبقى سارية المفعول ما لم يُذكر فيها تاريخ انتهاء صلاحيتها .
8 – من المفارقات الملفتة ان الأحزاب الكردية دون استثناء ( ومن يلف لفها ) هي من تقف وراء تحويل مناسبة معاهدة لوزان الى – بكائيات – لعدم تشكل دولة كردستان ، وفي الوقت ذاته برامجها تخلو من الالتزام بحق تقرير المصير والاستقلال وغارقة في الانتماءات القطرية حتى الاذنين ، وترفض أي تعاون او تنسيق اخوي بين سائر الحركات الكردية في الاجزاء الأربعة بل انها متورطة في حروب الاخوة ، والمواجهات العدائية .[1]